مذكرة حقوقية لمجلس حقوق الإنسان الدولي حول التعامل مع العائدين من داعش

الخميس 04/يوليو/2019 - 01:39 م
طباعة مذكرة حقوقية لمجلس برلين.. هاني دانيال
 
في مذكرة رسمية قدمتها مؤسسة ماعت للتنمية وحقوق الإنسان إلي مجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف ، دعت إلي منع سفر المقاتلين الإرهـابيين الأجانـب بسـبل منـها التـدابير التنفيذية واسـتخدام المعلومات المسبقة عن المسافرين والتدابير الرامية إلى تعزيز أمن الحدود، مع ضرورة إجراء تقييم لأي شخص انتمي للجماعات الإرهابية قبل عودته لدولته، ومعرفة ماذا يحتاج لإعادة الاندماج في المجتمع، فإن كان لم يحصل على شهادة جامعية مثلاً، يبحث عن طريقة لإكمال متطلباته التعليمية. وتقوم منظمات المجتمع المدني بدعمه في ذلك، مع  حشد مجموعة خبراء من خلفيات متنوعة، وتزويدهم بكل المعلومات المتاحة عن الشخص.

كما دعت المؤسسة الحاصلة علي الصفة الاستشارية من المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة إلي تقديم المشورة العائلية، وحل المشاكل الأسرية إذا كانت العلاقات متوترة بين الشخص وعائلته، وإعادة دمجه في المجتمع بهذه الطريقة. في هذه المرحلة، يجب عليهم التواصل مع الشرطة بانتظام، ويكونون خاضعين للمتابعة وليس للمراقبة المكلفة جدا، مع  إجراء دراسات من خلال مقابلات منتظمة مع المقاتلين العائدين عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، في محاولة لصياغة صورة لدوافعهم وخلفياتهم، من خلال مقاربات تكيف للتعامل مع المتطرفين بعد عودتهم من مناطق النزاع. 

طالبت مؤسسة "ماعت" إلي مواجهة دعاية التنظيمات الإرهابية على شبكات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وعرض تلك التجارب أمام الرأي العام، وتحليلها ومعرفة أسباب ودوافع الانضمام وعواقبه، إلي جانب التنسيق بين الدول وتبـادل المعلومـات فيمـا بـين الوكالات المتخصصة، من خلال السيطرة على الحدود، وتبادل المعلومـات المطلوبـة علـى الحـدود ومصـادر المعلومـات وأسـاليب تجهيزهـا للكشـف عـن المقـاتلين الإرهـابيين الأجانـب المحتملين، وأن تنظر في تقاسم هذه المعلومات مع السلطات المختصة، مع إنشاء أليات تتيح للشـباب أن يضـطلعوا في سياق المناقشات المتعلقة بوضع السياسات بدور يمكن أن يكون ذا أهميـة بالنسـبة إلى وقـف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب. على أن تــولي الدول كامـل الاعتبار للاحتياجات الأمنية للشباب.
 
وعرفت المنظمة  المقاتلين الإرهابيين الأجانب (FTFs) على أنهم "الأفراد الذين يسافرون إلى دولة أخرى غير دولة إقامتهم أو جنسيتهم؛ لغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو التخطيط لها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها أو تقديم أو تلقي تدريب إرهابي، بما في ذلك ما يتعلق بالصراع المسلح ".
واكد أيمن عقيل المدير التنفيذي للمنظمة أن هذه الفئة تزيد من شدة النزاعات ومدتها وتعقدها، وقد تشكل خطرًا جسيمًا على دولها الأصلية وعبورها ووجهتها وكذلك مناطق النزاع المسلح المجاورة التي تنشط فيها. ومن غير المرجح أن يتم احتواء هذه الظاهرة بالكامل على المدى القصير.
شدد علي  أن هجرة المقاتلين الأجانب التي ترتبت على تراجع داعش النسبي ليست هي المرة الأولى التي يتوجب على العالم فيها التعامل مع المقاتلين الأجانب الذين يغادرون منطقة نزاع لإثارة أخرى. فقد استنتجت عدد من الدراسات التي تراقب الحالة الجهادية على مدى سنوات إلى أن قرابة 11% من المقاتلين الأجانب أصبحوا يشكلون تهديدات أمنية نشطة بعد الهجرة من مناطق القتال خلال الفترة ما بين عامَيْ1990 و2010، وهو ما يجعل تتبع أعداد المقاتلين الأجانب العائدين أمرًا هامًا.
نوه إلي وجود تباين واضح في أعداد المقاتلين الأجانب خاصة العائدين من مناطق الصراع الحالي في سوريا والعراق وليبيا واليمن؛ فلا تستطيع الأمم المتحدة أو وكالات الاستخبارات وجهات إنفاذ القانون، والكيانات الأخرى التي تراقب المقاتلين الأجانب، تقديم معلومات دقيقة حول ما كان يُعتَقد أنه 38500 مقاتل من 120 دولة حتى عام 2016،  لكن بحلول أغسطس 2018، كان إجمالي عدد المقاتلين الأجانب الذين لا يزالون ناشطين في سوريا والعراق يبلغ 30 ألف شخص، ينتمون لدول مختلفة حول العالم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، أي حوالي خمسة أضعاف ما كان يعتقد سابقًا، وهو ما يتناقض مع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي وضعت عدد المسلحين تحت سقف 6000مقاتل، ثم راجع البنتاجون هذه التقديرات لحوالي 14000 مقاتل في سوريا و17000 في العراق. 

