الصوفية المغربية.. في مواجهة تطرف "داعش والإخوان"

الإثنين 18/مايو/2015 - 07:53 م
طباعة الصوفية المغربية..
 
يمثل التصوف الإسلامي جزاء مهما من التراث المغربى وتاريخ المغرب حافل بالأحداث والقصص الصوفية التي شكلت حواضن تربوية  وروحية  للفكر الإسلامى هناك بل تجاوزته الى الجهاد  الوطنى مما شكل حائط صد منيع ضد التطرف  وحاضنة متسعة للتدين  تحت خلال الرعاية الرسمية للدولة.
وفي المغرب تتواجد مئات من الطرق الصوفية، الكبرى منها وتلك التي لا تتجاوز شهرتها دائرة مقرها المحلي  وغالبا ما تتم التفرقة بين الطرق الصوفية "التقليدية" والطرق ذات الطابع الشعبي.

ومر التصوف في المغرب بمرحلتين:

ومر التصوف في المغرب
1- مرحلة التبعية، حيث تم إدخال التصوف ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي من قِبل حجاج الأماكن المقدسة، ولم يكن في تلك الفترة تصوف "مغربي"، لأن رموزه كانوا من الشرق .
2- المرحلة  الشخصية المغربية للتصوف والتي دشنها عبد السلام بن مشيش، الذي درس على يد أئمة الصوفية التابعين  كأبي مدين الغوث وعلي بن حرزهم ولكنه لم  يسلك مسلكهم، بل سعى إلى التميز عنهم، وقد أكمل تلميذه أبو الحسن الشاذلي مرحلة "مغربة" التصوف لتصل ذروتها مع محمد بن سليمان الجزولي. 
وفى  القرن الرابع عشر الميلادي انتقل التصوف من الإطار الدعوي إلى الإطار السياسي، وبدأت المعالم الأولى للطرق الصوفية تتشكل في العهد الموحدي ليكتمل هذا التشكل مع أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الذي يعتبر مؤسس أول طريقة صوفية في المغرب جراء التحولات التي طرأت على بنية المجتمع وأصبحت  الطرق الصوفية  مصدر للحكم والسياسية في المغرب ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي واستطاعت على مدار تاريخها أن تصدر التنشئة السياسية الى المجتمع المغربى من خلال  مريدو زواياها  ومواجهة الطرف السياسي من خلال الانكفاء والانشغال بالدين بمفهومه الطقوسي والشعائري بعيدا عن الاهتمام والخوض في أمور الشأن العام.

جدلية الصوفية في مواجهة التطرف:

جدلية الصوفية في
وبالرغم من أن البعض يصفها بالسلبية السياسية التي تؤدي إلى تزايد عدد أعضاء التيار الديني الشعبي الموالي للسلطة السياسية،  وأنها بذلك  تشكل أحد الروافد الأساسية لجلب التأييد وإحياء الولاء الديني والروحي لأمير المؤمنين الا انها أصبحت  استراتيجية غير مكتوبة  لإعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب،  أستطاع تفعيل التصوف كمحدد للسلوك،  في  مواجهة التيار السلفي الجهادى المصدر للإرهاب الداعشي والإخوانى 
 وهذا ما أكد عليه العديد من الباحثون من أن تشجيع الحركة الصوفية بطرقها وأنماطها المختلفة  كانت وسيلة ناجحة لمواجهة التطرف والغلو الديني الذى  تحول  إلى ظاهرة إقليمية ودولية يُغذيها فكر ظلامي إرهابي يسـيء إلى الإسلام والمـسلمين، وأن التطرف والتشدد الديني تحول إلى خطر جديد يُهدد المجتمعات الإسلامية والعربية مع بروز تنظيمات إرهابية مثل “أنصار الشريعة” و"جبهة النصرة"، وتنظيم “داعش” الذي تمدد وتوسع لتصل تأثيراته إلى منطقة المغرب العربي.

الصوفية حل للتطرف:

الصوفية حل للتطرف:
وقال الدكتور عزيز الكبيطي إدريسي الباحث بالمركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية  "إن دور الحركة الصوفية في محاربة التطرف والتشدد والغلو، هو دور لا ينكره أحد و أنه عبر التاريخ الإسلامي، كان الصوفيون يمثلون الإسلام الوسطي المعتدل الذي يحافظ على الثوابت الدينية، وفي نفس الوقت ينفتح على الآخر ويتعايش معه بغض النظر عن ماهية الآخر باعتبار أن المعيار الحقيقي للإسلام هو التقوى.
وأعتبر الدكتور عطا أبو رية أستاذ التاريخ الإسلامي والمستشار الثقافي لجامعة الطائف إن هذا الزخم يجعل من الطرق الصوفية في المغرب أهمية فاصلة في الأوضاع الراهنة لجهة تكريس التربية السليمة لتحصين الأجيال وغرس التمسك بروح التسامح والاعتدال وإن أحد أهم وأبرز التحديات التي تواجه المنطقة العربية الآن هو قيام التنظيمات الإرهابية على تكثيف استقطابها لفئة الشباب والتغرير بهم والزج بهم في متاهات مظلمة و أن الزخم التراثي للطرق الصوفية كفيل بأن يجذب الشباب إليها، وبالتالي إفراغ خطاب التيارات السياسية الدينية المتطرفة من محتواه المليء بالغلو الديني، من خلال التركيز على روحانية الحياة الصوفية والدور الاجتماعي الذي تلعبه الحركة الصوفية، وهو مدخل أساسي من شأنه إفقاد تنظيمات الإسلام السياسي بمختلف تياراته وخاصة جماعة الإخوان أحد أهم روافدها، أي البعد الاجتماعي الذي كثيرا ما تتفاخر به تلك التنظيمات.

