«تجنيد الأطفال».. سبيل «داعش» لتعويض «النقص»

السبت 19/مايو/2018 - 06:31 م
طباعة «تجنيد الأطفال»..
 

من أصل ست مشكلات تكاد تعصف بتنظيم «داعش» الإرهابي؛ يتصدر «النقص العددي» أهم مأزق يواجه التنظيم، وقد رصد كتاب «إدارة التوحش» أبرز المعوقات التي تواجه التنظيم الدموي، واعتبر مؤلفه نقص العناصر البشرية -أو «العناصر المؤمنة» أو «نقص الكوادر الإدارية»- المنضمة لصفوف التنظيم المشكلة الأولى التي تُهدد باختفاء داعش.

وإذا ما أضفنا إلى «النقص العددي»، المأزق الذي يتعرض له التنظيم على خلفيَّة الهزائم المتلاحقة التي يلقاها في كل من سوريا والعراق، نجد أن «داعش» اضطر لنقل أنشطته إلى خارج الأراضي السورية مع اشتداد المعارك، مثل أفريقيا وأوروبا، وقد أدَّى هذا إلى إضعاف قوة التنظيم، خاصة بعد عملية «فك الارتباط» مع تنظيم القاعدة التي قادها زعيم جبهة النصرة «أبومحمد الجولاني» في يوليو 2017.

وأمام «النقص العددي» ذلك المأزق الاستراتيجي الذي يعصف بـ«داعش»، اضطر التنظيم الأخطر في القرن الحادي والعشرين لتجنيد عناصر غير تقليدية من أجل تعزيز صفوفه القتالية؛ فلم يتوقف الأمر عند الاستعانة بالنساء كجزءٍ أساسيّ بين صفوف مقاتليه؛ تلبيةً للاحتياجات التي فرضتها التطورات على ميدان القتال، ولأغراض سد النقص العددي بين فصائله، وكذلك استخدامهن في عمليَّات تكتيكية أخرى، وهو ما عززته فتوى صادرة من قِبَل أمير التنظيم السابق «أبو بكر البغدادي» بوجوب مشاركة نساء التنظيم في القتال في يوليو 2017؛ لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لجأ التنظيم إلى تجنيد الأطفال لأسباب لا تختلف كثيرًا عن حالة النساء.

وارتبطت عملية تجنيد الأطفال لدىَ تنظيم داعش ببعدين استراتيجيين جعلا منها «فكرة جذابة» أمام صانع القرار في التنظيم، ويرتبط البُعد الأول بواقع أزمة النقص العددي التي يعاني منها التنظيم؛ بينما يرتبط البعد الثاني بما تتميز به عملية تجنيد الأطفال؛ حيث تتسم بعدد من المزايا التي تدفع قادته إلى الاعتماد عليها، وهناك جوانب متنوعة جعلت «داعش» يلجأ إلى تجنيد الأطفال، وهي على النحو التالي:
أولًا: تعويض نقص المقاتلين في ظل امتداد خطوط المواجهة بين التنظيم ومناوئيه أو الراغبين في استئصاله لمساحات شاسعة، وعلى جبهات مختلفة.

ثانيًا: ربط أجيال جديدة بالتنظيم؛ فأطفال اليوم هم شباب الغد؛ حيث يراهن التنظيم على رفع المستوى التدريبي للمقاتلين الصغار، ولاسيما مع حداثة أعمارهم، واعتبار ذلك فرصة لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينيَّة والقتاليَّة.
ثالثًا: يتيح الأطفال للقادة الميدانيين في التنظيم فرصة لتمويه أعدائهم وخداعهم، إذ يسهل استخدام الصغار في العمليات الانتحاريَّة النوعيَّة دون أن يلفتوا الانتباه.

رابعًا: ربط أسر الأطفال بالتنظيم؛ فقد انتقل بعض المنتمين له إلى الأرض التي يسيطر عليها التنظيم مع زوجاتهم وأطفالهم، وهناك من تزوجوا وأنجبوا أطفالًا فيما بعد.
خامسًا: يعطي توظيف صغار السن في العمليات الميدانية فرصةً للتنظيم كي يسوق بعض صور ضحايا حروبه من الأطفال في دعايته الرامية إلى تشويه خصومه.

