الدوافع النفسية والاجتماعية وراء نزع التطرف لدى النساء الإرهابيات (1)

الثلاثاء 19/نوفمبر/2024 - 02:20 ص
طباعة الدوافع النفسية والاجتماعية حسام الحداد
 
في السنوات الأخيرة، أصبح موضوع نزع التطرف والانفصال عن الجماعات الإرهابية محط اهتمام أكاديمي واسع، خاصة فيما يتعلق بالنساء اللواتي انخرطن في أعمال العنف والتطرف. ففي الوقت الذي تركز فيه معظم الدراسات على الرجال والمقاتلين العنيفين، فإن دراسة تطور وتحولات النساء في هذا السياق لا تزال مجالًا غير مستكشف بما يكفي. تقدم هذه الدراسة عرضًا لحالة ثلاث عشرة امرأة في إسبانيا أدينت بجرائم إرهابية، وتستكشف الأسباب والدوافع التي جعلتهن يبدأن في عملية الانفصال عن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو يشرعن في تغيير نظام معتقداتهن. من خلال مقابلات شخصية مع المشاركات، بالإضافة إلى شهادات مسؤولي السجون وعلماء النفس، يتناول هذا البحث العوامل التي أسهمت في اتخاذ قرارهن بوقف السلوك المنحرف، والشعور بالإحباط أو اكتساب أهداف جديدة، مما قادهن نحو تجربة الانفصال أو نزع التطرف. سيتناول هذا العرض أيضًا التحديات المرتبطة بتقييم عمليات الانفصال والنزع التطرفي، وكيف يمكن فهم هذه العمليات بعيدًا عن برامج نزع التطرف الرسمية، مما يفتح أفقًا جديدًا لفهم كيفية حدوث هذه الديناميكيات خارج الإطار المؤسسي.
في العدد الأخير لمجلة "وجهات نظر حول الإرهاب"  (PT)  والذي نشر في سبتمبر 2024، تناولت ماريا إيزابيل موضوع " نزع التطرف والانفصال عن الجماعات الإرهابية لدى النساء المدانات بجرائم إرهابية في إسبانيا" حيث لا يزال فهم الدوافع التي تقود المرأة إلى التخلي عن التطرف أو الانفصال عن منظمة إرهابية من المواضيع الأكاديمية الأقل استكشافًا اليوم. وتستكشف هذه الدراسة الأسباب التي دفعت ثلاث عشرة امرأة في إسبانيا إلى البدء في عملية الانفصال عن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، و الشروع في تغيير نظام معتقداتهن. تعتمد الدراسة على مقابلات شخصية مع نزيلات مرتبطات بتنظيم داعش، بالإضافة إلى مسؤولين في السجون، وعلماء نفس، ومربين. وتوضح الدراسة أن قرار وقف السلوك المنحرف، أو التجربة الشخصية لرفض المعتقدات السابقة، سبقه شعور بالإحباط، أو اكتساب أهداف جديدة، أو الشعور بالقبول و الاندماج في شبكات اجتماعية جديدة.
قالت إيزابيل في المقدمة يُعد فهم كيفية عمل عملية نزع التطرف وكيفية انفصال الفرد عن منظمة إرهابية من المجالات الرئيسية التي تحظى باهتمام أكاديمي كبير اليوم. يمكن تتبع المحاولات الرامية إلى جعل الأفراد ينهون سلوكياتهم الإجرامية أو يتوقفون عن دعم أيديولوجية معينة إلى عقود مضت. ومع ذلك، أدى خطاب "الحرب على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر وظهور تنظيم (داعش) إلى إثارة اهتمام أكاديمي لفهم كيفية عمل هذه الديناميكيات.
وعلى الرغم من هذا التركيز الأكاديمي المتزايد على الانفصال عن الإرهاب ونزع التطرف، إلا أن النتائج التجريبية في هذا المجال ما زالت محدودة. علاوة على ذلك، يعاني العديد من الدراسات المتعلقة بالإرهاب من نقص النتائج التجريبية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى صعوبة الوصول إلى مصادر موثوقة وتمثيلية.
ويُلاحظ هذا النقص في الدراسات التقييمية حول نزع التطرف والانفصال بشكل أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالنساء. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الأدبيات التي تركز على النساء والإرهاب، والتي ازدادت بشكل ملحوظ بعد إعلان ما يسمى بـ"الخلافة" في يونيو 2014، إلا أن دراسة مكافحة التطرف العنيف (CVE) فيما يخص النساء، واستراتيجيات نزع التطرف أو الانفصال، لا تزال غير كافية.
هذا يمثل تحديًا يجب التعامل معه، نظرًا للعدد الكبير من النساء العائدات من مناطق النزاع، حيث يتعين على الدول والمجتمعات تطوير استراتيجيات لإعادة تأهيلهن وإعادة دمجهن في المجتمع.
تتناول هذه الدراسة التجربة الخاصة لثلاث عشرة امرأة أُدينت بجرائم إرهابية في إسبانيا. وتبحث في الأسباب التي دفعت هؤلاء النساء إما إلى بدء عملية الانفصال عن تنظيم داعش، و/أو الشروع في تغيير نظام معتقداتهن، بالرغم من عدم مشاركتهن في برنامج لنزع التطرف. يتم استكشاف كلا العمليتين في الدراسة مع تجنب توجيه شهادات المشاركات نحو عملية معينة بعينها. ويحدد التحليل التدابير التي كانت فعّالة في حالة هؤلاء النساء، مع التأكيد على أن هذه النتائج لا ينبغي اعتبارها تمثيلية، نظرًا للعدد المحدود للعينة.
