هجوم بلوشستان.. كيف يؤثر على العلاقات المتوترة بين باكستان والهند؟

الأربعاء 21/مايو/2025 - 08:13 م
طباعة هجوم بلوشستان.. كيف محمد شعت
 
في تصعيد جديد للتوترات بين باكستان والهند، أعلنت السلطات الباكستانية أن لديها "أدلة قاطعة" على تورط جهات مدعومة من نيودلهي في الهجوم الذي استهدف حافلة مدرسية في منطقة خوزدار بإقليم بلوشستان، وأسفر عن مقتل طفلين وإصابة أربعة آخرين. وجاء في بيان للجيش الباكستاني أن التحقيقات الاستخباراتية أظهرت أن التخطيط للعملية تم من قبل عناصر مرتبطة بأجهزة أمنية هندية.

يأتي هذا الاتهام في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين النوويين توترًا متصاعدًا على خلفية سلسلة من الحوادث الأمنية والاتهامات المتبادلة بدعم الإرهاب، خصوصًا في منطقتي كشمير وبلوشستان. فقد أعلن رئيس وزراء إقليم بلوشستان، سرفراز بوغتي، أن "مخابرات أجنبية" تقف وراء هذا الهجوم، مشيرًا إلى أن "العدو اختار أهدافًا سهلة كالأطفال بهدف خلق صدمة مجتمعية وإثارة البلبلة".

اتهامات متبادلة وتاريخ من التوتر

لم يكن اتهام باكستان للهند بدعم الإرهاب في حادث خوزدار معزولًا عن السياق الإقليمي المتوتر بين البلدين، بل يأتي في إطار تاريخ طويل من الاتهامات المتبادلة والتصعيدات المتكررة، خصوصًا في الأقاليم الحدودية ومناطق التماس مثل بلوشستان وكشمير.
فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت حدة الخطاب بين نيودلهي وإسلام آباد، خاصة مع تكرار استهداف المصالح الباكستانية في الداخل وتوجيه أصابع الاتهام إلى "وكلاء نيودلهي"، كما تصفهم الرواية الرسمية الباكستانية. ويبدو أن بلوشستان تحديدًا باتت تشكّل بؤرة توتر مفتوحة، إذ تتهم باكستان الهند بتمويل جماعات انفصالية في الإقليم الغني بالثروات والمضطرب أمنيًا منذ سنوات.
و تستند باكستان في اتهاماتها للهند إلى ملفات سابقة أبرزها قضية "كلبوشن يادهف"، الضابط في البحرية الهندية الذي اعتقلته المخابرات الباكستانية عام 2016 في إقليم بلوشستان، واعترف – بحسب تسجيلات رسمية باكستانية – بتنفيذ عمليات تجسس وتخريب داخل البلاد لصالح وكالة الاستخبارات الهندية (RAW).

كما تُرجع باكستان سلسلة من الهجمات التي استهدفت قطاعات أمنية ومدنية إلى شبكات تموّلها الهند، على غرار هجوم نوشكي عام 2022 الذي تبنّته جماعة انفصالية، وتتهم المخابرات الباكستانية نيودلهي بتمويلها وتوفير المأوى لقادتها داخل أفغانستان المجاورة.

هذه الرواية تعززها تصريحات المسؤولين الباكستانيين المتكررة حول وجود "ممر دعم هندي-أفغاني" لإثارة الاضطرابات داخل حدودها، وهي التصريحات التي تتصاعد كلما ارتفع منسوب العنف في الأقاليم الساخنة.

نشاط الانفصاليين في بلوشستان

تعيش بلوشستان منذ عقود حالة من عدم الاستقرار، تغذيها مطالب انفصالية وشكاوى من التهميش الاقتصادي والسياسي. وتتهم إسلام آباد نيودلهي بالعمل على استغلال هذا الواقع من خلال دعم جماعات مثل "جيش تحرير بلوشستان" و"جيش بلوشستان الجمهوري". وتؤكد باكستان أن هذه الجماعات تتلقى تمويلاً وتدريبًا من الخارج، وأن لها قواعد دعم لوجستي داخل أفغانستان، في إشارة ضمنية إلى تواطؤ أطراف دولية وإقليمية في زعزعة الاستقرار.

ومن اللافت أن الهجمات التي تستهدف مواقع للجيش الباكستاني ومشروعات اقتصادية كبرى، مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، كثيرًا ما تتزامن مع توترات إقليمية، ما يعزز رواية إسلام آباد بأن هذه الأعمال ليست داخلية الطابع فحسب، بل ترتبط أيضًا بصراع النفوذ في جنوب آسيا.

ورغم أن بلوشستان لطالما كانت هدفًا لهجمات دامية تبنّتها مجموعات انفصالية مثل "جيش تحرير بلوشستان"، إلا أن استهداف حافلة مدرسية مليئة بالأطفال يشير إلى نوعية مختلفة من الهجمات تتسم برمزية دموية عالية، ما قد يُنظر إليه كتصعيد متعمّد لخلط الأوراق وفرض ضغوط نفسية وسياسية على الدولة الباكستانية.

