المسيحيون العرب حضور وحضارة.. في كتاب جديد

الأحد 06/يناير/2019 - 03:07 ص
طباعة المسيحيون العرب حضور
 
اسم الكتاب - المسيحيون العرب حضور وحضارة  
الكاتب – عماد توماس
الناشر – المؤلف - 

يتتبع  الكتاب حضور المسيحيين العرب وإسهاماتهم في التاريخ بداية من العصر الأموي والعباسي مرورًا بالعصر الفاطمي والمملوكي والعثماني حتى العصر الملكي والجمهوري وصولاً إلى ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، لافتًا إلى أن الهدف من هذا الكتاب هو التعريف بالمسيحية العربية ودورها كجزء أصيل من تاريخ الأمة وذاكرتها، بالإضافة إلى تذكير الأجيال الناشئة بتاريخ أجدادهم، صناع الحضارة، ليفتخروا به ويسيروه على نهجه، فمن ليس له ماضي ليس له مستقبل، ومن نسي تاريخه نساه التاريخ.
وفي تقديم للكتاب قال الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة الأسبق، أن مؤلف الكتاب عماد توماس يشتبك مع قضيتين مختلفتين لكنهما متماستان: إسهام المسيحيين العرب في بناء الحضارة العربية في العصر الإسلامي، والحضور المسيحي في مصر في عصورها المختلفة منذ اندماجهما في الثقافة العربية حتى يومنا هذا. وانطلق المؤلف من واقع مرير يتمثل في جهل كثير من المصريين بجزء مهم من تاريخ الوطن، أعني الحقبة القبطية، التي تكاد تتجاهلها مناهج التعليم العام، كما تغيب عن الدراسات الأكاديمية في الجامعات المصرية، فيحاول عماد توماس أن يقدم للقارئ جانب من جوانب التاريخ الثقافى والحضاري لمصر، ذلك الجانب المتعلق بالإسهام المسيحي في بناء ثقافة هذا الوطن.
وشارك أيضًا في تقديم الكتاب، الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب - جامعة القاهرة، والذي قال أن هاجس الحاضر قد لعب دوره، بشكل مباشر أو غير مباشر في دفع المؤلف إلى الكتابة في هذا الموضوع المثير عن حضور المسيحيين العرب في الحضارة العربية إذ طرحت مسألة المواطنة والهوية بشدة في الفترة الأخيرة، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي، ومحاولة نفي الآخر، الآخر الديني، أو العرقي، أو المذهبي. وأحس الجميع بالخوف على ضياع تراث العيش المشترك، وهو الذي أطلق عليه عماد توماس "الحضور المسيحي في الحضارة العربية. وأشار إلى ضرورة تناول مسألة الحضور المسيحي من خلال مفهوم "العيش المشترك" قبل ظهور الدولة الحديثة، وعبر مفهوم المواطنة مع الدولة الحديثة، وإلا وصلنا إلى حالة المبارزة بسيوف التاريخ. 
ومن اجواء الكتاب نقدم للقاري فصلين:.

الحضور المسيحي في الدولة الايوبية 

حكمت الدولة الايوبية في الفترة من (1171-1250م) وظهرت بين دولتين بعد الدولة الفاطمية وقبل الدولة المملوكية، في ظل تهديد الصليبيون (الفرنج) بغزو البلاد العربية. ويشير المؤرخ المقريزي ان الايوبيين هم اكراد الاصل وليسوا عربا بالدم والجنس وان كانو عربا باللغة. 

الصليبيين (الفرنج)

عاصرت الدولة الايوبية الحملات الصليبية التي جاءت للشرق ما بين (1096-1291م) ، بهدف تحرير القدس، موضع تقديس المسيحيين، وتلبية لدعوة الامبراطور البيزنطي "الكسيس كومنين" ومهما كان الأمر، فإن الحروب الصليبية تركت أثراً مشؤوماً، فإذا كانت العلاقات بين الشرق والغرب قد امتازت بالمعرفة والاعتبار، فلا شك أيضاً أن هذه الحروب حفرت هوة عميقة بين الإسلام والمسيحية.
اطلق بعض المؤرخين المسلمين لقب "الصليبيين" على القادمين من الغرب لغزو الشرق لالصاقه بالمسيحية، بينما الاسم الادق لهم هو "الفرنج" وهو عكس ما يحدث الآن من اطلاق لقب "داعش" إعلامياً على ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام لرفض الصاقه بالاسلام!

