«هامبورج».. كابوس الإرهاب في أوروبا

الجمعة 19/أبريل/2019 - 03:15 م
طباعة «هامبورج».. كابوس طه علي أحمد
 

تبدو مدينة «هامبورج» المدينة الألمانية العريقة، محطَّة مهمة ضمن محطات الإرهاب العالمي، وليس بأدل على ذلك، من انطلاق مخطط هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق ما عُرِف بـ«خلية هامبورج»، التي تألفت من مجموعة من «الإسلاميين» الراديكاليين بالمدينة؛ حيث كانت تلك الخلية المطاف الأخير قبل تنفيذ تلك الهجمات الشهيرة.



تشكلت تلك الخلية من «محمد عطا» الذي قاد فريقًا من المتطرفين، مهمته اختطاف أربع طائرات تابعة للخطوط الجوية المتحدة «أمريكان أيرلاينز»، في الحادث الأشهر خلال عقود مضت، أولها «رحلة رقم 11»، التي قادها بنفسه، إضافةً إلى كل من رمزي بن الشيبة، ومروان الشحي اللذين اختطفا طائرة «يونايتد أيرلاينز الرحلة 175»، وسعيد بحاجي، وزكريا الصباع، ومنير المتصدق، وعبدالغني مزودي، وكذلك زياد جراح، الذين اختطفوا طائرة «يونايتد أيرلاينز الرحلة رقم 93»، التي تحطمت في ولاية «بنسلفانيا» الأمريكية، خلال محاولة من قبل بعض الركاب لاستعادة السيطرة عليها، والرحلة «رقم 77»، التي وُجِّهت لتحطيم مقر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون». 



وتعرف «هامبورج» -التي كانت منفصلة عن الاتحاد الألماني حتى عام 1876- بأنها تعيش حالة تسامح بين أعراقها، وذلك في تناقض مع المنطقة المحيطة بها، التي تقطنها طبقة عاملة كبيرة، ويوجد بالمدينة حي «سان جورج»، وبه 7 مساجد تجاور بعضها البعض، يزورها ما يقرب من عشرة آلاف زائر، وفيها مسجد «الإمام علي» ويرتاده أتباع المذهب الشيعي، ولكن يصلي فيه الشيعة والسُّنَّة معًا؛ ليشهد نموذجًا للتعايش المذهبي



إضافةً إلى سلسلة طويلة مِمَّا يُسمى بالجمعيات الثقافية، التي تحتوي هي الأخرى على أماكن للصلاة، وهو ما يفسح المجال أمام الابتعاد عن السؤال عن هوية الأفراد، فليس هناك إمام مُعتمد في هذه الأماكن؛ نظرًا لكونها غير مُسَجَّلَةً مساجدَ، ورغم تلك الحال التي يسودها الهدوء العام الذي عرفت به المدينة التاريخية، فإن اسمها ارتبط بأحداث 11 سبتمبر 2001، أخطر عمل إرهابي في القرن العشرين، بل إنه محطة فارقة في مسار العلاقات الدولية بشكل عام



المكانة

تقع «هامبورج» في الجزء الشمالي من ألمانيا، وتمتد على ضفاف نهر «إلبا»، الذي يصب في نهايته في نهر الشمال، وهي ثاني أكبر المدن الألمانية من حيث المساحة، وتقدر مساحتها بـ755 كيلومترًا مربعًا، وهي ثاني المدن من حيث عدد السكان بإجمالي 1.8 مليون نسمة، كما أنها سادس أكبر مدن الاتحاد الأوروبي.



وتعد أول مدينة ألمانية، تَعُدُّ الدين الإسلامي دينًا رسميًّا، وتعطي المسلمين -الذين يشكلون قرابة 8% من إجمالي السكان بها- حقوقًا مساويةً لحقوق اليهود والمسيحيين فيها، وبها ينشط عدد من المدارس التي أسستها الجالية المسلمة، مثل: مدارس النور (نور الهدى) التي أُسِّسَت على أيدي مجموعة من الجاليّة العراقية.



وتعد «هامبورج» محطة مهمة في مسيرة زحف الإرهاب وصولًا إلى تنفيذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فقد عاش فيها «محمد عطا» قائد ومخطط تلك الأحداث؛ حيث واصل دراسته في مجال هندسة تخطيط المدن، ما بين 1993-1999، كما عاش فيها «سعيد بهاجي» الذي درس التقنية في الجامعة التي كان يدرس بها محمد عطا ما بين 1992 – 1999؛ حيث طلب الاثنان من الجامعة تخصيص غرفة للصلاة، إضافةً إلى زميلهما «رمزي بن الشيبة» المعتقل حاليًّا في سجون الولايات المتحدة، والمتهم بأنه المسهل الرئيسي لهجمات 11 سبتمبر.



