مسيحيو الشرق الأوسط.. الواقع والمخاطر والمستقبل

الثلاثاء 23/أكتوبر/2018 - 03:16 م
طباعة   مسيحيو الشرق الأوسط.. هاني دانيال
 
مع اندلاع ثورات "الربيع العربي" احتدم الجدل في عدد من الدول والمجتمعات العربية، حول حاضر المسيحيين العرب والمشرقيين ومستقبلهم، وأين يتموضع هؤلاء في الصراع الدائر بأشكال ومستويات مختلفة من العنف، بين قوى التغيير وأنظمة الحكم السائدة، مع أن الجدل حول مكانة مسيحيي المنطقة ومستقبلهم، سابق لانطلاقة ثورات "الربيع العربي"، وقد شهد صعودًا وهبوطًا متفاوتًا تبعًا للظروف الخاصة بكل دولة، وما يتميز به مجتمع عربي عن آخر.
وكان نزول الشباب والشابات الذين تدافعوا، وبمشاركة نشطة من مختلف المكونات، إلى الشوارع والميادين مطالبين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، اصطدمت بوقائع صلبة وعنيدة، بعضها كان عصيًّا على التذليل.. إذ أظهرت الدولة "العميقة" في عدة دول عربية، قدرتها على مواجهة رياح التغيير، والالتفاف عليها، ولم تكن انحناءاتها أمامها، سوى "مناورة".
كما أن القوى السياسية والاجتماعية، الدينية في أغلب الاحالات استطاعت من جهة أخرى، بتنظيمها المتفوق وإرادتها الموحدة، أن تفرض قيادتها وأجندتها على حركات التغيير الديمقراطية والمدنية، وتمكنت أكثر من غيرها، من الوصول إلى سدة الحكم أو المشاركة الفاعلة فيه، من دون أن تمتلك خطابًا مدنيًّا- ديمقراطيًّا متجذرًا، يسمح باعتماد "المواطنة المتساوية" لجميع أبناء الأمة، ويحفظ حقوق الأفراد من دون تمييز أو إقصاء أو إنكار.
القراءة الاحصائية: 
إن القراءة الإحصائية لواقع المسيحيين العرب والمشرقين، تدعو للقلق والفزع، وتنذر بأن هذه المنطقة مهد المسيحية وموطنها الأول مهددة بفقدان هذا المكون الأصيل والتاريخي من مكوناتها، فالأرقام تتحدث عن هجرة ما يقرب من ثمانمائة ألف مسيحي عراقي خلال السنوات 2003 – 2013، ولم يتبق في مناطق السلطة الفلسطينية سوى أقل من خمسين ألف مسيحي، ومسيحيو سوريا يتعرضون للتشريد والتهجير على يد قوى أصولية متشددة وفقدت سوريا أكثر من 40% من مسيحيها وفي لبنان يكاد المسيحيون يشكلون ثلث سكانه بعد أن كانوا نصفهم أو أزيد قليلًا، والهجرة تفعل فعلها في أوساط مسيحيي مصر والأردن، ويعاني المسيحيون الفلسطينيون في إسرائيل من إجراءات تمييزية تتمثل في محاولات السيطرة على أمالك الكنيسة وفرض الخدمة الإلزامية على أبنائهم في الجيش، فضلًا عن بقية أشكال التمييز المعروفة. 
والحقيقة أن الجدل الدائر حول حاضر ومستقبل المسيحيين العرب والمشرقيين تكشف عن جملة من المقولات الخاطئة، وأكد مجموعة من الفرضيات، ليس في هذه الورقة البحثية، متسع للوقوف عندها جميعها؛ لذا نكتفي بالتشديد على بعضها.. 
أولًا: تتصل بالنظر إلى المجتمعات المسيحية بوصفها "كتلًا صماء لا مجال فيها للتعدد والتعددية، وتأسيسًا على هذه النظرة التبسيطية، التي تكشف عن عنصرية كامنة، فالمسيحيون هم أبناء هذه البلد الأصليين انخرطوا بفاعلية، ومنذ عقود وقرون من الزمن، في مختلف أحداثها وتطوراتها، وكانوا حاضرين بقوة في معظم حركاتها وتياراتها السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية، وتوزعوا شأنهم في ذلك شأن مختلف أبناء هذه المنطقة، وهم أبناء هذه التيارات والمدارس فكانوا يساريين وقوميين وليبراليين وديمقراطيين وشوفويين ووسطيين، وكانوا كذلك مواطنين منصرفين عن السياسة والعمل العام، شأن الأغلبيات الصامتة في مجتمعاتنا.
