د. أحمد سالم: الأزهر عاجز عن تطوير نفسه فضلا عن عجزه عن تطوير الخطاب الديني

الأربعاء 28/يونيو/2017 - 01:32 م
طباعة د. أحمد سالم: الأزهر
 
ان التعليم في الأزهر متخلف وجامد وعشوائي، ولا يسعى القائمين عليه لتطويره
الفقه الإسلامي يرسخ للتمايز بين المسلمين وأهل الكتاب، ويرى ضرورة تزي أهل الذمة بزى مغاير للمسلمين
النخبة تحيا في أوهام الاستعلاء بثقافتها، وتحيا منغلقة على نفسها بمصطلحاتها ولغتها المغلقة
إن القمع وغياب الحرية، وأن الاستبداد السياسي، والظلم وعدم تحقق العدالة الاجتماعية هي كلها أسباب مؤسسة للعنف والإرهاب
ويظل للتراث الديني فاعليته في أنه يمنح حركات العنف الأساس النظري والفقهي لممارساتهم
أ. د. أحمــد محمـد سالـم: من مواليد 4/4/1969م. ليسانس آداب في مايو 1990م، حصل على ماجستير في الآداب في 1995م، وكان عنوان الرسالة: (إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر... دراسة نقدية مقارنة بين حسن حنفي ومحمد عابد الجابري)، ودكتوراه في الآداب عام 2000م، وموضوعها: الإمام سعيد النورسي وآراؤه الكلاميــة. يعمل أستاذاً للفلسفة الإسلامية والفكر العربي الحديث، منذ نوفمبر 2013م، في قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة طنطا. نشر له العديد من الأبحاث في مجلات فكرية  محكمة وفصلية فضلا عن عدد من الكتب منها "دولة السلطان : جذور التسلط والاستبداد في التجربة الاسلامية،  إقصاء الآخر صناعة التكفير في عالم العقائد"   
- المشهد الثقافي العربي يبعث على الكآبة، ويكشف عن هشاشة مريعة، وعن بنى منخورة، وعن عجز عضوي في قراءة ما يجري ومن صعود لأصوليات لا علاقة لها بالتاريخ والنص والجماعة، فكيف ترى المشهد الثقافي الحالي؟
-  المشهد الثقافي المصري هو جزء من المشهد السياسي العربي بامتياز ، فهناك حالة سيولة عامة ، حيث نجد الاتجاه نحو التفكيك في بعض الدول قائم مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا ، وأن دول الخليج تعلن تبعيتها الصريحة لأمريكا ، ودولة أنهكها الفقر والعوز وهى مصر، وتونس في حالة توتر دائم بسبب توغل حزب النهضة فيها ، وفى معظم هذه الأنظمة يسود الاستبداد في معظم أنظمة الدول العربية ، وبعد أن كنا نبحث عن الحرية بعد الربيع العربي عدنا نبحث عن الأمن ، ونخشى من التفكيك ، وعادت الأنظمة الاستبدادية تجسم على صدورنا ، وتم التضييق على حرية الفكر، وحرية التعبير، وقد عدنا القهقري بشكل أسوأ مما كنا عليه قبل ثورات الربيع العربي ، وأصبحنا نتباكى على الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكمنا لأننا كنا فيها أفضل مما نحن فيه الآن ، وفى هذا الإطار السياسي الذي تكمم فيه الأفواه ، وتقيد فيه الحريات  لا تنتظر منتج ثقافي ومعرفي حقيقي ، حيث تخلت الثقافة عن دورها المقاوم للاستبداد ، وعن دورها الحالم في بناء فضاء لعالم حر يحيا فيه الإنسان ، وفى هذا الاطار  من غياب الحريات ، وتفكك منظومة الدولة في بعض الدول ، وانتشار الاستبداد في بعض الدول الأخرى كل هذا أدى إلى تنامى الحركات الأصولية ، وجماعات العنف في المنطقة بطريقة لم تتجلى بها هكذا في تاريخنا السابق، وهذه الجماعات الأصولية التي تحيا في الماضي ، وتنفر من مواجهة الحاضر ، وتحاول أن تفرض وجودها ورؤيتها على المجتمع بالقوة ،وفى هذا الإطار السابق يخشى أصحاب العقول الحرة من التفكير بصوت عالي ، ومن إعلاء قدرتهم الخلاقة في التعبير عن إبداعاتهم خشية الاصطدام بفتوى التكفير وحركات العنف ، ومن ناحية أخرى فإن الأنظمة المستبدة لا توفر الحق في حرية الفكر والتعبير ، كما أنها تهادن سلطة رجال الدين لأنهم داعمين لاستمراريهم ، في هذه الأجواء ومع إضافة التخلف الشديد في منظمة التعليم الحقيقي والفاعل في المنطقة العربية كل هذا أسهم في حالة من التراجع في المشهد الثقافي ، وفى نضوب المنتج الإبداعي في حياتنا الثقافية  . 
