الانتخابات التونسية.. بين الثقة المبالغ فيها لحركة النهضة وتفتت الخصوم

الخميس 29/أغسطس/2019 - 02:27 م
طباعة الانتخابات التونسية.. حسام الحداد
 
تفتح الانتخابات التونسية المرجح لها ان تكون بعد اسبوعين من الأن، أفاقا كثيرة للاحتمالات لدى المراقبين للشأن التونسي وحركات الاسلام السياسي خصوصا وان هناك سيناريوهات كثيرة وربما تكون صادمة قد تدفع حركة النهضة التونسية ذات المرجعية الإخوانية إلى سيطرتها ضمنياً على أهم مؤسسات البلاد الحيوية، بعد دخول نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية السباق الرئاسي المبكر، وقد سبقه قرار مشاركة رئيس الحركة راشد الغنوشي على رأس قائمة حزبه للانتخابات التشريعية، في طموح لترأس مجلس النواب.
ولا يمكن استبعاد سيناريوهات احتمال سيطرة النهضة على الرئاسة والبرلمان في تطور ملحوظ يعكس حالة تشتت معارضي التيار الإسلامي المتمدد في تونس. وإن لم تتعزز جبهة معارضي النهضة بالتحالفات الممكنة، فقد لا يكون مستغربا أن تستقبل تونس أول رئيس إسلامي في تاريخها.
وحسب بحث أعده مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) تناول بالدراسة تطور مواقف حركة النهضة الإسلامية إزاء الانتخابات الرئاسية المبكرة والتشريعية الوشيكة، فان حزب النهضة بترشيحه نائبه للانتخابات الرئاسية وزعيمه للانتخابات البرلمانية يعيش حالة ثقة مبالغ فيها ويمر بمرحلة غرور سياسي مستفيد من تفتت خصومه بعد انهيار حليفه في السلطة الحزب الحاكم (نداء تونس) وتفككه وتشتت بقية خصومه السياسيين وضعف شعبيتهم. وضع تشتت خصومه دفع حزب الإسلاميين للانقلاب مرتين على ناخبيه ناقضاً عهوده التي مكنته من كسب تعاطف شعبي آخذ في التقهقر تدريجياً منذ نجاح ثورة الياسمين.
واعتبر التقرير أن الانقلاب الأول والذي أثر على شعبية "النهضة" تمثل في تنصل الحزب من أهدافه التاريخية كالالتزام بمبادئ ثورة الياسمين والقطع مع النظام القديم، فضلا عن غموض مواقف الحركة إزاء تحقيق اهداف تأسيسها كالمحافظة على القيم الإسلامية وتطبيق شعار "الإسلام هو الحل".
فبعد تمكن الإسلاميين طيلة سنوات ما بعد الثورة من توسيع نفوذها في الإدارة والمؤسسات الدولة، سارع للتنصل من هويته الإسلامية وإعلان تحوله إلى حزب أقرب من العلمانية ظاهريا. لكن قد يكون هذا التحول عكس ما يبطن ويكون فقط للبروباجندا وقبول الحزب دولياً وكسب ثقة الراي العام المحلي والعربي والدولي. وهناك تشكيك في أن حزب النهضة غير ملتزم تمامًا بقطعه الارتباط الديني وأن التحول كان مجرد عرض صورة من شأنها إرضاء العلمانيين التونسيين وحلفائهم في الغرب.
ونظرا لاعتقاد النهضة الراسخ أن صفة إسلامي باتت توحي بالراديكالية والتطرف، سعت بكل قوة إلى التنصل من صفة الإسلامية ووصف أعضائها بالإسلاميين، وشرعت خلال السنوات الأخيرة بتجديد نفسها وهويتها وتبني العمل الحزبي المدني. لكن هناك تخوف من أن يكون هذه التغيير والانقلاب على الصورة النمطية هو مجرد مسايرة ومجاراة للوضع العام والأحداث، ثم ما إن تتمكن من مقاليد السلطة قد تعاود تنفيذ رؤيتها الأصيلة التي كان أساس نشأة الحركة والتي يمكن اختزالها في الإصلاح وفق رؤية الإسلام.