كذلك عاش بها «زياد جراح»، و«مروان الشحي»، العضوان الأخيران، فيما عرف بـ«خلية هامبورج»، وهو ما أكدته تحقيقات السلطات الأمريكية، التي ذكرت أنها توصلت لمعرفة 3 من أعضاء تنظيم القاعدة (منظمة متعددة الجنسيات، تدعو إلى الجهاد الدولي)، في ألمانيا الذين تعتقد بشدة أنهم لعبوا دورًا أساسيًّا في هجمات 11 سبتمبر.



محطة مهمة

وفقًا للتحقيقات، فإنه في الفترة بين 25 أغسطس و5 ديسمبر 2001، كان جميع الخاطفين قد اشتروا تذاكر سفر بموعد يوم 11 سبتمبر، ونقل «عطا» موعد العملية إلى «بن الشيبة» في اتصال كودي بينهما في الأسبوع الثالث من أغسطس، ثم نقله «بن الشيبة» إلى «خالد شيخ محمد» عبر عضو مغربي في «خلية هامبورج»، يُدعى «زكريا الصباغ»، وهو الأمر الذي يجعل من مدينة «هامبورج» العريقة، منطلقًا لأضخم حادث إرهابي في القرن العشرين، بل إنها ارتبطت بمسرح الإرهاب العالمي الذي انخرطت فيه أوروبا فاعلًا، أو مفعولًا به



ومن أشهر الحوادث الإرهابية التي شهدتها «هامبورج» -وفقًا لصحيفة «بيلد إم زونتاج» الألمانية- اعتداء نفذه لاجئ بسكين في متجرٍ، أسفر عن مقتل المنفذ، وإصابة عدد من الأشخاص، وهو فلسطيني الأصل مولود في الإمارات، سافر لألمانيا عام 2015؛ ما يشير إلى خطورة بعض الأفراد الذين تستقبلهم ألمانيا كلاجئين، على الأمن العام



وهذا الحادث لم يأت منفصلًا عَمَّا شهدته البيئة العامة بالمجتمع الألماني من تنامي أصوات المتشددين، بعد أن وفرت السلطات الألمانية ملاذًا آمنًا لهم؛ حيث تشير الأرقام الرسمية إلى وجود ثلاثة آلاف «متشدد إسلامي» على الأراضي الألمانية، منهم قرابة ثلاثمائة، يشكلون نواة العمل المتطرف، ويستطيعون تنفيذ عملية إرهابية في أي وقت



خطر متنامٍ

تشير البيانات الرسمية، إلى وجود أربعة ملايين ونصف المليون مواطن في ألمانيا، يحملون جنسيات مزدوجة مع الألمانية، فمثلًا تصدرت الجاليّة المغربية، أكبر جاليّة عربية بألمانيا بنحو 210 آلاف مواطن بنسبة 3.4 % من عدد الأجانب في ألمانيا، وهو ما قد يجعل دائرة الخطر المتنامي تتسع، وكشفت وثيقة سرية خاصة بجهاز الشرطة -حصلت عليها صحيفة «راينش بوست»- أن عام 2014 شهد رقمًا قياسيًّا جديدًا في معدلات ارتكاب الجرائم بالبلاد؛ حيث اتهم نحو 38 ألفًا، من طالبي اللجوء، بارتكاب جرائم في البلاد، بما يعادل مائة جريمة يوميًّا



إضافة لذلك لعبت العوامل السياسية عالميًّا، وتأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية، دورًا مهمًّا في تنامي تلك المخاطر، لاسيما مع اتجاه السلطات الألمانية لاحتضان أكبر عدد ممكن من اللاجئين على مستوى العالم، ففي عام 2015 دخل ألمانيا ما يقرب من مليون لاجئ، شَكَّل الشباب القاصر منهم نسبة تقارب الثلث، غير مصحوبين مع ذويهم.



وفي «هامبورج» وحدها يوجد نحو 1500 لاجئ قاصر دون ذويهم، والعدد مرشح للزيادة، حسب محللين، ويأتي أغلبهم من دول مختلفة، مثل: سوريا والعراق والمغرب، إضافةً لأفغانستان، وعدد من الدول الأفريقية، وهو ما وسّع نطاق القلق لدى السلطات الألمانية، من استغلال تلك الموجة من المهاجرين متعددي الجنسيات في التأثير على الأمن، فضلًا عما قد يترتب عليه من مشكلات اجتماعية



وفي «هامبورج» تخوض الشرطة معركةً شرسةً ضد لصوص حقائب اليد، على سبيل المثال، ففي كل عام يُسرق ما يربو على ألفي حقيبة يد، بمعدل 55 حقيبة في اليوم تقريبًا، ووفقًا لتصريحات «نورمان جروسمان» المفتش العام للشرطة الاتحادية في «هامبورج» فإن 90 % من حالات سرقة حقائب اليد، ارتكبها ذكور تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عامًا، تنحدر أصولهم من شمال أفريقيا أو منطقة البلقان.



