بيتر مدروس.. فلسيطني حتى النهاية

الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 01:06 م
طباعة بيتر مدروس.. فلسيطني روبير الفارس
 
توفي اليوم 18 ديسمبر 2019  الاب بيتر مدروس  الكاهن في البطريركية اللاتينية في القدس منذ عام ١٩٧٢، والمحارب عن هوية فلسطين  والوجود المسيحي بها وخدم الاب بيتر في العديد من الرعايا من ضمنها في جنوب السودان. ولد الأب مدروس في القدس عام 1949، التحق بالمعهد الإكليريكي في بيت جالا عام 1962. سيم كاهنًا عام 1972، ليخدم من بعدها كاهنًا مساعدًا في بيرزيت. ترجم كتاب المزامير إلى اللغة العربية عام 1973. عاد معلمًا إلى إكليريكية بيت جالا عام 1974.
أصبح كاهنًا لرعية أدر عام 1975، ومرسلا إلى جنوب السودان عام 1975. عاد إلى القدس، وانتقل إلى روما لمتابعة دروسه في الكتاب المقدس، حيث حصل على إجازة من جامعة الكتاب المقدس (البيبليكوم) عام 1980.
أصبح كاهنًا مساعدًا في رعية بيت جالا ومعلمًا في الإكليريكية عام 1981. نال شهادة الدكتوراة في اللاهوت الكتابي من جامعة الأوربانيانا (روما)، ومكث كاهنًا مساعدًا في رعية بيت جالا ومعلمًا في الإكليريكية عام 1982.
أصبح كاهنًا لبيت ساحور عام 1989، وكاهنًا مساعدًا في رام الله عام 1995، ومسؤولاً عن التعليم المسيحي في الفرير ببيت لحم عام 1996. في شباط 2003 أصبح مسؤولاً  عن العمل الراعوي الكتابي (الكتاب المقدس في الأبرشيّة). وكان الاب بيتر يتقن ١٦ لغة قديمة وحية من لغات العالم. له العديد من الكتب المنشورة من بينها ٢٠ كتاباً باللغة العربية، من أهمها تعريب سفر المزامير وهو النص الرسمي لليتورجية – للعبادة والصلاة -اللاتينية منذ سنة ١٩٧٥ وكان الاب بيتر من اهم كتاب المقالات في موقع ابونا الصادر عن المركز الاعلامي الكاثوليكي بالاردن ومن المقالات المهمة التى تعبر عن الاتجاه الفكري للاب بيتر مقالة بعنوان 
"سلطانة فلسطين والحفاظ على الهوية" ومما جاء فيه 
أنعم الله على الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة بالإخلاص والتّفاني في خدمة هذه الدّيار والأردنّ الشّقيق بكل سكّانها، فتألّقت بشتى الرهبنات وإكليروسها في الإرشاد والتّعليم والتربية ومؤسسات الشفاء والغوث إلى أيّامنا، شأنها في كلّ الشرق الأوسط ومناطق أخرى من المعمور. ومنّت العناية الإلهية على بطريركها الأسبق، إيطالي الأصل فلسطيني القلب عربيّ الشّهامة ، المنسنيور لويس برلسينا، ببعد الرؤيا وسداد الرأي وشديد الغيرة وعالي الهمّة. فأسس غبطته سنة 1927 مزار "سلطانة فلسطين"، و"دير رافات" في البلدة التي كانت -مع الأسف- كانت تحمل هذا الاسم، وعلى مقربة منها قرية "صرعا" التي زالت أيضًا عن الوجود في نكبة سنة 1948.
وكان مثلث الرحمات البطريرك برلسينا قد شعر بطمع الكثير من الدول في هذه الأرض الطهور، وعايش أوّل تحركات استهدفت شعبنا المسكين. وألّف لقداس عيد "سلطانة فلسطين" صلاة مؤثّرة، سأل فيها الله مخلّص جميع الناس أن يرمق بعين الحنان وطنه على الأرض. وطلب وجاهة السيدة العذراء كي "تُحمى من جميع البلايا أرض فلسطين المقدسة". وأتت النكبة ثم النكسة تصديقًا لما توجّس منه البطريرك الفاضل خيفة. وتوالت – لحكمة إلهية لا نسبر أغوارها- على فلسطين والأردن المحن والضيقات من لجوء ونزوح . وما زال الأردن يحمل عبء الهجرات المتتالية من لبنان وسورية والعراق.
