الخلايا التكفيرية النائمة في ربوع الثقافة المصرية.. تكفير الأخر (3)

الأحد 13/ديسمبر/2020 - 04:07 م
طباعة
 

نستكمل مناقشة كتاب محمد جاد الزغبي كتاب "شرح تلبيس إبليس لابن الجوزي" الجزء الأول "المعتزلة والشيعة" في 2010، والصادر عن وكالة العز للدعاية والإعلان، وقد نوهنا في المقالة السابقة بأننا سوف نتناوله في أكثر من مقالة لكشف ما فيه من دعاية وتحريض ضد مفهوم الدولة والمواطنة وعدم اعتراف بالدولة المصرية وتكفير مواطنيها.
وقبل ان نتطرق لهجومه على رموز الثقافة المصرية كأفراد، نستكمل معا هجومه على تيار النهضة أو التنوير او العصرانيين الجدد كما يحب هو تسميتهم حيث يقول: "وتركز دور العصرانيين العرب في ترديد نغمات المعتزلة التي اهتزت أوتارها قديما بتلك المبادئ ومنها: انكار المعلوم من الدين بالضرورة في أحكام التكفير القطعية تحت زعم محاربة التكفير العشوائي، الدعوة للتسليم بالحرية التامة والحياد السلبي التام فيما يخص الفرق المبتدعة والمطالبة بعدم التعرض لها بالنقد تحت زعم التقريب، على نحو يظهر بوضوح مع الجماعات الشيعية والرافضة، ومع الجماعات الصوفية المنحرفة الغالية في منهجها.
ولم يهتم الكاتب بأن يبين لنا ما هو المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا ما سنفرد له مقالا آخر، أما كونه يقتضر المعلوم من الدين بالضرورة في مسألة التكفير انما يسير في طريق الغلاة من الجماعات المتشددة خصوصا وأن أئمة أهل السنة والجماعة أشاروا في أكثر من موضع إلى الابتعاد عن مسألة التكفيروهذا ما سوف نوضحة لكاتب الكتاب ومن بعده القارئ الكريم.
مسألة التكفير:
التكفير متعلق بإنزال أحكام الكفر، ولذا فعلينا أن نُعرِّف الكفر أولًا؛ لأنه من المقرر أن الحكم على شيء فرع عن تصوره.
تعريف الكفر: الكُفْرُ لغة: نقيض الإيمان، وللكفر معانٍ أخرى كجحود النعمة، وغير ذلك، وهي مذكورة في المعاجم، يقال: كَفَرَ بالله (من باب نصر) يَكْفُر كُفْرًا وكُفُورًا وكُفْرانًا، فهو كَافِر، والجمع: كُفَّارٌ، وكَفَرةٌ. وهو: كَفَّارٌ أيضًا، وهو: كَفُور، والجمع: كُفُرٌ. وهي: كافرة، والجمع: كَوَافِر. انظر: "لسان العرب" مادة (ك ف ر)، و"المعجم الوسيط" مادة (ك ف ر).
قال الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (1/ 435): [ويقال: (كفر فلان) إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك: إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد؛ ولذلك قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106] اهـ.
والكُفْر شرعًا: [إنكار ما علم ضرورةً أنَّه من دين سيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم كإنكار وجود الصَّانع، ونبوَّته صلى الله عليه وآله وسلم وحرمة الزِّنا ونحو ذلك] اهـ. ينظر: "المنثور في القواعد الفقهية" (3/ 84).
قال الإمام الغزالي في "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص: 156): [كل حكم شرعي يدعيه مدعٍ فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقياس على أصل، وكذلك كون الشخص كافرًا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الأصل، والأصل المقطوع به أن كل من كذَّب محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر] اهـ.
وقال أيضًا في "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" (ص: 88-89): [اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعي تفصيلًا طويلًا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد ودليل ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا يحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقاتي، فاقنع الآن بوصية وقانون:
أما الوصية: فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، غير مناقضين لها، والمناقضة: تجويزهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعذر، أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه.
أما القانون: فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع... إلى أن قال: لا تكفير في الفروع أصلًا، إلا في مسألة واحدة، وهي أن ينكر أصلًا دينيًّا علم من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتواتر، لكن في بعضها تخطئة، كما في "الفقهيات"، وفي بعضها تبديع، كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة] اهـ.
وعلى الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالمفتين والقضاة إلا أن العلماء لم يفُتهم أن ينبهوا على الاحتياط في هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف على وجوب الاحتياط في تكفير المسلم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: 94]، فحذرهم من التسرع في التكفير، وأمرهم بالتثبت في حق من ظهرت منه علامات الإسلام في موطن ليس أهله بمسلمين.
ولنختم مسألة التكفير بقول الإمام الغزالي في "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" (ص: 90): [ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن يدرك قطعًا في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. ومهما حصل تردد، فالوقف فيه عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل] اهـ.
ولنكتفي بهذا القدر في موضوع التكفير عل الكاتب يراجع موقفه من القضية، ولا يطالبنا لا بالتكفير العشوائي ولا غير العشوائي فالتكفير ليس قضية عموم الناس، وليس من الذي يعلم من الدين بالضرورة طالما هو من اختصاص العلماء وحذر رب العزة منه .
العداء للفرق والمذاهب:
لا شك أن كل فرقة ومذهب وكذلك كل حركة وجماعة تعتقد امتلاكها ناصية الدين ولديها سرديتها الفقهية، ولم يخلقنا الله عز وجل أمة واحدة حتى نتعارف، وان الاختلاف سنة الله في أرضه، فمن يطلب الهيمنة والوحدة هو معترض بشكل ما على هذه السنة، لكن كاتبنا يأبى هذا ويريد ان يدخل الجميع تحت مذهبه اما هذا واما ان يتهمه بالضلالة والرافضة كما في هذا الاقتباس: "الدعوة للتسليم بالحرية التامة والحياد السلبي التام فيما يخص الفرق المبتدعة والمطالبة بعدم التعرض لها بالنقد تحت زعم التقريب، على نحو يظهر بوضوح مع الجماعات الشيعية والرافضة، ومع الجماعات الصوفية المنحرفة الغالية في منهجها".
فلم يريد أحدمن الكاتب أن يتوقف عن النقد لهذه الفرق، ولكن حتى تكون عادلا اعط غيرك نفس الحق الذي أعطيته لنفسك، حق الأخر الشيعي والرافضي كما سميته والصوفي المنحرف كما سميته أيضا في نقدك، وهنا سوف تتفق مع العصرانية التي تهاجمها او مع المعتزلة الذين تهاجمهم لأن هذا هو مفهوم الحرية إما تسمح بنقد الجميع للجميع وإما تتوقف عن نقد الجميع.

شارك