- كيف ترى تلك الدعوات لتجديد الخطاب الديني وموقف الازهر من هذه القضية؟
- إن الدعوات لتجديد الخطاب الدينى تظل مجرد شعارات لأنها تقدم نفسها باعتبارها كاشفة عن سلبيات الخطاب الدينى السائد ، وهو خطاب جامد ورجعى ومتخلف عن تطور العصر ، وخطاب لا تاريخي وماضوي ، فلم تسعى دعوات تجديد الخطاب الدينى إلى بناء خطاب دينى جديد يراعى حركة التاريخ ، ومستجدات العصر ، والتقدم التقنى والعلمى ، حيث سعت تلك الدعوات إلى هدم وتعرية الخطاب الدينى السائد بطريقة منفرة ، تجعل أصحاب هذه الدعوات محاصرين ، بل يحاكم البعض منهم ويسجن بسبب طعنه فى الخطاب الدينى السائد ،وأما الأزهر فقد صار عاجزا عن تطوير نفسه فضلا عن عجزه عن تطوير الخطاب الدينى ، حيث أصبح جسد الأزهر مترهل ، مابين تعليم دينى وتعليم مدنى ، ولو أراد الأزهر أن يطور نفسه فضلا عن تجديد مقدرته عليه أن يعود كجامعة دينية لاهوتيه دينية وفقط ،وتؤسس لتخريج رجال دين حقيقيين متسلحين بالمعرفة  الكلاسيكية التقليدية وبالمعرفة الحديثة فى العلوم الإنسانية ، وعلي الأزهر أن يرسل البعثات للتعليم فى جامعات أوروبا كما ذهب محمد عبد الله دراز ،ومحمد البهى ، وعبد الحليم محمود ، ومحمود زقزوق ...وغيرهم من جيل الرواد ، ولابد أن تنفصل الكليات العلمية فى كيان منفصل خارج الأزهر ، وأن يقصر الأزهر على العلوم اللغوية والشرعية، وتطعيمها بمنتجات العلوم الإنسانية التى يمكن أن تسهم فى تطوير وتأسيس لخطاب دينى جديد، حيث تسهم مناهج العلوم الإنسانية الجديدة فى تقديم قراءات جديدة فى الفكر الدينى مغايرة تماما للقراءات التقليدية الجامدة .
- ماذا يعني مصطلح "الوسطية" الذي يطلقه الأزهر وهل يتم تفعيله فعليا على أرض الواقع؟
- يعنى مصطلح الوسطية الاعتدال والتوسط فى الرؤية والمنهج وكل شئ ، الوسطية بين العقل والنقل ، والوسطية بين الروحى والزمنى ، والوسطيه بين المادى والمعنوى ، والوسطيه فى علاقة الماضى بالحاضر ، هذا هو معنى الوسطية الذى يدعى الأزهر أنه يتبناه ، ولكن المشكلة أن التعليم فى الأزهر متخلف وجامد وعشوائى ، ولايسعى القائمين عليه لتطويره ، وهو ماجعل الأزهر مرتع لدعاة الحركات الإسلامية ، وحركات التشدد ، ولذا لكى نعيد إلى الأزهر وسطيته لابد  أن نسعى إلى تطوير التعليم فيه ، وذلك حتى يظل منارة للتعليم الدينى لأهل السنة فى العالم الإسلامى .

