البخاري ليس مقدسا يا شيخ الأزهر..!

الإثنين 04/ديسمبر/2017 - 03:12 م
طباعة البخاري ليس مقدسا
 
دأب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في الآونة الأخيرة على الادلاء بتصريحات نارية تهدم كل ما نحاول بناءه في اتجاه دولة مدنية على أسس علمية حديثة.. مما يعطي فرصة ذهبية لتلك الجماعات المتطرفة على ارتكاب جرائمها باسم الدين، فقد نصب الإمام الجليل نفسه قائدا للمعركة مع العلمانية بحجة انها ضد الدين في فهم مغلوط تروج له نفس الجماعات التي يدعي شيخ الأزهر محاربتها فنجد قسمات مشتركة كثيرة بين شيخ الأزهر ومناهج الأزهر وهذه الجماعات حيث المرجعية الفكرية واحدة وهي كتب التراث كما هي، دون مناقشتها وعرضها على العقل وما يثبت ما نقول أخر تصريحات الإمام الطيب حيث قال خلال حواره ببرنامج «الإمام الطيب» إن تفسير قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، تعنى حفظ الوحى وليست مقتصرة على القرآن فقط، موضحاً أن الوحى غير مقصور على القرآن فقط بل يشمل الحديث النبوي والقدسي، وهذا ما قال به الشافعي واسس له وذهب على مذهبه الأشعري وبغض النظر عن مناقشة هذه الجزئية الخلافية في قول الامام الطيب حيث ان الوحي مقصورا على القرآن وانه لا يوجد ذكر لسنة النبي في كتاب الله ولكن هناك ذكر لسنة الله وان الرسول محمد ما كان يخاطب الذين يدعوهم سوى بالقرآن وان لو السنة من الوحي لأقمنا بها مناسكنا من صلاة، وقد تابع الطيب: «فما يبلغه النبي عن الله فهو وحى معصوم.. ومن يقول إن الذكر معنى به القرآن فقط فهو يكذب.. وبن حزم قال إن هذه دعوة كاذبة»، موجهاً رسالة للشباب الذى يتطاول على الإمام البخاري ومسلم والسيدة عائشة أم المؤمنين، قال خلالها: إن التفريط في هذه المقدسات الكبرى يعنى التفريط في شرف أمة.
وهنا نقول للسيد الامام الأكبر انه ليس احد مقدس فقد تم نقد البخاري قديما ومن يقوم بنقد البخاري الان ليس كاذب كما تدعي فضيلتك، نعم هناك من قام بتقديس البخاري كما فعلت فضيلتك وهناك من قام بنقده أيضا وتضعيف أحاديثه:

الذين قاموا بتقديس البخاري

الذين قاموا بتقديس
هناك الكثير من علماء السنة قاموا بتقديس الإمام البخاري وكتابه ( صحيح البخاري) مما أدى في النهاية إلى إضفاء قدسية خاصة للكتاب ورفعه في بعض الأحيان إلى درجة تقارب كتاب الله "القرآن" أو تتفوق عليه، خاصة لدى العامة، وهنا سوف نعطي بعض الأمثلة لحالة القدسية التي فرضت على البخاري وكتابه:
1- قال القاسمي في قواعد التحديث: صحيح البخاري عدل القرآن، إذ لو قرئ هذا الكتاب بدار في زمن شاع فيه الوباء والطاعون لكان أهله في مأمن من المرض، ولو اختتم أحد هذا الكتاب لنال ما نواه، ومن قرأه في واقعة أو مصيبة لم يخرج حتى ينجو منها، ولو حمله أحد معه في سفر البحر لنجا هو والمركب من الغرق ( قواعد التحديث 250)
2- قال محمد فريد وجدي: وغلا بعضهم فرأى أن يستأجر رجالا يقرؤون الأحاديث النبوية في كتاب الإمام البخاري استجلابا للبركات السماوية تماما كالقرآن . ( دائرة معارف القرن العشرين 3/482)
3- وقال امام الحرمين الشريفين : لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم بما حكما بصحته – هي مطابقة مع الواقع – وهي مما حكاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) كان حلفه صحيحا ولا كفارة عليه، لأن الامة اجمعت على صحة أحاديثهما ( شرح النووي على صحيح مسلم 1/19)
4- نقل عن أبي زيد المروزي أنه قال: كنت نائما بين الركن والمقام فرأيت النبي( صلى الله عليه وآله) في المنام، فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي ؟ فقلت : يا رسول الله، وما كتابك ؟ قال: جامع محمد بن اسماعيل البخاري .( هدى الساري 490، إرشاد الساري 1/ 29)
هكذا كان ومازال تقديس كتاب البخاري من العلماء والعامة على السواء، وامتد تقديس هذا الكتاب حتى الآن فنجد أن بعض الأئمة والفقهاء في عصرنا يسفهون ويجهلون من حاول الاقتراب من البخاري نقدا أو تحليلا، ليس هذا فقط بل أحيانا يتهموه بالكفر .  
رغم أنه لم تكن لكتاب البخاري كل هذه القدسية في العصر العباسي فقد تعرّض البخاري للنقد والاستدراك عليه، وتابع أئمة الحديث التأليف بعده مخالفين له في إثبات حديث أو نفيه. ولو كان البخاري هو القول الفصل في الدين السّنى لما جرؤ أحد على التأليف بعده، ولكن تكاثرت مؤلفات العصر العباسي في الحديث منفصلة عن البخاري مستقلة عنه .  

