شبكات داعش العابرة للصحراء: تصاعد المخاطر الأمنية في أفريقيا وأوروبا
الخميس 22/مايو/2025 - 12:24 ص
طباعة

ينشط تنظيم داعش في غرب أفريقيا (ISWAP) في شمال شرق نيجيريا، حيث شن منذ مارس 2025 سلسلة من الهجمات المكثفة التي تمثل تصعيدًا غير مسبوق في قدرتها العملياتية. تركزت الهجمات في مناطق استراتيجية مثل غابات ألاغارنو وسامبيسا وجبال ماندارا، ووصلت مؤخرًا إلى مناطق قريبة من حوض بحيرة تشاد. يأتي هذا التصعيد في ظل استغلال الجماعة لفترة ما قبل موسم الأمطار، التي تشكل فرصة حيوية لمهاجمة القوات النيجيرية والقوات الإقليمية قبل أن تضطر إلى تقليص نشاطها خلال موسم الأمطار الممتد من يونيو إلى أكتوبر.
في الوقت نفسه، يواجه تنظيم داعش في غرب أفريقيا تحديات كبيرة في التعامل مع استراتيجية الحكومة النيجيرية المعروفة بـ"المعسكر العملاق"، التي تتركز حول حماية المراكز السكانية الكبرى، متخليةً عن السيطرة الكاملة على المناطق الريفية. ورغم هذه الاستراتيجية، تمكن التنظيم من تنفيذ هجمات نوعية تستهدف طرق الإمداد والجسور، إضافة إلى مهاجمة القرى المعاد توطين سكانها، في محاولة لإرباك التحركات العسكرية وتقويض جهود الأمن.
على الصعيد الإقليمي، يعاني التعاون بين دول حوض بحيرة تشاد من توترات متزايدة، مع انسحاب النيجر في مارس 2025 وتهديد تشاد بالانسحاب، ما يضعف من فعالية قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات المكلفة بمكافحة الإرهاب. وفي ظل هذه الأوضاع، يوسع تنظيم داعش شبكته العالمية ويعمل على تعزيز قدراته في غرب أفريقيا، مستفيدًا من مكاتب إقليمية متخصصة في التنسيق ودعم الخلايا المسلحة، مع تركيز متزايد على التخطيط لهجمات خارج المنطقة ودعم حركة المقاتلين الأجانب.
على الحدود بين النيجر ونيجيريا، أعلنت ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش (ISSP) عن أول هجوم رسمي في مايو 2025، ما يشير إلى تصعيد خطير في نشاط التنظيم بالمنطقة. ويعكس هذا الهجوم تفعيلًا لشبكة "لاكوراوا" التي كانت سابقًا تعمل كشبكة دعم، لكنها تحولت إلى قوة هجومية فعلية، وسط زيادة ضغوط مكافحة الإرهاب التي دفعت التنظيم إلى الإعلان العلني عن نشاطاته. وتأتي هذه التحركات ضمن نمط متكرر في استجابة الجماعات الجهادية لعمليات مكافحة التمرد عبر إعادة تنظيم نفسها وتكثيف عملياتها في مواجهة التحديات الأمنية.
تكتيكات جديدة لتنظيم داعش في شمال شرق نيجيريا
شن تنظيم داعش في غرب أفريقيا (ISWAP) 12 هجومًا على مواقع أمنية نيجيرية في شمال شرق البلاد منذ بداية مارس، مسجلاً بذلك أنجح عملياته منذ سنوات. وقد بدا أن الجماعة وضعت جدول حملتها ليتزامن مع شهر رمضان، حيث نفذت خمس هجمات خلال مارس، ثم استمرت في تنفيذ عملياتها بعد ذلك، بمهاجمة القوات النيجيرية أربع مرات في أبريل وثلاث مرات حتى الآن في مايو. وتمتد هجماتها عبر منطقة عملياتها في شمال شرق نيجيريا، مع تركيز في مارس على غابة ألاغارنو، وفي أبريل على غابة سامبيسا وجبال ماندارا، بينما اقتربت في مايو من حوض بحيرة تشاد.