- وضع الآخر الديني في التراث الاسلامي ملتبس فكيف ينظر التراث للآخر وهل تتفق هذه النظرة مع النص القرآني الذي يعد المصدر الرئيسي للمسلمين؟
- الآخر فى التراث الدينى الإسلامى أما أن يكون مغايرا لى فى الدين أو الثقافة أو المذهب ، فنجد أن القرآن قد احترم الآخر المغاير لى فى الدين من أهل الكتاب ، ودعانا إلى التعايش معهم، وأنه أحل لنا طعامهم ، ولكن الفقه الإسلامى يرسخ للتمايز بين المسلمين وأهل الكتاب ، ويرى ضرورة تزى أهل الذمة بزى مغاير للمسلمين ، وأنه إذا قتل مسلم ذمى فنفس الذمى بدية ، باستثناء أبو حنيفة والذى أفتى بوجوب قتل المسلم الذى قتل الذمى ، وأشياء كثيرة سعى الفقه إلى ترسيخها مغايرة لروح القرآن ،كما أن القرآن دعى إلى التفكر والتأمل والتدبر فى الكون ، وفى سير الآخرين بمايؤكد دعوة القرآن إلى الانفتاح والتعايش ، وبالمقابل نجد ابن تيمية ،وبعض الفقهاء - الذين لهم سيطرة على العقول الآن -  يكفر الفلسفة اليونانية ، ويكفر التصوف ، ويرفض الانفتاح على الآخر ، ويعتبر الفلسفة مسئولة عن تحلل العقيدة .ومن ثم فإن الثقافة الإسلامية بها توجهات الإنفتاح والتعايش وقبول الآخر مثل توجه المعتزلة والفلاسفة أمثال الكندى والفارابى وابن رشد وغيرهم  ، ولكن الصوت الأعلى والأكثر استمرارا كان لصالح توجهات الإقصاء ونفى الآخر ، مثل تراث ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب ، تلك التوجهات التى انتشرت الآن عبر الحركات الدينية ، وحركات العنف ، والتى قدمت صورة سلبية عن الإسلام والثقافة الإسلامية فى العالم . 
-كيف ترى دور النخبة المثقفة خصوصا أساتذة الجامعات في مواجهة التطرف؟
- للأسف الشديد النخبة تحيا فى أوهام الاستعلاء بثقافتها ، وتحيا منغلفة على نفسها بمصطلحاتها ولغتها المغلقة ،وماتقدمه بعض النخب من هجوم ضارى على الخطاب الدينى السائد ، قد ينفر البعض من التوجهات العلمانية ، ولذا كان من الضرورى تركيز النخب على البحث عن جذور التسلط والارهاب فى ثقافتنا ، وذلك حتى نحاصر ونجفف منابع الإرهاب فى تلك الثقافة ، كما أن على النخب أن ترسخ لثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش معه  ، وأن تنشر من خلال التعليم والإعلام ، وللأسف أن الجامعة قد تخلت عن دورها فى مواجهة العنف والتطرف ، فكان على أساتذة الجامعة الدور الهام فى تفكيك اليقينيات التى تربى عليها شبابنا ، والتى أدى البعض منها إلى العنف والإرهاب ، ولكن للأسف فقد تخلى أساتذة الجامعة عن رسالتهم ، وانكب الكثير منهم على تحصيل المال من عائات الكتاب الجامعى متخلين عن رسالتهم الحقيقية ، وللأسف صار شيوخ السلفية من أمثال الحوينى ،ومحمد حسان، وحسين يعقوب أكثر تأثيرا فى وعى الطلاب من أساتذة الجامعة ، لأن الجامعة فى مصر أصبحت مفرغة من العلم ، وتخلت عن أداء دورها الحقيقى فى المجتمع ، ونحن بحاجة إلى جيل فاعل من أساتذة الجامعة يتمتع بقدر من الحرية فى أن يساءل التراث والتاريخ والفكر الدينى ، وأن يسعى إلى تأصيل التنوير والعقلانية فى وعى جيل جديد من الطلاب بالجامعات ، وهذا أمر يمكن أن نتطلع إليه فى حياتنا الجامعية .
