الخلايا التكفيرية النائمة في ربوع الثقافة المصرية.. اتهام محمد عبده وطه حسين بالانحراف الفكري (5)

الخميس 26/نوفمبر/2020 - 09:56 ص
طباعة الخلايا التكفيرية حسام الحداد
 
نستكمل مناقشة كتاب محمد جاد الزغبي كتاب "شرح تلبيس إبليس لابن الجوزي" الجزء الأول "المعتزلة والشيعة"، والصادر عن وكالة العز للدعاية والإعلان في 2010، يستمر الكاتب في عدائه للثقافة المصرية ورموزها، فهو بداية يتهم محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وطه حسين بالانحراف الفكري، حيث يقول: "ومن أبرز رموز العصرانية ومنظريها كان محمد عبده الذي يُوصف إعلاميا بأنه مجدد القرن وجمال الدين الأفغاني الذي يوصف بأنه موقظ الشرق وطه حسين الذي يوصف بأنه عميد الأدب العربي ولأن هذه الأسماء قد أفضت إلى ما قدمت، فنكتفي بالإشارة العاجلة لفكرهم دون الخوض فيه باعتبارهم قد انتقلوا إلى جوار ربهم، وليست مشكلتنا الآن في تقييم الشخصيات وهل تراجعوا عن انحرافهم الفكري أم لا.. إنما القضية أن هذه الأفكار لا تزال إلى اليوم مطبوعة وتطبع وتضخ عشرات السموم إلى عقول المثقفين المشوهة".
ربما يكون لدى البعض منا خلافات حول نقاط معينة عند أحد هؤلاء الرموز، وربما نختلف معهم منهجيا، ولكن يظل لهم السبق في ريادة حركة النهضة الحديثة والخروج من غياهب الظلمات التي عشناها في ظل الدولة العثمانية، التي يريد الكاتب ورفاقه في درب الهجوم على ثقافتنا المصرية وروادها العودة لها مرة أخرى.
وحقيقة لا أعلم جيدا ماذا قرأ الكاتب لهؤلاء الثلاثة انما كتاباته تنم عن جهل بمشروع كل واحد منهم، حيث التباين بينهم في وضع الأسس التي تقوم عليها نهضتنا من سباتنا الطويل.
أما وصف الكاتب لهم بالانحراف الفكري لرواد نهضتنا فأعتقد أن لديه الحق فيه لأنهم بالفعل قد انحرفوا عن تلك الأفكار الظلامية المتشددة، الملتصقة بالتراث، والتي لا تريد المعرفة والتطور واللحاق بركب الحضارة، انحرفوا عن الأفكار التي تدعو للاستبداد والقهر والعودة إلى ظلمات القرون الوسطى بالبقاء تحت مظلة الخلافة العثمانية التي أكلت الأخضر واليابس وجرفت العقول، أما اتهام الكاتب للمثقفين بأن عقولهم موشهة، فأعتقد أنها اسائة أدب تعود عليها أبناء هذا التيار المتشدد، من أصحاب مدرسة السب على المنابر أمثال عبد الحميد كشك ووجدي غنيم، وتوارثها جيل فجيل من أبناء هذا التيار الذي يثبت كل يوم أنه ليس لديه طاقة على إعمال العقل أو الدخول في مناقشة موضوعية وانما سهل عليه اتخاذ طريق الشتم والسب واللعن للمخالف له الرأي.
الإمام محمد عبده:
يقول عن محمد عبده: "فمحمد عبده تبنى كامل أفكار المعتزلة القديمة وأعمل العقل في النصوص على نفس المبادئ التي شرحناها آنفا وأحيا هذا التراث المملئ بالتغريب فكانت رسالته في التوحيد والتي أصدرها تحت نفس العنوان تحمل نفس أفكار المعتزلة العقدية وموقفهم من علماء الحديث، وفي تفسيره للقرآن الكريم
لجأ للعقل بشكل مطلق فأنكر ما سبق أن أنكرته المعتزلة بل و زاد عليه أن قدم من عنده تفسيرا عصريا لكل المعجزات الإلهية والنبوية في القرآن بما يتناسب مع العقل
مثال ذلك تفسيره للطير الأبابيل بأنها ليست طيرا وألقت ما لديها على أبرهة وجنوده بل هي " ميكروبات التيتانوس والطاعون" وأيضا إنكاره لمعجزة انشقاق القمر، وغيرها".
