إعلان قبائل سيناء تسليحَ أبنائها لمواجهة الإرهاب.. مخاوف.. وضوابط

الثلاثاء 05/مايو/2015 - 02:59 م
طباعة إعلان قبائل سيناء
 
بعد إعلان قبيلة الترابين تسليح أفرادها وتكوين ميليشيات مسلحة لمواجهة الإرهاب في سيناء، وتلبية بعض القبائل السيناوية لهذه الدعوى ما هو رأي الشارع المصري الذي لا يعرف عن سيناء قديما سوى أنها تلك الأرض التي كان يحتلها العدو الصهيوني، وأنها أرض الفيروز، فمعظم المصريين لم يكن باستطاعتهم السفر إلى سيناء منذ تحريرها وحتى خلع مبارك من الحكم؛ نظرا للتشديدات الأمنية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى محاولة تصوير سيناء بأنها أرض سياحية ليس بها أي نشاط آخر سوى مجموعة من السياح الأجانب الذين يأتون للتعري في سيناء، هذا ما ترسخ في عقلية تلك الجماعات المتأسلمة، وفي وقت سابق كانت قبيلة الترابين بشمال سيناء، دعت بقية القبائل للاتحاد والتكاتف ضد ممارسات ما يسمى بتنظيم "وﻻية سيناء" أنصار بيت المقدس سابقًا.. 
إعلان قبائل سيناء
وأصدرت الترابين بيانًا رسميًّا لها جاء فيه: "لقد بلغ الصبر مداه أمام ممارسات الجماعات المتطرفة، التي تحسب نفسها على الإسلام ظلمًا وعدوانًا، فقتلوا الرجال بتهم ملفقة، واستباحوا الحرمات، وحولوا الأرض المقدسة المباركة إلى ساحة حرب، في خدمة أجندات خارجية..". "وأضاف البيان: "إنه بعد التعدي الغاشم مما يسمى بـ(ولاية سيناء) على الحرمات التي دونها الرقاب، أصبح بيننا وبين التنظيم ثأر لن يهدأ ولن يستكين، إلا بالانتقام ممن استباحوا حرمة النساء والبيوت، فلقد اتخذ الأمر معنا منحى (قبليًّا)، وعليه تدعو قبيلة الترابين كل أبناء القبائل الشرفاء، لتوحيد الصف والتصدي لهذا التنظيم الذي بات يهدد كل الوطن وليس سيناء فقط، وأن يكون التصدي فعلًا وليس قولًا، حتى ننهي الأمر الذي بدءوه، ونخلص الوطن وأهله من هذا الورم السرطاني الذي تفشى في جسد سيناء..".
وردا على إعلان الترابين فقد حذر خبراء وسياسيون وعسكريون من تسليح القبائل في سيناء.

أصوات تنادي بتسليح القبائل

أصوات تنادي بتسليح
حذر خبراء عسكريون من الاستجابة لمطالب قبائل سيناء بالتسليح للتصدي للتنظيمات الإرهابية في سيناء، بعد أن ارتفعت أصوات قبلية للثأر من تنظيم "أنصار بيت المقدس" الإرهابي، الذي أعدم العشرات من أبناء سيناء، وطارد آخرين، ودمر منازلهم، بتهم التعاون مع الجيش والشرطة !
ورفضت القوى السياسية والشعبية في مصر، تسليح القبائل في سيناء، خشية اشتعال حرب أهلية، وانتشار السلاح "بصورة شرعية" بين الأهالي، فضلا عن أن القوات المسلحة المصرية تحاصر حاليا فلول الإرهابيين، الذين ينتهجون الآن مسيرة "الذئاب المنفردة" لعدم القدرة على تنظيم صفوفهم المشتتة بين جبال سيناء.. وفي نفس السياق، أعلن تحالف "شباب القبائل والعائلات" بسيناء، في بيان يحمل الرقم 11، عن مكافأة قدرها مئة ألف جنيه مصري، لكل من يدلي بمعلومات عن شادي المنيعي، زعيم تنظيم بيت المقدس الإرهابي، ومليون جنيه مصري لمن يأتي برأسه..
ويؤكد اللواء أركان حرب، عبد المنعم سعيد، الخبير العسكري، أَنَّ دعوةَ قبيلة «الترابين» قبائلَ شمال سيناء للتوحد، وإصدارها بيانًا تدعو فيه لمحاربة التنظيم الإرهابي، بعد استباحته الحرمات وتهجمه على المنازل والنساء؛ يعد خطوة مناهضة للتنظيم، ورفض واضح لتهديداته.. وقال اللواء سعيد: إن الصحوة التي تشكلها القبيلة تعتبر تطورًا إيجابيًّا يجب أن يحظى بمساندة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، كما أن التعاون بين قبيلة الترابين والقبائل الأخرى مع القوات المسلحة، سيعطي نتائج جيدة أمام المواجهة المسلحة.