المسيحيين بين السندان والمطرقة

يمكنا اعتبار الحملات الصليبة على الشرق، بالكارثة التي حلت على المسيحيين اكثر من المسلمين، فكان المسيحيين بين سندان المسلمين ومطرقة الصليبيين، فالصلبيين القادمين نظروا لمسيحي الشرق بأنهم هراطقة باعتبار انهم يؤمنون بالطبيعة الوحدة للمسيح، بينما الصليبيين من اتباع الطبيعتين للمسيح، ومن ناحية اخرى نظر المسلمين لهم بانهم تواطئوا مع الصليبيين ضدهم فزادوا عليهم بالضرائب ولم يتم مساواتهم بجيرانهم المسلمين.
يرصد جاك تاجر في كتابه "اقباط ومسلمون منذ الفتح العربي حتى عام 1922"، قول أحد المؤرخين الاقباط يشكو من معاملة الصليبيين للأقباط (اليعاقبة) قائلا "لم يكن حزن اليعاقبة بأقل من المسلمين.. بأي حق يمنع الاقباط من الحج الى القدس او الاقتراب من المدينة؟ ان الصليبيين يكرهوننا كما لو كنا ضللنا عن الايمان القويم"... وعلى الرغم من الاضطهادات التي عانوها فإنهم ظلوا المحور الأساسي الذي ارتكز عليه أعظم الحكام المسلمين... ورأى أقباط مصر أي اليعاقبة، في هزيمة الفرنج عقاباً جديداً أنزل على أنصار كنيسة روما.

صلاح الدين الأيوبي

يعتبر صلاح الدين الايوبي، مؤسس الدولة الأيوبية، نسبه الى والده ايوب بن شاذلي، بعدما جاء الى مصر لحمايتها من الخطر الصليبي واصبح حاكماً على مصر وسوريا سنة 1174م/570ه. افتتح عهده في الوزارة بطرد الموظفين الأقباط من مناصبهم، ولكنه سرعان ما اعادهم اليها مرة اخرى، كما انه صار لزاما عليهم ان يتزينوا بزي خاص بهم، كما منعوا من ركوب الخيل ولذا فان الكثيرين تنازلوا عن اراضيهم لأصحاب النفوذ في الريف مقابل حمايتهم في حين ان البعض الآخر اعتنقوا الاسلام. وكان على مسيحيي الشرق مواجهة هذا الواقع المعقد سلبا او ايجابا حسب عهود السلاطين العظام في هذه الدولة.
وهو ما دفع المسيحيون الشرقيون ثمن الحرب بين الصليبيين والمسلميين، ففي عهد عماد الدين زنكي قام بالدخول الى مدينة الرها سنة 1144م/539ه وكان اكثرها من المسيحيين اليعاقبة والارمن، فقام بنهب البيوت والكنائس وسبي الذرية وقتل الرجال.
وهدم الايوبيون كاتدرائية مار مرقس بالاسكندرية حتى لا يحتمى بها الصليبيون لو هاجموا الاسكندرية، وارسل صلاح الدين حملة لتاديب مملكة النوبة المسيحية دمر خلالها دير القديس سمعان الحصين قرب اسوان ودير اخر عند ابريم.. كما هدم الايوبيون مدينة قفط القبطية العظيمة وكل ابنيتها ومنشاتها حتى سويت بالارض... وبعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين، تسامح مع المسيحيين ومنحهم ديرا ملاصقا للقبر المقدس بالقدس وهو المعروف باسم دير السلطان، مكافئة لمواقفهم النبيلة معه ضد الصليبيين. كما اعاد الاقباط الى وظائفهم العليا فى الدولة واسترد اخرون اموالهم وممتلكاتهم واختار صلاح الدين قبطيا هو صفي الدولة ابن ابي المعالي الملقب "بابن شرقي" كسكرتير خاص له.