الصوفية أداة الدولة المغربية:

الصوفية أداة الدولة
وعلى الجانب الاخر يرى  فريق  من الباحثين  أن الدولة المغربية  تستعمل الطرق الصوفية لإعادة ارتباط المغاربة بما يعرف باسم "الإسلام الشعبي" الذي افتقدوه أمام هجمة الإسلام المتشدد القادم من الشرق والذي زاد من انتشاره وسائل الاعلام خاصة الفضائيات والاقراص المدمجة
وأشار منار السليمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط  الى ان المساجد والحركات الصوفية في اطار الاسلام الشعبي مرتبطة بالبنية الاجتماعية للمجتمع وأن  طبيعة نظام الحكم في المغرب الوراثي كان لابد لها أن تتعامل مع الزوايا (المساجد) في إطار الاسلام الشعبي بحيث كانت تلعب الزوايا دور التأطير وادماج الفئات الضعيفة وفئات المعدمين في المجتمع و أنه في مرحلة ما بعد استقلال المغرب 1956  الزوايا لم تعد تثير الاهتمام على مستوى النقاشات السياسية كما في السابق لعدة أسباب من بينها أنها لم تطور أدواتها مما جعل خطابها يفشل في الصمود أمام غزو الاسلام المتشدد القادم من الشرق مع بداية ثمانينات القرن الماضي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية بالإضافة الى تيارات أخرى كالسلفية الوهابية التي شجعتها الدولة في البداية لضرب التيار الشيعي."
 وشدد  محمد ضريف المحلل السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية  على أن الدولة المغربية بدأت تستعد لمواجهة المد المتطرف بعد عام 1979 م ولعبت على تناقضات الحقل الديني اذ استعملت التيار السلفي الوهابي لمواجهة التشيع وفي عام 2001 م بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة تبين للدولة أن الخطر قادم من التيارات السلفية وهنا بدأت تفكر في اعادة توجيه دور الزوايا و ان هذا الاتجاه الجديد للزوايا يصب في مجال اهتمام الدولة اذ تبين لها  أن الاسلام الرسمي ممكن تدعيمه من طرف الحركات المتصوفة لأنه يقترب من تصورها وأصبح مطلوب من التصوف أن يقدم تصور الدولة عن الاسلام المنفتح المعتدل الذي لا يتدخل في السياسة".
الصوفية المغربية..
وشدد  محمد ضريف المحلل السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية  على أن الدولة المغربية بدأت تستعد لمواجهة المد المتطرف بعد عام 1979 م ولعبت على تناقضات الحقل الديني اذ استعملت التيار السلفي الوهابي لمواجهة التشيع وفي عام 2001 م بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة تبين للدولة أن الخطر قادم من التيارات السلفية وهنا بدأت تفكر في اعادة توجيه دور الزوايا و ان هذا الاتجاه الجديد للزوايا يصب في مجال اهتمام الدولة اذ تبين لها  أن الاسلام الرسمي ممكن تدعيمه من طرف الحركات المتصوفة لأنه يقترب من تصورها وأصبح مطلوب من التصوف أن يقدم تصور الدولة عن الاسلام المنفتح المعتدل الذي لا يتدخل في السياسة".
الصوفية المغربية..
واليوم تراهن السلطة في الرباط بقوة على الطرق الصوفية من أجل التصدي للتطرف الديني في شكله السلفي  المندفع نحو العنف ومما دعم من هذا الاتجاه الأسباب التالية: 
1- أن التراث الصوفي المغربي قد تجذر في  التربة  المغربية  مما أهله للعب دور هام في الحياة السياسية 
2-  ساهم التصوف في تشكيل الشخصية المغربية واثرائها  مما أهله لهذا الدور الفاعل في الحياة السياسية المغربية 
3-  اقتناع الدولة المغربية بالتصوف كوسيلة في مواجهة التطرف بالتصوف 
4- شكل الثقل الاجتماعي والثقافي للتصوف  اشكالية وسط النخب السياسية  مما دعم موقف الحكومة في توظيفه  لملء الفراغ الديني  في مواجهة تيار الاسلام السياسي 
5- مازال التصوف في مرحلة  "التجربة المغربية"  وهو ما يثير الجدل حول إمكانية أن يلعب نفس الدور  في باقي البلدان الاسلامية   كحل وبديل
6-  شكل التصوف  حالة من الهروب لبعض الشباب من الاحباط السياسي  والانسداد الاقتصادي والاجتماعي 
وبالتالي فإن النظام المغربي نجح إلى حد بعيد في دمج الصوفية  في الحياة السياسية في مواجهة السلفية الجهادية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام  2001 م وكان اختيار  احمد التوفيق وزيرا للأوقاف  وهو ينتمي الى الزاوية البودشيشيه دليلا على انحياز الدولة المغربية لخيار التصوف في مواجهة الاسلام السياسي والمتطرف أيضًا وهذا يعني أن ثمة توجها لتوحيد الصوفية المغربية في إطار من المشتركات العامة تمهيدًا لإنشاء هيئة دولية للصوفيين في العالم ،  على غرار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مع بعض الاختلافات وبذلك  يكون النموذج المغربي في تبني التصوف وتشجيعه قابلًا للتعميم في دول كثيرة  مثل  مصر، ولكن يبقى الاختبار الصعب هل التصوف قادر بالفعل على التمدد داخل المجتمعات والتأثير فيها ومواجهة التطرف.

شارك