وهنا يتضح العداء الحقيقي، ليس لمحمد عبده، بل لاستخدام العقل، إذ أن الإشكالية الأساسية لدى هؤلاء هي في استخدام العقل فلديهم قاعدة فقهية تؤكد أن "استخدام العقل في الشرع محرم"، مخالفين بذلك عدد كبير من آيات القرآن الكريم التي تحض على استخدام العقل والتفكير والتدبر حتى في آيات الله عز وجل، لصالح تقديس أسلافهم ومقولاتهم.
ومن بين أخطاء الكاتب المنهجية اتهام محمد عبده بالتغريب تارة وتارة أخرى اتهامه باستخدام تراث المعتزلة، حيث يتضح أن الكاتب لم يقرأ بالفعل فكر الإمام محمد عبده وأخذ هذه الأراء من أقوال مخالفيه أمثال العقاد ومحمود شاكر، ويثبت الكاتب ذلك في فقرة أخرى من الكتاب، كذلك رفض الكاتب لفكرة الاجتهاد في تناول النص القرآني، وتحريمها على الإمام محمد عبده، وكأن للقرآن تفسير واحد، فالكاتب يجهل ان القرآن حمال أوجه، وما يؤكد هذا تنوع التفاسير واختلاف المفسرين وتباينهم، ليس هذا فقط بل اختلافات القراءات للقرآن الكريم ما أدى إلى اختلاف عدد الآيات حيث يقول السيوطي في الاتقان: "فإن الاختلاف قد وقع بين العلماء في عد آي القرآن، قَالَ الدَّانِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ."
طه حسين:
يقول الكاتب عن عميد الأدب العربي طه حسين: "أما طه حسين فممارساته وأفكاره أكبر من أن يحصرها كتاب مستقل، وقد استقي أفكاره التي نادي فيها ببشرية القرآن وخضوع أسلوبه للبيئة الجاهلية في كتاب الشعر الجاهلي كما أن استنسخ نفس أفكار المستشرق اليهودي مرجليوث وروجها فضلا على استغلاله لمنصبه في إدارة الجامعة لعرض شتى أنواع أفكار العلمانية والإلحاد سواء في الأعمال الفنية التي كانت ترعاها كلية الآداب التابعة له أو استقدامه للمستشرقين ليعملوا على نشر أفكارهم على طلبة الجامعة"
ويتضح من هجوم الكاتب على طه حسين أنه متأثر كثيرا بالعقاد والرافعي ومحمد ومحمود شاكر، وقد ذكر ذلك كما قلنا في موضع أخر من كتابه، وأنه لم يقرأ لطه حسين، حيث اقتصر حديثه على ترديد المقولات الجاهزة للمعاصرين لطه حسين والمختلفين معه، والملفت للنظر أن الكاتب لا يهاجم طه حسين وفقط بل يتخذه سبيلا لمهاجمة الفن والمعرفة والعلوم، حيث غاب عن الكاتب أنه في فترة طه حسين كنا في حاجة ملحة إلى اللحاق بركب الحضارة والتطور والخروج من السبات الطويل الذي عاش فيه العقل العربي تحت الاحتلال العثماني، والذي أدى في النهاية إلى تأخرنا عن العالم ومازلنا متأخرين بفضل ثقافة النقل التي يتبناها الكاتب والكتاب موضوع المقال، وكان من بين آليات هذه التطور ارسال بعثات علمية للخارج وايفاد أساتذة في شتى فروع المعرفة لتعليم الطلبة داخل الجامعة المصرية، وأنه ليس هناك حضارة في العالم ناهضة لم تستفد من الحضارات والثقافات المحيطة.
واخيرا فان الزغبي وأمثاله من المنتمين للعصور الوسطى المظلمة سوف يظلون دائما في عداء مع العلوم والفنون والأداب، لأنهم يتصورون أن الحضارات تقوم على الغزو والحروب، تلك الذهنية الصحراوية البدوية التي أسس لها ابن عبد الوهاب ومن قبله ابن تيمة، وروج لها سيد قطب ومن بعده ابو اسحق الحويني، ومحمد حسان وغيرهم من أبناء التيار السلفي الذي ينتمي له الزغبي وان كان حليق الذقن ولا يرتدي الجلباب فالسلفية المتشددة ليست مقتصرة على تيار بعينه أو ايديولوجية بعينها.

شارك