صالون الأهرام الثقافي وتجديد الخطاب الديني

الأربعاء 01/مارس/2017 - 02:47 م
طباعة صالون الأهرام الثقافي
 
ناقش يوم أمس الثلاثاء 28 فبراير 2017، صالون الأهرام الثقافي، قضية تجديد الخطاب الديني، بحضور الباحث السوداني، وأستاذ علم الاجتماع، الدكتور حيدر إبراهيم، والناقد الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، والدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة وعميد كلية آداب الزقازيق السابق، والخبير الاستراتيجي بالأهرام، نبيل عبدالفتاح، وأدار الندوة الكاتب محمد سلماوي.
وقبل الدخول في كلمات الباحثين المشاركين في الصالون بورقات بحثية أو بمداخلات وجب التنويه عن الفرق بين النص الديني والخطاب الديني خشية من الاستمرار في الخلط بين المفهومين:
النص هو كل ما ثبت وروده عن الله سبحانه وتعالى وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو فوق المحاسبة والاتهام، ويعتبر أصلا لا يمكن المساس به، فهو نص مقدس معجز صالح لكل زمان ومكان، مرتبط بالوحي، يأتي في مقدمة الأدلة الشرعية والحجج الدينية التي لا يمكن دحضها والمنزهة عن كل تحريف وشبهة. لهذا يشكل النص الديني الشكل الثابت الذي يمثل أساس الدين وكنهه. فالأصل أن كل ما شرع الله فهو باق وثابت لا يتغير سواء كان متعلقا بالعقائد أو بالعبادات أو بالمعاملات أو بالأخلاق.
أما الخطاب الديني هو الخطاب الذي ينطلق من الرؤية الدينية مرجعا، لذلك فهو ما يستنبطه ويفهمه ويفسره الفقهاء والعلماء من النص الديني أو مصادر الاجتهاد. وهو الواسطة بين الناس وبين القرآن والتي توضح الإسلام وما فيه من أحكام، فهو طريقة ومنهاج في التفكير والتصور وفي التعبير عن الأفكار والتصورات.
من هذا المنطلق يتضح الفرق بين النص الديني والخطاب الديني رغم ما يمكن أن يمس المفهومين من التباس وخلط وغموض يجعلهما بمثابة الواحد، فما يميز الخطاب الديني هو معيار الثابت والمتغير ويحكم هذا التمايز كيفية فهمه واعتباره سواء من قبل منتج الخطاب أم من لدن متلقيه، فإذا أريد بالخطاب الديني الوحي (النصوص التشريعية)، وبهذا المفهوم فالتجديد محال والتغيير مرفوض، لأنه ثابت في نفسه وهو ما يضمن استمراريته وفعاليته. أما إذا أريد بالخطاب الديني الحديث عن الوحي والتعبير عنه فهما وتأويلا وشرحا، فهذا هو مبحث التجديد وكنهه ومجال التطور وميدانه.  
وهنا لابد ان نعيد طرح السؤال الذي طرحه علينا نصر حامد ابو زيد في تمهيد كتابه الامام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية، هل يمكن تجديد الفكر الديني دون تناول تراث هذا الفكر تناولا تحليليا نقديا، يتجاوز حدود التناول التقليدي ذي الطابع الاحتفالي الذي يكتفي بترديد الأفكار التراثية بعد أن يقوم باختزالها واختصارها، فتفقد حيويتها وخصوبتها، وتصبح أشبه بالمعرفة المجمدة؟
نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح
وقد قدّم الخبير الاستراتيجي بالأهرام، نبيل عبدالفتاح، مداخلة عن آليات تجديد الخطاب السياسي وتخليصه من العقلية النقلية، وأثر الخطاب السياسي علي الخطاب الديني، والعلاقة بينهما في رسم المشهد الحالي في مصر والعالم العربي، موضحًا، أن موضوع تجديد الخطاب هو من الموضوعات الأكثر حضورًا في الثقافة العربية والمصرية منذ سبعينيات القرن الماضي.
