نساء في عرين الاصولية الاسلامية

السبت 10/فبراير/2018 - 04:38 م
طباعة نساء في عرين الاصولية
 
الكتاب: نساء في عرين الأصولية الإسلامية
المؤلفة: رباب كمال
الناشر: دار ابن رشد 2017
لا تقتصر رباب كمال في قراءتها لأوضاع المرأة في ظل الذهية الأصولية المهيمنة على المجتمع ليس في مصر فقط بل تقترب من مناقشتها في أماكن أخرى من العالم الإسلامي، فقد خصصت بابين كاملين لمناقشة أوضاع المرأة في السعودية وإيران، كممثلين لأكبر مذهبين اسلاميين في العالم (السني والشيعي)، كما تنحاز رباب كمال في مناقشتها لقضايا المرأة بوصفها قضايا اجتماعية في المقام الأول وليست قضايا دينية، وانما تم الباسها لباساً دينياً للسيطرة على المرأة والهيمنة عليها من قبل المجتمع الذكوري، فتقوم بتفكيك البعد الديني لصالح الاجتماعي مستشهدة بمقولة نصر حامد أبوزيد في كتابه (دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة) حيث قال: أن قضايا المرأة لا تناقش اطلاقا إلا بوصفها قضايا اجتماعية، وادخالها في اطار القضايا الدينية تزييف لها وقتل لكل امكانات الحوار حولها، وأن حصر قضايا المراة في الحلال والحرام لا يسمح بتداول الأفكار الحرة، وان مناقشة قضايا المرأة المتعددة من منظور ديني يطمس الجانب الاجتماعي للقضية خاصة وان انطلق من ثوابت غير قابلة للنقاش من تغير وضع المرأة من شيء.
لذا يحاول رجال الدين ومن تبعهم من رجال السياسة والمجتمع انهاء أي نقاش جدى في قضية من قضايا حقوق المرأة بعبارة (النساء شقائق الرجال) رغم اخراجهم هذا الحديث من سياقه الذي قيل فيه حول اغتسال المرأة والرجل بعد الجنابة، وحسب رباب كمال فقد تم استبدال عبارات المواطنة والحقوق الاصيلة بالتكريم، كما اعتمد الخطاب الأصولي على سيكولوجية ترهيب المرأة بعذاب وغذب السماوات إن لم تلتزم بما اسموه الزي الشرعي (الحجاب). ومن ناحية أخرى اعتمد هذا الخطاب على تحريض المجتمع عليها ان تخلت عنه، فقد بات شعر المرأة أخطر من الأحزمة الناسفة، وتم استخداث فتاوى تعتبر ان الرجل الذي يترك نساء بيته بلا حجاب ديوثا.
وتؤكد رباب كمال بأن هناك اعتقاد سائد بأن حقوق المرأة ليست ضمن حقوق الإنسان، أو أنها ليست من الأولويات، أو أنها مجرد قضية نخبوية وهي في حقيقتها قضية العامة من النساء.
قضية المرأة لا تعني معاداة الرجل وقد تبنت بعض النسويات هذا الخطاب، فمشكلة قضية المرأة هي الأفكار الذكورية الأبوية، وهناك نساء أكثر ذكورية من الرجال، بل أن هنالك “نسويات” أكثر ذكورية من الرجال، وفي هذا السياق وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة النسوية الإسلامية، وهناك لغم في هذه الظاهرة، فالنسوية الإسلامية (في أغلب الأحوال) تتبنى حقوق المرأة في إطار ديني فقط، مما يجعل الحقوق مبتسرة، بل وأن بعض النسويات الإسلاميات قدمن نموذجًا ينتقص من حقوق المرأة وقد تطرقنا لهذا النموذج كذلك في صفحات هذا الكتاب.
هناك مفاهيم علينا تصحيحها وهي أن حقوق المرأة لا تنتقص من حقوق الرجل، لأن الرجل لا يملك المرأة من أساسه.