والعالم العربي، يعاني صراعًا اجتماعيًّا طبقيًّا، ويعيش تنازعًا بين الأجيال، ويواجه ظاهرة اتساع الفجوات بين رجال الدين "الكنيسة" والأجيال الناشئة، وهذا جدال تختص به فئة دون أخرى من فئات مجتمعاتنا ومكوناتها.. لذا يجدر إعادة النظر في هذه الأطروحة، وإمعان النظر في التعددية المسيحية التي تكاد تتماهى مع التعددية. 
ثانيًا: النظر للمسيحيين بوصفهم "جالية" مقيمة، حتى إن البعض منا، كصدى لنظرية صدام الحضارات، أخذ يتعامل مع هذا المكون التاريخي من ثقافتنا وحضارتنا كامتداد للغرب وثقافته وحضارته، وأحيانًا مشروعه الاستعماري القديم والجديد، متناسيًا حقيقة أن المسيحيين العرب والمشرقيين كانوا روادًا في النهضة والتنوير في مختتم القرن التاسع عشر ومفتتح القرن العشرين، وأنهم كانوا في الصفوف الأولى لثورات الاستقلال وحركات التحرر من الاستعمار، وأنهم لعبوا دورًا مشهودًا في حفظ "العربية" و"العروبة" على حد سواء، هذا الدور الذي لم تنتقص منه بعض الأمثلة أو التجارب الشاذة، والتي لم ينفرد بها المسيحيون عن غيرهم من المكونات الأخرى السائدة في مجتمعاتنا.
تتوازى مع هذه النظرة، نظرة أخرى، أكثر عنصرية وفاشية في التعامل مع مسيحيي المنطقة باعتبارهم "ذميين" لا مواطنين، وتتأسس على هذه النظرة مواقف وسياسات وإجراءات وتشريعات تقوم على التمييز بين المواطنين على أساس الدين، وهو أمر ترفضه شرعية حقوق الإنسان ودولة المواطنة المتساوية لجميع أبنائها وبناتها، ولقد رأينا كيف أفضت هذه الأفكار الشاذة، إلى ضرب النسيج المجتمعي لعدد من الدول العربية، وكيف أسهمت في إفراغ بعض رقاعنا من مكونها المسيحي الأصيل.
الثالثة: القول بأن المسيحيين ومنذ أن لاحت في أفق المنطقة إرهاصات الثورة والتغيير، اصطفوا إلى جانب أنظمة الفساد والاستبداد، هكذا وبالمطلق وغالبًا من دون بذل أي جهد في تفسير بعض الظواهر والمؤشرات المتصلة بهوية حركات الإصلاح والتغيير في العالم العربي وطبيعتها، وسياقات العلاقات بين هذا، والحقيقة أن المسيحيين العرب والمشرقيين كانوا جزءًا لا يتجزأ من حركة الإصلاح والتغيير الديمقراطي، في معظم الدول التي ينتمون إليها، رأيناهم على رأس حركات المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وفصائل حركة التحرر الوطني العربية، في مصر وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق، بيد أن حالة الهبوط والتراجع التي أصابت مختلف التيارات القومية واليسارية والديمقراطية العربية في العقود الأربعة الماضية، والتي رافقها صعود ظاهرة الإسلام السياسي و"الشعبوي" في مختلف المجتمعات العربية، لم يُبق مساحات واسعة للمسيحيين العرب والمشرقيين في عملية التغيير والإصلاح، بل إننا شهدنا، وفي الوقت الذي كانت فيه مواقف انتشار مدارس الإسلام السياسي "مثل الإخوان المسلمين" اتسامها بكثير من الضبابية حيال حقوق غير المسلمين وواجباتهم ومستقبلهم، ويغلفها "اللون الرمادي"، كانت بعض الحركات التكفيرية الأكثر تشددًا، تستهدف الكنائس ودور العبادة، وتتوعد مسيحيي البلاد بمستقبل مظلم، وتطالبهم بدفع الجزية وهم صاغرين، وتعرض عليهم الهجرة أو الموت في عمليات إقصاء واستهداف لدور هذا المكون ومشاركته، أو التخلي عن ديانتهم ومعتقداتهم.
