الإخوان وتهديدات جديدة للديمقراطية والاندماج في السويد

الأربعاء 19/أبريل/2023 - 12:33 م
طباعة الإخوان وتهديدات حسام الحداد
 
تنتشر جماعة الإخوان الإرهابية في العديد من الدول الاوروبية، ويساعدها في هذا الانتشار مجموعة متنوعة من الوسائل للوصول إلى أهدافها الحزبية. وهي تعمل من خلال الأحزاب السياسية السويدية، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، من خلال الاتصال المباشر مع الهيئات الحكومية على المستويين المحلي والوطني، فقد تمكنت جماعة الإخوان على مر السنين من بناء مؤسسات قوية في السويد، بعد أن ضمنت عمليات تمويل من الأموال السويدية العامة، وبعد أن أتقنت فن الاحتيال في هذا البلد منذ سنين طويلة. وقد أشار الباحث والخبير في شؤون الإخوان، لورينزو فيدينو، إلى أن “جماعة الإخوان الأم تعتمد على ثلاث فئات من الكيانات السويدية: أعضاء الإخوان أنفسهم، وشبكات الإخوان غير المباشرة، والمنظمات المتأثرة بالإخوان”.
ومؤخرا دعت الباحثة السويدية في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، آندي فليمستروم، إلى ضرورة إنشاء "مركز توثيق الإسلام السياسي" لتحليل ومراقبة الإخوان المسلمين في السويد، وفتح تحقيقات قانونية في أنشطة الجماعة الإرهابية وتمويلها للتطرّف وأعمال العنف.
وشددت دراسة أجرتها الباحثة تحت عنوان "محاربة التطرف في السويد ـ هل نجح الإخوان في نشر التطرف؟"، على أهمية تكثيف الرقابة على الاستثمارات والمؤسسات المالية التابعة للإخوان التي تُعتبر ممرات لتمويل التطرف والإرهاب.
كما أوصت الحكومة بضبط خطاب المساجد الذي يتعارض مع قيم النظام الديمقراطي السويدي، ومراقبة مصادر تمويل المساجد والمراكز الدينية، ومنع المتطرفين الإسلاميين من السيطرة على المساجد، ووقف استقبال الأئمة الذين تُرسلهم دول أجنبية، مُشيرة لضرورة وجود قانون يمنع عمل الأئمة من خارج الاتحاد الأوروبي، وأكدت في هذا الصدد أنّه من المهم إنشاء "معهد أوروبي لتدريب الأئمة" يضمن أن خطابهم لا يُساهم في "أيديولوجية التطرف".
المدارس جيوب للتشدّد
وخلصت فليمستروم في دراستها كذلك إلى وجوب إغلاق المؤسسات المُشتبه بها في نشر أفكار وأيديولوجيات متطرفة، ومنها مدارس الإخوان التي ازدادت خلال العقدين الماضيين، وأصبحت إحدى منصّات نشر الفكر المتطرف، مُحذّرة من أنّ المدرسة هي إحدى أهم المؤسسات في خطة الإخوان المسلمين الأوروبية لبناء "جيوب دينية" تنشر التشدّد.
وجاء في حيثيات الدراسة، أنّ عمل الإخوان لا زال يعتمد على السرّية ويخفي نشاطه وراء واجهات المساجد والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية والمدارس بخطاب يتسم بالازدواجية، حيث نجحت جماعة الإخوان على مدى عقود في إنشاء مجتمعات موازية ساهمت في خلق مشاكل أثرت على قدرة المجتمع السويدي في إدارة سياسة الاندماج، وهذا ما مثّل تحدياً للتماسك الاجتماعي.
تأثير سلبي
وتقول الباحثة إنّ "استراتيجية سياسة الهوية المستخدمة من قبل الإخوان والمنظمات التابعة لها تضع المجموعات في مواجهة بعضها البعض، وبالتالي يكون لها تأثير سلبي على القواعد الديمقراطية فيما يتعلق بمناقشة القضايا الواقعية. وإضافة إلى ذلك فإنّ خطر تخصيص الموارد بشكل غير مراقب أو متابعة للمنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين تؤثر سلباً على عملية الاندماج، وذلك من خلال بناء قطاع إسلامي موازٍ من الهيئات العامة".