مشاكل واجهت المسيحيين العرب

تتفق معظم المصادر المسيحية والاسلامية، على عدد من المشاكل التي واجهت المسيحيون العرب منها الصراع بين الملكانيين والاقباط وتدخل المال في اختيار البطريرك فبعد وفاة البطريرك يونس بن زرعة، رشح القس ابي الياس لكن الذي نال المركز هو الانبا يونس بن ابي غالب الذي كان تاجرا بين الهند واليمن، ولا تشير المصادر الى اية علاقة له بالكنيسة، انما تشير الى مقدار ثروته المالية وان كان قد اظهر هذا البطريرك خلال مدة ولايته عزوفا عن المال وصرف جزءا كبيرا من ثروته على الفقراء والمساكين. بجانب تدخل الدولة فى اختيار البطريك وهو ما حدث مع داود بن لقلق سنة 1235م/633ه رغم عدم اتفاق الشعب عليه.
كانت احوال الاقباط في ايام الدولة الايوبية رغم ما تخللها من صعوبات أفضل من غيرها كما قاموا في هذه الفترة بخدمة الدولة بكل امانة حتى ان الحكام والامراء ائتمنوهم على خزائنهم واموالهم فحافظوا عليها... وتاكد للكل استحالة الاستغناء عنهم او عدم امكان تسيير الاعمال بدونهم.

اسهامات المسيحيين العرب

شارك المسيحيون العرب في ادارة الدولة الايوبية بكفاءة واجتهاد فمنهم الكاتب والمهندس والوزير ومن ابرزهم كان: الشيخ الرئيس صفي ابى المعالي كاتب صلاح الدين، والشيخ ابو سعيد بن ابي اليمن بن النحال وزير العدل، والشيخ الأسعد أبو الفرج صليب بن ميخائيل، صاحب ديوان الملك الصالح، والطبيب علم الدين أبو النصر جرجس، وابو الفرج بن ميخائيل، رئيس ديوان الملك العادل، وابن المصوف امين اموال الحكومة في ايام صلاح الدين وغيرهم.
ومن اجمل ما ترك لنا في هذا العصر كتابين أثرين لعمار المصري هما "كتاب البرهان" و"كتاب المسائل والأجوبة" وادرك أبناء العسال قيمة عمار البصري: فذكره ابو اسحق بن العسال في "مجموع أصول الدين" والأسعد بن الفرج ابن العسال في مقاله عن النفس التي كتبها سنة 1231.

مشاهير المسيحيين العرب

برز العديد من المسيحيين العرب في العصر الأيوبي من اهل العلم والذين تقلدوا وظائف عالية بالدولة وحازوا القاب الشرف منهم: يوحنا بن زكريا بن سباع، بطرس السدمنتي، الانبا بولس البولشي، المكين سمعان بن كليل والشيخ اسعد أبو الفرج والشيخ السديد ابو الفضائل.
ولا يمكن ان ننسى ابناء العسال الذي شغل ثلاثة من ابناء هذه الاسرة مناصب كبرى في الدولة الايوبية، وكانوا جميعا اهل علم ويجيدون اللغتين القبطية والعربية، الى جانب اللغة اليونانية. ومن قام بتشييد قلعة صلاح الدين على تلال المقطم مهندسيين معماريين من المسيحيين العرب هما أبو منصور وأبو مشكور (تاريخ المسيحية الشرقية).

خاتمة

يبقى ان نقول، ان فترة الدولة الايوبية كانت فترة عصيبة مر بها الأقباط، وعندما هدأت الامور دبت الروح فيهم من جديد، وقاموا بدورهم الوطني خير قيام في مختلف المجالات، فبعد ان زالت الغمة الفرنجية اعيدت للأقباط مناصبهم وثرواتهم وشاركوا في الدفاع عن تراب الوطن ضد المعتدي في صف واحد مع اخوانهم المسلمين.
انتهى العصر المملوكي بمقتل طومان باى وتعليقة على باب زويله، وأصبحت مصر ولاية عثمانية منذ عام 1517م حتى 1798م، ودخلت مصر عصر من أظلم عصورها التاريخية، واستنزفت ثرواتها الزراعية والصناعية والتجارية.

