وثيقة "عهد حوران" السورية مابين التأييد والرفض

السبت 22/أبريل/2017 - 12:05 م
طباعة وثيقة عهد حوران
 
تصاعدت مؤخراً حملة الاتهامات التي طالت مسودة وثيقة "عهد حوران" التي تؤسس لوضع مشروع إدارة محلية لا مركزية في محافظة درعا بجنوب سوريا، عبر التسويق بأنها بداية لتطبيق نظام "الفدرالية" في سوريا، وتعزز "النزعة الانفصالية"، كونها تجاوزت حدود الإدارة المحلية واقترابها من نظام "الحكم الذاتي".
الوثيقة التي  كشفت عنها  قناة "اورينت " أنجزها مجموعة من الأكاديميين والحقوقيين من منطقة حوران، والتي من المقرر أن تعرض في خلال الأيام القليلة القادمة على المؤتمر التأسيسي ومجلس الممثلين الأول لإقرارها أو تعديلها،  تتضمن  أسس وقواعد لتنظيم الجانب الإداري والخدمي والقضائي والقانوني والإعلامي والتعليمي والثقافي والديني في المحافظة، بينما تتضمن مبادئ وتفصيلات قانونية تتعلق بالملكية والأحوال الشخصية والحريات العامة.
المحامي "خالد العتيلي" من أبناء محافظة درعا، حذر بأن وثيقة "عهد حوران" هي بداية تأسيس نظام "الفدرالية في سوريا"، التي ستفتح الأبواب أمام جهات أخرى تسعى لتشكيل "أقاليمها" وتشريعها، في إشارة إلى "الفيدرالية" التي أعلن عنها صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا و أن بعض الجهات والشخصيات التي أعدت وطرحت مشروع "وثيقة العهد"، حاولت سابقاً تمرير هذا المشروع لتطبيق اللامركزية في سوريا، عن طريق المناورات السياسية والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات، تحت أسماء مثل "الإدارة المحلية أو الإدارة المدنية"، وجميعها تهدف إلى اقامة "اقليم حوران الجنوبي"، الذي يضم "درعا والسويداء والقنيطرة".
واعتبر الحقوقي السوري الذي كان قيادياً في (اتحاد المجالس المحلية في محافظة درعا) أن مشروع "وثيقة العهد" يراد لها أن تكون دستوراً لحوران لتنفيذ أجندات لجهات معنية (لم يسميها)، من خلال ترسيخ الإدارة اللامركزية وهي الغطاء ( للحكم الذاتي لحوران بالمرحلة الأولى).
وأشار "العتيلي" إلى أن المطلع على الوثيقة بشكل كامل وللمتمعن بألفاظها ومعانيها، يصل إلى نتيجة بأنها أقرب إلى الدستور من حيث توصيف السلطات الثلاث" التشريعية والتنفيذية والقضائية"، إلى جانب تناول قضية الحدود الادارية والملكية العامة والخاصة والحقوق وغيرها التي تعتبر من بنود الدساتير للدول.
وانتقد الحقوقي طرح قضية "اللامركزية" في ظل الظروف الراهنة والفوضى التي تشهدها سوريا، وفي ظل غياب حكومة مركزية تحدد الصلاحية التي سوف تتمتع بها الادارة اللامركزية، بحيث تستحوذ هذه الإدارات على صلاحيات واسعة جداً تصل إلى حدود "الفيدرالية"، ولا سيما أن الوثيقة تعتبر أن "مجلس الممثلين" يمثل أعلى سلطة في المحافظة وبيدها كافة الصلاحيات.
وأبدى "العتيلي" تخوفات كبيرة في توقيت طرح مشروع "وثيقة العهد"، الذي جاء بعد شهر من طرح " فيديريكا موغيريني"، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، مبادرة تدعو إلى تطبيق اللامركزية في سوريا، ودعم المصالحة وإعادة الإعمار.
وكانت موغيريني قد تلقت تفويضاً في نهاية العام المنصرم من دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 لبدء حوار حول تحديد النظام المستقبلي للحكم في سوريا، مع القوى الكبرى في الشرق الأوسط مثل إيران والسعودية وتركيا، والمعارضة السورية.
 وتعتبر "وثيقة موغيريني" أن "التحدي في سوريا يكمن في بناء نظام سياسي يمكن فيه لمختلف المجموعات والمناطق في البلاد أن تعيش في سلام جنباً إلى جنب، ضمن إطار سياسي موحد"، واقترحت "وجود دور أكبر للامركزية"، مع إعادة توزيع ممكن لسلطات الدولة في مجالات الصحة والتعليم والنقل والشرطة وغيرها إلى المحافظات وعددها 14 حاليا، أو الأقضية والنواحي. وتشدد "وثيقة موغيريني" على أن هذه الإصلاحات "يمكن أن تساعد على ضمان وحدة البلاد، وتجنب خطر تفكك سوريا".
الباحث السياسي "نصر فروان الحريري" من أبناء مدينة درعا الذي كان من الشخصيات التي وضعت مسودة وثيقة حوران، قبل أن ينسحب منها مؤخراً، أقر بأن الوثيقة أثارت الجدل وخلقت اشكالات عميقة وفتحت أبواب الشك والانتقادات، ولا سيما أنها تتضمن في صياغتها مصطلحات قريبة من "الحكم الذاتي أو فيدرالية".
ورأى "الحريري" في حديث  أن المرحلة التي تمر فيها سوريا لا تحتاج إلى مثل هذه المشاريع، كون الأولوية يجب أن تنصب على دعم الثورة، وتطبيق المرحلة الانتقالية وفق القرارات الدولية وإعادة الإعمار والاستقرار إلى البلاد.
واشتكى الباحث السياسي من الآلية التي أتبعت في اقتراح أو تعديل أو إلغاء فقرة أو بند في الوثيقة، والتي كانت عبر تصويت أعضاء اللجنة وعددهم 22، حيث غالباً ما تكون نتيجة التصويت لصالح الشخصيات التي وصفها بأنها "أصحاب المشروع".
واعتبر "الحريري" أن الاشكالية في الوثيقة تبرز في صياغتها، المشابه لـ"دستور دولة" بعد اللعب بمصطلحاته، ليتم استبدال "الدستور بالوثيقة" والمجلس النيابي بـ"مجلس الممثلين" والسلطات الثلاث بـ"الهيئات"، وتناولت "منطقة حوران" كإقليم جغرافي وأهالي حوران كشعب بدلًا من درعا كمحافظة.
لكن في المقابل، يدافع القائمون على المشروع عن "وثيقة العهد"، معتبرين أن الوثيقة تضع أسس وقواعد لتنظيم الجانب الإداري والخدمي والقضائي والقانوني والإعلامي والتعليمي والثقافي والديني في محافظة درعا، بهدف القضاء على حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تعاني منها المناطق المحررة في درعا، مع التشديد على أنها تبتعد عن فكرة "الفيدرالية"، بل تتماشى مع مشروع وثيقة الانتقال السياسي التي تقدمت بها الهيئة العليا للمفاوضات.
الدكتور "أحمد ناصير" أحد القائمين على وثيقة "عهد حوران" استنكر حملة التخوين التي طالت أعضاء المشروع، مشدداً على وثيقة تؤسس لوضع مشروع إدارة محلية لا مركزية في محافظة درعا " و ونفى، بشكل قاطع، أن يكون مشروع "وثيقة حوران" يؤسس لتطبيق "الفيدرالية" أو حتى التقسيم في سوريا، مشيراً إلى أن هدف المشروع هو وضع أسس لنظام "اللامركزية الإدارية " وليس " اللامركزية السياسية" في المحافظة، مؤكداً في الوقت نفسه بأن درعا جزء لا يتجزأ من سوريا.