ونظرًا لنقص الأدبيات والمعلومات المتوفرة حول هذا الظاهرة، تُعتبر هذه المساهمة ذات أهمية لكل من الأوساط الأكاديمية وصناع السياسات في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تعتمد على بيانات أصلية وأدلة تجريبية. وتكمل هذه الدراسة الأبحاث القائمة حول عمليات انفصال النساء عن الجماعات الإرهابية ونزع التطرف، كما تستكشف العلاقة بين هذين الظاهرتين. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الدراسة رؤى حول كيفية حدوث هذه الديناميكيات خارج إطار برامج نزع التطرف الرسمية.
تبدأ الدراسة بتعريف عمليات الانفصال ونزع التطرف، يليه مناقشة الإطار التحليلي لهذه الممارسات فيما يتعلق بالنساء. بعد ذلك، يتم وصف منهجية البحث وتوفير سياق حول النساء اللواتي تمت مقاضاتهن بسبب الانتماء لجماعات ارهابية في إسبانيا. وأخيرًا، تناقش الدراسة وتحلل العوامل التي دفعت هؤلاء النساء إلى التخلي عن أيديولوجية تنظيم داعش و/أو التوقف عن ارتكاب الجرائم، كما روتها المشاركات.
تعتمد الدراسة أيضًا على مصادر أولية أخرى، مثل شهادات مسؤولي السجون وعلماء النفس والمربين، لمواجهة وجهات النظر المختلفة.
وتُعد مفاهيم الانفصال ونزع التطرف معقدة وتواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في نقص الدقة في استخدامها. في الأوساط الأكاديمية، تم تعريف هذه المصطلحات بطرق متنوعة وغالبًا غير دقيقة. وقد أدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات سياسية وعملية تفتقر إلى أطر نظرية واضحة.
تركز الدراسة على تقييم ما إذا كانت النساء اللواتي تمت مقابلتهن قد مررن بعملية انفصال و/أو نزع تطرف. ولتحقيق ذلك، من الضروري أولاً فحص كيفية تعريف الأدبيات الحالية لهذه المصطلحات وتقييمها.
ففي حين أن مفهومي نزع التطرف والانفصال يتضمنان عملية الابتعاد عن التطرف العنيف، فإنهما يشيران إلى جوانب مختلفة من هذا التحول. هناك فرق بين تجربة الرفض المعرفي للمعتقدات (نزع التطرف) وبين مجرد إنهاء السلوك الإجرامي مع البقاء ملتزمًا بالأيديولوجية التي تحفز على العنف (الانفصال). يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن النظام العقائدي المتطرف غالبًا ما يكون مترسخًا بعمق في الفرد، مما يجعل تفكيكه أمرًا صعبًا بسبب الارتباط العاطفي أو آليات الدفاع التي تم تطويرها لتبرير أفعالهم.
هناك عدة تعريفات لهذين المفهومين؛ على سبيل المثال، يعرّف هورجان وبرادوك نزع التطرف على النحو التالي:
"العملية الاجتماعية والنفسية التي يتم من خلالها تقليل التزام الفرد بالتطرف العنيف وانخراطه فيه إلى الحد الذي يجعله لم يعد معرضًا لخطر المشاركة في الأنشطة العنيفة."
أما الانفصال فيُعرّف على النحو التالي:
"العملية التي يمر فيها الفرد بتغيير في الدور أو الوظيفة، وهو عادة ما يكون مرتبطًا بتقليل المشاركة العنيفة. قد لا يتضمن ذلك بالضرورة مغادرة الحركة، ولكنه غالبًا ما يرتبط بتغيير دور كبير سواء كان مؤقتًا أو دائمًا."
يُعتبر مفهوم الانفصال أكثر سهولة ووضوحًا عند التطبيق، حيث يشير إلى الانقطاع عن الأفعال الإجرامية والإرهابية المرتبطة بمجموعة معينة، دون أن يعني ذلك بالضرورة التخلي عن القناعات التي أسس الفرد عليها سجله الإجرامي. علاوة على ذلك، غالبًا ما يمثل الانفصال المرحلة الأولية من عملية نزع التطرف، حيث يصبح الأفراد أكثر تقبلاً للنظر في وجهات نظر وقيم جديدة تختلف عن معتقداتهم السابقة.
تقييم ما إذا كان الفرد قد انفصل أو نزع تطرفه يُعد أيضًا مهمة صعبة. نادرًا ما تُجرى دراسات مقارنة على استراتيجيات ناجحة، كما أن المعلومات المتعلقة ببرامج نزع التطرف نادرًا ما تتم مشاركتها. يمكن أن تشير المؤشرات السلوكية (مثل تجنب العودة إلى الجريمة) إلى حدوث الانفصال، بينما يتم تقييم نزع التطرف غالبًا من خلال المقابلات، أو التقييمات النفسية، أو استطلاعات الرأي الذاتي. ومع ذلك، فإن موثوقية هذه التقييمات غالبًا ما تكون محل نقاش، لأنها قد تتأثر بعوامل خارجية، مثل رغبة المشارك في القبول الاجتماعي.
لقراءة الجزء الثاني اضغط هنا
________
*مجلة "وجهات نظر حول الإرهاب" (PT)  تأسست في عام 2007، وهي مجلة أكاديمية ربع سنوية محكمة ومفتوحة المصدر. وتعد مجلة وجهات نظر حول الإرهاب منشورًا صادرًا عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT)، بالشراكة مع معهد الأمن والشؤون العالمية (ISGA) في جامعة لايدن، ومركز هاندا لدراسة الإرهاب والعنف السياسي (CSTPV) في جامعة سانت أندروز.

شارك