فصل حالة المسيحيين في العصر العثماني

شهد العصر العثماني تطبيق الشروط العمرية على أهل الذمة تطبيقاً مجحفاً، فاق غيره من العصور السابقة، بل فُرض على الأقباط اتاوات استحدثتها الخلافة العثمانية بدون أي وازع من ضمير. فلم يتمكن الأقباط من تشييع جنازة البابا متاؤس الرابع إلا مقابل دفع مبلغ مالي كبير من المال لتسمح لهم الإدارة بذلك. وشهد تحصيل الجزية الكثير من مظاهر التعسف، حتى فرضت الجزية على الجميع، ولم يَسلم منها راهب ولا اسقف ولا قس ولا طفل. وفي سنة 1734م زادت ضريبة الجزية عما كانت عليه الى ضعفين تقريباً.
اتفقت الدولة العثمانية مع اليهود والمسيحيين على إعطائهم حكماً ذاتياً في الأمور الدينية وتنظيم الجالية والمكانة الشخصية، شأنها في ذلك شأن غيرها من البلاد الإسلامية. ولهذا الامتياز كان عليهم أن يدفعوا الجزية أو الجوالي أو ضريبة الرأس وكانت هذه الضرائب تدفع للعلماء والصالحين الذين كانو يتلقون معاشات في مصر.
ويروي المؤرخ أحمد شلبي أن هناك فرمان عثماني من اسطنبول يتعلق بالجزية وضرائب أكثر ارتفاعا مما جعل حوالي 1000 مسيحي يتظاهرون احتجاجا عليها، وتعرضوا لهجوم من الجنود مما أدى إلى قتل اثنين منهم، وتفرق الآخرون.
يخبرنا الدكتور عزيز سوريال في كتابه "تاريخ المسيحية الشرقية"، أن الباب العالي العثماني كان يسعى إلى ضمان وصول الجباية الضريبية من "الملل" المسيحية، وإن كان السلطان قد منح المسيحيين فرمانا يقر فيه انتخاب البطريرك الذي يدفع للخزانة السلطانة أكبر قدر من المال. وقد أدى هذا إلى انتشار الفساد بين رجال الكنيسة اليعقوبية الطامعين في منصب البطريركية، وتدهورت أحوال الكنيسة روحياً وثقافياً حتى صارت كنيسة اليعاقبة، مثلها في ذلك كنيسة النساطرة ، تعاني من الجهل والعوز.
وفيما يختص ببناء الكنائس، فلم يسمح العثمانيون للأقباط ببناء أي كنائس جديدة، مع الإبقاء على ما تبقى من الكنائس التي كانت قائمة قبل دخول العرب مصر، والسماح أحياناً بترميم الكنائس القديمة من الأنقاض القديمة ذاتها، وإذا لم تكفي الأنقاض القديمة في ترميم ما تصدع من البناء فيجوز استخدام مؤن معمارية جديدة من نفس نوع الأنقاض القديمة، بحيث يعود بناء الكنيسة إلى شكلها القديم، ولا يتم توسعات أو إحداث زيادة فيه" .

الحضور المسيحي في العصر العثماني

من أهم الوظائف التى شغلها المسيحيين في عصر الدولة العثمانية وظيفة "المباشر" وتعني كبير جُباة الضرائب، وهي أعلى الوظائف الحكومية آنذاك. ومن بين هؤلاء المباشرين يأتي المعلم ابراهيم الجوهري، الذي عمل لدى الامير ابراهيم بك وكان غنياً وسخي العطاء على الفقراء والمحتاجيين وسعة صدره التي احتوت المسلمين والمسيحيين على السواء. ويذكر الدكتور محمد عفيفي ان المعلم ابراهيم الجوهري بخدماته العديدة التي اداها للكنيسة القبطية لا يُعتبر حالة فردية، ولكنه يمثل ذروة التعاون بين المباشرين والكنيسة القبطية في العصر العثماني.
ومع حلول القرن الثالث عشر أصبح اليعاقبة (الأرثوذكس) يتقنون اللغة العربية، ولم يبقى إلا نفر قليل من الكتاب يستخدمون اللغة السريانية في كتاباتهم. فقد أصبحت العربية هي الأداة الصالحة مع هذا التطور للانتاج الفكري والأدبي بالنسبة للسريان جميعا. ويعتبر "ابن العبري" هو آخر الكتاب اليعاقبة الكبار، والذي وضع مؤلفاته باللغتنين السريانية والعربية في يسر واقتدار وكان يُجيد اللغة العربية ولكنه كان يجهل اللغة اليونانية.
وعمل المسيحيون في وظيفة "كاتب" أو "صراف" في دار سك العملة، وفي ادارة الجمارك، وفي ديوان الجوالي المختص بشؤون الجزية، وفي ديوان الحسبة، وفي ادارة الشؤون المالية للاوقاف الاسلامية مثل المعلم جرجس بن شنودة. وفي حكم "خاير بك"، اول حاكم عثماني لمصر (1517-1522)، عين رجلا مسيحيا يسمى الشيخ "يرنس" في منصب المدير الأول لمكاتب الدولة، مما جعل المسلمين مرؤوسين لديه.
ولاحظ بوبك، وهو يكتب في أوائل القرن الثامن عشر، أن جمارك دمياط كانت عادة ما يديرها المسيحيون. وكانت معظم التجارة في القاهرة تتم داخل إطار نظام الطوائف، وكان أعضاء الطائفة عادة ما ينتمون إلى نفس الجالية الدينية أوالعرقية فنجد طوائف يهودية واسلامية ومسيحية وكان معظم الحائكين وأصحاب محلات الخمور من المسيحيين.

