سلفيون يُحرِّمون لقب «حاج».. وأزهريون: جائز ولا رياء فيه

الثلاثاء 14/أغسطس/2018 - 09:07 ص
طباعة سلفيون يُحرِّمون هناء قنديل وعبد الرحمن صقر
 
اعتاد السلفيون استغلال المواسم الدينية، لإطلاق فتاواهم الشاذة، مخالفين بها منهج جمهور علماء الأمة، وذلك بغرض إظهار أنفسهم في ثوب الأكثر علمًا والأحرص على الدين، إلى جانب إثارة الجدل، وتفجير صراعات وهمية تشغل المجتمع عن الاهتمام بالقضايا الباعثة على النهضة والتنوير!

ويُعدُّ موسم الحج من المواسم ذات الأهمية الشديدة لدى السلفيين، لذا فإنهم يظهرون خلاله بكثافة كبيرة، وكلما اقترب موعد الحج، تتزايد الفتاوى الشاذة المثيرة للجدل من شيوخهم.

ولعل من أحدث فتاوى السلفيين هذا العام، تلك الفتوى التي أطلقها الشيخ أبومجاهد الباحث، سعودي منتمي للتيار السلفي، الذي أفتى بأن إطلاق لقب حاج على من أدى المناسك، يعد بدعة، ويجب عدم استخدامه، ونشر فتواه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، رغم وجود أدلة تؤكد بطلان هذا الادعاء.

أما الأكثر إثارة للدهشة فهو أن فتوى هذا الشخص احتوت أيضًا على ادعاء ببدعية استخدام لفظ «يا سيد» قبل الاسم، رغم ما فيها من توقير للكبار، وذوي الشأن، مستندًا إلى زعم بأن هذه الألفاظ لم تكن مستخدمة في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا ندري كيف نسي أن لقب خليفة ولقب أمير المؤمنين لم يكن لهما وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُفتِ صحابي واحد بأنهما بدعة!

نص الفتوى
قال الشيخ مجاهد في نص فتواه: «أما مناداة من حج بـ(الحاج) فالأولى تركها؛ لأن أداء الواجبات الشرعية لا يمنح أسماء أو ألقابًا، بل هناك ثواب من الله تعالى لمن تقبل منه، ويجب على المسلم ألا تتعلق نفسه بمثل هذه الأشياء، لتكون نيته خالصة لوجه الله تعالى وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم».

ويجب أن ندرك أن هذه الفتوى ليست الأولى في هذا الشأن من جهة السلفيين؛ حيث سبق لبعض شيوخهم أن أفتوا بعدم جواز إطلاق لقب حاج على من أدى الفريضة، وذلك رغم أن الإمام النووي قال في المجموع: «يجوز أن يقال لمن حج: حاج بعد تحلله، ولو بعد سنين، وبعد وفاته أيضًا، ولا كراهة في ذلك».

وأضاف النووي: «أما ما رواه البيهقي عن القاسم بن عبدالرحمن عن ابن مسعود قوله: (لا يقولن أحدكم إنِّي صرورة، فإن المسلم ليس بصرورة، ولا يقولن أحدكم إنِّي حاج؛ فإن الحاج هو المحرم)، فهو كلام موقوف منقطع، بحسب قول النووي.

بل إن العلماء الثقات ردوا على فتاوى السلفيين بعدم جواز الاحتفال بالحجاج، استنادًا إلى أن هذا الفعل لم يرد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأن فيه شبهة الرياء، والإسراف المالي، مؤكدين أن هذا الفعل جائز، لأنه من العادات، وليس العبادات، وبالتالي فلا وجه لمنعه، لأن الأصل في العادات حلها.

ويرى العلماء أيضًا أن غالب ما يُفعل من الزينة، إنما هو شيء يسير ليس فيه كلفة باهظة، كما أن الحج ليس عبادة خفية، وبالتالي فلا يُخشى لمجرد إظهارها من الرياء، بل يتطرق الرياء إلى إظهار التبذل ورثاثة الهيئة وترك الزينة، كما يتطرق إلى المبالغة في إظهار الزينة والفرح بقدوم الحاج، والمدار في ذلك على نية الفاعل وما قام في قلبه.

وأكد العلماء أيضًا أنه من الثابت في السنَّة النبوية، احتفاء الصحابة بقدوم المسافر، سواء أكان سفره للحج، أم للعمرة، أم غير ذلك، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَال: «لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، في فتحها اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَ». 

وقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَك».

وقال النووي في هذه المسألة: يستحب النقيعة، وهي طعام يُعمل لقدوم المسافر، ويطلق على ما يَعمله المسافر القادم، وعلى ما يعمله غيرُه له، ومما يستدل به لها حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من سفره نحر جزورًا أو بقرة).

بل وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن الولائم التي يسمونها ذبيحة للحجاج، أو فرحة بالحجاج، فقال: «هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم، ويشجعهم أيضًا على الحج، لكن التبذير والإسراف هو الذي ينهى عنه في هذه المناسبة أو غيرها».

وتابع: «إذا كانت وليمة مناسبة على قدر الحاضرين أو تزيد قليلًا، فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى، أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيرًا من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم، لكن في القرى الصغيرة هذه قد يوجد ولا بأس به، فأهل القرى عندهم كرم، ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر».

فتاوى شاذة
من جانبه، قال الدكتور عبدالغنى الغريب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، في جامعة الأزهر بالزقازيق، إن أصحاب هذا الرأي يضيقون رحمة الله الواسعة، مؤكدًا أن التبديع ليس من سلطة أحد، ويعد من الفتاوى شاذة.

وأضاف في تصريح أدلى به إلى «المرجع»، أن البدع والتكفير، يترتب عليهما أمور خطيرة، يجب الانتهاء إليها مثل أنه لا يرث ولا يصلي.

وتابع: «الأصل في الأمور الإباحة، فليس هناك نص يحرم لقب الحاج أو الاحتفال بالحج، وهذا سفسطة وفراغ وفضاء، ونحن اعتدنا منهم هذه الآراء والإسلام منها بريء».

شارك