الخيم الدعوية
تقوم ظاهرة تجنيد الأطفال داخل تنظيم «داعش»، على غرس فكرة رئيسية داخل عقول الأطفال، وهي أنَّ قائد التنظيم «أبوبكر البغدادي» هو مولاهم، وأنَّهم من دونه كفار مرتدون، وهو ما يتم في «الخيم الدعويَّة»، وهي مقرات لممارسة عمليات غسل أدمغة الأطفال بشكل كامل، ليقوموا بنقلهم بعد ذلك إلى المكاتب الدعوية، ومن ثم تقديم طلب الانضمام رسميًّا للتنظيم، فيما يُعرف بـ«المبايعة».

ثم تأتي الموافقة أو الرفض عن طريق رسالة تُسمى «بريد الدعوة»، والتي تصدر يوميًّا متضمنةً أسماء من تمت الموافقة عليهم، وتتم تلك العملية تحت قيادة كل من «أبوالحوراء العراقي»، ومعاونه «أبو ذر التونسي»، وبعد الموافقة على الانضمام ينتقل الأطفال إلى معسكرات تنقسم إلى نوعين على النحو التالي:
الأول: يبقون فيه 15 يومًا، يتعلم خلالها الطفل معارف شرعية؛ كالصلاة، وكيفية الوضوء ودراسة بعض آيات القرآن المتصلة بالجهاد لكن على المنظور الداعشي؛ بالإضافة إلى دورات لتعلم القراءة والكتابة، وتتم بالمعسكرات التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.

النوع الثاني من معسكرات الدواعش للأطفال: يبقى فيها الطفل نحو 40 يومًا، يتعلم خلالها فنون القتال والتدريب على حمل السلاح، وبعد إتمام تلك المرحلة يتم توزيعهم إلى الميدان.
ويتبع التنظيم، في إطار عملية تجنيد الأطفال العديد من الأساليب التي تعتمد على سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم مقابل المال، ومن خلال التغرير بالأطفال من خلال المخيمات سالفة الذكر، يتم توزيع الهدايا على الأطفال والسماح لهم باللعب بالأسلحة ومغازلة ميولهم الطفولية؛ كما يعتمد التنظيم بدرجة كبيرة على المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.

مراحل دمج الأطفال
بجانب ما سبق يعتمد التنظيم على مراحل ست يسعى من خلالها إلى دمج الأطفال بين صفوفه، وهذه المراحل ترصدها دراسة صادرة بعنوان «من الأشبال إلى الأسود: نموذج المراحل الست لدمج الأطفال داخل الدولة الإسلامية»، وأعدَّ الدراسة أربعة باحثين، هم: «جون جي هورجان» و«ماكس تايلور» و«ميا بلوم» و«تشارلي وينتر»، ونشرتها دوريَّة «دراسات الصراع والإرهاب في العالم» عام 2017، والمراحل الست تتمثل في:

1- الإغواء Seduction: يقوم خلالها التنظيم بعرض أفكاره وممارساته لأول مرة على الأطفال؛ وذلك عبر لقاءات غير مباشرة تجمعه بهم في مناسبات عامَّة يلتقون خلالها بأفكار بعض الأعضاء داخل التنظيم.
2- التعليم Schooling: والتي يتم خلالها تلقين الأطفال -بشكل مكثَّف- مبادئ وممارسات التنظيم، إضافةً إلى مقابلتهم المباشرة بالقادة المسؤولين عن التنظيم.
3- الاختيار Selection: يتم وفقًا لاهتمامات وكفاءة كل طفل؛ حيث يتم استقطابهم للتنظيم وتدريبهم وإعطاؤهم مهام مختلفة يتم من خلالها اكتشاف قدراتهم.
4- الإخضاع Subjugation: حيث يتعرضون لتدريبات مكثفة جسديَّة ونفسيَّة تتضمن قدرًا كبيرًا من الوحشية، ويتم خلالها عزلهم عن أسرهم، وإرغامهم على ارتداء زي موحد، وتعميق الالتزام داخلهم بقيم الولاء والتضحية والتضامن الذي ينتج عن المشقة المشتركة التي يواجهونها.
5- التخصص Specialization: في هذه المرحلة يسعى أعضاء التنظيم إلى تعزيز الخبرات التي تم اكتسابها خلال فترة التدريب، بالإضافة إلى اجتيازهم المزيد من التدريبات المتخصصة.
6- التعيين Stationing: حيث يتم خلاله تعيين كل طفل في الدور الملائم له وفقًا لكل ما سبق، مع اختيار بعض الأطفال للمشاركة في المناسبات العامة من أجل ترشيح واستقطاب أعضاء جدد.