علينا أن ندرك أن أي ثورة تحاول كبت حركة الحقوق النسوية أو تضع لها خطوطا حمراء، لا ُتعد ثورة حقيقية ولا تتعدى كونها هرمونات غضب، لأن حرية المجتمع من حرية المرأة وهي نظرية قديمة قام بصياغتها قاسم أمين في كتاب (تحرير المرأة) 1899 م، وكتب عنها الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل في كتاب (استعباد النساء) عام 1869م، فمن المفترض أن الثورات تشتعل في مواجهة الاستبداد، وليس لممارسة الاستبداد على الآخرين تحت مسميات تطبيق الشريعة.
النساء في الغرب عانين من التمييز على أساس النوع لعصور طويلة، وإن حصلت المرأة في الغرب على قليل أو كثير من الحقوق قبل أن نحصل عليها في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية، فهذا لا يعني أن الحقوق مستوردة من الغرب، بل معناه أن المرأة في الغرب سبقتنا في نيل الحقوق. 
قضية المرأة في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية قد تعاني من الاستبداد السلطوي تارة والاستبداد الشعبي تارة أخرى ولكن يظل أكبر عدو للمرأة هي المرأة التي تجعل من القمع حرية اختيار، وهكذا تظل قضية حقوق المرأة رهن التابوهات المجتمعية.
وتنطلق رباب كمال في كتابها هذا من خلال تجربتها الشخصية مع الأخوات من جماعة الاخوان المسلمين، حيث تتطرق لأهم أدبياتهم في هذه المرحلة التي حاولوا استقطابها فيها (2003 – 2004) فتتناول كتاب (هل نحن مسلمون؟) لمحمد قطب الذي يستخدم فيه لهجة عدائية ولغة تعبر عن المظلومية حسب وصف الكاتبة، فيأخذ القارئ إلى منطقة تأنيب الضمير لما وصل إليه حال المسلمين ثم يبدأ بشحذ الهمم لتغيير هذا الحال وحمل الأخريين على التغيير في طريق اقامة المجتمع الاسلامي ونبذ مدنية الدولة، فبداية من خطاب المظلومية نهاية بخطاب غزو الاسلام للعالم الذي يلخص به محمد قطب تاريخ جماعة الاخوان ومرتكزاتها، والكتاب الثاني لمحمد قطب (هلم نخرج من ظلمات التية) والذي جاء فيه أن الدعوة تتعجل الصدام مع السلطة وتتعجل طلب الحكم وان هذا لا يجوز في فترة الاستضعاف وان التركيز لابد أن ينصب على تجنيد الناس أنفسهم لقضية لا إله إلا الله، وفي نفس الكتاب يتباهى محمد قطب بإنتشار ظاهرة حجاب المرأة بين الفنانات التي دلت على انتشار الدعوة ورسخت للمشروع الاسلامي. فقد اصبح الحجاب حتى الأن رمزاً سياسياً لجماعات الاسلام السياسي، حيث حرصت هذه الجماعات على نشر ثقافة الحجاب في جميع مؤسسات الدولة. وتستدعي رباب كمال ايضاً كتاب (الاخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية). ذلك الكتاب الذي وضع المشروع أو الاستراتيجية التي قدم لها حسن البنا من قبل والتي تتلخص في (نحن نريد الفرد المسلم والبيت المسلم والشعب المسلم حتى نؤثر في الاوضاع ونصبغها بالصبغة الاسلامية ودون ذلك لن نصل لأي شيء) تلك الصيغة التي قدمها حسن البنا من قبل في مجلة المنار التي كان يرأس تحريرها في 1939 والتي تؤكد على الرغبة في التمكين بداية من الشارع والثقافة بهدف الوصول إلى الحكم والسيطرة على عقول ومشاعر الأمة.
أما الباب الثاني من هذا الكتاب فقد خصصته رباب كمال لمناقشة التجربة الايرانية وأوضاع المرأة في ايران قبل الثورة وبعدها، واهتمام الاخوات في مصر بهذه التجربة والترويج لها من خلال الدروس الدينية التي كن يحرصن على اقامتها، فتعرض الكاتبة لتجربة القاضية الايرانية شيرين عبادي، وموقفها من الثورة الايرانية وتشير إلى كتابها (ايران تستيقظ، مذكرات الثورة والأمل) الصادر عام 2006 وكيف تعرضت شيرين عبادي للهجوم الاعلامي وتم وضعها على قائمة الاغتيالات بسبب مواقفها المنحازة إلى التنوير والحرية والديمقراطية.
