اعتذار المغرب..الخلفيات والرهانات

الخميس 25/فبراير/2016 - 10:43 م
طباعة
 
اعتذر المغرب، في قرار غير مسبوق، عن احتضان أشغال الدورة العادية لجامعة الدول العربية. أعزى الباحثون موقفه إلى عدة أسباب، غير أنهم لم يثيروا القضية الفلسطينية بالرغم من أن بلاغ الاعتذار تحدث عن فلسطين بشكل ملفت ! فلِم أغفل الباحثون ذلك؟ وهل كانت القضية الفلسطينية السبب الرئيس لهذا الاعتذار؟
قبل إعلان المغرب يوم 19 فبراير 2016 تََعَذُّر استضافته الدورة 27 لجامعة الدول العربية، عرفت الدبلوماسية الخارجية حركة نشيطة تمثلت بلقاء وزير الخارجية المغربي الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي وبمراسلة السيسي ودعوته إلى زيارة المغرب. 
وبعد عودة وزير الخارجية إلى المغرب يوم 17 فبراير تريث يومين ثم أعلن رفض المغرب احتضان الدورة العادية  لجامعة الدول العربية التي أرجئ تنظيمها إلى 07 و08 من أبريل 2016. 
لكن المثير، وتزامنا بهذه الدينامية الدبلوماسية، نقلت يومية أخبار اليوم الوطنية في عدد يوم الأربعاء 17 أبريل 2016 خبرا عن القناة الثانية الإسرائيلية مفاده أن الملك بعث من يُجري وساطة بين عباس ونتنياهو. فهل ثمة علاقة بين مختلف هذه التطورات المتسارعة والمتزامنة؟
تؤكد هذه التطورات ارتباط الاعتذار والتطورات التي رافقته بما تشهده العلاقات الدولية من توتر وتقاطب لم يُشهد له مثيل.
إن هذا الوضع الاستثنائي، وما آل إليه الصراع الدولي، دفع المغرب إلى اتخاذ هذا القرار الاستثنائي بعد المشاورات التي أجراها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، فالقرار ليس فرديا ولا تؤطره رهانات وطنية بالأساس. 
فكان بلاغ الاعتذار قويا، إذ رفض أن تتحول القمة إلى "مجرد اجتماع مناسباتي"، ودعا إلى جعلها "قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية". كما رفض تمرير لقاء يكرس انطباعا خاطئا عن وحدة وتضامن دول العالم العربي، في غياب "قرارات هامة ومبادرات ملموسة" لمواجهة الوضع في "العراق أو اليمن أو سوريا التي تزداد أزماتها تعقيدا بسبب كثرة المناورات والأجندات الإقليمية والدولية". 
كما أفرد آخر البلاغ القضية الفلسطينية بفقرة مهمة قائلا: "لا يريد المغرب أن تعقد قمة بين ظهرانيه دون أن تُسهمَ في تقديم قيمة مضافة في سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهي قضية فلسطين والقدس الشريف، في وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنتهك فيه الحرمات ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين". 
وبعد نحت البلاغ مفهوما جديدا للعمل العربي المشترك حين تطلع إلى "عقد قمة الصحوة العربية"، نوه بمساهمة المغرب البناءة " في دعم المسار السياسي بليبيا والذي أفضى إلى اتفاق الصخيرات التاريخي وتشكيل حكومة وحدة وطنية في هذا البلد المغاربي الشقيق".
بالرغم من ورود هاتين الفقرتين في آخر البلاغ، فإنهما على قدر كبير من الأهمية، إذ تعبران عن الرهانات الكبرى للمغرب. طبعا هذا لا يلغي انشغال المغرب بباقي القضايا(سوريا واليمن...) فهو منخرط جديا في الصراع وعينه على اندحار حلف الإرهاب واللاستقرار وأعداء المشروعية الديمقراطية، لأن في ذلك تسريع لحل قضيته الوطنية(الصحراء المغربية).
كان المغرب باعتذاره يستحضر استحقاقين كبيرين؛ الأول ذاتي وطني، والثاني إسلامي دولي. فأما الأول يتمثل بمواجهة الأطراف التي تسعى إلى عرقلة مساعيه لإرساء الحل السياسي في ليبيا ولو لم يشر إلى ذلك صراحة في البلاغ. وأما الثاني فيجسده تأكيد انشغاله البالغ، رفقة الأشقاء، بتطورات القضية الفلسطينية والسعي إلى فرض حلها النهائي.
يبدو أن رحلة وزير الخارجية المغربي إلى مصر كانت تحمل ورقة موقف عربي موحد بخصوص قيام الدولة الفلسطينية باعتبار الدور الرئيس الذي تمثله مصر من خلال الجامعة وموقعها الجيوسياسي. وكان يرجى من القرار إثبات متانة الجسم العربي وتتويج جهد دولي أفضى إلى اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، ورفرفة رايتها بفضاء هيئة الأمم. لكن يبدو أن مصر لم تتفاعل إيجابيا بهذا القرار، وبمقدورها أن تسعى إلى إرباك الحل السياسي في ليبيا.
أما الوساطة المغربية بين عباس ونتنياهو، إن صحت، فهي تصب في ذات الاتجاه، إذ كانت تهدف إلى مباغثة إسرائيل وانتزاع موقف منها يقر- ولو سرا- بحل الدولتين، قبل أن تُفاجأ بقمة توحد العرب على موقف قوي تجاهها. لكن يبدو أن العلاقة بين إسرائيل والسيسي أقوى من أن تربكها مثل هذه المساعي.
من هنا تتضح دواعي استضافة السيسي المفاجئة من قبل المغرب، بعدما كان غير مرحب به رسميا وشعبيا طيلة الفترة السابقة. طبعا سيهتف مناضلو فايسبوك بانتصار عقب نشاطهم القوي المناهض للزيارة، لكن بعد قراءة الأحداث على هذا النحو، وبعد اعتذار المغرب عن استضافة القمة توقف المسار، فصارت زيارة السيسي من خبر كان. أما الصراع فسيشهد فصولا أعنف في الأيام القادمة خاصة على الأراضي الفلسطينية.  
 

شارك