وحسب الأرقام التي توصلت إليها المنظمة هناك ما يقرب من  20 – 30% من المقاتلين الأجانب غادروا العراق وسوريا، وتشير هذه الأرقام الابتدائية عن أعداد المقاتلين إلى تزايد حجمها، وهو ما سينتج عنه ايضًا أعداد كبيرة من المقاتلين العائدين. ورغم أن الحكومات عادة ما تلتزم الحذر بشأن الإفصاح عن الإحصائيات الدقيقة لمواطنيها الذين ذهبوا إلى ساحات القتال أو العائدين منها، إلا أن هناك أرقامًا رسمية أعلنت عنها العديد من الدول والحكومات منها:
تمت الإشارة إلي أنه بحلول يوليو 2017، عاد قرابة 30% من الأوروبيين الذين يقدر عددهم بـ 5000 شخص في سوريا والعراق إلى أوطانهم. وفي بعض الحالات، مثل: الدنمارك والسويد والمملكة المتحدة، كانت نسبة العائدين تقارب النصف. وكان نصيب بريطانيا من المسافرين إلى مناطق القتال 800 شخص عاد منهم 425 بالفعل، وقتل منهم 130 على الأقل (). إضافة إلى أن الحكومة البريطانية تقوم بالتحقيق مع حوالي 20 ألف فرد على الأقل شملتهم تحقيقات أجهزة الاستخبارات البريطانية سابقًا حول الإرهاب.
وحسب ما وصلت إليه المنظمة من أرقام، في فرنسا يبلغ  عدد المواطنين الفرنسيين الذين يقاتلون في العراق وسوريا 690 شخصًا، من بينهم 295 امرأة، و28 قاصرًا دون سن الـ 15. كما وُلِد قرابة 400 طفل لعائلات جهادية فرنسية في العراق وسوريا أو اصطحابهم آباؤهم إلى هذه الدول، عاد منهم 398 مواطنا فرنسيا حتى شهر سبتمبر 2017، خضعوا جميعًا للتحقيق الرسمي، من بينهم 260 قيد الاحتجاز تمهيدًا للمحاكمة، 138 يخضعون لمتابعة قضائية، وتراقب فرنسا 12000 شخصًا تحسبًا لأي نشاط إرهابي يقومون به. 
في حين أوضحت الحكومة السويدية أن 300 مواطن سويدي سافروا للانضمام إلى الجماعات الجهادية منذ عام 2012، حوالي 80٪ منهم مرتبطون بـ تنظيم الدولة، إلى جانب أقلية مرتبطة بـجبهة النصرة، أما في كندا، فتقدر وكالات الاستخبارات الكندية عدد العائدين من مناطق الصراع حول العالم بـ 60 شخص، وهناك من 180-190 شخصًا آخرين لم يعودوا ولا يتوقع أن يخاطروا بالعودة.   
حذرت المنظمة من تكرار نماذج العائدين من أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي، فبعد رحيل القوات السوفيتية عن أفغانستان في فبراير 1989، لم يعد هناك سبب لوجود العديد من الأجانب؛ فعاد بعض المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية، حيث انطلقوا في دروب الحياة أو انضموا إلى مجموعات محلية. لكن البعض الآخر سار على درب "عبد الله عزام" لتشكيل طليعة تواصل الجهاد بغض النظر عن طول الطريق حتى آخر نفس أو قيام داعش.
واقترحت مؤسسة ماعت بلورة موقف دولي متفق عليه لإرسال الجهاديين من أي جنسية إلى محكمة لاهاي، ليواجهوا نتيجة أفعالهم “بشفافية ونزاهة”. على اعتبار أن الانتقام لا يؤدي إلا لمزيد من العنف، رغم وجود المشاكل القانونية المرتبطة بالأسرى في ساحة المعركة في العراق أو سوريا، فمن الممكن أن يواجه المتهم عقوبة الإعدام، بينما تعارض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رسميا تطبيق هذه العقوبة. وما هي الأدلة التي ستقدم للمحكمة المحلية ومن سيجمعها؟ وبالتالي فهناك مطالبات بتحديث قوانين الإرهاب لتتيح تقديم المقاتلين الأجانب العائدين من صفوف تنظيم الدولة إلى العدالة في الغرب.

شارك