الرابعة: إن مجتمعاتنا، وبفعل تأثير هذه الحركات سيما السلفية غير المنظمة منها- باتت "أقل تسامحًا" حيال "الآخر" المختلف، في الدين أو الجنس أو اللون أو الأصل، ومع انتعاش "الانتماءات الثانوية" وتفاقم الصراع "الهوياتي" القاتل- أصبح المسيحيون في بلادنا أكثر عُرضة للتمييز والاضطهاد، بل إنهم باتوا يواجهون تحديات مركبة، فمن جهة يصعب عليهم الاصطفاف خلف أنظمة قمعية وفاسدة، دون المقامرة بمواجهة غضب الأغلبية السائدة، ومن جهة ثانية فإنهم لا يجدون مكانًا مناسبًا لهم في ظل حركات ساد عليها الطابع الديني والمذهبي وهم من جهة ثالثة، يجدون مصاعب جمة، في إدامة حالة الوئام والانسجام مع مجتمعاتهم التي أخذت تنحو للتشدد الديني بفعل ما اعتمل في داخلها من تحولات جذرية، خلال العقود.
الخامسة: تتصل بأكذوبة أن "الغرب المسيحي" هو الداعم والأم الحنون لمسيحيي المنطقة، وأنه لن يتركهم لمواجهة مصائرهم الصعبة، ولن يترك المنطقة لتصبح خلوًا منهم.. هذه النظرة سقطت سقوطا ذريعًا خلال السنوات العشر الأخيرة على نحو خاص، فوجود أكثر من مائة ألف جندي أمريكي في العراق، لم يوفر شبكة أمان لمسيحيي هذا البلد من سريان وآشوريين وكلدان ولكنائسهم، ولم يحل دون هجرة ثمانمائة ألف مسيحي إلى الشتات والمنافي، بل ظهر أن السفارات الغربية تعمل على تسهيل هجرة المسيحيين وتسهيل تدفقهم إلى المدن والعواصم الأوروبية والأمريكية، لكأننا أمام مشروع "تفريغ" المنطقة من مسيحييها، وربما مرة أخرى، عملًا بنظرية "صراع الحضارات".. وهو أمر نظر إليه مسيحيو المنطقة بوصفه تعبيرًا عن مصالح الغرب، بوصفه خدمة لمصالحهم وتطلعاتهم هم بالذات، حتى إن البعض منهم بات يعتقد أن ثمة أجندة خبيثة وخبيئة خلف هذه التسهيلات تستسهل استيعاب المسيحيين وإدماجهم في المجتمعات الغربية، تفاديًا للمصاعب التي تواجه إدماجًا. 
السادسة: بما أنه ما من مجتمع يخلو من التطرف والمتطرفين وأن التطرف لا يُوَلِّد إلا تطرفًا، فقد شهدت المجتمعات اتجاهات تطرف وانغلاق وانعزال في أوساطها.. رأينا دعوات للتغريب والانفصال عن المنطقة وهويتها القومية المشرقية، ورأينا نزعات فينيقية وفرعونية، ورأينا تيارات تبحث عن خلاص للمسيحيين في إطار مشروع مسيحي مستقل على حراك المجتمع وقواه السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة.. مثل هذه النزعات، وإن كانت قد اصطدمت بحقيقة تعذر الانعزال عن المنطقة، إن لم نقل استحالته، فقد شكلت وما زالت خطرًا على المسيحيين(1) 
نظرة تاريخية: 
في الفترة الأخيرة صدر أكثر من تقرير يحذر من تفريغ الشرق الأوسط من مسيحيه على اثر الأعمال الإرهابية لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الجهاديين وحذر تقرير منظمة عون الكنيسة المتألمة من تفريغ العراق من المسيحيين خلال خمس سنوات بعد إخراجهم من مدينة الموصل التي خلت نهائيا من المسيحيين بعد وجودهم بها منذ 2000 عام وهذه التقارير كانت تستوجب حالة من القلق لدي كل المؤسسات الإسلامية الكبرى إذا كانت تخاف بالفعل على صورة الإسلام التي تهتز عندما يهرب المسيحيين من أرضهم خوفا من تنظيمات تحمل اسم الإسلام الامر الذي يستخدم في الغرب بإقرار صورة أن الإسلام لا يستطيع العيش مع الآخر المختلف وهي صورة ظالمة وحتى الآن تعد دراسة البرت حوراني حول الاقليات في العالم العربي هي الاهم في رصد التنوع الثقافي والعقيدي المهم الذي تعبر عنه هذه الاقليات فيقول توجد في البلدان العربية اغلبية مسلمة وأيضا جماعات دينية اخرى اهمها على الإطلاق هي الجماعة المسيحية ويصل حجم غير المسلمين في الوطن العربي تقريباً 17.7 مليون (بدون حساب الإسرائيليين) اى نحو 8% من جملة عدد السكان منهم اثنا عشر مليون مسيحي (اى نحو 5.5%)موزعين بين أكثر من احدى عشرة طائفة تتراوح في احجامها بين عدة ملايين وعدة آلاف وهناك أيضا اتباع الديانات غير الكتابية كالمانديين والبهائيين والديانات القبلية في جنوب السودان ويبلغ تعدادهم تقريباً 5.690.000 نسمة.