أعداد أطفال داعش
تُعد عملية التقدير الإحصائي لأعداد الأطفال بين مقاتلي تنظيم «داعش»، واحدة من العمليات التي يصعب على أي باحث أو متابع القيام بها بدقة، وذلك بسبب عدد من العوامل التي يأتي في مقدمتها الطبيعة العسكرية للتنظيم، وما تفرضه من ضرورة للسرية، فضلًا عن قيام مقاتلي التنظيم بتغيير أسمائهم أثناء القتال، وهو ما يعوق السلطات الرسميَّة عن تحديد تلك الأعداد بدقة.

وتم تجنيد الأطفال في التنظيم من خلال معسكرات «أشبال العز» للتدريب على القتال بين الأطفال المجندين، وتراوحت أعمار الأطفال المشاركين في تلك المعسكرات ما بين 7 و14؛ كما تم تشكيل تنظيم كتيبة «فتيان الإسلام» في ناحية السعدية -تبعد 60 كم شمال شرق بعقوبة- لتجنيد الصبية (المراهقين) في صفوفه، وهنا نشير إلى أن هذا التنظيم يُعد حالة استنساخ لتجربة تنظيم «طيور الجنة» الذي شكله تنظيم القاعدة نهاية 2007، لإعداد صبية متمرسين على عمليات القتل أو للاستفادة منهم في تنفيذ عمليات انتحارية.

وفي هذا الإطار رصد تقرير صادر عن «الأمم المتحدة» تجنيد التنظيم لنحو 3 آلاف و500 طفل، بعضهم يتراوح بين 800 و900 طفل خُطفوا من الموصل -ثاني أكبر المدن العراقية- لتعزيز صفوف مقاتلي داعش بهم، كما يشير التقرير إلى تضاعُف عدد الأطفال الذين شاركوا في معارك 2015 ثلاث مرات مقارنة بعام 2014.

إلا أن عدد الأطفال الذين انضموا إلى صفوف التنظيم خلال العام 2015 شهد ارتفاعًا وصل إلى 1800 على الأقل؛ حيث كان غالبيتهم من السوريين، وقد قضى منهم ما لا يقل عن 350 طفلًا حتفه، وقام 48 آخرون على الأقل منهم بتفجير أنفسهم بعربات مفخخة أو أحزمة ناسفة في عدة مناطق سورية.

وفي عام 2016 تزايدت وتيرة ارتفاع تجنيد الأطفال، ووفقًا لتقرير صادر عن مجلة «سي تي سي سنتينيل» الصادرة عن «مركز مكافحة الإرهاب» التابعة للأكاديمية العسكرية الأمريكية في «ويست بوينت» بولاية نيويورك، أنه خلال المدة من 1 يناير 2015، إلى 31 يناير 2016 وفي إطار حملاته الدعائية نعى تنظيم داعش 89 طفلًا ويافعًا، وذكر أن 51% منهم لقوا حتفهم في العراق، في حين قُتل 36% منهم في سوريا؛ أما الأطفال واليافعون الباقون؛ فقتلوا خلال عمليات في اليمن وليبيا ونيجيريا.

ووفقًا لتقرير صادر في مارس 2016 عن مؤسسة «كيليام» للأبحاث حول الإرهاب، ومقرها لندن؛ تبين أن 31 ألف امرأة حملت في الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في الفترة ما بين 1 أغسطس و9 فبراير 2016.

