بين التكنولوجيا والإرهاب.. ماذا ينتظر سوريا بعد التصعيد الأخير؟
الجمعة 29/نوفمبر/2024 - 03:42 م
طباعة
حسام الحداد
اشتعلت المعارك في سوريا مجددا بهجوم فصائل مسلحة على القوات الحكومية شمال غربي البلاد، لتبدأ مرحلة جديدة تحمل تحولا جذريا في الصراع الذي بدأ قبل 13 عاما.
وأكدت وكالات الأنباء أن هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة أخرى متحالفة معها دخلت مدينة حلب، بعد قتال استمر لأكثر من 48 ساعة وسقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين والمدنيين.
إلا أن أهم ما يميز هذه الجولة من المعارك تسلح الفصائل بتقنيات جديدة، ساهمت في تحقيق تقدم سريع و"حاسم"، وصولا إلى مدينة حلب.
وأكدت مصادر لـ"سكاي نيوز عربية" أن الفصائل المسلحة تشن هجمات بطائرات مسيّرة متطورة، وأنها تلقت تدريبات قبل هذه المعركة على أيدي مدربين أجانب.
وقال مراسل سكاي نيوز، الجمعة، إن "التنظيمات المسلحة تستخدم أسلحة متقدمة في ضرب الجيش السوري، من بينها مسيّرات".
والخميس، أي بعد يوم واحد من بدء التصعيد الأخير، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، إن "المعركة كان محضرا لها من قبل هيئة تحرير الشام بدعم من جهة خارجية". اكتب لي مقال تحليلي نقدي لهذا الخبر
السياق الزمني والتطورات الميدانية
المعركة التي أُعد لها مسبقًا، تُشير إلى تحول نوعي في استراتيجيات الفصائل المسلحة. استخدام الطائرات المسيّرة المتطورة يعكس تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، ويضع علامات استفهام حول مصادر هذا التسليح والتدريب. وفقًا للخبر، كان هناك دعم خارجي للفصائل، مما يعيد إلى الأذهان الدور الإقليمي والدولي المستمر في تأجيج الصراع السوري.
من المعروف أن تركيا تلعب دورًا محوريًا في دعم الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا، وخصوصًا "هيئة تحرير الشام"، التي كانت تُعرف سابقًا بجبهة النصرة. تركيا تعتمد على هذه الفصائل كجزء من استراتيجيتها الإقليمية في مواجهة النفوذ الكردي ومصالحها في سوريا. تسهيل التدريب وتسليح الفصائل يُعتبر امتدادًا لدورها في حماية مصالحها على طول الحدود السورية وتأمين منطقة نفوذ دائمة لها.
استخدام الطائرات المسيّرة يشير إلى نقل المعركة إلى مستوى جديد من الحرب غير التقليدية، حيث يمكن لهذه التكنولوجيا أن تكون فعالة للغاية في تحقيق ضربات دقيقة وإرباك الخصم. تركيا، التي تمتلك صناعة متطورة للطائرات المسيّرة، قد تكون لعبت دورًا مباشرًا أو غير مباشر في تزويد هذه الفصائل بمثل هذه الأسلحة. هذا الدعم يهدف إلى ترجيح كفة الفصائل المسلحة على حساب الجيش السوري، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل حلب.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى التصعيد الحالي كجزء من لعبة أكبر تسعى فيها تركيا إلى تعزيز أوراقها التفاوضية مع القوى الدولية والإقليمية، خاصة مع روسيا وإيران، بشأن مستقبل سوريا. دعم الفصائل المسلحة بهذه الطريقة يمنح أنقرة نفوذًا إضافيًا، لكنها في الوقت نفسه تخاطر بتصعيد الموقف إلى صراع أوسع يهدد مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
الدور الخارجي: بين الدعم والتدخل
تصريح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن "المعركة كان محضرا لها بدعم من جهة خارجية" يثير الشكوك حول الدول أو الجهات التي تقف وراء تسليح وتدريب الفصائل. يشير ذلك إلى استمرار التدخلات الإقليمية والدولية في النزاع السوري، وهو ما يعقّد فرص الحل السياسي ويطيل أمد الصراع. تدخلات مثل هذه تؤكد أن النزاع السوري ليس مجرد صراع داخلي، بل أصبح ساحة مفتوحة لأطراف دولية تتنافس على تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
من بين الجهات التي يمكن أن تكون قد دعمت الفصائل المسلحة، تأتي تركيا في المقام الأول، خاصة أنها قد قدمت دعمًا ملموسًا لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) في أكثر من مناسبة. تستخدم تركيا هذه الفصائل في إطار سياستها الإقليمية، ليس فقط لتعزيز نفوذها في شمال سوريا، ولكن أيضًا لمواجهة الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة في المنطقة. الدعم التركي يشمل التسليح والتدريب، ويستهدف تقوية هذه الفصائل لاستخدامها كأداة ضغط على الحكومة السورية وحلفائها. كما أن تركيا قد استفادت من الدعم الغربي لها في هذا السياق، حيث يتقاطع هذا الدعم مع أهدافها في تقليص النفوذ الكردي وتحقيق التوازن العسكري في المناطق الشمالية.
