تمتد أذرع جماعة الإخوان في معظم دول العالم تقريبًا، وفي أفريقيا يوجد العديد من التنظيمات التي تعبر بشكل أو بآخر عن مشروع «الإخوان»، لكنّ هناك التباسًا في تحديد الجماعات، أو التنظيمات التي تعبر عن الجماعة في إثيوبيا.

العلاقة الغامضة بين «الإخوان» والحركة الفكرية في إثيوبيا

السبت 19/مايو/2018 - 06:43 م
طباعة العلاقة الغامضة بين
 
فمعظم الكتابات تربط بين الوجود الإخواني في إريتريا والوجود الإخواني في إثيوبيا، على اعتبار أن الدولتين كانتا كيانًا موحدًا قبل استقلال إريتريا عام 1993، وما يزيد الأمر غموضًا هو عدم وجود تنظيم واضح المعالم في إثيوبيا ينتمي إلى جماعة الإخوان.

يشير العديد من المصادر والكتابات إلى وجود ظهير إخواني قوي داخل إثيوبيا «الحركة الفكرية الإثيوبية»، هدفه التأثير على عملية صنع القرار في أديس أبابا، إلا أنه اتخذ شكلًا تنظيميًّا مغايرًا لما هو مُتبع في معظم الكيانات التابعة والمعبرة عن الجماعة الأم.

أولًا: النشأة الملتبسة
لجماعة الإخوان وجود تاريخي كبير في إثيوبيا قبل 1993، حينما كانت إثيوبيا وإريتريا دولة واحدة، في إشارة إلى «حركة الإصلاح الإسلامي في إريتريا»، والحزب الإسلامي الذي تشكل عام 1988، إبان الاحتلال الإثيوبي لإريتريا، الذي أصبح فيما بعد الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية.

لكن الوجود في إثيوبيا ما بعد 1993 ظل ملتبسًا لدى الكثيرين، ففي مارس 2015 صدر تقرير عن مركز بناء السلام النرويجي NOREF أماط اللثام عن حقيقة وجود جماعة الإخوان في المجتمع الإثيوبي.

في العموم ينقسم المشهد الإسلاموي الإثيوبي إلى ثلاث جماعات رئيسية: «الحركة السلفية التي تعد الأوسع والأكثر انتشارًا، والحركة الفكرية المحسوبة على الإخوان، وأخيرًا حركة التبليغ».

أفاد التقرير الذي أعده المعهد النرويجي، بأن الحركة الفكرية نشأت بشكل غير رسمي في عام 1990 على يد مجموعة من الطلاب الجامعيين والأكاديميين في جامعة أديس أبابا، ويمكن توصيف نشأة الحركة على أنها تَجَمّع لبعض الطلاب والأكاديميين المتشابهين فكريًّا من الناحية الإسلامية، وكان يُشار إلى هذا التجمع باسم «الجماعة - JAMAA»، وما لبثت أن اتخذت مسمى آخر وهو الحركة الفكرية.


من المعروف أن نظام «الديرغ» بقيادة «منجستو هيلا ميريام» حكم إثيوبيا خلال الفترة من عام 1974 وحتى عام 1991، وخلال تلك الفترة تبنى النظام السياسي الإثيوبي المنهج الشيوعي الذي كان يرى أن الدين عبارة عن تخلف ورجعية يجب القضاء عليه.

الأمر الذي دفع الجماعات الدينية الإثيوبية إلى إعادة البحث عن هويتها الدينية والدفاع عنها في ممارسة «الديرغ»، وطبقًا لهذا القول تشكلت في إثيوبيا العديد من الجماعات الدينية بعضها موالي لـ«الإخوان» مثل حركة الإصلاح الإسلامي الإريترية وحزبها الإسلامي، وهذا كان في الجانب الإريتري الذي ما لبث أن انفصل في عام 1993، كما تم إنشاء الحركة الفكرية في نهاية حكم الديرغ وأثناء الثورة الشعبية التي كان تقودها الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية الائتلاف الحاكم حاليًّا.

وفور التخلص من حكم «الديرغ» بقيادة «منجستو» وتولي الجبهة الثورية الحكم في إثيوبيا، عملت الجبهة على تبني سياسات أكثر انفتاحية إزاء الجماعات الدينية والإثنية في البلاد، ما أدى لتوفير مناخ مناسب للجماعات الدينية خاصة الإسلامية في الظهور والتشكيل، وهو ما كان مرحبًا به من قبل المسلمين الذين عاشوا فترات تاريخية كبرى من التهميش والإقصاء السياسي، مما سمح لهم بممارسة الشعائر والفعاليات الدينية بأريحية كبيرة، فضلًا عن التواصل مع الجماعات الإسلاموية خارج إثيوبيا.


