مقاطعة بين الكنيستين الروسية والقسطنطينية ....والمستفيد القوي الاصولية

الثلاثاء 16/أكتوبر/2018 - 01:59 م
طباعة مقاطعة بين الكنيستين روبير الفارس
 
يبدو ان الانقسام والتشرذم بين الكنائس المسيحية في العالم  امر لن ينتهي وقد عادت الانقسامات تطل براسها من جديد بين العائلة الارثوذكسية حيث انتهت الخلافات بين الكنيسة الروسية والكنيسة القسطنطينية التى انتهت اليوم بالمقاطعة بينها  ودون استبعاد الاسباب السياسية بين الدولتين  ويف هذا التقرير  نشرح اسباب ذلك الخلاف واثره علي باقية الكنائس فبدل من ان تقوم الكنائس بدور مشترك وحيوي لرعاية الشعوب المنتمين لها والذين يعانون الامرين من كونهم اقليات في مجتمعاتهم يحاربون من اجل المواطنة والبقاء ويحتملون اضطهادات من قوي راديكالية  ويمينية تكفرهم وتضيق الحياة عليهم  كما هو الحل في تركيا اردوغان  حيث بطريركية القسطنطينية  الصامتة امام غلق الكنائس  والهجوم عليها وغياب التسامح المجتمعي ضدهم  فنجدهم  ينقسمون ويبتعدون  ولاسباب لا علاقة لها بالقضايا العقائدية او اللاهوتية  
البيان 
 وقد اصدر مجمع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية  بيانا بخصوص تعدي بطريركية القسطنطينية على المناطق القانونية الكنسية للكنيسة الروسية جاء فيه 

مع ألم عميق ، تلقى المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية رسالة بطريركية القسطنطينية التي نشرت في 11 أكتوبر 2018 عن القرارات التي اتخذها المجمع المقدس لبطريركية القسطنطينية: على تأكيد النية "منح الاستقلال الذاتي للكنيسة الأوكرانية المنفصلة"؛ وإلغاء العمل بالميثاق الموحّد لبطريركية القسطنطينية في عام 1686 بشأن نقل مطرانية  كييف من القسطنطينية إلى موسكو.

اتخذ سينودس كنيسة القسطنطينية هذه القرارات من جانب واحد ، متجاهلاً نداءات الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في كييف والكنيسة الروسية وكل الكنائس الأرثوذكسية "شبه المستقلة" المرتبطة بالكنيسة الروسية، وكذلك البطريركيات الأرثوذكسية والكنائس "المستقلة" المحلية، لعقد مجمع محلي يضم ورئاسات وأساقفة هذه الكنائس الأرثوذكسية لمناقشة هذه القضية.

قرار بطريركية القسطنطينية بـ"استعادة" الوضع القانوني وقبول المطران   الانفصالي، المحرومة من الكنيسة، من الشركة، يتجاهل عددًا من القرارات المتتالية لمجمع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي لا شك أن شرعيتها.

وقد صدر قرار من مجمع الأساقفة في الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في في 27 مايو 1992، بأن المتروبوليت فلريت دينسينكو الذى تم عزله من كاتدرائية كييف. كما أن في 11 يونيو 1992 مجمع كنيسة روسيا الأرثوذكسية أكد على قرار حكمه قرار مجمع وطردت المطران من درجته الكهنوتية، وحرمته من كل الدرجات الكهنوتية. على الرغم من الدعوات المتكررة لوقف نشاطه الانشقاقي، بما في ذلك ضمن حدود الكنائس المحلية الأخرى. وقد اعترفت جميع الكنائس الأرثوذكسية المحلية، بما في ذلك كنيسة القسطنطينية، بالقرارات المذكورة أعلاه. وفي خطاب قداسة البطريرك برثلماوس إلى قداسة البطريرك اليكسي الثاني بتاريخ 7 أبريل 1997، حول حرمانه يقول: "بعد أن تلقينا إخطارًا عن القرار المذكور، أبلغنا الهرمية الكهنوتية لعرشنا المسكوني، وناشدناهم من الآن فصاعداً أن لا يكون لهم شركة كنسية مع الأشخاص المذكورين".

