الأزهر والعائدون من داعش إلى ألمانيا

الإثنين 27/مارس/2017 - 02:19 م
طباعة الأزهر والعائدون
 
    نشر مرصد الأزهر باللغات الأجنبية تقريره الدوري من سلسلة تقاريره المتتابعة لمناقشة التطرف العالمي من ناحية وظاهرة الاسلاموفوبيا من ناحية ثانية، السبت، 25 مارس 2017، فقد صدر هذا التقرير من وحدة رصد اللغة الألمانية تحت عنوان "ماذا يقول العائدون من داعش إلى ألمانيا" حيث قام بتفنيد مقولات الدواعش الذي عادوا الى بلادهم خصوصا هؤلاء الذين عادوا الى المانيا، فمع الضربات المتلاحقة التي تلقاها "داعش" في سوريا والعراق ازدادت أعداد العائدين من التنظيم بشكل كبير، وهم الذين خاضوا المعارك واستطاعوا النجاة بأنفسهم منها، ولكنهم يشكلون الآن قنابل موقوتة ليس داخل أوطانهم فحسب بل وفي القطر الأوروبي كذلك، وسط مخاوف كبيرة من موجة نزوح لهم واسعة النطاق من مناطق القتال في ظل تشديد الضغط على مدينتي الموصل والرقة، وهناك تخمينات بقرب انهيار تنظيم داعش حتمًا، ولهذا فإنه من الممكن أن ينظر التنظيم في استراتيجيات جديدة تستهدف خصوصا أمن أوروبا من عدة جبهات.
الأزهر والعائدون
وقد أجرى مركز المعلومات ومركز مكافحة التطرف والجريمة الاتحادي بولاية "هسن" الألمانية ومكتب الأمن القومي دراسة تُظهر تراجع أعداد المسافرين للانضمام لصفوف تنظيم داعش الإرهابي. ذكرت تلك الدراسة أن أكثر من 850 إسلاميًا غادروا ألمانيا خلال الأعوام الماضية متوجهين إلى سوريا وشمال العراق. كما فحصت تلك الدراسة السيرة الذاتية لـ 784 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 13 و62 عامًا انضموا إلى تنظيم "داعش" أو "جند الشام" أو "جبهة النصرة" في سوريا والعراق. وجد 61 % ممن تم فحص حالاتهم في ألمانيا، أما الباقون فينتمون لأصول تركية أو سورية أو روسية أو لبنانية. وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن معظم هؤلاء الأشخاص يحملون الجنسية الألمانية وأن 27 % منهم مزدوجي الجنسية. فمنهم "ألماني تونسي" أو "ألماني مغربي" أو "ألماني تركي".
وأظهرت الدراسة أن 274 شخصًا منهم عادوا مجددًا إلى ألمانيا، وأن 48 % منهم ما زال ولاؤهم لجماعاتهم المتطرفة، وترجح السلطات الأمنية أن 8 % من هؤلاء المقاتلين عادوا إلى ألمانيا بغرض استعادة القوة أو تدبير عتاد جديد، بينما عاد حوالي 10% بسبب الإحباط أو التحرر من الأوهام، كما أكدت الدراسة أن ربع العائدين أظهروا استعدادهم للتعاون مع السلطات الأمنية الألمانية. وفيما يلي تفصيل لحالات العائدين من داعش إما بإرادتهم وإما بعد أن تم ترحيلهم إلى ألمانيا...
الأزهر والعائدون
فبعد أن ينضم هؤلاء الشباب إلى داعش يكون مصيرهم محسوما إما الموت في إحدى العمليات الإرهابية التي يقومون بها وإما المثول أمام القضاء ومحاكمتهم على أفعالهم، لهذا نجد العديد من المحاكمات في محاكم ولايات مختلفة في ألمانيا، والتي يُقصُّ بين جدرانها اعترافاتٌ لهؤلاء المنضمين عن أسباب انضمامهم لداعش وما عايشوه ورأوه هناك وكذلك العمليات التي قاموا بها، فمنهم من أدَّت ظروف اجتماعية وأحداث مأسوية إلى انضمامه لداعش وأحيانا إلى تشدده في الدين الذي يؤدي في وقتٍ لاحقٍ إلى انضمامه لداعش.
فنجد محكمة مدينة بريمن تشهد أحد تلك الروايات إذ تمت محاكمة هاري س. العائد من التنظيم الذي روى ما يقرب من 700 ورقة عما لاقاه فيه من تدريب وعايشه من أحداث، وأهمها أنه انضم إلى التنظيم بعد أن تحولت حياته إلى أشلاء بسبب مواقف محزنة ودخل السجن في عملية سطو، وهناك تعرف على الوسيط الإسلامي الذي أقنعه بالانضمام لداعش، إلا أنه اكتشف بعد ذلك أن حلم داعش ما هو إلا سراب، حيث اعتنق هاري الإسلام مؤخرًا وقاتل مع داعش، وتحدث "هاري س" أثناء محاكمته عن وقوعه في براثن التطرف وعن معسكرات التدريب داخل تنظيم "داعش" وكذلك عن عمليات