ثالثًا: التغلغل الإخواني في إثيوبيا
تحقق الاتصال الفكري بين جماعة الإخوان والحركة الفكرية الإثيوبية عبر العديد من الروابط الفكرية والثقافية والسياسية، منها على سبيل المثال الوجود التاريخي للجماعة في إريتريا التي كانت حتى وقت قريب جزءًا من النسيج السياسي الإثيوبي، فيما شكلت «جمعية الشبان المسلمين الإثيوبية» التي تأسست عام 1992، وتعتبر الرافد الأساسي للتغلغل الإخواني في إثيوبيا، وعلى الرغم من سلفية الجمعية وارتباطها بـ«الندوة العالمية للشباب الإسلامي» في الرياض، فإنها كانت مدخل الإخوان في إثيوبيا، فعن طريقها تم تمرير كتابات وأدبيات الإخوان إلى الداخل الإثيوبي.

فيما شكلت العديد من المجلات الإسلامية والدعوية التي كانت تمرر للداخل الإثيوبي دورًا كبيرًا في نشر الفكر الإخواني مثل مجلتي «الدعوة وبلال» وأيضًا مجلة «المنار» الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا.

أما الرابط الأخير فكانت الجمعيات والشخصيات الدينية السودانية والمحسوبة على النظام السوداني، الذي كان وقتها على علاقة وطيدة مع جماعة الإخوان في السودان بقيادة المفكر الإخواني «حسن الترابي».

رابعًا: الترابط الفكري
كما تم الإشارة في السابق أن الحركة عملت على اجتذاب طلاب الجامعات والمهنيين والمثقفين الحضريين، أي أنها نشأت نشأة نخبوية بامتياز على العكس من التنظيمات الإخوانية في البلاد الأخرى التي كانت تحرص على النشأة الشعبوية لها.

تشكل كتابات الإخوان خاصة كتابات حسن البنا وسيد قطب وفتحي يكن مؤسس الإخوان في لبنان، الرافد الفكري الأساسي للجماعة في إثيوبيا، كما شكلت تلك الكتابات مبادئ الخطاب الديني الإسلامي في إثيوبيا في مرحلة ما بعد 1991، وعلى الرغم من الترابط الفكري بين الحركة والإخوان فإنه مازال هناك خلاف داخل الحركة حول التبعية للجماعة. 

فيما يخص ممارسات الحركة على أرض الواقع نجدها تحرص على إبراز الوضع القيمي للحركة والابتعاد عن السياسية، كما ساهمت الحركة في تقبل المسلمين في إثيوبيا للعديد من الأفكار السياسية كالعلمانية والديمقراطية والحكم الدستوري، كما لعبت في فترات كثيرة دور الوساطة بين الحكومة والمسلمين، وبين المسلمين وغيرهم في إثيوبيا، أي أن الحركة لم تأخذ طابعًا عدائيًّا مع النظام أو المجتمع الإثيوبي، وكثيرًا ما تصف نفسها على أنها حركة معتدلة.

بدأت الحركة داخل جامعة أديس أبابا بتنظيم ساحات الصلاة وجماعات القراءة والذكر، ثم انتقلت الفكرة إلى باقي الجامعات الإثيوبية، ولكن يُلاحظ في تكوين الحركة عدم المؤسسية واللامركزية الشديدة، حيث تنقسم الحركة إلى العديد من الخلايا والشعب غير المترابطة، ويقودها بعض الأشخاص الذين يتحدثون اللغة العربية ويتمتعون بوافر من التعليم الديني، فضلًا عن أنهم يتبعون الفكر والمنهج الإخواني.

ولد من رحم الحركة العديد من القيادات الشابة البارزة مثل إدريس محمد من ولاية ديسي ولوو، وحسن تاجي من ولاية جوندار، اللذان التحقا بجامعة أديس أبابا في بداية التسعينيات وهما على دراية باللغة العربية والعلوم الدينية، ولعبت الشخصيتين دورا كبيرا في تشكيل وعي جيل جديد من الشباب المسلم في إثيوبيا.

