البطريرك 70 غبريال بن تريك.. معرب الصلوات

الجمعة 22/فبراير/2019 - 03:27 م
طباعة البطريرك 70 غبريال
 
البابا غبريال الثاني البطريرك السبعون من باباوات الكرازة المرقسية الشهير بابن تريك. هذا البابا كان من كبار مدينة مصر وأراخنتها، وكان كاتبًا ناسخًا عالمًا فاضلًا ذا سيرة حميدة. وقد نسخ بيده كتبا كثيرة قبطية وعربية فوعي محتوياتها وفهم معانيها فاختاره مقدمو الشعب ورؤساؤهم لكرسي البطريركية، وتمت رسامته يوم 9 أمشير سنة 847 ش. (22 فبراير سنة 1131 م.)
وحدث أنه عندما صلي أول قداس في دير القديس مقاريوس كعادة البطاركة قديمًا أن أضاف علي الاعتراف الذي يتلى في آخر القداس بعد قوله "أؤمن وأعترف إلى النفس الأخير أن هذا جسد ابنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أخذه من سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم "هذه العبارة" وصيره واحدا مع لاهوته " فأنكرها عليه الرهبان خشية أن يفهم من ذلك أنه حصل امتزاج. وطلبوا منه تركها فامتنع قائلًا: "أنها أضيفت بقرار من مجمع الأساقفة" وبعد مباحثات طويلة تقرر إضافة هذه الجملة "بدون امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير"، وذلك خوفا من الوقوع في هرطقة أوطيخي فوافقهم علي ذلك.
ورسم في أيامه 53 أسقفا وكهنة كثيرين ووضع قوانين وأحكاما في المواريث وغيرها وتفاسير كثيرة ولم يعرف عنه أنه أخذ درهمًا واحدًا من أحد. ولا وضع يده علي شيء من أموال الكنائس ولا أوقاف الفقراء. ولما طالبه حاكم ذاك الوقت بمال جمع له الأراخنة ألف مثقال ذهب ودفعوها عنه. 
وهو من أهم البطاركة الذين جلسوا على الكرسي البطريركي في تلك الفترة، فهو أبو العلا صاعد بن تريك من مدينة مصر من عائلة قبطية عريقة، كان أبوه قسا وترحل، ورباه في أحصان الكنيسة، وعاش عيشة التقشف والزهد كما عاش أبوه، وكان يعمل في ديوان الإنشاء أيام الحافظ لدين الله الفاطمي، ووقع من نفسه موقعًا قريبًا، فكان متدينًا ومن كبار الموظفين في نفس الوقت، وكان رئيسه الوزير أحمد بن الأفضل حفيد بدر الجمالي، اتصف بالزهد والتقوى والورع والعطاء بسخاء وحفظ الكثير من الألحان وأجزاء من الكتب المقدسة بجانب عمله في الديوان الذي اشتهر عنه فيه الكفاءة وعفة اللسان وطهارة اليد.
وبعد وفاة البطريرك وكثرة اللغط والقيل والقال في البطريركية، ظل الكرسي شاغرا لأكثر من سنتين، كانت أحوال الكنيسة فيها سيئة للغاية، فعاش الأقباط في فقر شديد. الأمر الذي جعلهم يكلون عن دفع مبلغ يتراوح بين ثلاث آلاف إلى ستة آلاف دينار لخزينة الدولة لاستصدار مرسوم التنصيب، ويرجع سبب ذلك إلى الضرائب الباهظة التي فرضت بسبب الحرب الصليبية، وكذلك خشية أراخنة الأقباط من رفض الوزير التأشير على انتخاب مسيحي بسبب ما هو دائر على الساحة الدولية (الحروب الصليبية "حروب الفرنجة").
كما ازداد الأمر صعوبة بسبب اثنين من المسئولين وكراهيتهما للمسيحيين، أحدهما مسلم وهو ابن أبي قيراط، والآخر سامري ويدعى إبراهيم، فلجأ إلى تضليل الخليفة بالقول بأن الأقباط جمعوا أموال الكنائس، وأعطوها للفرنجة لمساعدتهم، وإزاء هذا أمر الخليفة بمصادرة أي أموال قبطية، سواء كانت خاصة بالكنيسة أو بأفراد الأقباط، وظل الحال كذلك حتى قتل احدهما في ظل الفوضى التي سادت البلاد، وبعد ذلك، وبواسطة سمح الوزير حفيد بدر الجمالي برسامة بطريرك للأقباط.فرسم في 5 أبريل 1131 / 9 أمشير 847 شهداء باسم غبريال الثاني. واشتهر بالبابا غبريال بن تريك (توريك)، ثم ذهب ليقضي أياما بدير أبي مقار بعد رسامته بطريركا، فكان يقدس القداس وإذا به يقول في الاعتراف الأخير عن جسد ربنا يسوع المسيح "وصار واحدًا مع لاهوته" فأنكر الرهبان على هذا التعبير، أما هو فقال لهم انه يقولها لأنه هكذا استلمها من الآباء الأساقفة يوم رسامته الذين كانوا يلقنونه، واستمر النقاش بينهم وبينه وانتهى إلى أن تكون العبارة "وصار واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغير" وقد وافقهم على ذلك، وأصدر أوامره إلى جميع الكنائس بتلاوة الاعتراف بالصيغة الجديدة، وهذا يدل على يقظة رهبان دير أبي مقار، كما يدل على المحبة التي يربط بينهم وبين البابا، وللدراسة القوية التي جمعت بين عقولهم على ما هو حق.