من المتوقع أن تبلغ حملة تنظيم داعش في غرب أفريقيا ذروتها خلال الأسابيع المقبلة مع بداية موسم الأمطار الذي يمتد من يونيو إلى أكتوبر في حوض بحيرة تشاد. وتغطي الأمطار مناطق دعم المتمردين في حوض بحيرة تشاد والغابات الواقعة في شمال شرق نيجيريا، مما يجبرهم على التنقل وتقليل نشاطهم العسكري. عادةً ما تستغل القوات النيجيرية والقوات الإقليمية فترة الربيع لزيادة عملياتها العسكرية، ضمن استراتيجية تُعرف بـ"جز العشب"، التي تستهدف مناطق دعم المتمردين لتقويضها مؤقتًا، لكنها لا تحافظ على الضغط الكافي لهزيمة الجماعات المسلحة بشكل دائم، مما يتيح لهم العودة وإعادة البناء. وفي أوائل مايو، زار رئيس أركان الجيش النيجيري المنطقة لتعزيز العمليات.
تزايد تهديد تنظيم داعش وتحديات التعاون الإقليمي في بحيرة تشاد
تُظهر الهجمات الأخيرة لتنظيم داعش في غرب أفريقيا (ISWAP) مدى تمكنه من التكيف مع استراتيجية الحكومة النيجيرية المعروفة بـ"المعسكر العملاق" التي أُطلقت عام 2019، حيث يركز الجيش في مواقع محصنة بالمراكز السكانية، متنازلاً عن مساحات واسعة في المناطق الريفية للمتمردين. وقد نجح التنظيم في عام 2025 بشن غارات ليلية استهدفت الجسور والطرق بين هذه المعسكرات، بالإضافة إلى مهاجمة القرى المعاد توطين سكانها بالقرب من هذه القواعد، ما يعرقل وصول التعزيزات العسكرية ويضعف من فعالية الاستراتيجية الأمنية.
تعزز قوة تنظيم داعش مع تراجع التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب داخل منطقة حوض بحيرة تشاد. استولى المسلحون على أسلحة وذخيرة من قواعد محلية قبل إحراقها، مما ساهم في تقوية ترسانتهم عبر غرب أفريقيا. في أواخر 2024، بدأ التنظيم باستخدام طائرات بدون طيار لإسقاط المتفجرات، تكتيك متزايد الانتشار في المنطقة. أعلن التنظيم أنه تجاوز استراتيجية المعسكر العملاق بعد هجوم كبير في يناير 2025، مع تهديده بالتركيز على الاستيلاء على المراكز السكانية الرئيسية قريباً. من جانبه، تواجه قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) – التي تضم الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا وبنين – تحديات كبيرة، من بينها انسحاب النيجر في مارس 2025 وتهديد تشاد بالانسحاب في 2024، ما يعكس ضعف التنسيق والتمويل داخل القوة. رغم ذلك، تواصل القوة تنفيذ عمليات "جز العشب" التي ساهمت في احتواء التمرد وتقليل هجماته، مما أتاح عودة بعض اللاجئين واستقرار بعض المناطق.
تنظيم داعش في غرب أفريقيا يعزز شبكته العالمية ويخطط لهجمات خارجية
يشهد تنظيم داعش في غرب أفريقيا (ISWAP) تعزيزًا كبيرًا لوحدة عملياته، ما يوسع شبكته العالمية، خصوصًا في غرب أفريقيا، مع تركيز على التخطيط لهجمات خارج المنطقة. ينقل التنظيم التوجيهات والموارد عبر مديرية عامة للمحافظات، التي تمتلك مكاتب إقليمية تسهّل تنسيق العمليات على المستوى الإقليمي. ويُعد مكتب غرب أفريقيا، المعروف بمكتب الفرقان، من أبرز هذه المكاتب، حيث يشرف على ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش (ISSP) وتنظيم داعش في غرب أفريقيا، ما يمنح ولاية الساحل موارد إضافية ومساحة أوسع لدعم نشاطات التنظيم العالمي.