ويقسم الباحث "البرت حورنى" في دراسته المسيحيين في الوطن العربي المسيحيين إلى خمس جماعات رئيسية على أساس لاهوتى وتنظيمى ثم يميز في داخل بعض هذه الجماعات بين مجموعات فرعية لكل منها كنائسها المستقلة والجماعات الرئيسية هي الروم الأرثوذكس والاشوريون.
والأرثوذكس اللاخلقيدونيين والكاثوليك والبروتستانت فأكبرهم اللاخلقيدونيين – الذين يؤمنون ان للسيد المسيح طبيعة واحدة –وهم لا يتبعون مجمع مدينة خلقيدونيون الذي قسم المسيحيون بقرارة بأن للسيد المسيح طبيعتين إلى اتباع الطبيعة الواحدة – اللاخلقيدونيين- واتباع الطبيعتين الخلقيدونيين (الكاثوليك)
يليهم الكاثوليك فالروم الأرثوذكس فالبروتستانت واصغرهم حجماً الاشوريون، بل ان احدى الطوائف الفرعية اللاخلقيدونيية وهي طائفة الاقباط الأرثوذكس هي الأكبر حيث الحجم من الطوائف الرئيسية الاخرى ولنتكلم الآن بالتفصيل عن هذه الطوائف.
الأرثوذكس:
معنى الكلمة المستقيم الرأي ومنهم الروم الأرثوذكس وعددهم نحو 1.9 مليون والاقباط وعددهم بالتقريب نحو 10 ملايين نسمة – لا يوجد احصاء دقيق للاقباط والكنيسة تقول انهم 15 مليون- والأرثوذكس ينقسمون تنظيمياً إلى ثلاث كنائس هى:
(1) كنيسة السريان الأرثوذكس: يستخدمون اللغة السريانية في اللاهوت والصلوات الكنسية ويصل عددهم تقؤيباً إلى نحو 200.000نسمة (نحو150.000 يقيمون في سوريا ) والبقية تقيم في: لبنان والعراق والأردن.
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: وهي تعبر عن وطنية مصرية صميمة لدرجة ان عميد الادب العربي طه حسين قال: ان الكنيسة القبطية هي مجد المصري القديم، وقد اضطهد اتباعها من الرومان لصرفهم عن المسيحية ثم من السلطات البيزنطية بسبب استقلاليتها الدينية والسياسية وقد استخدمت اليونانية والقبطية والعربية في تدوين تراثها وان كانت اللغة العربية قد اصبحت بالتدريج هي اللغة الغالبة للطقوس الكنسية وقد قدمت الكنيسة القبطية إلى العالم المسيحي العديد من الميزات التي صارت سمات للمسيحية في العالم ومن ذلك "الرهبنة" وقد حاربت الكثير من الهراطقات والبدع
(3) الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية: هي كنيسة ارمنية وطنية استقلت منذ القرن الرابع الميلادى وتستخدم في تراثها وعباداتها الكنسية اللغة الارمنية واتباعها من الارمن موجودون في أماكن عديدة من العالم ولكن عدهم في الوطن العربي يصل إلى 600.000 نسمة منهم نحو 300.000 فى سوريا ونحو 170.000فى لبنان والبقية تعيش في جاليات أصغر في كل من: مصر والعراق والأردن وفلسطين والسودان ورغم صغر عددهم في مصر الا انها تعتبر أحد مراكزها الثقافية والفنية المهمة والموجودون فيها منذ عصر محمد على .