الإعدام. بدأت رحلته للتطرف في الجامعة، حيث تعرّف "هاري" على العديد من المسلمين وكان شغُوفًا بالمجتمع وحسامًا في العقيدة. اعتنق الإسلام وهو ابن الـ 20 عامًا، وأبلغ أمه شديدة الالتزام بالأمر، إلا أنها كانت مصدومة وقامت بطرده من المنزل، الأمر الذي جعله يلجأ لجمعية المسجد، ومن ثمّ تواصل الشاب مع النظام السلفي بلندن. وكان هناك حادث آخر أثّر على مسار حياته: هو وفاة أعز أصدقائه في أغسطس عام 2010 في حادث سيارة، يقول "هاري": " تحوّلت حياتي إلى أشلاء". كانت الأجواء في لندن سيئة، مما دفع "هاري س" للعودة إلى مدينة بريمن عندما أقنعه أصدقاؤه بذلك، ثم تم إلقاء القبض عليه في عملية سطو، وظل عامان تحت المراقبة، بالإضافة إلى إلزامه تسديد الأموال المنهوبة، الصغيرة نسبيًا، ولكنه رفض وذهب إلى السجن، وهنا يقول هاري: "إنه في ذلك الوقت كان مسلمًا عاديًا، ولكنه تعرف في السجن على أحد الإسلاميين ممن يقولون مواعظ، والذي ملأ فراغًا فكريًا عند "هاري"، حتى صار أفضل صديق له. هذا وخسر "هاري" أحلامه تدريجيًا وأضاف "هاري" أن الإنسانية مكانها "صفر" لدى تنظيم داعش. ففي المستشفى كان غالبًا ما يتكلم مع الجرحى الذين قصّوا له الكثير عن العمليات التي لا تساوي حياة الإنسان شيئًا فيها. والتقى صديقه "عدنان" مرة أخرى الذي اعتذر له لأنه ورطّه في هذا الأمر" وقال أنه لم يعد يريد أن يكون في القوات الخاصة، الأمر الذي دفعه لاستخدام حيلة؛ فادعى أنه متزوج وأن زوجته وصلت. وكان هذا الأمر سببًا كافيًا للإقالة، لأن من ينضم للقوات الخاصة لا يجب أن يكون متزوجًا. وحصل على مسدس بيريتا كهدية وداع وختم أحمر على جواز سفره حتى يتمكن من التحرك بحرية في أراضي تنظيم "داعش" وقام بالتسجيل في مكتب بمدينة الرقة برغبته في العمل كمهندس مدني. والتقي مقاتلين آخرين من ألمانيا، الذين أقنعوه أن يأتي إلى لوائهم في العراق، فالأمير هناك يبحث عن مدرب رياضة للشباب، ضمن معلمي التربية البدنية لدى التنظيم هناك. وقد ألقت قوات الأمن القبض على "هاري" فور عودته في يوليو 2015 في مطار بريمين. هذا واتهم النائب العام "هاري س" بمشاركته في اغتيال السجناء الستة التابعين لتنظيم "داعش" الإرهابي في سوق مدينة تدمر في شهر يونيو 2015، حيث قام بحمل أحد السجناء وهو مسلح إلى مقر الإعدام. ويتوقع خبراء السلاح أنه قام بإطلاق النيران على السجناء بنفسه، ولذا أصدرت المحكمة الاتحادية مذكرة اعتقال ثانية ضده في 21 ديسمبر 2016. جديٌر بالذكر أن "هاري" قد صدر ضده أمر بالسجن لمدة ثلاث سنوات في يوليو 2016 لانتمائه لتنظيم "داعش". وبالرغم من أنه تحدث أمام المحكمة عن الفترة التي قضاها بتنظيم "داعش"، إلا أنه نفى تورطه بصورة مباشرة في الأعمال الوحشية التي يرتكبها هذا التنظيم.
الأزهر والعائدون
لقد أثبتت بعض الممارسات الإرهابية الأخيرة التي تفشّت في أوروبا أن العائدين من داعش لديهم قدرة على تنفيذ هجمات شرسة، وبأدوات ووسائل يصعب توقعها أو السيطرة عليها، ومن هنا تم تكثيف عمليات المداهمة والمحاكمة في الآونة الأخيرة، ولكن هل ستكون تلك المحاكمات كافية ورادعة لكل من تسول له نفسه الانضمام لأي تنظيم إرهابي؟ وهل سيتم السيطرة بالتوازي مع ذلك على السجون التي تشهد في بعض الدول بداية لسلسة تجنيد جديدة كما حدث مع الكثير من المنضمين للتنظيم؟ فقبل التفكير في مواجهة الإرهاب، لابد أن نفكر في كيفية معالجته باعتبار أن المعالجة جزء لا يتجزأ من المواجهة، لأن المعالجة تساعد على تجفيف منابع الإرهاب، الأمر الذي يعد مواجهة في حد ذاته، لهذا يجب دراسة أحوال المنضمين عن كثب والوقوف على مشاكلهم إذ إنهم جميعا شباب متوسط أعمارهم 35 عامًا، إلى جانب ضرورة وجود وعاظ ثقات داخل السجون التي باتت ذاتها إحدى وسائل الاستقطاب وذلك من أجل مزيد من السيطرة على اختطاف عقول وقلوب الشباب.

شارك