وتأتي تصريحات رئيس وزراء الإقليم سرفراز بوغتي حول "معلومات استخبارية مؤكدة" عن الهجوم، وإشارته إلى أن "العدو اختار أهدافًا سهلة كالأطفال" تعزز من سردية الدولة بأن الحادثة ليست عملاً منفردًا أو عشوائيًا، بل جزء من استراتيجية ممنهجة تستهدف استقرار الإقليم، وأن نيودلهي تقف خلفها، وفقاً للبيانات العسكرية الرسمية.



كشمير... جذور الصراع

وإذا كان إقليم بلوشستان يمثل عقدة داخلية أمنية لباكستان، فإن كشمير تشكّل بعدًا أكثر تعقيدًا في التوتر مع الهند، بحكم النزاع التاريخي على الإقليم منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. وفي الأشهر الأخيرة، شهدت المناطق المتنازع عليها في كشمير تصعيدًا لافتًا في العمليات المسلحة ضد الجيش الهندي، وهو ما دفع نيودلهي إلى اتهام باكستان بتسهيل عبور المقاتلين، فيما ردت إسلام آباد باتهام الهند بارتكاب "جرائم إبادة ضد المسلمين في كشمير".

الخطاب المتبادل في هذا السياق يفتقد في الغالب لمرونة الدبلوماسية، إذ باتت تصريحات المسؤولين في كلا البلدين تتسم بالحدة، مما أضعف فاعلية المسارات التفاوضية مثل اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعيد تفعيله مطلع عام 2021، لكنه ظل هشًا وتعرض للخرق أكثر من مرة، لا سيما في الربع الأخير من عام 2024.

وتشير تقارير أمنية باكستانية إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تصاعدًا في "الأنشطة العدائية الهندية"، شملت تكثيف المراقبة العسكرية على خط السيطرة، وزيادة الحملات الأمنية في وادي كشمير، ما أدى إلى توترات يومية على الحدود، فضلًا عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.

ولا يمكن عزل هذا التصعيد عن الاستخدام السياسي الداخلي. في باكستان، يأتي توجيه الاتهام للهند دائمًا في توقيتات متزامنة مع أزمات داخلية أمنية أو سياسية، ما يجعل من "العامل الهندي" ورقة تعبئة داخلية وربما محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية حول خطاب قومي.

من جهتها، تعتبر الهند هذه الاتهامات جزءًا من "دعاية باكستانية" تهدف لصرف الأنظار عن مشاكلها الأمنية في المناطق القبلية أو في بلوشستان. ويُلاحظ أن الخطاب الهندي الرسمي في الرد على اتهامات خوزدار اتسم بالتجاهل وعدم التعليق المباشر حتى لحظة إعداد التقرير، وهي عادة هندية مألوفة في التعامل مع اتهامات مشابهة.

وتلتزم القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا موقف الحذر من التصعيد الهندي-الباكستاني، لكنها تراقب الوضع عن كثب. فواشنطن، رغم شراكتها المتزايدة مع نيودلهي، لا تزال تحث الطرفين على ضبط النفس، خاصة في ظل حساسيات الملف النووي. بينما تُفضل بكين التركيز على حماية مصالحها الاقتصادية في باكستان، خاصة عبر مشروع الممر الاقتصادي.

أما الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، فتبنت دور الوسيط أحيانًا، كما فعلت أبوظبي في فترات سابقة للتقريب بين الطرفين، لكن التصعيد المتكرر يعقد أي جهود وساطة دائمة.

تحولات في مشاهد العنف

تمثل حادثة خوزدار تحولًا مهمًا في مشهد العنف في باكستان من حيث الهدف والرمزية والتوقيت، واتهام الهند قد يكون له تبعات دبلوماسية وأمنية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية المتوترة أصلًا، أو على مستوى العلاقة مع أفغانستان التي تم ذكرها بشكل غير مباشر في تصريحات المسؤولين الباكستانيين.

ويثير التصعيد الحالي من جانب باكستان إلى إثارة تساؤلات بشأن هل ستكتفي باكستان بهذه الإدانة والتصعيد الإعلامي، أم أن المرحلة المقبلة ستشهد خطوات أمنية أو حتى عمليات عبر الحدود تستهدف ما تقول إسلام آباد إنها "مراكز تدريب ودعم للمسلحين" على الأراضي الأفغانية أو في الهند نفسها؟.

فوي ظل غياب قنوات تواصل فعالة بين الجانبين، واستمرار التصعيد على الأرض، فإن المنطقة تبدو على عتبة توتر جديد قابل للاشتعال في أي لحظة، خاصة إذا تكررت هجمات مثل خوزدار التي قد تدفع الشارع الباكستاني للمطالبة برد أكثر حدة، وتفتح الباب أمام موجات عنف وردود فعل متبادلة لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

شارك