بعد ذلك تأتى طائفة "الروم الأرثوذكس" وهم اتباع الكنيسة الشرقية التي تستخدم اللاهوت والطقس البيزنطى وهم ينتظمون في مجموعات من الكنائس المستقلة ذاتياً التي كانت في الأساس متمحورة حول اربع بطريركيات هي القدس وانطاكية والإسكندرية والقسطنطينية وثلاثة منها في البلاد العربية وعددهم نحو 1.9 مليون نسمة منهم نحو 600.000 في سوريا و350.000 في لبنان والبقية موزعون بين فلسطين والأردن ومصر والعراق.
الكاثوليك أو الكنيسة الجامعة:
بعد ذلك هناك الكاثوليك (معنى الكلمة الكنيسة الجامعة )وهم مسيحيو الشرق الذين قبلوا مقررات وتفسيرات المجامع الكنسية من خلقيدونية وما بعدها ويعيشون في شركة كاملة مع كنيسة روما وعددهم الآن في الوطن العربي نحو 3.35 مليون تقريباً ويبرز منهم اللاتين وهم من ناحية التنظيم يتبعون روما مباشرة ويصل عدد اللاتين في الوطن العربي نحو 500.000 تقريباً يتركزون في فلسطين والأردن ثم في سوريا ولبنان وهم على درجة عالية تعليمياً ومهنياً واقتصادياً ولم يتورطوا في حركت سياسية مظاهرة أو معادية للاتجاهات الوطنية والقومية للأغلبية منذ الحرب العالمية الأولى.
الى جانب ذلك توجد اقلية كاثوليكية لاتينية أكبر في جنوب السودان ويصل عددهم إلى نحو 300.000اعتنقوا المسيحية في خلال القرن العشرين على يد البعثات التبشيرية الكاثوليكية.
ومن طوائف الكاثوليك:
(1) الروم الكاثوليك: ويرعاها بطريرك انطاكية "سوريا" ويصل اتباعها حالياً إلى نحو 500 الف معظمهم في: لبنان وسوريا والأردن ومصر
(2) الكنيسة الكاثوليكية السريانية: ويرعاها بطريرك انطاكية للسريان الكاثوليك الذي يقيم عادة في بيروت وعدد اتباعها نحو 85 ألفاً يتركزون في سوريا ولبنان
(3) الكنيسة المارونية: تستخدم السريانية والعربية ويرعاها بطريرك انطاكية ومقره لبنان وهي اكر الكنائس الكاثوليكية في الوطن العربي واهم الكنائس المسيحية العربية من الناحية السياسية وعدد اتباعنا يصل إلى نحو 1.150.000 ويتركزون في لبنان
(4) الكنيسة الكاثوليكية الارمنية: ولغتها الارمنية ويرعاها بطريرك كبلبكبا ولكنه يقيم قرب بيروت وعدد اتباعها نحو 85 ألفاً ويتركزون في سوريا ولبنان
(5) الكنيسة القبطية الكاثوليكية: وتستخدم العربية في الطقوس والصلوات ولها بطريرك الإسكندرية الذي يقيم في القاهرة وعدد اتباعها نحو 170 ألفاً ويتركزون في مصر وأقلية في السودان
(6) الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية: تستخدم اللغة الكلدانية ويسمى بطريركها بطريرك بابل ويقيم في بغداد وعدد اتباعها نحو 625 ألفاً اغلبيتهم في العراق وأعداد أقل منهم في سوريا ولبنان
البروتستانت:
بعد ذلك تأتى طائفة البروتستانت (معناها الثوار أو الرافضون) وقد ارتبط البروتستانت كعقيدة وممارسات دينية ودنيوية بما يسمى حركة الاصلاح الديني التي تزعمها مارتن لوثر وجون كالفين ورغم الدور الكبير للبروتستانية في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمجتمعات أوروبا الغربية الا انها لم توجد في المشرق العربي الا ابتداء من القرن التاسع عشر وعلى ايدى مبشرين اغلبهم من الولايات المتحدة وبريطانيا ورغم كثافة التبشير وما قدمته البعثات التبشيرية من خدمات تعليمية وطبية وخيرية ومنها مثلاً إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة الا ان نجاحها في جذب اتباع لها كان ولا يزال محدوداً فلا يتعدى هؤلاء الاتباع تقريباً 200 الف حالياً معظمهم في مصر ثم سوريا ولبنان والكنيسة القبطية الانجيلية هي أكبر كنيسة بروتستانتية في الشرق.