وأبدى تنظيم داعش نية واضحة في استخدام شبكاته العابرة للصحراء لدعم خلايا هجومية في شمال أفريقيا وأوروبا، إضافة إلى دعم حركة المقاتلين الأجانب. ففي فبراير 2025، أعلنت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب عن جهود مكثفة من تنظيم داعش في ولاية البليدة لتجنيد وتسليح متعاطفين بغرض تنفيذ هجمات داخل المغرب. وقد أحبطت الشرطة المغربية خليتين هجوميتين في يناير وفبراير 2025، استخدمت إحداهما مخبأً للأسلحة في منطقة نائية على الحدود المغربية الجزائرية بالصحراء الكبرى. وأفادت الأمم المتحدة في يوليو 2023 بأن مجندي داعش في منطقة الساحل أنشأوا ممرات عبور بين جنوب أوروبا ومنطقة الساحل، وأسسوا خلية هجومية فاشلة تعمل من المغرب وإسبانيا. كما عطلت قوات الأمن المغربية عدة خلايا كانت تسهل سفر المقاتلين الأجانب إلى ولايات الساحل والصحراء بين أكتوبر 2023 وفبراير 2024، حيث يُعرف المقاتلون الأجانب بتشددهم الإيديولوجي ونواياهم في تنفيذ هجمات خارجية بعد العودة إلى بلدانهم.
تنظيم داعش في ولاية الساحل ينفذ أول هجوم رسمي على الحدود النيجرية النيجيرية
أعلن تنظيم داعش في ولاية الساحل (ISSP) عن أول هجوم رسمي له على طول الحافة الغربية للحدود بين النيجر ونيجيريا، حيث شنت جماعته هجومًا على عدة مواقع في منطقة دوسو جنوب غرب النيجر في 4 مايو. أسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن 10 جنود وفقًا لتقارير أولية، فيما تشير بعض الروايات إلى سقوط نحو 37 جنديًا. أعلنت الجماعة عن مسؤوليتها رسميًا في 8 مايو، مسجلة بذلك أول ادعاء نشاط رسمي في هذه المنطقة الحساسة.
يُذكر أن المقاتلين المرتبطين بتنظيم داعش في ولاية الساحل والمعروفين محليًا باسم "لاكوراوا" كانوا نشطين في هذه المنطقة وعبر الحدود إلى شمال غرب نيجيريا منذ عام 2018، لكن ISSP لم يكن قد أعلن رسميًا عن نشاطهم من قبل. كانت "لاكوراوا" تعمل في السابق كشبكة دعم لتنظيم داعش، لكن تغير أنماط الهجوم في 2025 والمطالبة الجديدة للولاية تشير إلى تنشيطها المباشر. وأظهرت بيانات عام 2024 أن مسلحي تنظيم داعش في جنوب السودان استخدموا منطقة الحدود بين دوسو وتاهوا وتيلابيري في النيجر وصولًا إلى نيجيريا كمنطقة دعم وممر إمداد، وهو ما يعكس دور خلايا الدعم كجسر بين تنظيم داعش في جنوب السودان وولاية غرب أفريقيا التابعة للتنظيم في حوض بحيرة تشاد. وفي حين كانت العمليات محدودة في السنوات الماضية، تعكس بيانات 2025 تصاعدًا ملحوظًا في عدد الهجمات، مما يشير إلى تصعيد خطير في نشاط التنظيم في النيجر هذا العام.
تفعيل تنظيم داعش لشبكات الدعم كرد فعل لضغوط مكافحة الإرهاب
يبدو أن تنظيم داعش يعيد تفعيل مناطق الدعم التابعة له، لا سيما شبكة "لاكوراوا"، ردًا على تصاعد ضغوط مكافحة الإرهاب من قبل القوات الأمنية في نيجيريا والنيجر. في ديسمبر 2024، أطلقت نيجيريا حملة عسكرية مكثفة استهدفت لاكوراوا، عقب تحذيرات إعلامية في نوفمبر من تسلل الجماعة المتزايد. واصلت القوات النيجيرية عملياتها خلال 2025، وإن كانت بوتيرة أبطأ مقارنة بالعام السابق، مع تكثيف خاص للعمليات في منطقة دوسو مقارنة بعام 2024 بأكمله.
