بريطانيا تفتح تحقيقاً مع "نيكاب" ..هل تحولت الفرقة من فن المقاومة إلى التحريض على الإرهاب؟

الجمعة 02/مايو/2025 - 12:28 م
طباعة بريطانيا تفتح تحقيقاً أميرة الشريف
 
أعلنت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية عن فتح تحقيق رسمي مع فرقة الراب الآيرلندية الشمالية "نيكاب" (Kneecap)، في أعقاب تداول مقاطع مصورة توثق تصريحات مثيرة للجدل أطلقها أعضاء الفرقة خلال حفلات موسيقية، يُشتبه بأنها تحمل تحريضاً مباشراً على العنف ضد سياسيين بريطانيين، إضافة إلى تأييدهم العلني لحركتي "حماس" و"حزب الله"، المصنفتين كمنظمتين إرهابيتين في المملكة المتحدة.
وقالت السلطات الأمنية إن التحقيق جاء استناداً إلى "أسباب معقولة للاشتباه بوقوع جرائم تتعلق بالكراهية والتحريض على الإرهاب"، بعد مراجعة تسجيلات لحفلتين موسيقيتين أحيتهما الفرقة في عامي 2023 و2024، الأولى في لندن والثانية في بلفاست، وظهرت فيهما عبارات مثيرة للقلق أدلى بها أعضاء الفرقة على خشبة المسرح.
عبارات صادمة تثير العاصفة
أحد التسجيلات التي تم تداولها على نطاق واسع يُظهر عضواً في الفرقة يردد عبر الميكروفون: "هيا يا حماس، هيا يا حزب الله"، بينما يُظهر مقطع آخر من حفلة في نوفمبر 2023 عبارة: "المحافظ الجيد هو المحافظ الميت... اقتل نائبك في البرلمان"، وهي التصريحات التي أثارت ردود فعل عنيفة من الطبقة السياسية في بريطانيا، خصوصاً في صفوف حزب المحافظين الحاكم.
وعلى إثر تلك التصريحات، خرجت وزيرة الأعمال والتجارة والزعيمة البارزة في الحزب كيمي بادنوك بدعوة صريحة لحظر الفرقة، معتبرة أن ما صدر عنها "لا علاقة له بالفن، بل تحريض مباشر على الكراهية والعنف".
 كما حثت إدارة مهرجان "غلاستونبري"، أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في أوروبا، على سحب دعوة المشاركة الموجهة لـ"نيكاب" في دورته المرتقبة نهاية يونيو المقبل.

من هم أعضاء "نيكاب"؟
فرقة "نيكاب" تأسست في مدينة بلفاست عام 2017، وتضم ثلاثة فنانين شباب هم: مو كارا، موغلي باب، ودي جي بروفي.
 يُعرف عنهم ارتداؤهم أقنعة وجه تحمل ألوان العلم الآيرلندي، كرمز إلى الهوية الوطنية الآيرلندية والانفصال الثقافي عن بريطانيا.
يقدم الثلاثي مزيجاً موسيقياً يجمع بين الراب والبانك، ويغنون باللغتين الإنجليزية والغيلية (الآيرلندية)، ما يُعد في حد ذاته رسالة ثقافية "مناهضة للاستعمار"، كما يصفونها. 
وقد اكتسبوا شهرة واسعة بين الشباب الآيرلنديين واليساريين في أوروبا بفضل مواقفهم السياسية الحادة ودفاعهم المعلن عن وحدة آيرلندا واستقلالها التام عن بريطانيا.
ورغم ما يعتبره البعض فناً سياسياً مشروعاً، يرى آخرون أن "نيكاب" تتخطى الحدود في كثير من الأحيان، وتقترب من الترويج للكراهية والعنف. 
وقد تصاعد الجدل حولهم بعد مشاركتهم في مهرجان "كوتشيلا" الموسيقي في كاليفورنيا في أبريل الماضي، حيث عرضوا خلال أدائهم رسائل بصرية على شاشة عملاقة كتب فيها: "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية"، و"اللعنة على إسرائيل، حرروا فلسطين".

