الدوافع النفسية والاجتماعية وراء نزع التطرف لدى النساء الإرهابيات (2)
الجمعة 22/نوفمبر/2024 - 12:43 ص
طباعة
حسام الحداد
كانت النساء مشاركات في الإرهاب منذ قرون. فقد انضمت نساء إلى مجموعات مثل "إرادة الشعب" الروسية (نارودنايا فوليا)، ونمور التاميل في سريلانكا، وطريق النور في بيرو. كما لعبت النساء أدوارًا قيادية في منظمات مثل جماعة الجيش الأحمر في ألمانيا، والألوية الحمراء في إيطاليا، و"ويذر أندرجراوند" في الولايات المتحدة.
ركزت العديد من المنشورات على تفسير أسباب انخراط النساء في العنف السياسي. وقد ازداد هذا الاهتمام البحثي بعد انضمام أعداد غير مسبوقة من النساء إلى تنظيم داعش. ووفقا لتقارير عدة، سافرت حوالي 6,902 امرأة من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى التنظيم في سوريا والعراق.
تتميز صورة النساء في العنف السياسي بتحيزات جنسانية واضحة. لقرون، تم تصوير النساء كضحايا، أو كشخصيات تعاني من اضطرابات سلوكية، أو كـ"أنثى قاتلة". هذا الميل لتقديم النساء كضحايا سهل التأثير عليهن عرقل تطوير سياسات فعّالة ضد التطرف العنيف لدى النساء، حيث يتم تهميشهن أو تقليل قيمتهن في برامج مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف. فعلى سبيل المثال، لم تقم العديد من الدول الأوروبية في البداية بمقاضاة النساء العائدات من تنظيم داعش، كما أنهن أقل عرضة لتوجيه تهم بالإرهاب إليهن. ومع ذلك، بدأت الأمور تتغير تدريجيًا مع قيام المحاكم في بلجيكا وألمانيا وفرنسا وهولندا بإدانة معظم العائدات بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي.
لكن هناك تحديات قضائية في توجيه تهم إضافية، تعود جزئيًا لصعوبة جمع أدلة كافية. وعلاوة على ذلك، يُنظر عمومًا إلى النساء على أنهن أقل خطورة مقارنة بنظرائهن الرجال. ومع ذلك، أثبتت النساء أنهن قادرات على تنفيذ هجمات إرهابية باسم الجهاد في الغرب. كما تشير تقارير إلى المواقف العنيفة لبعض النساء اللواتي ما زلن في المخيمات الكردية بانتظار إعادتهم.
لقراءة الجزء الأول من الدراسة اضغط هنا
تشير المصادر إلى أن حوالي 609 نساء قد أُعيدن إلى أوطانهن عالميًا، بما في ذلك 240 من دول أوروبية مختلفة منذ سقوط "الخلافة" المزعومة. وهذا يستدعي كسر الصور النمطية الجنسانية عند تصميم تدخلات لمنع التطرف العنيف، والتركيز على احتياجات النساء الخاصة.
أكدت عدة دراسات حول نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج للنساء في مجموعات مسلحة في جواتيمالا وسيراليون وإثيوبيا على ضرورة فهم أسباب انضمام النساء لهذه الحركات وكيف تمت معاملتهن داخلها. هذا الفهم أساسي لتوفير معالجات مناسبة لهن لاحقًا. كما أشارت دراسات إلى أن الوصول إلى التعليم، وتطوير مهارات جديدة، وتوسيع شبكات النساء عوامل أساسية في تسريحهن.
إلا أن النساء واجهن صعوبات في التعامل مع فقدان المعنى والهدف بعد مغادرتهن للجماعات المتطرفة، وعودة العلاقات الجنسانية التقليدية كانت تحديًا إضافيًا.
يمكن تطبيق بعض هذه الدروس في ممارسات فك الارتباط ونزع التطرف لدى النساء في الغرب. ومع ذلك، فإن الأدبيات حول هذا الموضوع لا تزال في مراحلها الأولى، حيث توجد دراسات قليلة لكنها بارزة.