عادة ما تتجنب الجماعات السلفية الجهادية، بما فيها تنظيم داعش، تنفيذ هجمات أو الإعلان عن نشاطاتها علنًا لتجنب إثارة ضغوط مكافحة الإرهاب، إلا أن تصاعد هذه الضغوط على لاكوراوا أجهض هذه الاستراتيجية منخفضة المستوى، مما دفع التنظيم إلى تفعيل هذه المجموعة الفرعية واعترافه العلني بها. في سياق مشابه، شهد عام 2022 نشاطًا لخلايا دعم تابعة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في بنين وتوغو، بعد أن واجهت الجماعة نفسها ضغوطًا أمنية مكثفة، ما يعكس نمطًا متكررًا في استجابة الجماعات الجهادية لعمليات مكافحة التمرد.
اثر هجمات تنظيم داعش على غرب افريقيا
تُشكل الهجمات المتكررة لتنظيم داعش في شمال شرق نيجيريا تهديدًا كبيرًا للأمن والاستقرار المحليين، حيث أدت إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين والعسكريين وتدمير البنية التحتية الحيوية، مثل الجسور والطرق. هذا التدهور الأمني يفاقم معاناة السكان المحليين الذين يعانون بالفعل من الفقر والتهجير القسري، ما يخلق بيئة خصبة لتجنيد الجماعات المسلحة واستقطاب عناصر جديدة من الشباب المحبطين والمهمشين. علاوة على ذلك، يؤدي استمرار العنف إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية والزراعية في المنطقة، ما يزيد من هشاشة المجتمع المدني.
إقليميًا، تعكس تصاعد هجمات داعش في غرب أفريقيا ضعف التنسيق الأمني بين دول حوض بحيرة تشاد، لا سيما مع انسحاب النيجر وتهديد تشاد بالانسحاب من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات. هذا التراجع في التعاون يتيح للمسلحين استغلال الحدود المفتوحة والطرق الوعرة للتنقل والإمداد، مما يزيد من صعوبة مكافحة التنظيم عسكريًا. كما أن تفاقم العنف يفاقم أزمة اللاجئين والمشردين، ويهدد استقرار دول الجوار، ويزيد من التوترات السياسية والاقتصادية في المنطقة.
على الصعيد الاستراتيجي، تكشف الهجمات عن قدرة تنظيم داعش على التكيف مع استراتيجيات الحكومة النيجيرية، حيث نجح في استهداف نقاط ضعفها مثل المعسكرات المحصنة والتجمعات السكانية، ما يعكس تطورًا في التكتيكات العسكرية والتخطيط العملياتي. هذا التطور يبرز أهمية إعادة تقييم الاستراتيجيات الأمنية الإقليمية وتحسين قدرات المخابرات والتعاون العسكري بين الدول لمواجهة التهديد المتصاعد، بالإضافة إلى ضرورة تبني مقاربات شاملة تشمل التنمية الاجتماعية والاقتصادية لتقليل دعم السكان المحليين للجماعات المسلحة.
على المستوى الدولي، يمثل تعزيز تنظيم داعش لشبكته في غرب أفريقيا وتوسيع عملياته إلى خارج المنطقة، عبر استغلال ممرات التهريب والاتصالات العابرة للصحراء، مؤشراً خطيراً على تنامي تهديد الإرهاب العالمي. إذ يُمكن أن تؤدي هذه الشبكات إلى تصدير العنف إلى شمال أفريقيا وأوروبا، عبر خلايا نائمة ومقاتلين أجانب، ما يعقد جهود مكافحة الإرهاب ويزيد من خطر تنفيذ هجمات إرهابية على الصعيد الدولي، ويستلزم تنسيقاً دولياً أوسع في مجال الاستخبارات ومراقبة الحدود وتأمين المنافذ.
الاعتراف الرسمي لتنظيم داعش في ولاية الساحل بنشاطه في الحدود بين النيجر ونيجيريا يعكس تصعيدًا واضحًا في استراتيجية التنظيم للسيطرة على مناطق حدودية حساسة، وتحويلها إلى معابر آمنة وحقول للعمليات الإرهابية. هذا التطور يعزز من قدرة التنظيم على الحركة والتمدد، مما يستدعي من دول المنطقة تعزيز الرقابة على الحدود، وتطوير آليات مراقبة ذكية، والتعاون مع المجتمع الدولي لتقليص مساحات التحرك للمسلحين، إضافة إلى الاهتمام بإعادة بناء المجتمعات المحلية التي تتضرر من هذا العنف.