والأردن توأم فلسطين على النهر المقدّس –حيث جسر الآلام وأمنية العودة- جزء من البطريركيات المقدسية الثلاث أي الرومية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية واللاتينية الكاثوليكية. وفي الماضي أيضا وُجدت مناطق من الأردن ضمن "الفلسطينات الثلاث" التي كان هكذا تقسيمها في القرون الميلادية الأولى (حسب الأب العلاّمة فنسان آبيل، "جغرافية فلسطين"، 2، ص 200- 202، والأب بيلارمينو باغاتي عالم الآثار الفرنسيسكاني، "الكنيسة الأمميّة في فلسطين" ، ص 77-79، وقد نقل هذه المعطيات الأب د. أنطون عودة عيسى في أطروحته للدكتوراة في الحقّ القانونيّ "الأقليّات المسيحيّة في فلسطين عبر العصور"، ص 79-80): فلسطين الأولى مع مطرانية في قيصرية البحر: من مدنها اللد ويافا وإيليا كابيتولينا (إيلياء القدس) وعمواس وعسقلان ورفح وبيت جبرين ونابلس وأريحا والأغوار وناعور. أمّا فلسطين الثّانية فكان أسقفها أي مطرانها في اسقيثوبوليس أي بيسان، ومن مدنها إكسال ومنطقة جبل طابور وسفورية وطبرية وبيلا (شرقي الأردن) وأم قيس (جدارا) وبيت راس. وفلسطين الثالثة: أقام أسقفها في البتراء. ومن مدنها الكرك والربّة (في جنوب الأردن) وغور الصافي والعقبة وفاران...
وحول المحافظة على الهويّة كتب بيتر 
قال المفكّر الفرنسيّ الفذّ ده فيلييه: "يحصل أن تخسر شعوب حروبًا وتضيّع أراضي وتفقد سيادة، مثل بولندا وسواها في فترة معيّنة من التاريخ، ولكن حذار من فقدان شعب لهويّته". والمقصود الهوية الثقافية الحضارية التاريخية الإثنيّة الوطنية التراثية الأخلاقية المعنوية الأدبية الفنيّة، بصرف النظر عن وضعه السياسي من أمّة ذات سيادة أو شعب مستضعف يرزح تحت الاحتلال. وهويّتنا الروحانية الدّينية لا يجدر أن تتنكّر لوطننا، خصوصًا لأن بلادنا أرض المقدّسات. وكان قداسة الأنبا شنودة الثالث يردّد: "ليست مصر فقط وطنًا نسكن فيه بل هو وطن يسكن فينا". وعلى هذا الأساس يبقى الانتماء بل يزيد في الشدائد. وإن لم تُنصفنا الأرض فالسماء أي العدالة الربّانيّة والرحمة اللدنيّة "تقضي للفقير والكسير"، بحيث أنّ الودعاء والعباد الصالحون "يرثون الأرض".
وأخطر من تضييع الهوية الوطنية فقدان هويتنا المسيحية، خصوصا نحن مسيحيي فلسطين والأردن وسائر الشرق الأوسط، لأنّ هذه أوطاننا مرتين: موطن الأجداد ثانيًا ووطن المسيح والكنيسة الأولى أوّلاً. ومن السهولة أن يفقد مسيحيو بلادنا هويتهم المسيحية بسبب الضغوط الاجتماعية والاضطهادات والمذابح وأيضًا بسبب عدم الانتماء. هنالك ما خلا لبنان "إبادة أيديولوجية" للمسيحيين وللمسيحية إذ تُحذف على الأقلّ أوّل سبعة قرون من المسيحية في بلادنا، وذلك في كتب التاريخ والتربية "الوطنية" التي تقفز من القرن الأوّل قبل المسيح لتغفله، وتصل إلى القرن السابع بعد الميلاد. وبما أن معظم شعبنا لا يقرأ شيئًا خارجًا عن الكتب الدراسية فيقول في نفسه: هذه بلاد كانت وثنية وصارت إسلامية، فلا مكان لي فيها. وكثيرون يقولون: "هذه البلاد ليست لنا" مع أن معظم آثارها ومقدّساتها مسيحي!

شارك