"القاري والنص" كتاب يبحث عن الـتأويل في قراءة الانجيل

الثلاثاء 20/مارس/2018 - 02:07 م
طباعة القاري والنص كتاب
 
في المكتبة المسيحية بصفة عامة لا توجد كتب كثيرة باللغة العربية تتحدث عن التأويل في قراءة الانجيل . لذلك ياتي كتاب " القاريء والنص قراءة في العلاقة بين القاري والنص في العهد الجديد " للاب الراهب  العلامة " سيرافيم البراموسي" ليقدم مادة عميقة وشيقة في هذا الاطار . الكتاب يقع في 96 صفحة من الحجم الصغير وينطلق من الحديث عن معني المعني  فيقول الاب سيرافيم 
ان قارئا اجنبيا للواقع المصري سيجد علي سبيل المثال ان كلمة مثل " باشا " محيرة للغاية في الوقت الذي سيقرا تاريخيا وفي ادبيات مصرية كثيرة ان الكلمة تعبر عن مستوي اجتماعي مرموق للغاية سيجد ان نفس الكلمة ليست لها دلالة واضحة في اللغة المعاصرة فهي تطلق في اي سياق وعلي اي شخص وفي اي موقف بالرغم ان الكلمة واحدة وان اللغة واحدة  وان البلد واحدة الاان التغير السياسي والاجتماعي الذي شهدته مصر في  خمسين عاما اثر علي الكلمة تاثيرا جذريا اتخيل بعد عدة قرون حينما يحاول احد المفسرين تفسير دلالة الكلمة في مصر انه سيواجه صعوبة تفسيرية وقد يسقط في فخ اطلاق المعني الاجتماعي المرموق علي الكلمة في اللغة المعاصرة – القرن الواحد والعشرين – مما يؤدي به الي خلط في كل المفاهيم والبناء علي نقاط ارتكاز خاطئة تماما  اذا المعني دائما ابعد ما تقوله الكلمة بشكل مباشر خاصة حينما يكون هناك فارق زمني وتاريخي وثقافي ولغوي كبير بين بين عالم النص الاؤل وعالم القاريء.
دائما ما يتساءل قراء الانجيل حول المعني هم علي الدوام في حيرة ومخاوف من المعاني التي يتلقونها او يستمعون اليها او يصلون اليها من خلال البحث والدراسة دائما الهاجس الذي يشغلهم هو السؤال هل هذا هو المعني بالفعل من المكتوب ؟ 
ويقول الاب سيرافيم  في البداية علينا ان ندرك انه لايمكننا ان نصل الي اليقين من نص مكتوب تفصلنا عنه فترة زمنية كبيرة وذلك بالطرق العلمية التجريبية التى يستخدمها العقل البشري هذا لايعني انه لايوجد يقين ولكن ما اشير اليه الي صعوبة اتفاق الجميع ان هذا هو اليقين استنادا الي ميكانيزمات العقل البشري ولعل نظرة واحدة الي الواقع تؤكد ما اقوال ان السبب الرئيس يتعلق بظاهرة اللغة والتباسها .التباس اللغة هو نتاج عوامل متعددة منها الفروق الزمنية والجغرافية والفكرية والثقافية واللغوية والحضارية والسياسية والسياقية ومنها علي الجانب الاخر السياق الذي يحيا فيه القاريء والتحديات الشخصية / المجتمعية التى يجتازها  هذا الالتباس ليس السبب فيه القائل ولا الكاتب ولا القاريء ولكن المسافة  ما بين هولاء .
ويقدم الراهب  بعض من مسارات المعاني التي يقول انها قد تفيد في فهم نصوص العهد الجد 
اولا – المعني الدلالي  meaning as sigificance وهو المعني الذي نكتشفه من خلال دلالة الموقف او الحدث المكتوب فقد يكون هناك ثمة حدثان احدهما له دلالة والاخر ليس له دلالة  وفي العهد الجديد " الانجيل " المعني الدلالي حاضر بقوة من خلال الدلالة التى يلقي الكاتب بالضوء عليها من خلال تعبيرات واكواد نصية وانماط ادبية وتكرار عبارات  مثلا تعبير " ابن الانسان " يشير الي سفر دانيال بالعهد القديم وهو تعبير ذات بعد مسياني /اسخاطولوجي ( خاص بالسيد المسيح والاخرة )  ولولا هذه الدلالة كان يمكن ان يقرا احدهم التعبير ويراه تعبيرا عاديا كقولنا مثلا ابن ادم او ابن الارض  فالقراءة السطحية والمباشرة والحرفية لا يمكنها ايضا ان ترصد المعني الدلالي ولا ان تدركه 
ثانيا – المعني المرجعي  meaning as refence هذا المعني يعتمد ان المفردة او العبارة لها مرجعية واحدة في ذهن المتلقين فمثلا مسيحي تعني في القرون  الاولي من امن واعتمد ليسوع المسيح انه ابن الله الظاهر في الجسد وعاش حياة بمقتضي هذا الايمان اي مسيحي يستطيع التعرف علي  هذا المعني  اذ ان المرجعية الفكرية لهم واحدة من جهة هذا الامر بينما مثلا نجد ان السلطات الرومانية في القرن الثاني الميلادي كانت لديها كلمة مسيحي تعني اربعة اشياء . وذلك بسبب الشائعات التى كانت تحوم حولها وهي 
- اكل لحوم البشر بسبب سر التناول 
- له علاقة اوديبية  - نسبة لاسطورة اوديب  وذلك بسبب لقب الاخوة وقبلة السلام 
- معكر السلم العام  - اذلا يشترك في الاحتفالات العامة ولا يوقر الاباطرة بحرق البخور 
- ملحد  - لايؤمن بالهة روما 