تحذيرات من تسليح القبائل

تحذيرات من تسليح
من جانبه حذر الخبير العسكري اللواء حمدي بخيت، من أي دخول للقبائل على خط المواجهة؛ لأن ذلك سيؤثر في دور الدولة سلبًا، وتتحول المنطقة إلى صراع قبلي واقتتال أهلي يصعب السيطرة عليه.. وقال اللواء بخيت: إن القبائل تتحمل أدوارًا مهمة ومسئوليات كبيرة تجاه مجتمعها بالتصدي لتلك التنظيمات المسلحة سواء بمعاقبة من يتعامل ويتعاون مع ما يسمى بـ"ولاية سيناء"، أو بالتعاون مع الدولة للكشف عن تلك التنظيمات وأماكن اختبائها وطرق تمويلها ومناطق تمركزها.
إعلان قبائل سيناء
ويقول الخبير الاستراتيجي اللواء مجاهد الزيات: إن السياسات الأمنية ترفض أي محاولات من قبل المواطنين لمواجهة العناصر الإرهابية، أو أي شكل من أشكال الخروج على القانون؛ لأن مواجهة الإرهاب على الأرض من صميم عمل أجهزة الأمن وحدها، ودور المواطنين هو إمداد تلك الأجهزة بالمعلومات المتوفرة عن أي أشخاص على علاقة بهؤلاء المتطرفين.. وأضاف: نحن أمام حقيقة لا تقبل الشك وهي أن القوات المسلحة المصرية قادرة على تصفية البؤر الإرهابية في سيناء؛ ولذلك فإن الاستعانة بالقبائل أمر مرفوض؛ لأن ذلك يمس هيبة الدولة ويؤدي إلى نشوب حرب أهلية.
إعلان قبائل سيناء
ويرى الباحث المتخصص في شئون القبائل محمد عبد الله، أن قيام قبائل سيناء بحمل السلاح لمواجهة التنظيمات الإرهابية يعني فشل الدولة، في مواجهة الإرهاب، كما يعزز النعرة والعصبية القبلية، مع احتمالية تمددها إلى باقي أنحاء الجمهورية؛ ولذلك يجب التعامل مع القضية، بعقلية واقعية تتخذ الأمن القومي وفقط محددًا في التعامل.. وقال "عبد الله": إن الولايات المتحدة الأمريكية راهنت على التفتيت الطائفي وفشلت، وراهنت على الحكومات الإسلامية وفشلت، وهي الآن تلعب بورقتها الأخيرة في مصر، عن طريق زرع التطرف وكراهية النظام، في قلوب أبناء القبائل وتعزيز فكرة الانفصال.. وأضاف الباحث في شئون القبائل: "إن القبائل كانت هي كلمة السر، في انهيار النظام في باكستان وأفغانستان، ثم تم استنساخ النموذج الأفغاني لتنفيذه في العراق، وها هو يتم إعادة تنفيذه في ليبيا، وبعضهم يستبعد أن يتم ذلك في مصر، لكن الواقع يقول: إن هذا ليس مستبعدًا، خاصة وأن كل الدراسات الخاصة بتقسيم العالم العربي، من وجهة نظر مراكز الدراسات الأمريكية، تعتمد على ملف القبائل والعصبية العرقية والطائفية، ومصر ليست استثناء، كما أن أمريكا والصهيونية عينهما على المناطق الرخوة جغرافيًّا وفكريًّا، وهي القبائل".

