اشكاليات الدولة الدينية واللا دينية في السودان والدعوات المضللة

الإثنين 29/أبريل/2019 - 01:42 م
طباعة اشكاليات الدولة الدينية حسام الحداد
 
أصدر المجلس العسكري الانتقالي قرارا بتجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية، والاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني، وذلك في اجتماع ترأسه الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.
ونص القرار على تكليف عدد من اللجان، لحصر وضبط العهد والأصول والمعاملات المالية، مع منح هذه اللجان سلطة القيام بأي أعمال أو واجبات تمليها الظروف، وتتعلق بالنواحي الاجتماعية والتكافلية والإنسانية لمنسوبي النقابات والاتحادات المختلفة.
ووجّه القرار، الجهات المخولة قانونا للشروع في تكوين لجان، مهمتها تسيير هذه التنظيمات لحين انعقاد الجمعيات العمومية لها.
من جهة اخرى، أكدت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان إرجاء الاجتماع مع المجلس الانتقالي إلى الوم الاثنين.
وكانت مراسلة "العربية" في الخرطوم أفادت في وقت سابق أن الاجتماع، الذي كان من المفترض أن يعقد الأحد، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في القصر الجمهوري، سيبحث توزيع الحصص في المجلس السياسي المفترض تشكيله من أجل تسيير المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأوضحت أنه إلى جانب الحصص وتوزيعها، قد يتطرق الاجتماع إلى الفترة الانتقالية التي أكد مراراً المجلس العسكري أن مدتها سنتان، في حين تطالب قوى الحرية والتغيير أن تمتد لـ 4 سنوات.
كما أشارت إلى أن الخلاف على الحصص أو توزيع النسب بين القوى السياسية والمجلس العسكري يكمن في مطالبة الأخير بأن يكون عدد الأعضاء المدنيين 3 فقط مقابل 7 للعسكر، في حين اقترحت قوى الحرية والتغيير بأن يتشكل المجلس السياسي من 8 مدنيين و7 عسكريين.
إلى ذلك، أفادت بأن المعتصمين لا يزالون يتوافدون إلى مقر القيادة العامة في الخرطوم دون طلب من قوى الحرية والتغيير، مضيفة أن تسيير المواكب داخل وخارج الخرطوم لا يزال مستمراً، وأن الأعداد لم تقل عن الأيام السابقة.