كما يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن العام 2017 وحده شهد انضمام ما لا يقل عن 400 طفل دون سن الـ18 إلى صفوف التنظيم، وشهد العام نفسه تخريج دفعة جديدة مما يسمى بـ«أشبال الخلافة» من معسكرات «داعش» بلغ عددهم 175 طفلًا مقاتلًا على الأقل، إذ تم إرسالهم إلى جبهات القتال في كل من ريف الرقة الذي يشهد اشتباكات بين تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، وريف حلب الذي يشهد 3 جبهات قتال للتنظيم، الأولى مع قوات سوريا الديمقراطية، والثانية مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية، والأخيرة مع الفصائل المقاتلة والإسلاميَّة بريف حلب الشمالي.

مخاوف الغرب
مع تنامي التدخل الغربي -الولايات المتحدة وأوروبا- غير المتزن في قضايا الشرق الأوسط، بما أسفر بدوره عن تعقيد الأزمات واتساق الخراب الذي طال غالبية دول المنطقة تحت مظلة المؤامرة التي استغلت لحظات الاضطراب التي عرفتها المنطقة منذ أواخر عام 2010 بدايةً من تونس مرورًا بمصر وحتى اليوم، مع ذلك الموقف باتت أوروبا في مقدمة المستهدفين من الإرهاب كرد فعل على سياساتها الضارة تجاه قضايا المنطقة.

فمنذ تفجيرات مدريد 2004 لم تنته الأحداث الإرهابية التي تشهدها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومن غير المتوقع أن تهدأ حدتها، بل إن كل المؤشرات تتجه نحو تصاعد حدة الأعمال الإرهابيَّة مستقبلًا؛ وذلك كرد فعل للدور الغربي المتواطئ مع الإرهاب في الشرق الأوسط بل والداعم له؛ الأمر الذي يثير قلق العالم الغربي من تطور حجم النشاط الإرهابي بل وانخراط الأوروبيين أنفسهم فيه؛ بسبب نجاح الآلة الدعائية لتنظيم «داعش» في تجنيد الأوروبيين للقتال بين صفوفه.

ويكشف مفوض الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب «جيليس دي كيرشوف»، عن وجود نحو 2500 أوروبي يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» في سوريا والعراق؛ قائلًا: «لدينا 5 آلاف أوروبي قاتلوا في صفوف داعش في سوريا والعراق، من بينهم 1500 شخص عادوا إلى أوروبا ونحو ألف آخرين قُتلوا خلال المعارك، ومن بين نحو 2500 مقاتل أوروبي موجودين اليوم في العراق».

وتُقَدِّر بعض الإحصاءات عدد الأجانب من الأوروبيين المنضمين إلى «داعش» بخمسة آلاف يشكل الفرنسيون 40 % منهم، كما يُقَدَّر عدد الأطفال ممن هم دون الثامنة بمائة طفل، ومنذ سنة عادت 13 عائلة «جهادية» إلى فرنسا تضمّ 30 طفلًا معظمهم تحت الخامسة؛ كما أنه -وفقًا لإحصاءات وزارة الداخلية الفرنسية- يُوجد 689 امرأة فرنسيَّة في سوريا والعراق، في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، منهم 275 من النساء، و17 من القاصرات.

وبحسب التقديرات الحكومية الفرنسيَّة؛ فإن نحو 1700 فرنسي توجَّهوا للانضمام إلى صفوف المتشددين في سوريا والعراق منذ عام 2014، ومن بين هؤلاء قُتل 278 شخصًا؛ إلا أن الحكومة تُقِرُّ بأن هذا الرقم أعلى بكثير على الأرجح، وقد عاد 302 آخرون حتى الآن إلى فرنسا؛ هم 178 رجلًا، أُوقِف منهم 120- و66 امرأة، أوقفت منهن 14- و58 قاصرًا غالبيتهم تقل أعمارهم عن 12 عامًا.