الآن بعد أكثر من عقدين غيرت بطريركية القسطنطينية موقفها لأسباب سياسية. فميثاق المجمعي لعام 1686 والوثائق الأخرى المرافقة له، لا يذكر شيء عن الطبيعة المؤقتة لنقل كييف متروبوليا إلى ولاية بطريركية موسكو، أو أنه يمكن إلغاء هذا الفعل. إن محاولة الهرمية الكهنوتية  لبطريركية القسطنطينية إعادة النظر في هذا القرار بالطرق السياسية والبحث عن الذات بعد أكثر من ثلاثمائة سنة بعد إصدارها يناقض روح الشرائع المقدسة للكنيسة الأرثوذكسية، والتي لا تسمح بإمكانية مراجعة وتعديل حدود ثابتة وطويلة لكنيسة. الفعل الحالي لبطريركية القسطنطينية هو محاولة لسرقة شيء لا ينتمي إليها.

بكل أسف هذا يجعل من المستحيل بالنسبة لنا أن نواصل الشراكة الإفخارستية " سر التناول في القداس "مع الهرمية الكهنوتية  لبطريركية القسطنطينية من الآن فصاعداً، إلى أن تتخلى بطريركية القسطنطينية عن القرارات التي اتخذتها المناهضة للقانون. كما يستحيل على جميع كهنة  الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن يجتمعوا مع كهنة  كنيسة القسطنطينية. أما بالنسبة للعلمانيين فلهم للمشاركة في الأسرار المقدسة المحتفل بها في كنائسها.

الانقسام الكبير 
وقال الباحث رامي فاروق  المتخصص في الشأن الكنسي  ان  هذا الاعلان من قِبل المجمع المقدس للكنيسة الروسية عن قطع العلاقات مع البطريركية القسطنطينية في تصريح وصفه البعض باكبر انقسام في تاريخ المسيحية الارثوذكسية منذ ما هو معروف بالانقسام الكبير في القرن ال11 بين الكاثوليك والارثوذكس. ان الكنائس الارثوذكسية في العالم تنقسم  لعائلتين معروفين بـ: 
اولا العائلة الارثوذكسية القديمة Oriental Orthodox Churches وتاريخيا يحملون تسمية  الكنائس الارثوذكسية الغير خلقيدونيةاي الرافضة لمجمع خلقيدونية ) وهما: القبطية – الارمنية – السريانية – الاثيوبية – الاريترية – الهنود السريان. 
وثانيا العائلة الارثوذكسية الشرقية Eastern Orthodox Churches و تاريخيا يحملون تسمية  الكنائس الارثوذكسية الخلقيدونية أي التى تقبل قرارات المجمع ) وهما ببساطة اي كنيسة تقليدية في العالم يكتب الي جوار اسمها كلمة ارثوذكسية  وهي الروسية – اليونانية – الرومانية – الجورجية – بلغارية.... وعلي رأسهم تاريخيا القسطنطينية." بتركيا "