ورأى "عبدالفتاح" أن مصطلح الخطاب واحد من المصطلحات التي أُسيء استخدامها، من قبل بعض الباحثين والكُتّاب، وغالب ما نقرأ هو محض أناقة لغوية أو نوع من المكياج الاصطلاحي، المفارق لمعناه وتوظيفاته ودلالته، ويسبق معه محض إنشاء فارغ في كثير من الأحيان، وبعض أبرز هذه النظريات والمفاهيم تُشكل أحد أبرز علامات عصرها، وبعضها الآخر يظهر ولا ينتشر في لحظة ميلادها، ولكن قد يتم التعرف عليها، واللجوء إليها فيما بعد.
وحالة الفكر والبحث والجدل في الثقافات المصرية والعربية، تعاني من ظاهرة الاستخدام الإنشائي للمصطلحات والخلط الكثيف في توظيفاتها، والأخطر أنها تستعير النظرية أو المفهوم أو الاصطلاح الفلسفي والثقافي، بعد أن يكون قد تم تجاوزه، وهو ما حدث مع مصطلح النص، ثم مصطلح الخطاب، ثم مصطلح الإشكالية ثم مصطلح التفكيكية، ومنذ نهاية عقد السبعينيات في القرن الماضي، بدأ مصطلح الخطاب يدخل إلى الدراسات الفلسفية والاجتماعية، ومذاك أصبح أشهر المصطلحات قاطبة في الإنتاج الفكري وتجازوه إلى الإعلام، وأصبح أكثر الاصطلاحات سوءًا في استخداماته، ويتم الخلط بين تحليل الخطاب وتحليل المضمون على التمايز النوعي والمنهجي.
ويبدو الخطاب حول الخطاب الديني مجروح بالخطأ، لأنه لا يوجد خطاب ديني واحد، حتى وإن انتمى إلى مدرسة أو مذهب، أو فقيه واحد، وإنما يتعدد الخطاب من داخله ووفق منتجه، ومن ثم يبدو الحديث عن الخطاب الديني مثلومًا بعدم الدقة والخطأ، وحتى هذه اللحظة ليس لدينا درس تحليلي معمق للخطابات الدينية الرسمية إلا نادرًا، أو لدى الجماعات الإسلامية السياسية أو السلفيات الجهادية إلا من زاوية سرد لبعض أفكارها دون تحليل.
ومن هنا، يبدو أن الخطاب حول الخطاب الديني غامضًا ومحمولًا على الرغبات السياسية، في ضرورة تطويره أو تجديده أو إصلاحه، وهي أوصاف تطلق على عواهنها دونما ضبط لمعانيها أو استخداماتها، وإنما تساق في الغالب الأعم كمترادفات متماثلة.
وبالتالي، نحن أمام خطاب أو خطابات حول تجديد الخطاب الديني، ظل كما هو في بنيته ومقولاته ومرجعياته واصطلاحاته وصراعاته الداخلية، وما وراءه وما حوله من خطابات، ومن ثم ظل دونما إصلاح أو تجديد أو تطوير.
وتصوّر "عبدالفتاح" أن المطالبين بإصلاح وتطوير الخطاب الديني، يتناسون أن الخطاب هو أحد منتجات العقل والفكر الديني، ومن ثم كيف يمكن إحداث المطلوب من الإصلاح أو التجديد دون تجديد في بنية العقل والفكر وآلياته وقضاياه؟.
الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور
وقال الدكتور جابر عصفور في كلمته، متحدثًا عن الفكر بشكل عام، إن الفكر في الوطن العربي حاليًا فكر "متخلف" ينأى عن التقدم كليًا، تتبلور مظاهر تخلفه في أربعة أوصاف، وهم؛ الفكر الماضوي، والفكر الاتباعي، الفكر المقموع، وأخيرًا، الفكر المبتور الذاكرة، معتبرًا، أن هذه الأسباب الأربعة مُبرر قوي للأزمة الحادة التي يمر بها الفكر العربي حاليًا بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص.
ولا يظن "عصفور"، أن هذه "الكوارث الأربعة" كما سماها، هي بنت الآن، وإنما هي عميقة جذور، مُنذ زمن بعيد، ومن بعد نكسة 1967، تفشت مظاهر هذه الأربعة.