وتتشكل الحركة من جماعات متفرقة صغيرة أشبه بالخلايا الإخوانية وتتكون من 8 إلى 10 أفراد، يلتقون يوم الأحد من كل أسبوع بعد الظهر؛ للمناقشة والتشاور والتقارب في وضع الدروس الدينية والتنظيمية، أما المحاضرات العامة ففي الغالب يحضرها حوالي 600 فرد، في حين أنه في البداية كان يحضرها حوالي 50 فردًا، ما يوحي بمدى تمدد وانتشار الحركة، ويغلب على اجتماعات تلك الخلايا طابع السرية على غرار الخلايا الإخوانية في مصر.
خامسًا: التوتر مع الحكومة
أكد تقرير المركز النرويجي، أن السنوات الأولى من عام 1990 وحتى عام 1995 هي الأبرز في تاريخ الحركة، حيث كانت الحكومة مغيبة تمامًا عن أنشطة الحركة، إلا أنه في عام 1995 تنبهت الحكومة لخطورة الحركة، فشهد هذا العام محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا، وتورطت فيها عناصر إسلاموية تابعة للسودان، الأمر الذي دفع السلطات الإثيوبية إلى ملاحقة واعتقال العديد من الإسلامويين، ما أدى لاندلاع اشتباكات مسجد الأنوار في أديس أبابا عام 1995، فضلًا عن إغلاق بعض المؤسسات الدينية مثل جمعية الشبان المسلمين الإثيوبية، كما تم طرد العديد من السودانيين والمنظمات السودانية، ما يعد تضييقًا على الحركة.

سادسًا: الخلاف التنظيمي مع الإخوان
تتميز الحركة بالطابع اللامركزي، فضلًا عن عدم وجود إطار منهجي وتنظيمي واضح للحركة، كما تتجنب الحركة الإعلان عن ارتباطها التنظيمي مع جماعة الإخوان، كما لم يتم رصد أي اتصالات بين الجماعة الأم والحركة في إثيوبيا في محاولة للإيحاء بأن الحركة تعمل في معزل تمامًا عن الجماعة.

هذا الإطار التنظيمي للحركة الذي اتسم باللامركزية الشديدة ومحاولة عدم الارتباط بالإخوان، تسبب في حدوث خلافات داخلية في الحركة، ففي البداية عام 1992 أنشأ مجلس شورى للحركة إلا أنه حل في عام 1995 وجرت محاولات في عام 1997 لإعادة تشكيله إلا أنه قوبل برفض شديد من قبل معظم قيادات الحركة، وجرت محاولة أخرى عام 2003 للتوصل إلى حل تنظيمي للحركة إلا أنها لم تتوصل إلى حل.

يلاحظ أن القيادات الإسلاموية الإثيوبية مثل إدريس محمد وحسن تاجي، تحرص وتتعمد بشكل كبير على لا مركزية الحركة ومعارضة إنشاء كيان موحد، فضلًا عن نفي التبعية الإدارية للإخوان، ومناشدة جماعة الإخوان بعدم تشكيل فروع لها في إثيوبيا، للأسباب التالية:

1- الحرص على عدم إثارة ريبة السلطات الأمنية الإثيوبية، فمنذ أزمة 1995 لم تثر أي أزمة مع الحكومة، كما أن الطابع غير الرسمي مكن الحركة من الهروب من مظلة الملاحقة الأمنية للسلطة وممارسة أنشطتها دون عائق يذكر، خاصة في الجامعات والمساجد.

2- الطابع اللامركزي مكَّنَ الحركة من التغلغل بين كل أبناء الجماعات الإثنية الإثيوبية، فلو اعتمدت الحركة الطابع المركزي لبرزت الخلافات الإثنية داخلها.

وأخيرًا من المؤكد أن حالة التخبط أصابت الحركة ببعض الركود، فلا يزال نشاطها محصورًا في المناطق الحضرية والجامعات، وعلى الرغم من ذلك نجحت في إنشاء مركز الثقافة والبحوث الإسلامية عام 2003 وتم إغلاقه عام 2011 من قبل الحكومة.

مما سبق نجد أن الحركة في إثيوبيا تتبع تكتيكًا مختلفًا عن جماعة الإخوان، تكتيك يتوافق مع طبيعة المجتمع الإثيوبي المنقسم إثنيًّا ودينيًا، وتحاول أن تلعب دور الجماعة الضاغطة عبر التواصل مع الحكومة والضغط عليها، أي أننا أمام تكتيك آخر من تكتيكات الجماعات الموالية للإخوان، وهو الحرص على اللامركزية من ناحية، ومن ناحية أخرى الحرص على عدم إبراز العلاقة بالتنظيم الأم، حتى يتسنّى لها الانتشار والتمدد في المجتمع.

شارك