استخدام الطائرات المسيّرة يعكس توظيف تقنيات حديثة كانت في السابق حكراً على الجيوش النظامية، مما يعني أن هذه الفصائل حصلت على دعم لوجستي وتكنولوجي يتطلب خبرات عسكرية متقدمة. مع أن الطائرات المسيّرة قد تكون قد دخلت في صراع الفصائل المسلحة السورية حديثًا، إلا أن الدعم التركي لهذه الفصائل في مجال الطائرات المسيّرة بات واضحًا، حيث كانت تركيا من بين أولى الدول التي طوّرت واستخدمت هذه التقنية في عملياتها العسكرية في سوريا. هذا النوع من الدعم يسهم بشكل مباشر في تحسين القدرات العسكرية للفصائل المعارضة ويُعدّ تحولًا استراتيجيًا في أساليب الحرب في سوريا.
في ذات السياق، لا يمكن تجاهل الدور الإيراني الذي يُعتبر أيضًا لاعبًا أساسيًا في النزاع السوري. إيران تدعم الحكومة السورية عبر توفير الأسلحة والخبرات العسكرية، وقد يكون لديها أيضًا بعض التدخلات غير المباشرة في تسليح وتدريب بعض الفصائل. مع تصاعد استخدام تقنيات مثل الطائرات المسيّرة من قبل الفصائل المعارضة، من الممكن أن يكون هناك تعاون غير معلن بين جهات إقليمية تعمل على تقوية هذا النوع من الأسلحة في الصراع السوري، بهدف استنزاف الحكومة السورية ومؤسساتها العسكرية. هذا الدعم يسلط الضوء على الجوانب المعقدة لهذا الصراع، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية لتصعيد القتال في سوريا، مما يفاقم الأزمة ويؤدي إلى استدامة العنف.
الأبعاد الإنسانية: الضحية الأولى
قُتل وجرح مئات من المدنيين خلال هذه المعارك، مما يعكس الطبيعة الكارثية للتصعيد العسكري الجديد. يعيد هذا إلى الواجهة معاناة الشعب السوري، الذي يدفع ثمن الصراعات الإقليمية والدولية على أرضه. استمرار القتال يفاقم أزمة النزوح، ويعقّد جهود إعادة الإعمار التي تعاني أصلاً من غياب التمويل الدولي. إضافة إلى ذلك، تساهم الحروب المستمرة في تفاقم الأوضاع الإنسانية على نحو غير مسبوق، حيث يجد ملايين السوريين أنفسهم في دائرة مغلقة من العنف والفقر. العديد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء، يعانون من فقدان منازلهم وتعرضهم للاعتقالات أو القتل العشوائي في مناطق الصراع، في ظل غياب أي حماية دولية فعالة.