كما تتناول رباب كمال في هذا الباب علاقة الاخوان في مصر والعالم بالثورة الايرانية رغم الاختلاف المذهبي حيث كانت الثورة الايرانية نموذجا حيا لاقامة الدولة الاسلامية في نظر جماعة الاخوان، وكانت أيضاً انقلابا على مدنية القرن العشرين.
تعرج بنا رباب كمال من التجربة الايرانية ووضع المرأة في ايران وكيف ان الثورة الاسلامية هزمت المرأة وقهرتها إلى تجربة موازية لتلك التجربة وهي المملكة العربية السعودية وأوضاع المرأة بها، حيث تناولت حقوق المرأة في المملكة وتبعات الفكر الوهابي الذي لم يبقى حبيساً للحدود الجغرافية، بل انتشر إلى باقي المنطقة مدفوعاً بأموال النفط ومتترساً بها، كما عملت على مناقشة تلك الاصلاحات التي طرأت مؤخراً على المملكة واثرها على البلاد المحيطة.
ثم تتطرق رباب كمال لتاريخ تطور الخطاب الأزهري في قضايا حقوق المرأة وتتساءل هل قام الأزهر بالتجديد فعلا أو كان تغيير الخطاب وفتاوى المرأة نتيجة لموائمات سياسية؟ وتعرض الأدلة البحثية والتاريخية التي قد تساعدنا على إيجاد تلك الإجابات وتحديد المسارات الهامة فيه، كما تتساءل لماذا يولي الأزهر وجهه شطر السعودية بينما يشن هجماته في اتجاه المغرب العربي؟!
كما تتطرق رباب للمواقف التشريعية التي تجمع الدولة مع تيارات الإسلام السياسي، فبعض المواقف قد تجمع الدولة المصرية والتيارات الدينية على قلب فقيه واحد ليضعوا سقفًا خرسانيًّا لحقوق المرأة غير مسموح لها بتجاوزه وهو “حقوق النساء حسب الشريعة الإسلامية”، بل وأن قضية ولاية الرجل على زوجته في قوانين الأحوال الشخصية بحاجة للدراسة دون أن نمر عليها مرور الكرام، فالمرأة نالت حقوقًا سياسية ولكن تخشى السلطة الاقتراب من منطقة المحاذير وهي القوامة والولاية القانونية في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين. وهنا أيضًا تذكر أنه لا يوجد في مصر قانون أحوال شخصية مدني لا للمسلمين ولا للمسيحيين، وهو الحال في معظم البلاد العربية.
وفي الباب السادس والذي يحمل عنوان (نساء في سطوة الموروث) تسأل بعض الأسئلة الصعبة وهي من أين جاءت الفتاوى المتطرفة في حق المرأة، هل هي اختراعات الدعاة أو لها أصول في الموروث؟ فهل يمكننا أن ننقي الموروثات الدينية كما ننقي الأرز؟ أو نكتفي بإنكار النصوص وتأويلاتها فنجد أنفسنا متهمين في قضايا ازدراء الدين الإسلامي وهي التهمة الأسهل الآن.
أما الباب السابع والأخير، والذي يحمل عنوان (ثورة الجسد) تتحدث فيه عن ظاهرة خلع الحجاب وتحلل كذلك لفظ السفور لغويًّا، وؤكد أنه لا يمكن اختزال معركة حرية المرأة في خلع الحجاب لأنه سيكون تحررًا واهيًا ترتد منه المرأة كما ارتدت النساء عنه في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه يظل شكلًا من أشكال تمرد بعض الفتيات والنساء على أوضاع بالية احتجبت فيها حقوق المرأة، فتتعالى أصوات النساء ضد ما يكابدونه في محاكم الأسرة والعنف الأسري والتمييز المجتمعي والتشريعي، وبات خلع الحجاب كاشفا لما هو أكثر من وجه وشعر المرأة.

شارك