ثالثا – معني القصد  meaning as intention هذا المعني رهن القصد منه او بالاحري مرتبط بالبنية الاصلية للكاتب فعندما يتحدث بولس الرسول عن الحرية " فاثبتوا اذا في الحرية التى قد حررنا بها المسيح " فقد يتطرف البعض في تعريف الحرية ويري ان قصد بولس قد يحمل الشعور باللامسئولية واللانظام  ولكن بالرجوع الي السياق نجده كان يتحدث عن قضية بعينها وهي الختان 
رابعا – المعني كأفكار meaning as ideas هذا النوع من المعني يحول المكتوب الي مجموعة من الافكار كل منها له معني .فمثلا حينما نقرا كلمة " هاجر " قد نقصد فكرة وليس بالضرورة شخصا  فهاجر تقدم لنا فكرة العبودية فليس بالضرورة ان تذكر هاجر كشخص علي الدوام فقد تكون تعبيرا عن فكرة عامة واشمل من الشخص نفسه 
خامسا – المعني كأثر  meaning as effectهذا النوع من المعني يري ان معني الشيء يكمن في الاثر الذي ينتجه فبدون الاثر لا يمكننا ان نتعرف علي المعني المطلوب فمثلا عندما قال المسيح لتلاميذه " ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا  " هنا لن نتمكن من فهم كلمات المسيح بدقة حول السيف  بل وقد تنجرف لفهم عكس المكتوب  فعندما قطع بطرس اذن العبد عند القبض علي المسيح  يتضح المعني من خلال الاثر حينما قام المسيح بشفاء الاذن المقطوعة 
وفي اطار الكتاب الممتع يقدم الاب سيرافيم انماط من قراء الكتاب المقدس حيث يرجع للباحث  " ان – تي – رايت " الذي قسم انواع القراء الي عدة انماط  تختلف عن بعضها البعض  ولعل الطريقة التى تشكل عليها وعي القاريء ثقافيا تكون مؤثرة للغاية في الطريقة التى يتعامل بها مع كلمة الله  وبشكل عملي قدم الاب سيرافيم  نص من الانجيل  وكيفية تفاعل الانماط المختلفة معه  والنص  حول رحلة العائلة المقدسة لمصر يقول 
" وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابني " انجيل متي 2 :13 الي 15 (
النمط الاول – القاريء  للواقع الكتابي بشكل مبسط 
 القاريء هنا لايري غير عنصر الحدث  النص بالنسبة له يعني الحدث   واشكالية هذا النوع من القراءة تكمن في تكوين الانطباعات النصية السريعة والاستدلال بالنصوص دون الفهم ودون الربط بين النص وسياقه الخاص او سياقه العام فلن يجد القاريء في النص السابق سوي ان المسيح وعائلته هربوا الي مصر 
النمط الثاني  - القاريء للنص من دون الحدث 
هنا القاريء يفصل بين النص ومابين الحدث فالنص بالنسبة له اداة تعبيرية عن الحدث  التطابق بالنسبة له مابين النص والحدث ليس كاملا  ففي النص السابق سيبدا هذا القاريء في التساؤل حول الحلم هل كان حلما مرئيا ام وحيا في منام ام كان تعبيرا عن اشارة الهية بالهروب الي مصر  فالقاري هنا لن يتوقف حول هربوا العائلة المقدسة لمصر  اذ سيميل الي ترميز الحدث ليبحث عن معني الهروب لاهوتيا وكيف يتفق مع مفهوم سيادة الله  وغيرها من الاسئلة 
النمط الثالث – القاريء التقوي 
قاريء غير معني بالحدث وغير معني بالكاتب وغير معني بالنص  وغيؤر معني بالعملية التفسيرية لفهم ما كان يقصده الكاتب بشكل اساسي لن تجده يتساءل حول بنية النص ولا سياقه ولا تاريخية الحدث كل ما يعني القاريء هو الرسالة الروحية التى يمكن ان يستشفها ان قاري نص هروب العائلة المقدسة لن يجد فيه سوي اشارة روحية تجيز له الهروب المقدس من وجه الشر . . 
وهنا الاحظ كقاريء للكتاب  ومهتم بالشان القبطي ان نمط  القاريء التقوي هو النمط الاكثر شيوعيا بين اقباط مصر والمدرسة الاكثر انتشارا بين الرهبان في الاغلب الاعم  وهو الامر الذي لم يذكره الاب سيرافيم 

شارك