وفي عهده ضم كرسي مصر إليه دون اعتراض بعد نياحة الأسقف الأنبا يؤنس بن سنهوت، بل وأن الشعب كان موافق على هذا.
أما عن علاقته بالدولة، فكانت طيبة رغم عدم استقرارها بسبب الحملات الصليبية وما تبعها من اضطراب الأمن وكثرة القلاقل وقتل الأثرياء ورجال الدولة، كما تميزت بكثرة الصراع بين المسلمين ورجال الجالية الأرمنية، والتي كان قد جلبها بدر الجمالي لأنه قتل البطريرك الأرمني وأحرق دير للأرمن بمن فيه من الرهبان، ونهبت كنائس الأقباط.
وصدر أمر بعدم استخدام المسيحيين في الدواوين، وعادوا إلى مسألة شد الزنار على أوساطهم وعدم ركوبهم الخيول، وضوعفت عليهم الجزية!
من إصلاحات البابا غبريال:
كان مُصلِحًا وطقسيًا وقانونيًا كنسيًا:
أ‌- أصدر أمره بمنع دفن الموتى بالكنائس لدرجة أنه أمر بإغلاق كنيسة حارة الروم لأن شعبها خالف تعليماته ودفن قمصا فيها، ولكنه عاد بناء على رجاء الأراخنة فيها، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أنه حمل جسد الأنبا مكاريوس سلفه إلى دير أبو مقار، وكان مدفونا في الكنيسة المعلقة، كما أصدر أمره بمنع تقديم ذبيحة على اسم الملاك ميخائيل لأن الذبيحة لا تُقَدِّم إلا على اسم الله، كما منع الكهنة من شرب الخمر، وحارب السحر والشعوذة والتنجيم والتسري، وبخصوص التسري: امتنع بعض الأغنياء عن تنفيذ تعليماته في هذا الشأن فدعا عليهم، فلم ينقض زمن طويل حتى بادوا جميعا، حارب السيمونية ورسم في عهده ثلاثة وخمسين أسقف للأيبارشيات القبطية، كما لم يدع هذا البابا لنفسه أي سلطة على أموال الكنائس وأموال إعانات الفقراء.
ب‌- من أهم انجازاته الطقسية ترتيب طقوس أسبوع الآلام، وكانت القوانين الرسولية حتى زمانه تقضي بقراءة العهدين القديم والجديد مدة هذا الأسبوع بلا ترتيب بَيِّن، ولذا فقد كان غالبية الشعب يقرأها لذاته وحده، أي أنها لم تكن تُقرأ على مسامع جميع الشعب، فجمع هذا البطريرك العلماء ورؤساء الكهنة، وبعض رهبان دير أبي مقار ووضع ترتيبًا، وعمل كتابًا لذلك أسماه "البصخة المقدسة". ومن الأمور التي دفعته إلى ذلك أن أكثر مَنْ كانوا يعملون في دواوين الدولة كانت لا تمكنهم ظروفهم من استكمال هذه الخدمات، ومما هو جدير بالذكر أن كتاب "البصخة المقدسة" نظمه بصورة أدق الأنبا بطرس أسقف كرسي البهنسا (بجوار بنى فرار الآن). كان البابا غبريال بن تريك هو أول من أصدر أمره إلى جميع الكنائس بقراءة الأناجيل والخطب الكنسية وغيرها باللغة العربية في الكنائس، وذلك بعد قراءتها باللغة القبطية، لأنه وجد أن الجميع يتكلمون اللغة العربية، حتى يفهم المصلى ما يقرأ.
ج‌- وضع البابا غبريال بن تريك ثلاثة كتب تتضمن قوانين كنيسة:
الكتاب الأول: ويشمل 38 قانونًا تختص بتنظيم أمور البيعة (الكنيسة)، وعلاقة الشعب بها دينيا ومدنيا، وواجب الأساقفة نحو رعيتهم، وكذلك واجبات الكهنة، ونهى عن سكنى الرهبان في العالم بل أن يمضوا إلى أديرتهم. أيضًا عدم التقديس إلا بواحد من القداسات الثلاثة (الباسيلي والغريغوري والكيرلسي) كما ذكر الآباء الأساقفة بانعقاد المجمع المقدس مرتين كل عام، لكن حرصا على راحتهم أمر أن يحضر كل واحد من الأساقفة مرة واحدة في كل سنة إلى القلاية البطريركية للمناقشة في أحوال كرسيه.
الكتاب الثاني: يختص بتنظيم أمور الإكليروس.
الكتاب الثالث: ويختص بالمواريث.
كما ألَّف هذا الأب عدة مؤلفات منها (علم الكنيسة) وله عدة كتب في تفسير الكتاب المقدس، وتنيَّح هذا البابا بسلام في عام 1145 م. / 86 ش. ونقل جسده إلى دير أبو مقار.

شارك