الأوضاع الصحية في المناطق المتأثرة بالصراع تشهد أيضًا تدهورًا ملحوظًا. المستشفيات والمنشآت الطبية أصبحت هدفًا لهجمات مستمرة، مما يزيد من معاناة المصابين ويحد من قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمتضررين. نقص المواد الطبية، خاصة في مناطق النزاع الحادة مثل إدلب وحلب، يؤدي إلى تفشي الأمراض وزيادة معدلات الوفاة بين المدنيين. في الوقت ذاته، يتفاقم الوضع النفسي للسكان، الذين يعانون من آثار الحرب الطويلة مثل الصدمات النفسية والقلق المزمن، وهو ما يجعل عملية التعافي أكثر صعوبة.
التسليح النوعي: تغيير قواعد اللعبة؟
أهم ما يميز هذه الجولة من القتال هو تسلح الفصائل بتقنيات متطورة، مثل الطائرات المسيّرة والأسلحة المتقدمة، وهو ما يشير إلى تحول نوعي في طبيعة الصراع السوري. هذا التغير في تكتيكات الحرب يحمل دلالات استراتيجية وعسكرية كبيرة، ويطرح تساؤلات حول المصادر التي تزود هذه الفصائل بالتكنولوجيا الحديثة، وكيف ينعكس هذا التحول على موازين القوى في الصراع المستمر.
أولًا: تحول في الدعم العسكري والتكنولوجي
التطور الملحوظ في تسليح الفصائل المسلحة يشير إلى تحول جذري في نوعية الدعم الذي تتلقاه هذه الفصائل. كان الدعم في مراحل سابقة يقتصر في أغلب الأحيان على الأموال والأسلحة التقليدية، مثل البنادق والمدافع الثقيلة. ولكن الآن، تقتني هذه الفصائل أسلحة متطورة تشمل الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي الحديثة، فضلاً عن التدريب المتخصص في تقنيات الحرب غير التقليدية. هذا التحول يشير إلى أن الفصائل المسلحة تتلقى تدريبًا نوعيًا عالي المستوى من قوى خارجية، قد تكون دولًا أو جهات داعمة تسعى لتحقيق أهداف معينة في سوريا. هذا الدعم التكنولوجي المتقدم يعكس التزامًا طويل الأمد من هذه الأطراف في تعزيز قدرات الفصائل السورية، مما يعيد رسم موازين القوى في الميدان.
ثانيًا: مرحلة جديدة من الصراع والتكنولوجيا العسكرية
يعد استخدام الطائرات المسيّرة والأسلحة المتقدمة تحولًا واضحًا في تكتيك الحرب السورية، إذ أن التكنولوجيا أصبحت سيدة الميدان. في الماضي، كان الصراع يعتمد بشكل كبير على الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والطائرات المقاتلة. أما اليوم، فإن الفصائل المسلحة أصبحت قادرة على شن هجمات دقيقة على أهداف حيوية، سواء كانت منشآت عسكرية أو نقاط تجمع للجيش السوري، باستخدام الطائرات المسيّرة. هذا التحول يُظهر كيف أن التكنولوجيا، التي كانت حكراً على الجيوش النظامية الكبيرة، أصبحت أداة حاسمة في الصراع بين فصائل مسلحة وجيوش نظامية. الطائرات المسيّرة تمنح هذه الفصائل القدرة على تنفيذ عمليات موجهة بشكل أكثر دقة وفعالية، مما يؤدي إلى إحداث ضغوط على القوات النظامية ويغير من طبيعة المعركة.
ثالثًا: تحديات جديدة للجيش السوري وحلفائه
التحول إلى استخدام الأسلحة المتقدمة يطرح تحديات كبيرة أمام الجيش السوري وحلفائه في مواجهة أساليب جديدة من الحرب غير التقليدية. فالجيش السوري، الذي كان يعتمد في صراعه على الأسلحة التقليدية واحتكار السيطرة الجوية، يواجه اليوم تهديدات جديدة من قبل طائرات مسيّرة قد تكون صغيرة الحجم وسهلة المناورة، مما يصعب رصدها أو تدميرها عبر الأنظمة الدفاعية التقليدية. في مواجهة هذا التهديد، سيضطر الجيش السوري إلى تطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة هذه الأسلحة المتطورة، بما في ذلك استخدام تقنيات الحرب الإلكترونية أو تطوير أنظمة دفاع جوي قادرة على مواجهة الطائرات المسيّرة. من جهة أخرى، قد يواجه حلفاء الحكومة السورية مثل روسيا وإيران تحديات مماثلة، حيث أن هذه التكنولوجيا تغير معايير التوازن العسكري في المنطقة بشكل غير مسبوق.
