2017.. إنه عام الروهينجا

الأحد 31/ديسمبر/2017 - 09:57 م
طباعة 2017.. إنه عام الروهينجا
 
نشر موقع معهد "جيت ستون" الأمريكي المتخصص في السياسة الدولية، مقالًا مطولًا للكاتب الإيراني أمير الطاهري، بعنوان "2017.. عام الروهينجا"، أدان فيه الطاهري الدول الإسلامية والمجتمع الدولي الذي وقف ساكنً أمام المذابح التي يتعرض لها مسلمو بورما، المقال الذي ترجمه بوابة الحركات الإسلامية.
في كثير من الأحيان استخدم المؤرخون العرب في العصور الوسطى ذكرى الكوارث الكبيرة كعلامة على سنة أو حتى عصر كامل قيد الدراسة، فمثلًا في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام مع هناك "عام الفيل" والتي غزا فيها أبرهة الحبشي أو أبرهة الأشرم مكة في محاولة منه لهدم الكعبة، كذلك هناك عام الجراد، والتي أبادت فيها أسراب من الجراد على المحاصيل عبر قوس ضخم يمتد من شبه الجزيرة إلى البحر الأبيض المتوسط، كما تم تصنيف العام الماضي 2016 باعتباره "عام حلب" للإشارة إلى الدمار الذي خلفه القصف المفروض على المدينة الإسلامية العريقة من قبل القوات الجوية الروسية إلى جانب الاقتتال الدائر بين الفصائل السورية المسلحة، لتخلف مأساة ضد الإنسانية في المدينة.
في ذلك الوقت لم نكن نتصور أن عام 2017 سيشهد جريمة أكبر ضد الإنسانية في شكل ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "الإبادة الجماعية" لشعب الروهينجا في بورما (ميانمار)، وعلى الرغم من أن حلب شهدت جريمة قامت بها القوات الروسية والفصائل الإرهابية، لكن في حالة الروهينجا، فإن الحكومة المركزية هي من قامت بتنظيم عملية الإبادة الجماعية بمساعدة الجيش "الوطني"، والأسوأ من ذلك أن من يرأس هذه الحكومة المعينة امرأة تم تعريفها للمجتمع الدولي كملاك للرحمة توجت بجائزة نوبل للسلام!!
كان من المفترض أن تكون بورما، ممثلة لتعاليم بوذا الداعية للسلام والوئام والحكم العليا، في عام 1977، سخر الجنرال ني وين "القوي" من تلك التعاليم، متسائلًا كيف لها أن تنقذ العالم من العنف والحرب؟!
ولكن في الحقيقة أن هذا الجنرال استولى على السلطة من خلال الانقلاب، لتبدو هذه الدولة الصغيرة وكأنها محصنة من العنف الذي شهده العالم في شبه القارة الهندية – الباكستانية،  كذلك الحرب الهندية الصينية.
كان لدى بورما في مرحلة ما بعد الاستعمار البريطاني القدرة على أن تصبح نموذجا للتنمية السلمية، وفى ظل رئيس الوزراء ثاكن نو المعروف باسم يو نو، حققت بورما وضعا خاصا في حركة عدم الانحياز، كان يو نو في نفس مرتبة الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، والزعيم سوكارنو بأندونيسيا، إذ يعد الثلاثة من حكماء العالم الثالث، وعندما رشح يو نو وزيره ، يو ثانت ليكون الأمين العام للأمم المتحدة، أشاد الجميع، واستطاع ثانت أن يقود الهيئة الأممية لمدة 10 سنوات - وهو رقم قياسي في وقته، في أشد سنوات الحرب الباردة اشتعالًا. 
وفي عام 1968،كان هدف ثانت عندما ترأس مؤتمرا دوليا بمناسبة الذكرى العشرين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، توسيع نطاق الإعلان الأصلي ليشمل مجموعة كاملة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وكانت النتيجة وقتها إعلان طهران الشهير، والذي يعد ثمرة دبلوماسية يو ثانت الصادقة وحسن النية، التي لا تزال ذروة الطموحات "التقدمية".
لذلك، كيف يمكن لبلد يو نو أو ثانت، وهي الأرض التي لديها أعلى نسبة من الكهنة بالنسبة لمجموع السكان، أن تصبح مكانا لأكبر جريمة إبادة جماعية شهدها العالم منذ رواندا في القرن الماضي؟ والأسوأ من ذلك، كيف يمكن لرجال الدين البوذيين أن يصبحوا قادة يهتفون، بل وفي كثير من الحالات، شركاء نشطين في الوحدات العسكرية المدربين تدريبا خاصا على قتل المدنيين، ليهدمون القرى ويسوونها بالأرض؟!
الدرس الأول الذي يستخلص من الإبادة الجماعية للروهينغيا هو أنه لا ينبغي أن يستبعد المرء وجود الشر في النفس الإنسانية واعتباره دربًا من الخيال الميتافيزيقي، خاصة أن الشر يمكن أن يتخذ العديد من الهويات والأشكال، إذ يمكن أن يرتدي قناع الحكيم الروحي مثل يو نو أو صانع السلام الرحيم مثل يو ثانت، أو حتى يتخذ شكل جندي "الاشتراكية البوذية" ني وين أو محبوبة من الليبراليين الغربية مثل الرئيسة الحالية أونغ سانغ سوكي.
ولتبرير الإبادة الجماعية، اتهم إعلام ميانمار الروهينجا بالعديد من الأفعال الخاطئة، أبرزها أنه خاض حربًا ضد الغزاة اليابانيين لبورما خلال الحرب العالمية الثانية، كما حملهم مسؤولية الحفاظ على لغتهم الخاصة، وهي لغة ضمن 22 لغة محلية موجودة في بورما، ولكن في حقيقة الأمر فإن جريمة الروهينجا الأولى هي كونهم مسلمين في المقام الأول.
ورغم من أن الروهينجا تلقوا القليل من المساعدات من 57 دولة ذات أغلبية مسلمة، إلا أنه لم تجرؤ دولة واحدة من هذه الدول بقطع علاقاتها مع ميانمار، واكتفوا بإرسال حفنة من المساعدات الرمزية إلى لاجئي الروهينجا الذين يموتون من الجوع والمرض في بنغلاديش المجاورة.
كانت إيران أقل الدول اهتماما بمأساة الروهينجا، إذ اكتفت بإرسال شحنة من المساعدات الإنسانية، الى بنجلاديش التى تستضيف نصف مليون روهينجا من بورما، الشحنة التي ربما كلفتها بضع مئات من آلاف الدولارات، وهي أقل بكثير من راتب زعيم حزب الله حسن نصر الله الشهري الذي يتقاضاه من طهران، أما بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فوقف ساكنًا مما يحدث، إذ انتهج نفس مسلك الخامنئي
كذلك لم يكن الموقف أفضل حالا لما يسمى بالمجتمع الدولي، ففي الوقت الذي اجتمع فيه مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم عقد جلسات طارئة لإدانة قرار ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وهو أمر ليس له أي تأثير على أرض الواقع، وكما أنهم لم يضعوا أزمة الإبادة الجماعية للروهينجا على جدول الأعمال رغم إمكانية ذلك.
وكان في استطاعة مجلس الأمن الدولي أن يفرض عقوبات بالإجماع على حكومة ميانمار مثلما فعل مع "رجل الصواريخ الصغير" في كوريا الشمالية، ولكن لأنه يتعلق بمسلمي بورما وقف نفس المجلس ساكنًا مكتوف الأيدي، نعم كان عام 2017 عام الروهينجا، وكان عام عار لما يسمى بـ"المجتمع الدولي".

شارك