- القمع والاستبداد والظلم.. هل هي مولدات تطرف؟
لاشك أن القمع وغياب الحرية ، وأن الاستبداد السياسى ، والظلم وعدم تحقق العدالة الإجتماعية هى كلها أسباب مؤسسة للعنف والإرهاب  ووجودها يخلق فضاء خصب لاستمرار العنف فى المجتمع ، ويفرخ للإرهاب ، كما أن الفقر يسهم أيضا فى تخلق العنف فى المجتمع ، وللأسف أن معظم الأنظمة العربية الحاكمة تخلق بمممارستها القمعية وغياب الحرية ، وعدم تحقق العدالة الإجتماعية فضاء واسع للعنف فى المجتمع ، ثم نجد نفس الأنظمة تعود فتكتوى بناره ، وتسعى إلى البحث عن أسبابه ، وتنفى عن نفسها أنها السبب الرئيسى فى تخلق العنف فى مجتمعنا العربى، مع العلم أن هذه الأنظمة مسؤلة بالدرجة الأولى عن تفريخ العنف والإرهاب .
- مامدى مسئولية الثقافة عن تفريخ العنف والإرهاب؟
- الواقع أن العنف والإرهاب فى المنطقة العربية والعالم الإسلامى له منبع ثقافى بإمتياز ، حيث تتحكم الثقافة الدينية والفقهية خصوصا فى حياة الناس ، ويظل للتراث الدينى فاعليته فى أنه يمنح حركات العنف الأساس النظرى والفقهى لممارساتهم ، و يظل لتراث أحمد بن حنبل ، وابن تيمية ، ومحمد بن عبد الوهاب فاعليته الشديدة فى توجيه حركات العنف ، وفى موقفهم من الأخر ، فمازال لهذا التراث الفقهى دوره فى إقصاء الآخر وتكفيره وإباحة دمه ، ومازال هذا التراث فاعلا فى العقل الجمعى لحركات العنف.
- ما هي الآليات والاجراءات الواجب اتخاذها من قبل الدولة لمواجهة التطرف؟ 
- من أهم الإجراءات التى على الدولة اتخاذها لمحاربة التطرف والعنف ، هو محاصرة العنف وأسبابه القائمة فى بنية الثقافة ، وذلك عبر تقديم خطاب دينى يتسم بالتسامح للعامة فى فضاءات الإعلام ، وعدم ترك منابر الإعلام مطية فى يد المتشددين لكى يبثوا سمومهم فى عقول الناس ،ومن المهم الإرتقاء بمستوى التعليم الدينى فى مصر لأن التعليم الدينى الخاطئ يفرخ للإرهاب ، ومن الضرورى وضع استراتيجية تعليمية لكيفية صناعة رجال الدين والدعاة فى مصر والوطن العربى  ,وكذلك من المهم بث النزوع النسبى للمعرفة الدينية فى أنظمة التعليم ، وعدم النظر إلى المعرفة الدينية على أنها مطلقة الصدق ، وضرورة تدريس ذلك بالجامعة وخاصة فى الكليات العلمية التطبيقية والتى هى أكثر تفريخا للإرهاب ، فأنظمة التعليم والثقافة الحاكمة فى أى مجتمع مسئولة مسئولية مباشرة إما عن تقدم المجتمع أو عن تخلفه وانتشار العنف فيه    
     وكذلك على الدولة أن تسعى إلى تجفيف منابع الفقر فى المجتمع لأنها منابع للإرهاب ، وتطوير العشوائيات فى المجتمع ، وهذا لايتم الاعبر تحقيق مستوى معقول من العدالة الإجتماعية ، والتى تسهم فى تحقيق الأمن فى المجتمع . 
ومن ثم فإن مواجهة الإرهاب يبدأ من مواجهة جذوره الفكرية بالأساس ، ثم مواجهة هذه الجذور فى أنظمة التربية والتعليم والإعلام ،لأنها المسئولة عن نشر العنف فى مجتمعنا ، ومن جانب آخر مواجهة العوامل الإجتماعية المسئولة مسئولية مباشرة عن انتشار العنف والإرهاب كالفقر وانتفاء تحقق العدالة الإجتماعية .

شارك