أجرت الباحثة مهنا-مطر دراسة حول تجارب 28 فردًا من تونس (18 رجلًا و10 نساء) في رفض الأيديولوجيا السلفية الجهادية. وكشفت الدراسة أن "التجارب الشخصية بين النساء السلفيات كانت الدوافع الرئيسية لنزع تطرفهن". من بين الأحداث المحفزة لرفضهن الفكري كان الإحساس بعدم الدعم من زملاء السلفيين في أوقات صعبة، أو التعرض للضرب من زوج جهادي مسيء.
قدمت دراسة غيلين مقترحًا لتقييم برامج فك الارتباط لدى النساء الجهاديات، وأكدت على أن: الفك يتطلب نهجًا شاملاً وطويل الأمد يأخذ في الاعتبار العوامل الطاردة والجاذبة، ويجمع بين تدخلات متعددة تنشط آليات مختلفة مثل الدعم الأسري، والتقييم البدني والنفسي، والإرشاد الديني والأيديولوجي.
هذه المقاربة تتماشى مع المساهمات الرئيسية التي تسعى لتحديد الأسباب التي تؤدي بالأفراد إلى التخلي عن التطرف العنيف. ويرى كروجلانسكي أن فك الارتباط بالتطرف يشكل انخفاضاً في التزام الأفراد بقناعاتهم، ويتضمن ذلك اكتساب أهداف واهتمامات جديدة. وقد لوحظ أن المشاركة في الأنشطة الفنية التي تتيح للأفراد التعبير عن أنفسهم، بالإضافة إلى تطوير مهارات جديدة، كانت أساسية في حالة أعضاء سابقين في حركة نمور التاميل (LTTE).
لقراءة الجزء الأول من الدراسة اضغط هنا
وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "النساء غير المرئيات"، أظهر مرتكبو الجرائم المتطرفة في لبنان استجابات إيجابية بعد خضوعهم للعلاج النفسي والاجتماعي. وأشار التقرير إلى المبادرة الإيجابية التي نفذتها منظمة "أنقذني" غير الربحية، والتي عالجت 61 رجلاً و9 نساء كانوا أعضاء في جماعات متطرفة عنيفة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تضمن العلاج تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، العلاج بالفن، وعلاج استبدال العدوان (ART) لإعادة تأهيل السجناء المتطرفين. وأظهر المشاركون موقفًا إيجابيًا واستعدادًا للعمل ضمن هذه المقاربة، التي طبقت بعد بناء علاقات ثقة بين المعالجين والنزلاء.
حاليًا، يتم تصميم استراتيجيات أكثر توافقًا مع احتياجات الأفراد وظروفهم. وفي هذا السياق، يتم تنفيذ برامج في السجون في بلدان مثل بلجيكا، فرنسا، وألمانيا لتلبية احتياجات النساء المتطرفات العنيفات، مع تغطية جوانب نفسية مختلفة. إضافة إلى ذلك، تركز هذه الاستراتيجيات على تحقيق تغيير سلوكي بدلاً من إثارة رفض معرفي للمعتقدات لدى المستفيدين. تشير تحليلات حديثة لبيانات ذاتية من أكثر من 80 عضوًا في جماعات إرهابية متنوعة - بما في ذلك منظمات دينية وجماعات يسارية متطرفة - إلى أن التخلي عن العنف له صلة قليلة بتغيير المعتقدات الأيديولوجية، وإنما هو نتيجة عوامل مرتبطة بالإرهاق العاطفي. وتم تحديد خيبة الأمل، الخلافات، أو عدم الرضا عن المجموعة أو أعضائها كأسباب للتخلي عن التنظيم.
ووجدت أبحاث استكشافية أخرى تبحث في الدوافع وراء التطرف والتخلي عنه لدى جهاديات مسجونات في السجون الإسبانية أن خيبة الأمل من التوقعات غير المحققة كانت عاملاً مهماً.
مؤخرًا، أظهرت دراسات أن النساء العائدات من سوريا إلى دول البلقان الغربية عبرن عن مشاعر خيبة الأمل وتراجع التزامهن بالمجموعة. وأشارت نفس الدراسات إلى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه النساء العائدات هو كيفية إعادة بناء حياتهن، وإعادة الاندماج في مجتمعاتهن، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وتأمين مستقبل لهن ولأطفالهن.
لقراءة الجزء الأول من الدراسة اضغط هنا