محمود حمدي زقزوق.. و"الفكر الديني وقضايا العصر"

الخميس 02/أبريل/2020 - 10:36 ص
طباعة محمود حمدي زقزوق.. حسام الحداد
 
ارتفعت الأصوات في الآونة الأخيرة مناديةً بتجديد الخطاب الديني، وبعد صراع طويل بين المنادين بتجديد الخطاب الديني والمؤسسات الدينية الرسمية من ناحية ومن ناحية أخرى تلك الجماعات التي تعتمد التقليد والماضوية منهجاً فكرياً، حتى أصبح الفكر العربي بصفة عامة يغط في حالة من النوم الطويل، وفي آخر الأمر ومع أول كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي، منادياً بتجديد الخطاب الديني، بعد ما هددت مصر تلك الجماعات التي تتخذ من الدين ستاراً للقضاء على الدولة المصرية أو تسيطر عليها، فأصبحت المعركة عالية الوطيس، تُفقد فيها كل يوم أرواح جديدة، تُضم إلى شهداء الوطن في محاربة هذا الإرهاب، الذي يستند في غالبيته العظمى إلى تلك الفتاوى القديمة والتي تخرجها تلك الجماعات من سياقاتها التاريخية.
وربما أن هذا ما دعا د. محمود حمدي زقزوق إلى المواجهة، والإدلاء بدلوه في تلك القضية المصيرية التي تواجهنا.  في كتابه " الفكر الديني وقضايا العصر".
ورغم أن الكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في سنة 2012، وأن مياهًا كثيرة جرت في نهر الإرهاب ولم تكن ظهرت على السطح تلك الجماعة التي تُسمي نفسها تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش"، إلا ان ما خطه د. زقزوق في هذا الكتاب جدير بالقراءة والتدبر.

في رحاب الكتاب:

وبداية من مقدمته المختصرة إلى حد بعيد يبدأ الدكتور زقزوق الاشتباك مع الفكر الديني وليس الخطاب، اذ يؤكد على الخلل الذي أصاب الفكر الديني منذ وقت بعيد، فهو على حد قوله ليس وليد اللحظة فيقول: "لا جدال في أن هناك خللاً ما في الفكر الديني المعاصر، ولكن هذا الخلل ليس وليد اليوم، فهو خلل يمتد لقرون عديدة سابقة شهدت تراجع الحضارة الإسلامية. وقد انعكس هذا التراجع على الفكر الديني إن لم نقل إن تخلف الفكر الديني كان أحد أهم أسباب هذا التراجع. ويدل على ذلك أن جهود العديد من المصلحين على مدى القرون الماضية قد انصبت على إصلاح الفكر الديني اقتناعاً منهم بأن إصلاح الفكر الديني هو السبيل إلى اصلاح الفكر بصفة عامة، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بدوره على أحوال الأمة في شتى أنحاء العالم الإسلامي، ولأول مرة نجد عالماً من المؤسسة الدينية الرسمية يعترف بحقيقة التراجع والخلل الذي أصاب الفكر الديني على مدار قرون سابقة.
ويستطرد "د. زقزوق" مناقشة الفكر الديني  بالفصل الأول والذي عنونه بـ "الفكر الديني والحقائق الغائبة" حيث يتضمن معنى "تجديد الفكر وأهميته من ناحية ثم يشتبك مع هذا التيار الذي يصر على الثبات ويعتبر كل تجديد انما هو نوع من التخلي عن الديني وأن ما قدمه الأولون لا يستطيع الآخرون الإتيان به، وأن أسلافنا قد امتلكوا الحقيقة كاملة، وما علينا سوى أن ننهل من علمهم، فيقول "ولكن التيار الأعظم من علماء المسلمين على مر العصور وقف عقبة في طريق أي تجديد، ناهيك عن أي اجتهاد. ومن هنا تجمد الفكر الديني وتجمد الاجتهاد، ووقف الفكر الديني عند فترات التراجع الحضاري يجتر من تراثها ويعود باستمرار إلى ما أفرزته من جمود فكري متحجر، فالدين في عرف هذا التيار ليس في حاجة إلى تجديد أو اجتهاد جديد، وذلك في تحد واضح للمأثور النبوي..، وترسيخاً لهذا الفهم المتخلف في الفصول انتشرت بين المسلمين مقولات تقول: "ليس في الامكان أبدع مما كان"، "ولم يترك الأول للأخر شيئاً" ويستكمل د. زقزوق خطابه في هؤلاء العلماء فيقول: "وتقنع الغالبية العظمى من علماء الدين في عالمنا العربي والإسلامي بما لديهم من علم قديم وثورة على الأسلاف، وينامون خريري الأعين يغطون في سُبات عميق لا شأن لهم بما يدور في عالم اليوم، يسخرون من دعاة التجديد ويعتبرونهم مارقين خارجين عن جادة الصواب، أما غيرهم ممن يحتكرون "الإسلام" لأنفسهم ويقصون غيرهم من ساحته فكل همهم هو الحصول على مكاسب سياسية تصل بهم إلى كراسي الحكم. وهكذا يتجنى هؤلاء وأولئك على الإسلام أكثر من جناية خصومه عليه".
*وينتقل د.زقزوق من الفكر الديني إلى مفهوم آخر أولى بالإيضاح لهؤلاء العلماء وتلك الجماعات ألا وهو "مقاصد الشريعة" حيث إن إيضاح هذا المفهوم يعد عاملاً مهما، بل يكاد يكون العامل الرئيس الذي يحدد الإنسان بناء عليه علاقته مع العالم.
فيقول: "الاسلام ليس هو هذا الجانب الشعائري فقط، انه اكبر من ذلك بكثير، فهذه الشعائر – في حقيقة الأمر – تعد وسائل لغاية كبرى. فمن المعلوم أن الإنسان لا يعيش وحده في هذا الكون، ومن هنا فإن علاقته في هذا الوجود تدور في دوائر ثلاث تنحصر في علاقته بنفسه، وعلاقته بالآخرين من بشر وكائنات حية وغير حية، وعلاقته بخالق الكون وهو الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يبذل جهده في سلامة هذه العلاقات واستقامتها وتحقيق المصالحة مع ذاته والآخرين ومع الله سبحانه وتعالى، ومن شأن الشعائر الدينية أن تدرب الإنسان على تحمّل مسئولياته في هذا الصدد، فإذا لم تفلح في ذلك فلا خير فيها".