تداعيات سياسية وثقافية واسعة
أحدثت التصريحات ردود فعل عنيفة داخل الأوساط السياسية البريطانية، خاصة في ظل المناخ المتوتر بعد سلسلة من الهجمات استهدفت نواباً في البرلمان خلال السنوات الأخيرة.
 فقد قُتل النائب المحافظ ديفيد أميس طعناً عام 2021، وقبل ذلك النائبة العمالية جو كوكس عام 2016. هذه الخلفيات جعلت التصريحات المسرحية التي تضمنت عبارة "اقتل نائبك" تمثّل تجاوزاً غير مسبوق في نظر المشرّعين البريطانيين.
على إثر الجدل، ألغى عدد من المهرجانات الموسيقية في بريطانيا وألمانيا مشاركات مقررة للفرقة، بينها مهرجان في كورنوال (جنوب غرب إنجلترا) وآخران في ألمانيا كانت الفرقة ستحيي فيهما ثلاث حفلات خلال سبتمبر المقبل.

الفرقة تدافع عن نفسها
في بيان نُشر عبر حساباتهم على مواقع التواصل، نفت الفرقة جميع الاتهامات الموجهة إليها، وأكدت أن تصريحاتها "تم اقتطاعها من سياقها" في محاولة لتشويه سمعتها وإسكات صوتها السياسي.
 وجاء في البيان: "نحن لا ندعم حماس أو حزب الله، ولم نفعل يوما،  كما أننا لا نحرّض على العنف، بل نعارضه ضد المدنيين بكل أشكاله".
وأضاف أعضاء الفرقة: "نقدم خالص تعازينا واعتذارنا لعائلات النائبين ديفيد أميس وجو كوكس، ولم تكن نيتنا أبداً الإساءة أو التحريض على أي أذى". 
كما أعربوا عن قلقهم من أن تكون حملات الحظر والاستبعاد ضدهم جزءاً من "جهد سياسي أوسع لقمع الأصوات المعارضة".

دعم فني واسع رغم الجدل
ورغم الحملة الرسمية والإعلامية، حظيت الفرقة بدعم واسع من فنانين ونشطاء على الساحة الموسيقية والسياسية اليسارية.
 فقد وقع العشرات من الأسماء البارزة على عريضة مفتوحة دعماً لـ"نيكاب"، وصفوا فيها ما تتعرض له بأنه "محاولة قمع سياسي" و"استهداف واضح لحرية التعبير الفني"، معتبرين أن الفرقة "صوت مهم في النقاش حول فلسطين وحقوق آيرلندا الشمالية".

انتصار سابق على الحكومة
تجدر الإشارة إلى أن الفرقة كانت قد انتصرت في نوفمبر الماضي في دعوى قانونية ضد الحكومة البريطانية، بعد أن رفضت الأخيرة منحهم دعماً مالياً مخصصاً للفنانين الشباب، بحجة أن محتوى أغانيهم "معادٍ للمملكة المتحدة". ورأت المحكمة حينها أن رفض الدعم لا يستند إلى مبرر قانوني واضح، وهو ما اعتُبر نصراً لحرية التعبير.

مستقبل "نيكاب" رهن التحقيق
وفيما يستمر التحقيق الذي تجريه شرطة مكافحة الإرهاب، يبقى مصير "نيكاب" معلقاً بين احتمالات التبرئة أو الملاحقة الجنائية، فإذا ثبت تورط الفرقة في التحريض على العنف أو الترويج لمنظمات إرهابية، فإنها قد تواجه عقوبات قانونية قاسية، تشمل الحظر الكامل من إقامة الحفلات في المملكة المتحدة، وربما إجراءات جنائية ضد الأعضاء أنفسهم.
وفي ظل التوتر السياسي المتزايد في آيرلندا الشمالية، تكتسب هذه القضية أبعاداً أوسع تتعلق بحرية التعبير، وحدود الفن، ومسؤولية الفنانين في زمن الصراعات السياسية.

شارك