والبروتستانت كعقيدة يرفضون سلطة البابا الكهنوت والكثير من التقاليد الأرثوذكسية والكاثوليكية وتبقى بعد ذلك طائفة الاشوريين وقد انبثقت هذه الكنيسة المستقلة منذ الخلاف الذي حدث في القرن الخامس الميلادى حول طبيعة السيد المسيح فالآشوريون يميزون بين العنصر الإلهي وبين العنصر الإنسانى في المسيح تمييزاً صارماً وعددهم 900.000 ويعيشون في العراق وسوريا ولبنان وساعد التشتت الطائفي للمسيحيين علي اضعاف مسيحية الشرق.(2)
ظهور داعش .. ومخاطر جديدة: 
تعرض مسيحيو الشرق إلى اضطهادات كثيرة على مر الأجيال والأزمنة من شعوب وقبائل ودول كثيرة في الشرق وأشهرها اضطهاد الرومان الذي ذهب ضحيته الالاف من مسيحي الشرق . وبعد ظهور تنظيم داعش بصورته المتوحشة في العراق وسوريا عاد شبح الاضطهاد القديم من جديد حيث تتفق إقرارات وافعال داعش مع قرارات وافعال الإمبراطور الروماني دقلديانوس لدرجة التطابق من قتل وتعذيب المسيحيين وهدم وتخريب وحرق كنائسهم أو الايمان بدين الدولة(3)
وحول الوضع في الموصل التي سيطر عليها داعش في يونيو 2014 قدم المطران يوحنا بطرس موشي، أسقف الموصل وكركوك وكردستان للسريان الكاثوليك، شهادته حول واقع المسيحيين فقال بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في يونيو 2014، وقف المسيحيون أمام 3 خيارات. إما أن يعتنقوا الإسلام أو أن يدفعوا الجزية أو الرحيل عن المدينة، وإلا كان مصيرهم القتل. بالتالي نزح الآلاف من المسيحيين من منازلهم ومدنهم وقراهم تاركين وراءهم تراثهم المسيحي العريق الذي يرجع إلى قرون مضت.، بالإضافة إلى عدد كبير من المسلمين نزحوا أيضًا من مدينة الموصل، وتوجّهت إلى كردستان والقرى في سهل نينوي.
وقد تم نشر الشروط التي على المسيحي اتباعها ليعيش تحت ولاية داعش. لقد أعطي المسيحي ٣ خيارات، إما اعتناق الإسلام وبالتالي التمتع بجميع الحقوق، أو دفع الجزية بمعنى أن نكون مواطنين درجة ثانية، أو الرحيل وترك جميع أملاكنا وممتلكاتنا. غير ذلك حياتنا ستكون في خطر.
واصبح هناك 150.000 مسيحي عراقي يعيش في العراء خارج منازلهم وبلداتهم، أكثر من نصف مسيحيي العراق مغلوب على امره، وفي سوريا هناك مطارنة وكهنة مغيبون قسراُ، والآلاف من المعتقلين والمختطفين، وشعب يخشى أن يقيم شعائره الدينية بهذه المناسبة في الكنائس خوفاً من هاونٍ يأتي من هنا وصاروخٍ يأتي من هناك. 
وفي السياق ذاته ذكرت صحيفة «إيه. بي. سي» الإسبانية أن عدد الآشوريين المسيحيين في سورية، قبل اندلاع الأحداث فيها في مارس عام 2011، كان أكثر من 200 ألف من الآشوريين المسيحيين، لافتةً إلى أنه وصل الآن إلى 15 ألفاً فقط.
وبينت الصحيفة، أن المسيحيين، وعلى غرار العديد من السوريين، يخشون استمرار الأعمال العدائية التي تجلب المزيد من البؤس واقتلاع المسيحية من سورية. 
وأوضحت «إيه. بي. سي»، أن المسلمين والمسيحيين تعايشوا لقرون في تلك المنطقة، وأردفت قائلةً: «ولكن منذ بداية الحرب في مارس 2011، أطلقت المنظمات الإرهابية المتطرفة الصورايخ على الأحياء التي تضم أغلبية مسيحية، حتى أصبح المسيحيون هدفاً متكرراً لعمليات الاغتيالات والخطف في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات الإرهابية»، وبينت أن التنظيمات الإرهابية دمرت الكنائس في المناطق التي تسيطر عليها.(4)
وحذرت صحيفة الايكونوميست البريطانية في تقرير لها من انخفاض نسبة المسيحيين من سكان الشرق الأوسط انخفضت من 14 بالمائة في 1910 إلى أربعة بالمئة في الوقت الحالي، ما دفع بقادة الكنائس والمتابعين السياسيين إلى طرح تساؤلات حول إمكانية اختفاء الديانة المسيحية تماما من المنطقة التي ظهرت فيها قبل ألفي سنة. وأكد التقرير إن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، والاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون من قبل “إسرائيل” وتنظيم الدولة “داعش” أدى لتناقص أعداد المسيحيين بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة.