أخيرًا، فإن إعادة تفعيل تنظيم داعش لشبكات الدعم المحلية، كرد فعل على الضغوط الأمنية، تعكس المرونة العالية والقدرة التنظيمية المتطورة لهذه الجماعات في مواجهة الحملات العسكرية. وهذا يشير إلى أن الحل الأمني وحده لن يكون كافياً للقضاء على الإرهاب، بل يتطلب تضافر جهود متعددة الأبعاد تشمل بناء قدرات المجتمعات، تعزيز التنمية الاقتصادية، ومحاربة الفكر المتطرف، إلى جانب دعم التعاون الإقليمي والدولي للحفاظ على الأمن والاستقرار في غرب أفريقيا والمنطقة ككل.
تكتيكات داعش وإمكانية تطور المشهد الأمني:
تُبرز الهجمات المتصاعدة لتنظيم داعش في شمال شرق نيجيريا وأقاليم غرب أفريقيا عمق التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، حيث أثبت التنظيم مرونة عالية وقدرة على التكيف مع الاستراتيجيات العسكرية المعتمدة من الحكومات. هذا الواقع يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في منهجيات مكافحة الإرهاب بما يتجاوز الجانب العسكري ليشمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية تسهم في تجفيف منابع التطرف والعنف.
من المتوقع أن تشهد المنطقة تصعيداً في العمليات الإرهابية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع بدء موسم الأمطار الذي قد يتيح للتنظيم استغلال تضاريس المنطقة للتمدد والتخفي. هذا يستوجب من الدول المعنية زيادة التنسيق وتبادل المعلومات بشكل عاجل، فضلاً عن توحيد الجهود العسكرية والأمنية لمواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها هذه الجماعات المسلحة، بما في ذلك استخدام التقنيات الحديثة كالمراقبة الجوية والطائرات بدون طيار.
على المستوى الإقليمي، فإن تراجع التعاون بين دول حوض بحيرة تشاد يشكل تهديدًا خطيرًا يستوجب حوارًا جديًا لإعادة بناء الثقة وتعزيز الشراكات الأمنية، بما يشمل تأمين الحدود وتطوير استراتيجيات مشتركة للتصدي للتمرد. كما أن دعم مبادرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية يعد ركيزة أساسية لخلق بيئات بديلة تمنع الجماعات المتطرفة من الاستفادة من الفراغات الأمنية والاجتماعية.
دوليًا، يشكل توسع تنظيم داعش في غرب أفريقيا وربطه بشبكات عالمية تهديدًا واضحًا للأمن الدولي، ويؤكد الحاجة إلى تعاون أوسع في مجال الاستخبارات ومكافحة تمويل الإرهاب ومراقبة تدفقات الأسلحة والمقاتلين. ينبغي أن يكون هناك تكامل بين الجهود الإقليمية والدولية من أجل مواجهة هذا التحدي المتشعب، مع التركيز على قطع روابط التنظيم في المراكز الحضرية وممرات التهريب العابرة للقارات.
رؤية مستقبلية تستدعي تبني استراتيجيات شاملة تراعي خصوصية كل منطقة من حيث السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي، مع إدخال أدوات تنموية تعليمية وثقافية لتعزيز مقاومة الأفكار المتطرفة، فضلاً عن دعم المجتمعات المحلية في بناء قدراتها على الصمود. إن تمكين الشباب والنساء اقتصاديًا واجتماعيًا هو مفتاح للتصدي لانجرافهم نحو التطرف، وهو ما يجب أن يشكل محورًا في أي خطة مستقبلية.
في الختام، يبقى أمن غرب أفريقيا ركيزة أساسية للأمن الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن التعامل مع تهديدات تنظيم داعش يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستثمارًا مستدامًا في التنمية، وتعاونًا محكمًا بين الحكومات والمنظمات الدولية. فقط من خلال هذا التكامل والتنسيق يمكن تحقيق استقرار طويل الأمد، يقطع الطريق أمام تمدد الإرهاب ويعزز السلام والتنمية في المنطقة والعالم.