نقد البخاري قديمًا

نقد البخاري قديمًا
هناك جمع من العلماء والمحدثين والحُفّاظ، وشُراح الصحيحين الذين يعتمد أهل السنة على أقوالهم ويعترفون بعلوّ مقامهم العلمي، قاموا بنقد البخاري، فقد نقد بعض أحاديث البخاري الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبو داود السجستاني وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو عيسى الترمذي والعقيلي والنسائي وأبو علي النيسابوري وأبو بكر الإسماعيلي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن الدارقطني وابن مندة والبيهقي والعطار والغساني الجياني وأبو الفضل الهروي بن عمار الشهيد وابن الجوزي وابن حزم وابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم والألباني وكثير غيرهم، فهل كل هؤلاء العلماء مبتدعة متبعون غير سبيل المؤمنين؟!
ومن الكتب التي تضمنت نقدًا لأحاديث في البخاري كتاب "الالتزامات والتتبع" للحافظ الدار قطني، بتحقيق الشيخ مقبل الوادعي، طبع دار الكتب العلمية ببيروت، وهو ينتقد حوالي مائتي حديث بعلل قادحة في نظره، وقد ركز على العلل أكثر مما ركز على ضعف الرواة.
وحاول ابن حجر في كتابه "هدى الساري" وهو مقدمة "فتح الباري شرح صحيح البخاري"أن يدفع انتقادات الدار قطني حديثاً حديثاً، وقال في ختام حديثه عنها: "أكثرها الجواب عنه ظاهر القدح فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف".
وضعَّف العقيلي عددًا من أحاديث صحيح البخاري، بل ضعَّف بعض ما اتفق عليه البخاري ومسلم مثل حديث همام بن يحيى في الأبرص، ورد أبو حنيفة الحديث المروي عن أن يهوديًا رض رأس جارية بين حجرين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم برض رأسه بين حجرين، وقال إنه هذيان، كما رد حديث رفع البدن عند الركوع وهناك أحاديث أخرى ردها أبو حنيفة وأوردها الشيخ أبو زهرة في كتابه "الإمام أبي حنيفة" ص 324، وكان مالك يضعف حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا، ويقول: "يؤكل صيده فكيف يكره لعابه"، وأهمل حديث "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" لمنافاته الأصل القرآني "لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى". وغير هؤلاء مثل:

البخاري ليس مقدسا
1- محمد بن يحيى الذهلي:
قال ابن خلكان: محمد بن يحيى المعروف بالذهلي من أكابر العلماء والحفاظ وأشهرهم، وهو أستاذ وشيخ البخاري ومسلم وأبي داود و الترمذي والنسائي وابن ماجة، (وفيات الأعيان لابن خلكان 4، 282 ترجمة الذهلي). قال الكلاباذي الإصبهاني في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين في ترجمة الذهلي: روى عنه البخاري في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير موضع في ما يقرب من ثلاثين موضعًا ... إنّ البخاري لمّا دخل نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى الذهلي في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يترك الرواية عنه ولم يصرّح باسمه.
راجع: الجمع بين رجال الصحيحين، 2، 465 ترجمة رقم 1787) . وقال: أحمد بن حنبل لابنه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله الذهلي واكتبوا عنه. (تاريخ بغداد، 3، 416)
قال الخطيب البغدادي: " كان البخاري خلافًا لأكثر متكلّمي عصره يقول بأنّ لفظ القرآن مخلوق، ولمّا ورد مدنية نيسابور أفتى الذهلي - الذي تقلّد منصب الإفتاء والإمامة بنيسابور - قائلا ً: ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتّهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلّا من كان على مثل مذهبه، (تاريخ بغداد، 2، 31) (ذهب أحمد بن حنبل إلى تكفير من يقول بخلق القرآن فقال: والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أن تلفّظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوق والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفر هؤلاء القوم والقائلين بخلق القرآن وكلام الله فهو مثلهم - كافر - راجع: كتاب السنة لأحمد بن حنبل، 3، 53).
قال محمد بن يحيى: كتب إلينا من بغداد أنّ محمد بن إسماعيل يقول: بأنّ لفظ القرآن ليس قديمًا، وقد استتبناه في هذه ولم ينته: فلا يحقّ لأحد أن يحضر مجلسه بعد مجلسنا هذا، (تاريخ بغداد، 2، 31، وإرشاد الساري، 1، 38 وهدى الساري مقدمة فتح الباري، 491 واستقصاء الأفعال، 9787).
لم يذهب الذهلي بفساد عقيدة البخاري فحسب، بل كان يرى انحراف صاحبه مسلم بن حجّاج - صاحب الصحيح - عن العقيدة السليمة، ولذا طرده عن مجلسه وحرّم على الناس حضور مجلسه. (دائرة معارف القرن العشرين، 5، 292 مادّة سلم، وتذكرة الحفّاظ، 2، 589 ترجمة مسلم بن الحجاج رقم 613)، ويظهر من هذه الأقوال بأن البخاري ومسلم كانا محل رفض وطرد من قبل أهل نيسابور وعلماء بغداد وأهلها لاعتقادهما في القرآن بأنه مخلوق، وكان هذا سببًا لطردهما من نيسابور.
2- أبو زرعة الرازي:
يعدّ أبو زرعة من حفّاظ الحديث، وعلمًا من أعلام الرجال والعلوم الأخرى، قال الفاضل النووي فيه: انتهى الحفظ - حفظ الحديث - إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة و...إلى آخره (تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 68).
قال الخطيب عن سعيد بن عمر وقال: شهدت أبا زرعة الرازي ذكر كتاب الصحيح الذي ألّف مسلم بن الحجّاج ثمّ المصوّغ على مثاله - صحيح البخاري - فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه فعلموا شيئا ً يتسوقون به، ألّفوا كتابا ً لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رئاسة قبل وقتها. وأتاه ذات يوم - وأنا شاهد - رجل بكتب الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر، فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر، ثم رأى في كتابه قطن بن نصير فقال لي: وهذا أطمّ من الأوّل. (تاريخ بغداد، 273)
وذكر الذهبي قصّة أبي زرعة ولكنّه أتى بكلمة يتسوّقون - يتاجرون - بدلاً عن كلمة يتشوّفون - يتظاهرون - (ميزان الاعتدال، 1، 126 ترجمة أحمد بن عيسى المصري التستري رقم 507).
3- النووي:
قال النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم: وأمّا قول مسلم - وادّعاؤه في صحيحه بأنّ ليس كلّ شيء صحيح عندي وضعته فيه فحسب، بل جمعت في كتابي الصّحيح كلّ ما اتّفق الجمهور على صحته - فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلف في صحّتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممّن اختلفوا في صحّة حديثه. (مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي، 16)
4- ابن حجر:
قال ابن حجر: وعدّة ما اجتمع الناس - على قدحه من الأحاديث - ممّا في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة حديثًا منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثا ً. (هدي الساري مقدمة فتح الباري، 345) وجاء في مقدمة فتح الباري: فقد تناول جماعة من المحدثين وعلماء الرجال أكثر من ثلاثمائة من رجال البخاري فضعّفوهم، وأشار - بعد سرد أسمائهم - إلى حكاية الطعن والتنقيب عن سبب ضعفهم. (هدي الساري مقدمة فتح الباري، 382)
5- الباقلاني:
أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحّة حديث صلاة النبي (ص) على جنازة عبد الله بن أبي، واعتراض عمر عليه (ص) - الحديث الذي رواه الصحيحان -، وقال إمام الحرمين: لا يصحّحه أهل الحديث، وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أنّ هذا الخبر غير صحيح، وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ، (فتح الباري، 8، 272)
6- ابن همام:
قال كمال الدين بن همام في شرح الهداية: وقوله من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين ثم ّ ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما... تحكّم وباطل لا يجوز التقليد فيه، (أضواء على السنة المحمديّة، 312)
والنتيجة التي قد نخرج بها من تلك المعركة حول قدسية البخاري ونقده أن الفريقين كانا يدافعان عن مصالحهما السياسية والاجتماعية، وأن هذه المعركة كانت في المقام الأول معركة سياسية وليست دينية كما هو الحال اليوم، فمعركة البخاري ليست بجديدة بينما هي كمثيلاتها من المعارك التي لم تحسم في الفكر الإسلامي، والأقدمون قاموا بنقد البخاري ومناقشته بآليات عصرهم ومدى تطورهم في العلوم وبالقياسات الخاصة بهم، كذلك من دافع عن البخاري وقدسه، لكنا اليوم ننطلق من تطور هائل في مجال الدراسات اللسانية واللغوية، كذلك تطورت مناهج النقد، حتى تلك المناهج التي تتناول الأحاديث "الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث وغيره" تلك المناهج والعلوم لم تكن موجودة في عصر البخاري، وقد ناقش الكثير من المحدثين "البخاري" فاعترض عليه الكثير وقدسه الكثير وبنظرة فاحصة على كلا الفريقين نجد أن من يدافع عن البخاري ويقدسه هم الفريق الذي عرف قديما "بالنقل"، أي هؤلاء الذين دوما ما يقدسون الماضي ويعيشون فيه ويريدون العودة إليه، يتساوى في هذا من هم داخل المؤسسة الدينية الرسمية أو من هم خارجها، والفريق الآخر هو فريق"العقل" الذي يعطي للعقل الحق في القبول أو الرفض، ويقوم بعرض كل الأشياء على العقل وما يقبله العقل فهو المقبول وما يرفضه العقل يجب رفضه ومن بين هؤلاء رغم اختلاف مناهجهم ومذاهبهم "جمال البنا، أحمد صبحي منصور، محمد عبد الله نصر، إسلام بحيري، حسام الحداد .... وغيرهم الكثير .
للمزيد حول البخاري وعصره 

شارك