ويُشكّل الإخوان المسلمون اليوم تهديداً قائماً للسويد من منظور أمني، ويرى العديد من المراقبين والخبراء أن الإسلاميين استغلوا الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لسكان بعض الضواحي، وخاصة الجاليات المسلمة، ولعبوا على التناقضات لنشر الفكر المتطرف والتكفيري بين أبنائهم وشبابهم.
كما أنّ الإخوان يواصلون عقد ورش عمل لتعليم وتلقين أفكار العنصرية والتطرف الديني وتجنيد أعضاء في المنظمات المتطرفة خارج البلاد مثل تنظيم داعش الإرهابي. وفي هذا الصدد، فإنّ نتيجة تجاهل أو نفي حقيقة أن الإسلام السياسي قد رسخ جذوره في السويد واكتسب موقعاً وتأثيراً كبيراً في السويد بين النخبة السياسية والمجتمع على حدٍّ سواء يعني الافتقار إلى المعرفة بالإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين، ويستلزم هذا الجهل والسذاجة دعم الأفكار النمطية والأحكام المسبقة عن "المسلمين" في الوعي الجماعي.
جهل بخطر الإسلام السياسي
ووفقاً للباحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فقد نجح الإخوان المسلمون في السويد عبر العقود الماضية في بناء هيكل مؤسسي استخدم بسلاسة "النموذج السويدي" الذي مكّنهم من إتقان "فن حلب النظام المنفتح والمرحب والسخي في السويد" لتأمين المساعدة المالية من المال العام.
واستخدمت الجماعة الإرهابية مجموعة متنوعة من الأساليب والاستراتيجيات للوصول إلى أهدافها وزيادة التأثير السياسي، منها التسلل إلى الأحزاب السياسية والجماعات المؤثرة الأخرى والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى وتقديم نفسها كممثلة لأقلية دينية.
ويجادل العديد من الباحثين بأنّ الدولة والمجتمع قد ساهموا مالياً وتنظيمياً في إنشاء العديد من المنظمات ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بجماعة الإخوان وساعدوا في ذلك، حيث تتلقى العديد من هذه المنظمات ملايين الكرونات السويدية دعماً من الدولة ودافعي الضرائب. ووفقاً لبعض الخبراء، فإنّه لم يكن من الممكن للجماعات السويدية التابعة الإخوان المسلمون أن تحقق درجة تأثيرها ونفوذها الاستثنائية هذه بدون درجة كبيرة من السذاجة والجهل بين النخبة السويدية والمجتمع بشكل عام حول الإسلام السياسي كمفهوم وأيديولوجيا.
مستقبل الإخوان في السويد،
ومن خلال الترويج غير النقدي لظاهرة الإسلاموفوبيا باعتبارها المشكلة الحاسمة للمسلمين في السويد وحتى في أوروبا، وفي نفس الوقت إنكار وجود الإسلام السياسي، يُقدّم الكثيرون دعمهم لتفكير الإخوان المسلمين الشمولي ويقدمون لهم أيضاً دون وعي الظروف والموارد لتعزيز مشروعهم الإسلامي السياسي على المدى الطويل.
وتطرح الدراسة موضوع "مستقبل الإخوان المسلمين في السويد" كسؤال مهم بدون تقديم إجابة واضحة. ولكن طالما أن هناك مشكلة تواجه السلطات السويدية في التعامل بجدية مع ملف الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، وطالما أنّ نموذج الإخوان المسلمين يتمتع بحرية الحكم، فهناك خطر وشيك يتمثل في أن الحركة قد تعزز موقفها بشكل متزايد وتحرك مكانتها إلى أبعد من ذلك في السنوات القادمة.
وتُنبّه الباحثة في الختام إلى أنّه طالما أنّ المرء يتعرض لخطر وصفه بالعنصرية أو الإسلاموفوبيا إذا عارض نهج الإخوان، وبالنظر للوضع الحالي في السويد، فإنّ مثل هذه التصنيفات قد تُعرّض حياة الناس المهنية للخطر، لذلك فإن ثقافة الصمت من شأنها أن تمنح الإسلاميين مكانة أقوى في مجتمعاتهم الموازية، وفي الوقت نفسه سيشكلون تحدّياً طويل الأمد لسياسة الاندماج والتماسك الاجتماعي.

شارك