إعلان وفاة الدولة

إعلان وفاة الدولة
في البداية حذر أشرف البربري، في مقال بجريدة "الشروق"، تحت عنوان: "الخطأ القاتل"، الخميس، قائلًا: "الآن وصلنا إلى أم الخطايا التي لا يمكن الصمت عليها، وهي السماح لقبائل سيناء بحمل السلاح تحت سمع وبصر الدولة، بدعوى المشاركة في محاربة الإرهابيين".
وأضاف: "هذا السيناريو البائس هو إعلان وفاة الدولة في سيناء؛ لأن الدولة التي لم تهتم بتوفير متطلبات الحياة الكريمة لسكان منطقة، ولا تستطيع توفير الأمن لهم، لن يكون لها على هؤلاء السكان حق الطاعة، ولا الولاء، مهما امتلأت بيانات القبائل بعبارات الوطنية والانتماء".
وأشار البربري إلى أن "حكم الرئيس السوداني عمر البشير استعان بمسلحي القبائل العربية لقمع القبائل الإفريقية في دارفور فكانت النتيجة حربا أهلية أودت بحياة نحو 300 ألف قتيل بحسب بعض التقديرات. واستعان نظام الحكم العراقي بالقبائل السنية لمواجهة تنظيم القاعدة، فكانت النتيجة ظهور داعش. واستعانت باكستان بمسلحي القبائل ضد الجماعات المسلحة غير الموالية لها في أفغانستان، فكانت النتيجة ظهور حركة طالبان باكستان".
إعلان قبائل سيناء
في سياق متصل قال الدكتور خالد منتصر، في مقال بعنوان "خصخصة مقاومة الإرهاب"، بجريدة "الوطن"، الخميس: "ليس معقولا أن نصل في مرحلة مكافحة الإرهاب لخصخصة الأمن، والحماية وتوزيع دمها على القبائل، بل الوصول إلى مرحلة الفرح الهستيري بدخول قبائل سيناء مجال الحرب ضد الإرهاب، واستعراض الأسلحة، والفوز بأي فوز في الشوارع، والكلام عن مشاركة فرد من القبيلة مع كل مدرعة، وتأجيج لعبة الثأر بين القبائل... إلخ". 
وأضاف منتصر: "هذه العجلة الجهنمية ستعود في النهاية لتحرقنا نحن، وتحرق كل آلياتنا الدفاعية والأمنية". واستطرد: "هل الدولة شبح؟ هل الدولة أحيلت إلى الاستيداع؟ هل قبضة الدولة صارت مرتخية كالعجينة؟ 
إعلان قبائل سيناء
تحت عنوان: "هل دخلت سيناء مرحلة الحرب الأهلية؟"، قال رئيس تحرير جريدة "المصريون"، محمود سلطان: "يبدو لي أن صناع السياسات في القاهرة، يعتقدون أنه يمكن استنساخ "الصحوات" في التجربة العراقية.. أو "شبيحة" بشار في سوريا.. وهو اعتقاد شيطاني.. سيلحق سيناء إلى النموذجين العراقي، والسوري: حرب أهلية لا نهاية لها".
فيما قال عباس الطرابيلي، بجريدة الوفد، الخميس، تحت عنوان: "حرب القبائل.. مرفوضة": "في الوقت الذي نطالب فيه بمشاركة شعبية، في مواجهة الإرهاب، نرفض سحب قبائل سيناء إلى حرب قبلية ضررها أكبر من نفعها". وتابع: "إياكم وإشعال الحرب بين هذه القبائل، خصوصا في المناطق الحدودية الحساسة؛ لأن الخطر، كل الخطر، أن ترفع القبائل أسلحتها في وجه بعضها البعض؛ لأن ذلك يعيد إلى الأذهان عصر غارات القبائل، وغزوات بعضها على بعضها، مهما كانت الأسباب.. ولأن ذلك-من وجهة أخرى- يسقط هيبة الدولة.. وينهى سيادتها.. فهمتم.. ولا مش فاهمين؟". وتساءل الطرابيلي: "لماذا نقع في هذا الفخ؟". وتابع: "إننا بذلك نشعل حربًا أهلية في سيناء". واستطرد: "الهدف هنا إشعال حرب القبائل لتزيد بحور الدماء، ويلتهب الصراع، ويصعب السيطرة عليه، بل وتشتعل حرب أهلية بين المصريين في الدلتا، والصعيد". مختتما: "إياكم وحرب القبائل.. فإنها إذا بدأت لا نعرف متى تتوقف".
إعلان قبائل سيناء
ومن جهته أكد الإعلامي إبراهيم عيسى أن "تطوع قبيلة الترابين للثأر من تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء"، هو إنهاء لوجود الدولة هناك، مضيفا: "الدولة كده اتجننت، وبتحول الأمور لحرب أهلية". وأضاف عيسى-خلال برنامجه "30-25" على فضائية "أون تي في"-: "قيام القبائل بدور الجيش والدولة خطر رهيب بالمنطق السياسي، ويحول سيناء لمنطقة حرب أهلية"، متسائلا: "إزاي فيه قبائل تاخد دورك انت في مواجهة الإرهاب؟".
واستطرد: "دي كارثة ومصيبة سوداء، ومسخرة". على حد قوله. وتابع: "إشراك القبائل في هذه المهمة سيؤدي إلى حرب أهلية، كما أنه ينتقص من سلطة الدولة، وسيتكرر هذا الأمر في معظم المحافظات، بحجة محاربة الإرهاب". وأضاف عيسى: "نكلم بعد كده عائلتين في الشرقية، وكام عائلة في الصعيد، عشان نواجه الإرهاب.. هذا أمر يأخذنا إلى منعطف في منتهى الخطورة".
كل هذه الردود ولم يخرج لنا حتى الآن متحدث عن وزارة الداخلية أو الدفاع أو مجلس الوزراء ليوضح الموقف الرسمي من مبادرة قبائل سيناء بتسليح أبنائها لمواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة هناك، فهل تتصاعد مشكلات الإرهاب في سيناء وتنجح تلك الخلايا بالتعاون مع الأمريكان في تحويل الصراع إلى صراع قبلي يُدْخِل الدولة المصرية نفقًا مُظلمًا لا يكون لها خيار بعده سوى التقسيم كالتجارب العربية السابقة: السودان، العراق وسوريا؟

شارك