تطبيق عهد الذمة

يقول الدكتور عبد العظيم رمضان أن العصر العثماني شهد الفصل الأخير من تطبيق عهد الذمة على الأقباط، قبل البحث عن صيغة جديدة للعلاقات بين المسلمين والاقباط في القرن التاسع عشر، هي صيغة الوطنية والمواطنة.
لم يؤدي وصول العثمانيين الى الحكم إلى تعديل جوهري في نظام مختلف الكنائس الشرقية وفي حياتها الداخلية، إلا أن تفاقم الوضع الاقتصادي أدى إلى المزيد من التدهور في الحياة الدينية والأخلاقية والروحية. وهكذا، فإن اعتناق الإسلام قد أضعف الطوائف المسيحية، فتضاءل عدد الكهنة والرهبان وأقفلت الأديرة وأدرك الخراب العديد من الكنائس في مصر.

أزياء خاصة

كان المطلوب من المسيحيين واليهود ارتداء أزياء خاصة، وعلى الأخص غطاء الرأس، فبناء على أمر أصدره حازم حسن باشا عام 1580م، تحتم على اليهود أن يرتدوا قبعات حمراء والمسيحيين قبعات سوداء، وأمر أغا الانكشارية بعدم السماح لليهود والمسيحيين أن يستخدموا خدما أو عبيدا من المسلمين. وارتبطت قوانين الحمامات بقوانين اللبس فكان من غير المسموح للمسيحيين واليهود دخول الحمامات العمومية دون أن يعلقوا جرسا حول رقابهم كي يفرق بينهم وبين المسلمين.
ويُسجل الجبرتي المراسيم التي تحظر على المسيحيين ركوب الخيل، واستخدام الخدم المسلمين، وشراء العبيد، وكذلك اجبارهم على مراعاة قواعد اللبس، ففتشت منازل المسيحيين بحثاً عن العبيد، وكان من يوجد منهم يُباع في المزاد فانتهز دهماء القاهرة هذه المراسيم لمضايقة المسيحيين، فكان على الحكومة أن تعلن انها تنوي حمايتهم.
اشتباك 
يرفض الكثير من الباحثين وصف المسيحيين العرب – لمجرد تحدثهم باللغة العربية – وخاصة غير المنتمين للجزيرة العربية تاريخيا  وهو ما اعتمد عليه الكتاب . ولعل اهم مثال علي ذلك ماعبر عنه الكاتب الأب ثيودوروس داود الذى ولد  عام 1966. وبعد الانتهاء من درجة البكالوريوس في التاريخ عام 1994 من الجامعة اللبنانية في بيروت، وأكمل في الدراسات اللاهوتية. في عام 2009 حصل على درجة الماجستير “في اللاهوت من جامعة البلمند، لبنان. بأطروحة الماجستير “تينيزأيشن من الشرق في أيدي الصليبيين”. منذ عام 2005، الاب.ثيودوروس هو راعي الكنيسة الأرثوذكسية سانت ماري في بالتيمور، ماريلاند. وهو يجيد العربية والبرتغالية والانجليزية ولديه بعض المعرفة باللغة الفرنسية. وعبر عن فئة الرافضين لوصف المسيحيين المعاصرين بالعرب في مقالة له جاء فيها 
لسنا عرباً،لا لسنا عرباً. يكفي كذبا وتزويراً وممالقة وعجزا وخوفاً. لسنا عربا ولله الحمد. السوري ليس عربي، العراقي ليس عربي، المصري ليس عربي، اللبناني ليس عربي ولا الأردني ولا الفلسطيني. نحن مشرقيون ، نحن روميون وسريان وكلدان وأشور وأقباط، نحن أحفاد إِبلا والرافدين والفينيقيين والفراعنة، نحن أهل المشرق وسكانه الأصليين. نحن لسنا عرباً، يكفي اغتصاباً وتزويراً للتاريخ وللجغرافيا وللحقيقة وللواقع. أبناء العربية هم العرب – و للأمانة التاريخية نقول أن ثمة بعض القبائل العربية صارت مسيحية ولكن عروبة الأقلية لا تعمَّم على الأكثرية المشرقية التي لم تكن يوما عربية. نحن وإن تكلمنا العربية فهذا لا يعني أننا عرب. الأمريكي الذي يتكلم الإنكليزية ليس إنكليزياً، والبرازيلي الذي يتكلم البرتغالية ليس برتغالياً والأرجنتيني الذي يتكلم الإسبانية ليس إسبانياً ، هذه لغات الإحتلال. نحن وإن نتكلم العربية فلسنا عرباً ولا نشبه العرب بشيء، لا بالفكر ولا بالذوق ولا بالحضارة ؛ هم أهل بادية أما نحن فأهل حضارة. هم أرضهم الصحراء أما أرضنا فأرض اللبن والعسل والتين واللوز والتفاح والعنب. أجدادنا زرعوا الأرض وتأصلوا فيها فصاروا “أولاد أصل ” أما أنتم فرحّل لم تزرعوا ولم تتأصلوا. آباؤنا زرعوا الكرمة وصنعوا الخمر وأوجدوا الموسيقى ففرحوا ورقصوا، بنوا حضارات وكتبوا كتباً ، أجدادكم شربوا الدم ولا يزالون، رقصوا على جثث بعضهم وذبحوا بعضهم للفرح ولا يزالون .دمروا الحضارات وأحرقوا الكتب ولا يزالون. لا في التاريخ القديم نشبهكم ولا في التاريخ المعاصر نشبهكم. تاريخنا ملاحم وعلم ومجد، تاريخكم خيانة وحاضركم خيانة ومستقبلكم خيانة. لا نشبهكم بشيء ، لا بتاريخنا الإنساني ولا المسيحي ولا الإسلامي. مسلمو بلادي يختلفون عن مسلمي بلادكم، مسلمو بلادي إنسانيون محبون للعلم وللحياة أما أنتم فأنتجتم شعوباً مملوءة كراهية وعقداً وأمراضاً ومحبة للموت. تاريخنا حضارة وعلم وادب وموسيقى وشعر، تاريخكم دم وغزوات وأحقاد وشهوات. من صار مسلماً في بلادي بعد الغزو العربي ظل بنبله الإجتماعي والتقاليد والأعراف وحتى من سكن بيننا صار مثلنا من الجانب الإجتماعي، أكلنا سوية، رقصنا سوية، ضحكنا سوية وبكينا سوية أما أنتم فلم تتغيروا. ألف وأربعمائة عام ولم تتغيروا ولما لم تقدروا على تغييرنا لأجل ذلك أنتم تدمرون بلادنا وتراثنا وتعايشنا وإنساننا. المسلم المشرقي كفر بكم وقرف منكم أكثر من المسيحي المشرقي. نحن من علّمكم ومن بنى مدنكم ومستشفياتهم وجامعاتكم ومن حفظ لغتكم. ليتنا لم نفعل، ليتنا تركناكم لقضاء الله وقدركم الأشد سواداً من لون نفطكم. كنا جسراً بينكم وبين الغرب فصرتم أداة بيد الغرب لتدمير مشرقيتنا. من ثماركم عرفناكم، تاريخ من الهمجية والذل والإنكسارات. ذكرونا بانتصار واحد؟ أو بمجد واحد؟ انتصاراتكم هي إفناء بعضكم البعض،ألأخ لأخيه والإبن لأبيه من أجل الحكم أو من أجل ناقة أو امرأة أو حمار. 
امتطاكم الغرب الذي تسمونه كافراً وأنتم تلحسون أقدامه ليحفظ عروشكم لتُمعنوا في سلب أموال الفقراء التي ملأتم بها بنوكه.
 نحن اكتفينا ولن نغطي هذه المهزلة بعد اليوم. فيا أيها الرعاة والسادة المستعربون والعاشقون للعروبة إن أردتم أن تتكلموا وتتغنوا بها فتكلموا عن أنفسكم وعن جبنكم وليس عن شعوب ذُبحت واغتصبت واختُطفت ودُمّر تاريخها وحاضرها وربما مستقبلها باسم العروبة. المجد للمشرق ورحم الله نزار قباني”

شارك