وحول اشكاليات الوضع في السودان خصوصا إشكالية الدين والدولة قدم الدكتور أمل الكردفاني رؤية خاصة حول الموضوع خصوصا وانه واحد من القلائل الذين تصدوا لتجمع المهنيين وكان دائم الخلاف معهم حيث بداية يؤكد أنه ليس دينيا ويقول في آخر مقالاته: "لست دينيا عموما حيث ليس لدي قناعة برفض أو قبول دولة دينية على وجه الخصوص، فما أراه مختلف تماما وأعتقد أن أدوات الجدل حول هذه القضية تبدو لي شديدة السطحية.
ويستطرد "إن موقف اللا موقف من الدين هو موقف بالتأكيد وكذا الحال موقف الموقف من لا دينية الدولة. وهو كله مساو تماما لكل برنامج انتخابي أو حتى اختيار متسول لأفضل مكان للتسول. يمكننا ان نقول بأن الشيوعية تساوي الليبرالية وتساوي الدين وتساوي العلمانية وتساوي اختيارنا لأسلوب حياتنا المتقشف أو التوسعي عندما نختار التبضع في يوم ربيعي جميل.
إن كل الآيدولوجيات لن تكون آيدولوجيات إن لم تسع إلى الآتي:
- السيطرة.
- التوسع.
- الإقصاء.
وعلى هذا النحو فإن التطرف الآيدولوجي هو الأكثر نقاءا من بين المنتمين لآيدولوجيات تمضغ صبر انتقاص هيبتها الفكرية دوما عندما تتجاور مع غيرها تحت مزاعم السلم والتعايش.
وحول الاجابة عن تبريرات الاعلان الحاسم لفرض العلمانية؟ يقول: "هناك احتمالات قليلة جدا لما يمكن تقديمه من تبريرات للمناداة بفرض العلمانية:
الاحتمال الأول: فشل تجربة الحاكمية الدينية (مسيحية واسلامية).
الاحتمال الثاني: إن الدين يفضي إلى العنف والاحتكار والاقصاء والمصادرة على الحريات.
الاحتمال الثالث: الرفض لمحض التقابل الآيدولوجي.
ويستطرد قائلا "يمكننا أن نناقش الاحتمالات هذه بشيء من الحيادية وتفنيدها بسهولة كبيرة.
فبالنسبة لفشل التجريب الحاكمي سنجد أن هذا الفشل لم تخلو منه أي آيدولوجيات وضعية ، فالشيوعية فشلت والبعثية بل ولو كنا أقل انبهارا بالأمركة المنتصرة اليوم فالليبرالية نفسها لا تقل فشلا عن غيرها من الفلسفات. مع ذلك فلا توجد حتى الآن دعاوى لإقصاء أي حزب ذي آيدولوجية وضعية من المشاركة النشطة داخل البيئة الديموقراطية. كما لم تطرح -حتى الآن- دعاوى تطالب بفصل الدولة عن أي آيدولوجية وضعية، رغم فشل تطبيقها.
الاحتمال الثاني وهو الاقصاء ؛ لقد ذكرت أنه لا توجد آيدولوجيا لا تنبني على الإقصاء ، فحتى عندما نتحدث عن الليبرالية كمجموعة آراء فلسفية تستند على الحرية الفردية فهي في الواقع تقصي ما يخالفها ، إنها تقصي -على الأقل-الرؤى ذات الطابع الاجتماعي المحض (سواء ثقافيا أم اقتصاديا وسياسيا) ، ولذلك حينما بدأت محاولات التخفيف من الليبرالية الكلاسيكية عبر الليبرالية الاجتماعية انبرى كثير من الليبراليين الكلاسيكيين للدفاع عن رؤيتهم بل وصل بهم الأمر أنهم قالوا بأن الليبرالية (إما ليبرالية أو شيء آخر) (فريدريك باستيا). فبالنسبة لهم لا يوجد شيء يسمى بليبرالية اجتماعية ، ولهم في ذلك تبريرات قوية جدا ليست هذي سانحة تفصيلها.
أما الاحتمال الثالث وهو الرفض المستند إلى التقابل الآيدولوجي فهو الأكثر وضوحا في ظهور الاقصاء الحتمي للآخر... لا زلت معجبا جدا برواية إدوار والله التي كتبها ميلان كونديرا في لحظة تجل وانكشاف. حيث يؤكد كونديرا بؤس الآيدولوجيا وربما استوحى قصته هذي من مؤلف ماركس. حيث أن بطل القصة والذي لم يحاول أبدا الغرق في تحديد هويته يتمكن من تحطيم الصلادة الأيدولوجية عبر الحب والجنس ليؤكد زيف كل الأيدولوجيات.
وعندما نتحدث عن آيدولوجيا فيجب ألا يغيب عن بالنا ذاك الوصف الديكارتي الذي ذكرناه في مقتبل المقال وهو (هيمنة التصديق). ذلك أن هذا الوصف يبين لنا أن القضية لا تتعلق لا بالدين ولا بأي فلسفة أو نظرية أو حتى فرضية (قابلة أو غير قابلة للدحض). إنما يتعلق الأمر بكون الآيدولوجيا تزحف من داخل الذات إلى الخارج وليس العكس. 
إن التصديق شخصي دائما ولذلك يكون الأقرب للصواب أن فلسفة أو رؤية ما لا يمكن أن توصف بأنها آيدولوجيا ، فالحقيقة أن هناك (إنسان) آيدولوجي ولكن لا توجد آيدولوجيا. وهذا تمييز هام حتى لا يظل الخلط حاصلا بينهما ، ذلك الخلط الذي يفضي إلى اعتبار العلمانية شر عند المتدينين وأن الدين شر عند العلمانيين. إن الشر الحقيقي قد يكون العلمانيون والدينيون وليست الأفكار في حد ذاتها. إن أدوات صراع كلا الفريقين هي الحشد العاطفي لهيمنة تصديقهم ، وهذا تلوين زائف للظلام.

شارك