التداعيات المستقبلية
هذا التصعيد العسكري في سوريا يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات خطيرة قد تُشكل تهديدًا كبيرًا للمنطقة ولجهود الحل السياسي في المستقبل. من بين هذه السيناريوهات، تبرز ثلاث محاور رئيسية: تزايد التدخلات الدولية والإقليمية، التصعيد العسكري واسع النطاق، وتدهور الوضع الإنساني. لكن بالإضافة إلى هذه الأبعاد، لا يمكن تجاهل الأثر الذي سيترتب على تنامي الجماعات المتطرفة واحتمالات عودة تنظيم داعش إلى ساحة المعركة.
1. تزايد التدخلات الدولية والإقليمية:
من الواضح أن هذا التصعيد سيؤدي إلى تزايد التدخلات الدولية والإقليمية في الصراع السوري، مما يعقّد أكثر فرص الحل السياسي الذي يبدو بعيد المنال. تدخلات مثل هذه ستضع سوريا في قلب صراع مصالح إقليمية ودولية، حيث تتنافس القوى الكبرى على تحقيق أجنداتها الخاصة. على سبيل المثال، قد تتصاعد الضغوط على تركيا، التي تدعم فصائل المعارضة المسلحة، مما يؤدي إلى تدخل عسكري أكبر من جانبها في شمال سوريا. في المقابل، من المرجح أن يعزز حلفاء الحكومة السورية، مثل روسيا وإيران، من دعمهم للقوات النظامية، مما يزيد من تعقيد المعركة. هذا التدخل الدولي المستمر، الذي يفتقر إلى تنسيق حقيقي بين الأطراف المختلفة، يجعل الحل السياسي أكثر صعوبة ويؤدي إلى استمرار الجمود العسكري.
2. التصعيد العسكري واسع النطاق:
إذا قررت الحكومة السورية وحلفاؤها الرد بشكل مكثف على الهجمات الأخيرة، فإننا قد نشهد تصعيدًا عسكريًا واسع النطاق. في حال حدوث ذلك، قد يؤدي إلى خوض معارك ضخمة في مناطق جديدة من البلاد، مما يعمق الصراع ويزيد من تكاليفه البشرية والمادية. الرد العسكري السوري وحلفائه قد يشمل تنفيذ ضربات جوية مكثفة أو استخدام أسلحة متطورة ضد مواقع الفصائل المسلحة. مثل هذا التصعيد قد يؤدي إلى زيادة أعداد القتلى والجرحى، خصوصًا في المناطق التي تعاني من كثافة سكانية عالية، ما يساهم في مزيد من التشريد والنزوح. كما يمكن أن يؤجج ذلك مشاعر الكراهية والصراع الطائفي، وهو ما يفتح الباب أمام ظهور نزاعات طويلة الأمد.
3. تدهور الوضع الإنساني: من المتوقع أن يتدهور الوضع الإنساني بشكل ملحوظ مع تصاعد القتال. سيزداد عدد الضحايا، سواء كانوا من العسكريين أو المدنيين، وستشهد مناطق النزاع موجات جديدة من النازحين، خاصة من المدن الكبرى مثل حلب. مع استمرار الحصار والهجمات المكثفة، ستصبح حياة المدنيين أكثر صعوبة، وسيزداد الضغط على المنظمات الإنسانية التي تواجه أصلاً صعوبة في الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القتال المستمر. الوضع الصحي سيكون مهددًا كذلك، حيث ستغرق المستشفيات في معالجة المصابين، بينما ستزداد احتمالية تفشي الأمراض بسبب تدهور الظروف المعيشية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية.