وفي مؤشر إضافي لدفع تهمة "التقسيم أو الانفصال أو الفيدرالية" عن المشروع، يعتبر "ناصير" أن القائمين على مشروع الوثيقة يحرصون على الابتعاد عن التشريع، والالتزام بتطبيق القوانين عبر مشروع بناء ادارة لا مركزية بمحافظة درعا، تكون بمثابة مرجعية عليا للمؤسسات الثورية الموجودة في المنطقة. 
وذكّر بأن تطبيق مشروع إدارة محلية لا مركزية في المحافظات، هو تكرار لنظام الإدارة المحلية المعمول به لدى نظام الأسد وفق القانون 107، وحتى في ميثاق الائتلاف الذي يدعو إلى منح الأقاليم والمناطق أو المحليات المزيد من السلطات المحلية بما يتوافق مع السلطة المركزية.
وحول تزامن طرح هذه الوثيقة مع مبادرة " فيديريكا موغيريني" مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي في سوريا، و مع تصريح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حول عزمه "إقامة مناطق آمنة في سوريا"، أكد الحقوقي السوري أن المشروع انطلق من الداخل السوري، وهو غير مرتبط بمشاريع وأجندات خارجية سواء كانت إقليمية أو دولية.
وعن موقف الفصائل العسكرية في درعا من الوثيقة، شدد "ناصير" على المشروع هو مدني في الدرجة الأولى، وليس للعسكر أي دور فيها، مرجحاً عدم اعتراض الفصائل على تطبيق المشروع في محافظة درعا.
وكشف أن تجرية تطبيق مشروع إدارة محلية لا مركزية في محافظة درعا، سيتم تعمميها على باقي المحافظات السورية، لافتاً إلى وجود توصيات لدعوة شخصيات من كافة المناطق السورية كمراقبين أو مستشارين أو ضيوف شرف، لحضور المشاورات الدائرة حالياً حول وثيق "حوران".
وعزا انسحاب بعض الشخصيات من المشروع، بسبب عمليات الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى، وبالاقناع، بالإضافة لحملات التخوين التي تقودها بعض الجهات ( لم يسمها) في درعا، عبر الطلب من المجالس والمنظمات والهيئات المدنية والعسكرية الفاعلة في المحافظة بعدم الاعتراف بوثيقة العهد، مشككاً في الوقت نفسه بأن تكون تلك الجهات قد اطلعت على الوثيقة قبل أن تطلق أحكامها المسبقة عليها.

شارك