وفنّد "عصفور" في حديثه، هذه المظاهر، وعرّف "الفكر الماضوي"، بأنه فكر يقيس على الماضي، ويتجاهل المستقبل، وكأن التاريخ لا يتحرك إلى الأمام وإنما يتحرك إلى الخلف، واستشهد بالكتب الموجودة في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، في دورته الــ48، مشيرًا إلى أن الكتب التي تهتم بالثقافة المستقبلية نادرة، وتكاد لا تكون موجودة، ومعظم الكتب تعيش في الماضي وتتحدث عن الماضي، وتساءل: كم مثقف وعالم مختص بدراسة الثقافة المستقبلية؟
وتصوّر "عصفور" أن أسباب جنوح الفكر العربي إلى الماضي، يُمكن أن تتمثل في الخوف من الماضي، والحظر منه، وألفة الماضي، والاستناد إليه، وكذلك هناك أسباب اجتماعية ودينية وسياسية تدفع الفكر للماضوية، ولطالما نؤمن بأن الماضي هو الأجمل والأمثل لا فائدة، وسيظل الفكر العربي فكر متخلف، وفيما يتعلق بـ"الفكر الاتباعي"، رأى أن الفكر يتجه إلى التقليد دون أي وعي نقدي أو أي مسائلة، والحكومات تأتي بنفس النظام، تقلد بعضها البعض دون أي إبداع أو ابتكار في الفكر.
ودلل على "الفكر المقموع"، بواقعة كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي ألّفه الشيخ على عبدلرازق عام 1925، وقامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذا الكتاب الذي يُهدد حكم الملك فؤاد، ويعصف بطموحه، وينفي وجود نص يدعو إلى الخلافة الإسلامية، فتحالف الأزهر آنذاك مع الملك فؤاد، وفصل على عبدالرازق، وسحب منه شهادة العالمية، وفصله من عمله.
والعبرة من هذه الواقعة، كما يؤكد "عصفور"، أن تحالف السياسة مع الدين يعصف بالحرية.
الباحث السوداني حيدر
الباحث السوداني حيدر إبراهيم
وقد قدّم الباحث السوداني حيدر إبراهيم ورقة عن السياق الاجتماعي لتجديد الخطاب والفكر الديني في العالم العربي في الوقت الراهن، انطلاقا من صعوبة تجديد الخطاب بمعزل عن السياق الاجتماعي وفقه الواقع.
انطلق الدكتور حيدر إبراهيم، من نقطة السياق الاجتماعي لتجديد الخطاب والفكر الديني في العالم العربي، مشيرًا، إلى أن المجتمعات العربية تشهد حالة في حالات الركود، وهذه المجتمعات الراكدة تنعكس على طريقة التفكير، وإنتاج القوة التي يمكن أن تقوم بعملية التجديد.
ورأى أن عملية التجديد ليست نوعًا من النشاط النخبوي، وإنما هي ضرورة اجتماعية، يجب أن يكون نابعًا من حياة الناس ورغبتهم، كذلك يقتضي على النخبة المصرية أن تجنح إلى تغيير نفسها بنفسها، وتصبح أكثر قدرة على الالتحام بالواقع والاندماج معه، والمقدرة على التأثير في السلطة وصناعة القرار.
واستشهد "إبراهيم"، في حديثه، بتجربة النخبة في أمريكا اللاتينية، حيث استطاعوا من خلال نضالهم وأفكارهم في التأثير في الكنيسة الكاثوليكية، وجعلوها تتحدث بلغتهم وتروج لأفكارهم، مشيرًا، إلى أنه للأسف يحدث العكس في العالم العربي، حيث تُجر النخبة العربية إلى الميدان الفكري الخاص بالمتدينين، لتصبح السلطة الدينية هي الأقوى.
وبالنسبة لعملية التجديد، رأى "إبراهيم"، أن المحافظين وقفوا ضد الفكر المُجدد، وموقف السلطة الدينية من عملية التجديد معروف، حيث ترفض التجديد من الأساس، موضحًا، أن المجتمعات لن تتغير من مرحلة الركود إلى الحداثة والعقلانية والعلمنة إلا برغبة المجتمعات نفسها.
وتطرق "إبراهيم"، إلى عوائق التجديد، معتبرًا، أن الخوف من التجديد أحد أبرز العوامل التي تعيق عملية التجديد، حيث يفضل الارتكان إلى ما هو معروف، كذلك تُعد قضية التعليم، قضية مهمة عربيًا لدفع المجتمعات إلى التجديد.

شارك