لكن تبقى غايات التحول مبطنة ولا يمكن معرفتها الا على المدى المتوسط إذا تمكنت حركة النهضة من بسط قوتها الناعمة على مفاصل السلطة في تونس تدريجياً وهذا ما يلاحظه المتابعون بارتفاع سقف طموحات الإسلاميين الى حد السعي لإدارة الرئاسة والبرلمان والحكومة.
أما الانقلاب الثاني فتمثل في نقض قيادات النهضة الإسلامية لوعودهم وخاصة زعيم الحركة راشد الغنوشي الذي تعهد في أكثر من تصريح عقب ثورة الياسمين أنه لا يسعى للمناصب بقدر خدمة الشعب وتحقيق مبادئ الثورة. وفي حين أكد مرار أنه يرتضي ان يبقى زعيماً لحزب بدون منصب في الدولة، انقلب مرة واحدة على تصريحاته ليقحم بنفسه ونائبه للتنافس على منصب رئيس البرلمان ورئيس البلاد في رغبة واضحة لكسب السلطة.
وتبدو بذلك خطوة الإسلاميين للسيطرة على السلطة وإن تأخرت إلا أنها توصف بكونها أنضج من خطوة حركة الإخوان في مصر لإدارة السلطة عقب الثورة. لكن مخطط النهضة على ما يبدو قد يصطدم بغضب شعبي قد يعبر عنه الناخبون في مكاتب الاقتراع وذلك بسبب ضعف سجل إنجازات النهضة الشعبية والاقتصادية كونها حليف في السلطة. ولمواجهة هذا الاحتمال قد تراهن حركة النهضة على توقع عزوف على الانتخابات وهو ما قد تستفيد منه في حال تشتت الأصوات لخصومها مقابل امتلاكها لأكبر قاعدة انتخابية مستقرة وملتزمة نسبياً بالولاء لقيادات الحركة وخيارتها.
ويذكر أن أحد قيادات النهضة اعترف أخيرا لإحدى القنوات الدولية أنه الحزب الإسلامي في صورته الجديدة لا يسعى للتغول على السلطة بترشيحه رئيس الحركة ونائبه لمناصب قيادة البلاد. فعلى حد اعتبار عامر العريض قيادي النهضة فإن الحزب يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية ويسعى بكل حرية الى المشاركة في المنافسات الانتخابية مثله بقية الأحزاب. لكن اختيار كل من زعيمه راشد الغنوشي ونائبه عبد الفتاح مورو للترشح إلى التنافس على المناصب القيادية في الدولة (الرئاسة والبرلمان) يراعي قواعد الديمقراطية وليس هناك نية للتغول بل هناك رغبة لرفع مستوى المنافسة والتشجيع على المشاركة السياسية والإقبال على الانتخاب. لكن تبقى الإعلانات والتصريحات تخدم تسويق الصورة الجديدة للحزب المتنصلة من الهوية الإسلامية لكن قد تعكس جدية التنافس على قيادة البلاد وممارسة السلطة نوابا الإسلاميين على المدة المتوسط. فشعار تأجيل تنفيذ رؤية النهضة اعترف به رئيس الحركة الغنوشي منذ 2011.
تأجيج الخلافات
وكانت الشرطة التونسية قد اعتقلت، الجمعة 23 أغسطس 2019، نبيل القروي، أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية، على خلفية قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي وغسيل أموال، وذلك قبل 3 أسابيع على موعد الاستحقاق الانتخابي، في حادثة اتهم فيها حزبه "قلب تونس" يوسف الشاهد وحمله مسؤولية إيقاف القروي من أجل إقصائه عن المنافسة في الانتخابات، بينما نفى حزب "تحيا تونس" علاقة رئيسه ومرشحه بتلك القضيّة.
وتحاول حركة النهضة استغلال الأزمة الحاصلة بين حزبي "قلب تونس" و"تحيا تونس" على خلفية إيقاف المرشح نبيل القروي وإيداعه السجن، لدعم مرشحها إلى الانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو، وذلك عبر التدخل لتعميق الخلافات وتغذية التوتر بينهما.