وأضافت الصحيفة في تقريرها، أن أغلب ضحايا “الإرهاب” في الشرق الأوسط هم من المسلمين؛ لأنهم يمثلون الأغلبية الساحقة في المنطقة، ولكن رغم ذلك تشعر الأقلية المسيحية بأنها مستهدفة بشكل خاص، ويتواصل تناقص أعدادها، وخاصة في مناطق التوتر.
وبين التقرير أن قادة الطوائف المسيحية قبل اندلاع الربيع العربي، كانوا يقدمون الدعم للأنظمة الدكتاتورية، في مقابل ضمان الحماية لطائفتهم، وامتيازات أخرى لهؤلاء القادة، ولكن الوضع تغير مع سقوط هذه الأنظمة وظهور حالة الفراغ والفوضى.
ونقل في هذا السياق عن بطريرك المسيحيين المارونيين في لبنان، بشارة بطرس الراعي، قوله إن “حوالي مليون مسيحي هربوا من العراق بعد سقوط نظام صدام، ليس لأن النظام سقط، بل لأنه لم تعد هنالك سلطة، وفي سوريا يوجد نفس المشكل الآن، فالمسيحيون لا يساندون نظام بشار الأسد ولكنهم يخشون الفراغ”.
وفي المقابل؛ أشارت إلى أن أعداد المسيحيين في دول الخليج في تزايد مستمر، بسبب توافد العمالة الأجنبية من الدول الآسيوية والغربية، وليس بسبب استقبال مسيحيي سوريا والعراق، “وبينما تمنع السعودية مثلا ممارسة الشعائر المسيحية؛ فإن الإمارات تمنع فقط الأعمال التبشيرية، وتقوم بدعم المسيحيين الذين تزايدت أعداد كنائسهم من 24 في 2005 إلى 40 اليوم".
واختتمت الصحيفة بقول "إن اختفاء المجتمعات المسيحية القديمة من منطقة الشرق الأوسط يثير قلق الكنيسة، وخوفها من اختفاء المسيحيين تماما من دول كالعراق. ونقلت عن الأب بول كرم، رئيس منظمة كاريتاس الخيرية الكاثوليكية في لبنان، قوله إن “المسيحيين هم الأبناء الأصليون لهذه الأرض، ولكن لا أحد من الذين يرحلون نحو أوروبا يفكر في العودة لدياره، رغم أنه لا ينتمي إلى هناك”.(5)
نتائج مباشرة لتفاعل المسيحيين مع الربيع العربي
يعد اقباط مصر أكبر قلية مسيحية في الشرق الأوسط وبعد ثورة 25 يناير 2011 التي شاركوا فيها بمعزل عن السلطة الكنسية، خرجوا بإعداد غفيرة قدرت ب 8 مليون في ثورة 30 يونيو 2013 ضد حكم الإخوان المسلمين ونتيجة لحراكهم السياسي والشعبي تمت معاقبتهم على مواقفهم السياسية بحرق 86 كنيسة ودير ومبني خدمات من قبل جماعة الإخوان المسلمين بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في اغسطس 2013(6). 
وفي جملة العقاب تم خطف 20 قبطيا من قبل تنظيم داعش في ليبيا وذبحهم علي شاطي المتوسط وسبق ذلك الهجوم علي الكنائس القبطية الموجودة بليبيا والتي اغلقت ابوابها بعد سقوط الدولة وتنازع التنظيمات المتطرفة علي المدن الليبية . وبدخول الاقباط العمل السياسي بالمشاركة الفعالة ورغم التضحيات الا انهم قدموا نموذجاً حياً وفعالاً للتحدي والبقاء والعمل من اجل الوطن .