وفي شهر يونيه 2016، أعلنت السلطات الفرنسية عن وفاة نحو 300 فرنسي من بين ألف سافروا إلى ساحات القتال في العراق وسوريا، ولايزال هناك نحو 700 شخص، بينهم 300 امرأة، بالإضافة إلى 400 طفل؛ فبغض النظر عن الدور الذي كان يلعبه هؤلاء النساء والأطفال في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، إلا أنَّ هذا العدد الكبير -300 امرأة و400 طفل- بات يُمَثِّلُ أزمةً حقيقيَّةً مُلِحَّةً في فرنسا، لاسيما أنَّ هؤلاء النساء يعترفن بذنبهن.

صغار ألمانيا
أما في ألمانيا التي شهدت في عام 2016 وحده 5 عمليات إرهابية على الأقل، تم تنفيذ 3 منها بواسطة قاصرين، قام منفذها -الذي دخل ألمانيا منفردًا طالبًا اللجوء- بالاعتداء على رُكَّاب قطار في «وورزبيرغ»، ما أدَّى إلى إصابة 5 أشخاص قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وتقتله.
وكما تذهب المخابرات الألمانية فإن حوالي 150 مقاتلًا من هؤلاء المتشددين الألمان قُتلوا في المعارك هناك، فيما عاد ثلثهم -أي حوالي 320 مقاتلًا- إلى ألمانيا؛ على أن المتبقين منهم إما معتقلون لدى السلطات العراقية أو هاربون، ومن بين المعتقلين نساء مع أطفالهن، وتتفاوض الحكومة الألمانية مع السلطات العراقية لإعادة هؤلاء الأطفال وأمهاتهم إليها.

ووفقًا لرئيس جهاز المخابرات الألمانية هانز جورج ماسن، فإن عددًا صغيرًا فحسب من 290 رضيعًا وطفلًا رحلوا من ألمانيا أو وُلِدُوا في سوريا والعراق عادوا لألمانيا حتى الآن، وتتوقع الحكومة الألمانية عودة أكثر من 100 طفل ورضيع وُلِدُوا لمقاتلين ألمان منتمين لـ«داعش» في العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية.

وبحسب تقديرات حكومية؛ فقد غادر حوالي 960 شخصًا ألمانيا للانضمام إلى «داعش» -أو جماعات متشددة أخرى- منذ العام 2012، معظمهم من الرجال حاملي الجنسية الألمانية، فيما تُشَكِّل النساء 15 في المائة منهم، وقد أنجب عدد كبير منهن أطفالًا في مناطق سيطرة «داعش» في سوريا والعراق.
وفي ضوء ما سبق يبدو «داعش» -التنظيم الأكثر دموية، وخطورة في القرن العشرين- واحدًا من أهم التحديات التي تُواجِه الأمن الإقليمي بل والعالمي؛ فعلى الرغم من المأزق الاستراتيجي الذي يعاني منه التنظيم، والذي يدفع قادته إلى استحداث كل الأساليب غير التقليدية للتجنيد، والعمل على إطالة فترة بقائه ما بين التوسع والمناورة، وتجنيد النساء والأطفال فإنه في ضوء ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من تناقضات خلَّفها التعارض الجذري بين مصالح القوى الرئيسية فيه إضافة إلى مخاطر التوسع التركية والإيرانية والإسرائيلية بالمنطقة، بل وازدواجية المعايير الأوروبية في التعامل مع أزمات المنطقة من جهة، ومخاطر الوضع الداخلي الذي تعاني منه دول المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، يستمد تنظيم داعش الإرهابي فرص بقائه واحتمالات نموه. 

حيث لا تكفي المواجهات الأمنية التي تتبعها الدول الغربية وبعض دول المنطقة، الأمر الذي يُبْرِز أهمية اتباع التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب من خلال استراتيجية شاملة لا تقف عند حدود التعامل الأمني الذي انتفضت له الدولة المصرية من خلال آلتها العسكرية في ظل التحديات المحيطة؛ لتمتد فتشمل كل الأبعاد الاجتماعية والفكرية والتي ليس بآخرها استراتيجية الأزهر لتطوير الخطاب الديني القائم على نشر الفكر المعتدل ومواجهة التطرف وهو ما لا ينفصل عن جوهر الرؤية الوسطية الإسلاميَّة بل والمصرية.

شارك