ومن جهتها، لم تأخذ حركة النهضة موقفا محايدا من تلك القضيّة، بل جاءت مواقف كل قياداتها في اتجاه تصعيد الخلاف بين هذين الحزبين والمرشحين البارزين المنافسين لها في الانتخابات الرئاسية، في خطوة اعتبرت محاولة لضرب شعبيتهما والتقليل من حظوظ أبرز منافسين لها في الانتخابات الرئاسية، لصالح مرشحها عبد الفتاح مورو.
وفي هذا السياق، اعتبر مرشح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو، خلال اجتماع شعبي انتخابي بولاية صفاقس أن إيقاف المترشّح نبيل القروي "حدث خطير جدا"، ملمحاً إلى تداخل الأجندة القضائية مع الأجندة السياسية الانتخابية.
وقال مورو "أحترم الطرف القضائي الذي أصدر هذا القرار، لكن أخشى أن تتداخل الأجندة القضائية مع الأجندة السياسية الانتخابية لتحدث ارتباكا من شأنه أن يفضي بنا الى أمر مجهول".
إلى ذلك، عبر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، عن عدم رضاه عن اعتقال نيل القروي، مؤكدا أنه "تعطيل لمسؤول حزبي في البلاد"، كما وجّه اتهاما ضمنيا للشاهد بتدبير الإيقاف من أجل حسابات سياسية، بينما وصف القيادي بالحزب زبير الشهودي في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك" المرشحين يوسف الشاهد ونبيل القروي بأنهما "وجهان لعملة واحدة".
وتعليقاً على موقف النهضة، اعتبر المحلل والباحث السياسي عبدالرحمان زغلامي، أن النهضة أكبر مستفيد من المناخ السياسي الحالي ومن التوتر الحاصل، بين اثنين من أهم المرشحين في الانتخابات الرئاسية، موضحا أن التطوّرات الحاصلة مؤخرا تصبّ كلها في صالح النهضة، التي ستستغلّ قضية القروي كوقود لحملتها الانتخابية.
وأوضح زغلامي للعربية نت أن "الموقف المتعاطف لحركة النهضة مع القروي يهدف لكسب أصوات مؤيديه يوم الاقتراع، إذا ما تواصل سجنه أو تم إقصاؤه من الرئاسيات، كما أن تشكيكها في القرار القضائي الموجه للقروي وتوجيه انتقادات واتهامات غير مباشرة للشاهد باستغلال أجهزة الدولة وتطويع القضاء لإزاحة منافسه في الانتخابات، هدفه التحذير من خطورة الشاهد لدى الرأي العام، وبالتالي ضرب ثقة الناخبين في مشروعه، من أجل التقليل من حظوظه والتخلّص منه منذ الدور الأول".
كما نبه المتحدث نفسه إلى أن مرشح النهضة عبد الفتاح مورو "يسير رويدا رويدا نحو رئاسة تونس، خاصة في ظل وجود انقسامات بين الأحزاب الحداثية التي تحمل مشروعا مناهضا لحركة النهضة، واستمرار التشتت بين مرشحي هذا التيار"، مؤكدا أن الأزمة المتصاعدة بين حزبي "قلب تونس" و"تحيا تونس" والاتهامات المتبادلة بين أنصارهما، "ستنسف أي فرضية للتوافق حول مرشح واحد من العائلة الحداثية"، لافتا إلى أن هذا الوضع "سيؤدي إلى تشتت أصوات الناخبين على أكثر من مرشح، في وقت تحتفظ النهضة بخزان انتخابي متماسك رغم تراجعه مقارنة بانتخابات 2014".
ويظهر توزيع المرشحين، وجود 8 مرشحين على الأقل، من العائلة السياسية الحداثية التقدمية، وهم يوسف الشاهد، ورئيس حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق، والمرشح المستقل المدعوم من حزبي "نداء تونس" و"آفاق تونس" عبدالكريم الزبيدي، بالإضافة إلى مرشحة حزب "أمل تونس" سلمى اللومي، ومرشح "البديل التونسي" مهدي جمعة، وإلياس الفخفاخ مرشح حزب "التكتل الديمقراطي"، ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، والأمين العام السابق لـ"نداء تونس" ومدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ناجي جلول.

شارك