الخلاصة والتوصيات 
يدفع المسيحييون ثمنا فادح نتيجة للاضطرابات التي تسود منطقة الشرق الأوسط وكان لتدخل المملكة السعودية سوء بتمويل التنظيمات الإرهابية المختلفة ونشر أفكارها ضد الآخر ودعمها في سوريا ودخولها المباشر في اليمن اثر كبير علي تدهور أوضاع المسيحيين هناك فعلى الرغم من العدد القليل لمسيحي اليمن إلى انه تم تفجير اقدم كنائسهم وقتل عدد من الراهبات وخطف رجل دين هناك . كما ان استخدم ورقة السنة والشيعة توثر أيضا في مستقبل المسيحيين بالمنطقة ويأتي الإعلان عن حزب الله كمنظمة إرهابية من قبل مجلس التعاون الخليجي باثر سلبي علي المسيحيين في لبنان والذين يرتبط الكثيرون منهم بحزب الله ضد المد السعودي المتغلغل في لبنان. 
من أجل حماية مسيحيي الشرق يجب إيقاف الحروب الدائرة، ووضع حد للإرهاب والعنف. الثقافة وحدها تخلّص الأوطان، ويجب إيجاد حلول سياسية. الالتزام بقرارات مجلس الأمن والمؤتمرات. صيانة دساتير مبنية على الحقوق والواجبات، دون تمييز بالدين، ومشاركة الجميع في الحياة. بناء دولة تلتزم تجاه جميع مواطنيها بقوانين تحكم الجميع ونشر الوعي بحقوقهم. 
إنّ ما يحدث في الوطن العربي، أو في بعض بلدانه، جعل الخوف أكبر، ليس على مستقبل المكوّن المسيحي في هذا الشرق، وإنّما على هوية الشرق الأساسية التي لن تكون إلاّ وحدة في التعددية، وليس إلغاء للتعددية كما تطالب وتمارس جماعات متطرّفة وعنيفة، وإذا تخيلنا الشرق بدون تعددية دينية واثنية وثقافية، فإننا سنشهد بالضرورة «خراباً» ونسفاً لهوية الشرق الحقيقية والتاريخية.
إنّ ما يحصل على المسيحيين في هذه المنطقة إنّما يحصل، بالضرورة، على كل المكوّنات، وبالأخص على أتباع الديانة الإسلامية الذين يتألمون كغيرهم من أعمال العنف والتطرف، لما انطوى عليه الإسلام في جوهره من سماحة وحرية، إذ لا يمكن اعتبار الإرهاب حرباً على أتباع دين معّين، انّما هي حرب عدائية تطال الإنسانية جمعاء التي تتضامن اليوم أكثر من ذي قبل، وتكافح لإنقاذ نفسها من شرور الانغلاق والتحجر والتعصّب والتطرّف الذي يقود حتما إلى العنف. وهذا بالطبع يتطلب «وحدة إنسانية» تتخطى أيّة فروقات أو اختلافات، وأيّة خلافات، وصولاً إلى بناء قوة موحدة ضرورية لمواجهة قوى التطرف والغلوّ والكراهية والإلغاء والإقصاء في مواجهة الإنسانية برمتها.
إنّ التربية أساسية في الحفاظ على المكّونات في الشرق، وهي تتخطى المناهج المدرسية التي ترسمها وزارات التربية الوطنية أو المناهج الأجنبية، بل هي في أن يكون المعلم هو القدوة بعلمه وعمله أمام طلابه في احترام أتباع الديانات وعدم الانحياز وحث الطلبة على الاحترام المتبادل والتعاون الوثيق.
إن دول العالم الغربي، وإنّ كانت الحاجة إليها ملحة في استقبال اللاجئين والمهجرين من مختلف الديانات، لكنها مدعوة إلى مزيد من الالتزام الأدبي والأخلاقي، ليس في أن تكون حامية أو وصية على التعددية، بل أن تعمل على إطفاء النيران في الشرق ومكافحة الإرهاب بشكل جذري وحثيث وفاعل، لأن إطفاء النيران ومن بعدها إيجاد حلول سياسية في العراق وسوريا سيقطع الطريق على قوى الإرهاب بشكل سريع وحاسم.
المراجع 
(1) باحثون – المسيحيون وربيع العرب – دار القدس بعمان 2015
(2) ams pa- Minorities in the Arab world's Albert Hourani
(3) إمبراطور روماني حكم في الفترة من 20 نوفمبر 284 حتى 1 مايو 305. – للمزيد الاستشهاد في المسيحية نيافة الانبا يوانس اسقف الغربية – مكتبة المحبة بدون 
(4) بوابة الحركات الإسلامية 29 ديسمبر 2015 
(5) الايكونوميست 1 يناير 2016
(6) الانبا مكاريوس اسقف عام بالمنيا – رحيق الاستشهاد – 2014 مطرانية الاقباط الأرثوذكس بالمنيا 

شارك