قمة العشرين

كما شهدت «هامبورج» على مدار أربعة أيام (6-9 يوليو 2017) أعمال شغب وعنف، مناوئة لانعقاد «قمة العشرين» (منتدى للتعاون الاقتصادي والمالي بين دول، وجهات، ومنظمات دولية، تلعب دورًا محوريًّا في الاقتصاد، والتجارة في العالم وتجتمع سنويًّا في إحدى الدول الأعضاء فيها)، بـ«هامبور»، وشارك في التظاهرات ما يقرب من 12 ألف شخص، منهم ألف «ملثم» (مغطى الوجه)؛ ما أسفر عن جرح نحو 500 شرطي، واعتقال 168 شخصًا في اشتباكات بين الطرفين



وفي صبيحة أحد أيام يوليو 2006، اتفق اللبنانيان؛ «يوسف الحاج ديب»، و«جهاد حمد»، على وضع حقيبة مفخخة في أحد القطارات، بمحطة القطارات الرئيسية بمدينة «كولونيا» الألمانية، التي كان يغص يومها بالمسافرين؛ بسبب عطلة الصيف، من بينهم أطفال وكبار في السن؛ بهدف قتل أكبر عدد من الركاب؛ انتقامًا لما نشرته إحدى المجلات الدانماركية من رسوم كاريكاتورية شائنة عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وانتقامًا لمقتل الإرهابي «أبومصعب الزرقاوي».



وفي 31 يوليو 2006 اعتقلت السلطات الألمانية «يوسف الحاج»، بينما تمكن «حماد» من الهرب والسفر إلى لبنان، وقضت المحكمة بالسجن مدى الحياة على «يوسف الحاج ديب»؛ بتهمة محاولة تفجير قنابل في قطارات



ونشير هنا إلى أنه رغم الوجود التاريخي للمتطرفين داخل المجتمع الألماني عامة، و«هامبورج» على وجه الخصوص، فإن ذلك لم يؤد لاندماجهم في الحياة العامة، وهو ما يجعلهم على الدوام مصدرًا للمخاطر والقلق، ففي دراسة موّلتها وزارة الداخلية الألمانية في 2007، حول اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، أشارت إلى بطء اندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية الألمانية، كما أشارت الدراسة إلى ميل واضح لدى المسلمين نحو التطرف الديني والغلو.



وخلال الآونة الأخيرة تم القبض على 3 سوريين، وقدموا للمحاكمة، واعترف أحدهم بأن تنظيم «داعش» أرسله ضمن موجات اللاجئين إلى ألمانيا؛ بهدف تشكيل خلية إرهابية نائمة انطلقت تدريباتها قبل 3 سنوات بمعسكرات «داعش» في مدينة «الرقة» السورية، على مختلف الأسلحة؛ استعدادًا للمهمة المقبلة في ألمانيا



تنامي نزعات التشدد

إضافةً إلى ما سبق، فإن تنامي نزعات التشدد لدى المتطرفين في «هامبورج» لا تنفصل عن اتصال بعض الجاليّات الموجودة بألمانيا بحكومات بلادها، وهو ما يربط بين تأثير تلك الجاليّات، في الاتجاهات السياسية المختلفة للدول التي تنتمي إليها



ويظهر هذا بوضوح على سبيل المثال إذا ما نظرنا للجاليّة التركية في ألمانيا، وارتباطها بالسياسة التركية التي تشهد خلال الآونة الأخيرة صدامات متفرقة مع ألمانيا، فالجاليّة التركية تأتي في المركز الأول في قائمة الأجانب المقيمين بألمانيا؛ إذ يتجاوز عدد الأتراك المقيمين بألمانيا -بِعَدِّهِم أجانبَ، أي لا يحملون الجنسية الألمانية- مليونًا ونصف المليون، ويمثل ذلك الرقم تقريبًا ربع الأجانب المقيمين بألمانيا، البالغ إجمالي عددهم ما يقرب من عشرة ملايين شخص، بحسب بيانات «السجل المركزي للأجانب» في 30 يونيو 2017



وعلى أي حال فقد مثلت «هامبورج» -تلك المدينة الهادئة، المستقرة في الوسط الأوروبي- نموذجًا لردة الفعل الإرهابي، على عدد من العوامل السياسية وتداعياتها على ميدان الأمن الأوروبي عامةً وألمانيا خاصةً، ومِنْ ثَمَّ فإن حالة «هامبورج» تمثل غيرها من الحالات الأوروبية، التي تدفع ثمن السياسات غير المتزنة، تجاه قضايا العالم الإسلامي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبعض مؤامرات إسقاط الدول بالشرق الأوسط.

 

 


شارك