أقليات العراق في بلاد الشتات.. البحث عن ملاذ آمن من شر "داعش"

الخميس 03/سبتمبر/2015 - 05:02 م
طباعة أقليات العراق في
 
يتزايد عدد اللاجئين من أقليات العراق في أوروبا وأمريكا وكندا في ظل تفاقم أوضاعهم من المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين والشبك هاربين من تنظيم داعش الإرهابي وجرائمه الدموية؛ حيث أصبحوا في حالة من التشتت يحاولون التأقلم مع وضعهم الجديد، وفي كندا افتتح الأسبوع الماضي أول كنيسة لهم لطائفة السريان الأرثوذكس، وقام بتدشينها البطريرك قريم الثاني وفي ألمانيا عقد مؤتمرًا موسعًا في المركز الكاثوليكي الإيطالي بمدينة غيلزن كيرشن بغرب ألمانيا حضره عدد من المهاجرين بحثوا فيه مصير الأقليات التي باتت تتدفق على ألمانيا بشكل متزايد.. عقدت الندوة تحت شعار "ضمان حقوق الأقليات ركيزة لمصداقية النظام الديمقراطي". وجاءت في ظل تدفق آلاف اللاجئين على أوروبا بحثا عن الأمن والأمان لا سيما بعد تفاقم الأوضاع في العراق إثر احتلال "داعش" لمناطق شاسعة من أراضيه وقتل وتهجير وسبي سكانها وأغلبهم من الأقليات، التي بات البعض يسميها "الاقليات الصغرى".
وفي الندوة أكد كامل زومايا ممثل منظمة أصدقاء برطلي المعنية بأوضاع الشعب الكلداني السرياني الآشوري في العراق أن الندوة تسعى لإبراز المعاناة للجانب الألماني والأوروبي واطلاعهم على أوضاع الأقليات في العراق، وقال إنه تقدم بورقة لمؤتمرا الحزب الديمقراطي المسيحي تحث على قبول لجوء مزيد من المسيحيين وأبناء وأسر الأقليات العراقية المهجرة والمهاجرة الأخرى التي تتدفق على أوروبا بشكل متزايد، لا سيما أن عمليات تحرير مناطق نينوي وسهل نينوي وسنجار من احتلال "داعش" قد طالت، ومعها تضاءل أمل جميع المهاجرين واللاجئين في العودة إلى وطنهم.

الإيزيديون

الإيزيديون
وشاهدت فعاليات الندوة عرض فيلم "صامدون رغم الإبادات"، الذي عرض مشاهد مؤثرة لما تعرض له المسيحيون والإيزيديون في مناطق نينوي- عاصمتها الموصل- شمال العراق، على مدى عقود من التاريخ الحديث، وآخرها هجمة "تنظيم داعش" التي عُرفت بغزوة سنجار وسمّاها الشبك "فرمان الإبادة رقم 73" .
هذه الهجمة أدت فيما أدت إلى قتل أكثر من 1300 إيزيدي واختطاف عدد مماثل ما زال مختفيًا، واختطاف نحو 3192 امرأة وفتاة وبيعهن في أسواق النخاسة في تلعفر والرقة علاوة على طرد وتشريد أكثر من 400 ألف إنسان وسلب أموالهم وبيوتهم ومصالحهم وهم يشكلون أغلب الإيزيديين الموزعين على مناطق سهل نينوي الشمالي والجنوبي. كشف عن كل ذلك الناشط الإيزيدي حسو هورمي من مؤسسة الإيزيديين في هولندا.
وقالت الناشطة فنار علي: "الهدف من هذه الندوة هو تكثيف الجهود وتجميعها في بوتقة واحدة للعمل على خلق حراك سياسي ودبلوماسي للأقليات في أوروبا بحيث يكون لهم خطاب موحد يجمعهم متفاهمين في المنابر والمحافل الدولية، وتوجيه رسائل إلى الحكومات الأوروبية ومجلس حقوق الإنسان في جنيف". 
فيما أكد ناشطون من المبادرة الإيزيدية عبر العالم أنّ الآمال بعودتهم إلى مناطقهم شمال العراق تتلاشى. وفي هذا السياق تحدث سبهان الشرقي الموجود كلاجئ في ألمانيا منذ 7 أعوام مبينا أنه كان ينتظر بأمل أن يعود إلى سنجار التي ولد فيها، لكنه (بعد الثالث من أغسطس 2014) فقد أي أمل بالعودة بعد أن "ضاعت الأرض والعائلة والكرامة والعرض والشرف، ولا أفكر مطلقا في العودة إلى العراق بعد أن تعرضنا فيه إلى كارثة إنسانية على يد داعش".