4. تنامي جماعات التطرف وعودة داعش: أحد التداعيات الأكثر خطورة لهذا التصعيد هو الفرصة التي ستتاح للجماعات المتطرفة، مثل داعش، لإعادة تنظيم صفوفها والتمركز في مناطق جديدة من سوريا. لقد أثبتت الجماعات المتطرفة مرونتها في استغلال الفراغات الأمنية، خاصة في ظل الفوضى العسكرية والسياسية. عودة داعش، التي كانت قد تعرضت لعدة هزائم في السنوات الماضية، قد تصبح أكثر احتمالًا في ظل حالة التراجع الأمني والفوضى الحالية. الفصائل المسلحة التي تستخدم تقنيات متطورة قد تتقاطع في أهدافها مع داعش في بعض المناطق، مما يعزز من قدرة التنظيمات المتطرفة على استغلال هذه الفرص لتحقيق مكاسب ميدانية.
من المرجح أن تنشأ مناطق نائية أو جبلية يمكن أن تصبح ملاذات آمنة لعودة التنظيمات المتطرفة، وخاصة مع تزايد التدخلات العسكرية في المناطق الحضرية. جماعات مثل داعش قد تستفيد من الاضطرابات الحالية لتوسيع نفوذها، مما يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه في ذروة سيطرة داعش على أراض واسعة في سوريا والعراق. إذا استمرت هذه الجماعات في التوسع، فسيكون من الصعب على القوات السورية وحلفائها السيطرة على الوضع الأمني، مما يزيد من خطر عودة الإرهاب إلى المنطقة.
خلاصة
التصعيد الأخير في سوريا هو بمثابة تذكير بأن الصراع في هذا البلد لم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار. دخول تقنيات جديدة في المعارك يعكس تزايد التدخلات الخارجية، مما يجعل الحلول السياسية بعيدة المنال. على الإعلام أن يركز على الأبعاد الإنسانية والسياسية لهذا الصراع، بدلًا من تسليط الضوء على الجوانب العسكرية فقط. في النهاية، يبقى الشعب السوري الضحية الأكبر في لعبة المصالح الإقليمية والدولية.
1. تعقيد مسار الحل السياسي:
التصعيد الأخير في سوريا لا يُظهر فقط تفاقم المعركة العسكرية، بل يعكس أيضًا فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى حل سياسي يوقف النزاع المستمر منذ 13 عامًا. بينما تستمر التدخلات العسكرية من القوى الإقليمية والدولية، يبقى التوصل إلى تسوية سياسية بعيدًا عن المنال. هذا الصراع المركب الذي تتداخل فيه المصالح الخارجية، مثل الأهداف التركية والأمريكية والروسية، يجعل من الصعب على الأطراف الداخلية، بما فيها الحكومة السورية والمعارضة، أن يجدوا أرضية مشتركة يمكن من خلالها تحقيق السلام المستدام.
2. تعزيز دور الجماعات المتطرفة:
مع تنامي استخدام الأسلحة المتقدمة والتقنيات الجديدة من قبل الفصائل المسلحة، يتزايد خطر تمكين الجماعات المتطرفة من إعادة تنظيم صفوفها. إذا استمر هذا الاتجاه في التصعيد، فقد نشهد عودة داعش والجماعات الأخرى إلى ساحة الصراع، مستغلة الفراغات الأمنية التي خلفتها الفصائل المسلحة الأخرى. هذه الجماعات ستكون قادرة على استقطاب مزيد من المجندين، خاصة في المناطق التي تأثرت بالصراع بشكل كبير، مما يعزز من خطر الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم.
3. آثار النزاع على الشعب السوري:
في النهاية، يبقى الشعب السوري هو الضحية الكبرى لهذا الصراع الطويل. لا تُحصى أعداد الضحايا والنازحين، وتتفاقم معاناتهم مع كل جولة من المعارك. حتى مع تزايد تدفق المساعدات الإنسانية، تبقى الأزمة السورية واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يفتقر الشعب السوري إلى أبسط مقومات الحياة. إن استمرار الصراع وتزايد التدخلات العسكرية يجعل من الصعب تصور أي أفق للحل، مما يترك المدنيين في دائرة من الألم والدمار.