ويستطرد د.زقزوق للوصول إلى تعريف المقاصد بقوله: "ويمكن إجمال المقاصد الشرعية من الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية في كلمة واحدة تعد عنوانا على الإسلام ذاته، وتعني بذلك قيمة "الرحمة" التي جعلها القرآن الكريم الهدف الأسمى من الرسالة الإسلامية كلها، وذلك في قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" والتي تعد قمة منظمة القيم الإسلامية" والتي تصل بنا هذه القيمة إلى ثلاثة أمور تؤكد عليها مجمل الأحكام الإسلامية أولها العبادات التي شرعها الله تهذيباً للنفس الإنسانية لتجعل من الفرد مصدر خير للجميع وثانيها إقامة العدل بين الناس دون استثناء حتى مع الأعداء وثالثها تأكيد المصلحة الحقيقية للناس في دنياهم وأخراهم ومن هذه الأمور الثلاثة شرع الاسلام من الأحكام ما يحمي هذه المصالح التي تبلغ الحاجة إليها مبلغ الضرورة ولا تقوم حياة الناس بدونها. وهذه المقاصد الضرورية تتلخص في خمسة مبادئ هي حماية النفس والعقل والدين والنسل والمال. وحياة الانسان في هذه الدنيا تقوم على هذه الأمور الخمسة التي تعد ضروريات لازمة للإنسان من حيث هو انسان، كما تعد اصولاً راسخة لحقوق الانسان العامة التي ينادي بها المجتمع الانساني في العصر الحديث والتي لا تتوافر الحياة الانسانية الرفيعة إلا بها.
وينتقل بنا د.زقزوق إلى مفهوم من ضمن المفاهيم الهامة التي يناقشها في كتابه الا وهي (الاجتهاد والتقليد وفقه الواقع) اذ يؤكد على أهمية الاجتهاد بالنسبة للدين والحياة، كذلك يبين اهمية الفروق والاختلاف في القضية الواحدة لدى الفقهاء اذ يقول: "... ومن المعروف ان النصوص التي يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن وقائع الحياة ومستجدات كل عصر، ومن أجل ذلك فإن انزال النصوص على وقائع الحياة يتطلب عقلاً راجحاً وأفقاً واسعاً وفقها واعياً. وقد أدرك علماء الأمة وفقهاؤها ذلك جيدًا منذ الصدر الأول للإسلام، وأعملوا عقولهم في فهم النصوص من جانب، وفي إنزالها على وقائع الحياة من جانب آخر، والتمكن من هذين الجانبين يعد أمراً ضرورياً للتوصل إلى رأي فقهي سديد".
ونظراً لأن العقول تتفاوت والأفهام تختلف في ادراكها وتصوراتها كان من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الآراء بين المجتهدين على مر العصور.
ومن هنا نشأت مذاهب الفقه الإسلامي المتعددة. وكان ذلك تيسيرًا على جمهور المسلمين، وانتشرت بينهم عبارة "اختلافهم رحمة".
وهكذا كان مبدأ الاجتهاد فتحاً جديداً في تاريخ التشريع الإسلامي، ويستطرد د.زقزوق مبينا استمرارية الاجتهاد وأهميته وأضرار التخلي عنه فيقول: "والاجتهاد في الإسلام مبدأ مستمر على مدى الأزمان، وليس خاصاً بفترة زمنية معينة، والفقهاء في كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف. وإذا كان صاحب الشريعة قد فتح لنا باب الاجتهاد على مصراعيه فليس من حق أحد كائناً من كان أن يغلق هذا الباب. فإغلاقه يعد إغلاقاً لرحمة الله، وإغلاقاً للعقول ومصادرة على حقها في الفهم والتفكير. وهذا يعني ترك الأمور للتقليد: تقليد الأسلاف فيما توصلوا إليه من فهم كان ملائماً تماماً لعصورهم وملبياً لحاجاتهم. ومن الحقائق التي لا مراء فيها أن الحياة متجددة، فالتجديد سنة الحياة وقانون الوجود، ولا يوجد شيء يبقى على حاله، فحتى خلايا جسم الإنسان تتجدد بصفة مستمرة. وقد أراد الإسلام لنا أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات كل عصر".
وحول العلاقة بين الدين والفلسفة واستخدام العقل يقول "والفهم الصحيح للإسلام لا يمكن أن يؤدي إلى رفض الفلسفة أو يحرم التفلسف الذي يعني استخدام العقل الإنساني. ومن هنا حرص الفلاسفة المسلمون على التوفيق بين العقل والدين وإزالة ما قد يبدو من تناقض بينهما".
وينطلق د.زقزوق من هذه العلاقة بين الدين والفلسفة إلى العقل الانساني ودوره في التقدم الحضاري متحدثاً عن التفكير النقدي وأهميته للتطور الحضاري وقضية الكم والكيف في ميزان العقل والدين إلى الحرية وضوابطها الأخلاقية معرجاً على قيمة الوقت في حياتنا. وهذا ما تضمنه الفصل الثاني من الكتاب.
وفي الفصل الثالث يتناول الكتاب قضايا معاصرة في ضوء تعاليم الإسلام، اذ يؤكد في هذا الفصل على ان الفهم الصحيح للمعاصرة يعني أنها امتداد زمني للتراث تستمد منه مقوماتها وترتكز عليه وتضيف إليه وتبني على قواعده الراسخة، أما المعاصرة التي تبني قواعدها على الرمال فإنه لن يكون لها ثبات ولا استقرار.
وصولًا إلى الفصل الرابع من الكتاب والذي خصصه د. محمود حمدي زقزوق، لواحدةٍ من القضايا التي تشغلنا الآن، وهي قضية الإسلام والغرب والحوار بينهما، حيث يناقش الإسلام والغرب، والحوار الإسلامي المسيحي، ثم حوار التسامح والحوار بين الأديان منتهياً إلى مناقشة ظاهرة الإرهاب في أبعادها ومخاطرها وآليات معالجتها.

شارك