المندائيون

المندائيون
وعن المندائيين "شعب الماء الذي لا يحارب، تحدث الناشط ستار جبار رحمن قائلا: إنه "في العراق وقبل عام 2003 عاش نحو 60 ألف مندائي، لم يبق منهم اليوم سوى خمسة آلاف، وهكذا فقد غادر العراق تسعون بالمائة من المندائيين بسبب عمليات القتل والخطف والسرقة". وبيّن رحمن أنّ المندائيين لم يعودوا يسكنون في منطقة معينة بعد أن هجروا موطنهم الأصلي في مدينة العمارة؛ ولهذا السبب لم يتعرضوا إلى عمليات إبادة وقتل جماعي.
وكشف الناشط الصابئي رحمن، أن أعراف المندائيين وديانتهم تحرّم القتل والقتال، وهذا يفسّر لماذا لم يكن لهذه الطائفة ثمة وطن على مدى التاريخ رغم أنها من أقدم سكان أرض النهرين. ثم مضى مبينا أنّ ألمانيا لا تشكل هدفا لهجرة المندائيين، بل يمكن اعتبار أستراليا مقصدا استقرت فيه مجاميع الصابئة التي هاجرت وبات لها هناك "مناد"- جمع مندي وهو المعبد المندائي- وتجمعات كبيرة ومصالح، خاصة أن أستراليا دافئة وفيرة المياه، وهو أمر يتيح للمندائيين ممارسة طقوسهم المرتبطة بالمياه الجارية والأنهار.

الشبك

الشبك
اقتصر حضور الشبك في الندوة على الناشط يوسف محرّم وعلى السيدة فاتن حُنين القدو. وعزا يوسف محرم في حوار مع DW هذا الحضور الخجول إلى أنّ أغلب الشبك الذين وصلوا ألمانيا لم تُحسم ملفات لجوئهم بعد، لذا لا يمكنهم التجول بحرية في أرجاء البلد، فيما لا يغيب عن نظر متابع الشأن العراقي أنّ الشبك مكوّنٌ مسلم شيعي يمكن أن يعتمد على انتسابه المذهبي ويحتمي به في العراق، الذي يشهد نسيجه المجتمعي تآكلا، وتشهد مدنه صراعا مذهبيا وعرقيا متفاقما، وبالتالي فهم لا يرون أنهم أبناء قضية مشتركة تجمعهم بالمسيحيين والإيزيديين والمندائيين، وإن كانت "داعش" قد اعتبرتهم من ضمن "المجوس الرافضة" وأباحت قتلهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم، وهو ما أصابهم في منتصف أغسطس عام 2014.
وأثناء تقديمه ورقة عمل الأقليات في الندوة اعتبر الناشط محرّم أن الشبك يواجهون أخطر تحدٍ يتمثل في أنهم "نزحوا إلى مناطق العراق الشيعية، وهم شيعة المذهب، وبمرور الوقت وبحكم كونهم أقلية ضئيلة سيندمجون في سكان تلك المناطق ويفقدون خصوصيتهم وحتى لغتهم".
أما فاتن، ابنة النائب حُنين القدو ممثل الشبك في البرلمان العراقي والتي تعيش في ألمانيا منذ 14 عامًا، فقد كشفت "أنّ الشبك كقومية تعرضوا إلى اضطهاد كبير في زمن الطاغية صدام، وتفاقمت مأساتهم في هذا العصر بهجمة داعش على مناطقهم وسبيهم وقتلهم وتشريدهم".
السيدة القدو أعربت عن أملها في العودة إلى وطنها، لكنها اعتبرت أن تحقيق ذلك في عراق اليوم صعب جدا، خاصة أن مناطق سكن الشبك واقعة كلها شمال الموصل وفي سهل نينوي، وباتت برمتها تحت سلطة "داعش".

صرخة ألم

البابا فرنسيس بابا
البابا فرنسيس بابا الفاتيكان
تواكب ذلك مع كلمة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان التي أطلقها في عظته العامة هذا الأسبوع وندد فيها مذكراً في "صرخة الألم" التي أطلقها بأن "أجزاء مختلفة من العالم، وحتى في الشرق الأقصى، تستذكر نهاية الحرب العالمية الثانية".
وتابع: "أجدد صلاتي الحارة للرب لأجل الجميع؛ لكي لا يعيش عالم اليوم مجدداً تجربة ويلات ومعاناة مروعة مآس كهذه"، مبيناً أن "هذه هي أيضاً الرغبة الدائمة للشعوب، وبشكل خاص أولئك الذين يسقطون ضحايا للعديد من الصراعات الدموية القائمة، وكذلك الأقليات والمسيحيين المضطهدين".

شارك