ورأس كنيسة القسطنطينية حاليا البطريرك  بارثلماوس الاول و معروف بلقب ’الاول بين المتساويين’ (هو التساوي مع رؤوس الكنائس الارثوذكسية الباقية) لعراقة وقِدم كرسي القسطنطينية ونشرها للايمان المسيحي في الدول المحيطة (في الوقت الذي لم تكن  المسيحية كانت قد وجدت بعد  في روسيا )لذلك  صوت بطريرك القسطنطينية يصنف بصوت الكنيسة الارثوذكسية امام العالم وذلك  بصورة مجمعية "أي  بالاجتماع مع رؤوس باقي الكنائس الاخوة  وليس  بصورة بابوية او مطلقة
ويضيف رامي قائلا  في عام  1990 تبني مطران كنيسة اوكرانيا الارثوذكسية (التابعة للكنيسة الروسية كمؤسسة لها) منهج الاستقلال عن الكنيسة الروسية يعني ان الكنيسة تدير كل شؤونها بنفسها بدون الرجوع لكنيسة روسيا وان كنيسة اوكرانيا تبقي لها بطريرك وتبقي ’متساوية’ مع الكنيسة الروسية بوجود بطريرك لها. وبالفعل قامت  كنيسة اوكرانيا بالاستيلاء  علي الكنائس الروسية في اوكرانيا الامر الذى  قوبل بالرفض التام من الكنيسة الروسية (هذا الي جانب  المشاكل السياسية بين البلدين الامر الذى يؤكد  علي قوة تأثير العنصر السياسي في الانقسامات الكنسية)
ومؤخرا  اعلن بطريرك القسطنطينية موافقته علي الاستقلال وبالتبعية العمل علي تعيين بطريرك لكنيسة اوكرانيا واعتراف باقي كنايس العائلة الارثوذكسية بها. الامر الذى  اغضب بطريركية موسكو جدا لدرجة قرار المقاطعة ويشمل اولاعدم ذكر اسم بطريرك القسطنطينية (عدم الصلاة من اجله) خلال الصلوات الليتورجية- العبادة -  للكنيسة الروسية.
وقطع جميع الخدمات المشتركة بين الاكليروس  " الكهنة "من الكنيستين.
و في حالة وجود اي لقاءات علي مستوي مجمعي او مسكوني لا يجتمع البطريركان
واضاف  الباحث رامي  قائلا ان الموضوع مؤلم ويكشف كون المعاناة الداخلية  في الكنيسة التى تعاني من التوترات والانقسامات ونذير للمستقبل لما يترتب  علي القرارات  هل خطوة المقاطعة  فعلا لبنيان شعب الكنيسة؟ هل النتيجة الحالية تمثل  ارادة الله "قطع العلاقات"؟ و هل هذا الوضع الحالي للكنيسة له  علاقة بانتشار الالحاد (الباطني والظاهري) بين شعب الكنيسة وخاصة شبابها؟ هل الكنيسة – التى يعد دورها الاساسي تشهد للمسيح في العالم – تاهت عن دورها؟
العالم كله بعد الحرب العالمية التانية والمجازر البشرية التى ذهب ضحيتها عشرات الملايين، يتجه للوحدة علي المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والدينية حيث تم  انشاء عصبة الامم المتحدة، الاتحاد الاوروبي، مجلس الكنائس العالمي، وغيرها من المؤسسات التى تعمل منذ سنوات  علي اقامة مشاريع ترسيخ مبدأ الوحدة والتطلع لقوتها والتوعية بخطورة تبعيات التخلي عنها والحرص علي عدم تكرار تجربة التغرب الانساني عن الانسانية. لكن للاسف الكنيسة يبدو انها لم تستوعب  هذا الدرس من التاريخ المعاصر. لذلك فالكنيسة في احتياج لعمل مسكوني (بمعناه الاصيل) داخلي: دعوة للتلاقي والحوار، التأكيد علي اهمية الوحدة كوصية الهية  و، العمل المشترك علي مواجهة التحديات والقضايا المشتركة للكنيسة والتجمع للصلاة معا من اجل بناء الجسور ونبذ روح الغضب.فمن المؤكد  ان قطع العلاقات "او الانقسام" الحالي غير مبني علي اية خلافات لاهوتية، لكن القطيعة بين الكنيستين بهذا الشكل يوصف انه ’مرهق ومخزي كنسيا وهذا يجعلنا ندرك اهمية الدور الذى يقوم به البابا تواضروس الثاني  – بالرغم من التحديات -  من اجل الوحدة  حيث يتاخذ خطوات واسعة جدا للعمل المسكوني علي المستوي الداخلي ككنائس اعضاء عائلة واحدة ومع العائلة الارثوذكسية الشرقية وايضا مع مختلف الكنائس المسيحية في العالم. بالرغم من حملة التشوية الرهيبة ضده الا ان ايمانه بتأصيل وحدانية المحبة بين الكنيسة المسيحية ككل ورغبته للتلاقي مع الآخر وبناء الجسور ليس  لها حدود. 

شارك