الهزارة تحت حكم طالبان.. إدانات متصاعدة واعتراف عالمي بالاضطهاد

الإثنين 29/سبتمبر/2025 - 08:36 م
طباعة الهزارة تحت حكم طالبان.. محمد شعت
 

في مناسبة تحظى بقدر كبير من الرمزية السياسية والحقوقية، وقف نائب رئيس مجلس العموم الكندي توم كاماج ليؤكد أن معاناة الهزارة في أفغانستان لم تنتهِ رغم مرور أكثر من 130 عامًا على المذبحة التي ارتكبها الأمير عبد الرحمن خان بحقهم. ففي رسالة بمناسبة "يوم ذكرى الإبادة الجماعية للهزارة"، شدد على أن ما تعرض له هذا الشعب من قتل وتهجير قسري لا يزال حاضرًا في ذاكرة التاريخ وفي واقعهم اليومي، حيث يواجهون مضايقات وعنفًا مستهدفًا في ظل حكم طالبان.

 وجاءت هذه الرسالة متزامنة مع تقرير أعدته لجنة العلاقات الخارجية والتنمية الدولية في البرلمان الكندي، الذي أوصى بتخصيص يوم 25 سبتمبر من كل عام لإحياء ذكرى المذبحة التي بدأت عام 1891 وأسفرت عن مقتل وتهجير أكثر من نصف سكان الهزارة. التقرير البرلماني أشار أيضًا إلى أن ما يتعرض له الهزارة حاليًا من هجمات متكررة وتهميش وإقصاء قد يرقى إلى "إبادة جماعية منهجية"، ما يجعل معاناتهم الممتدة من الماضي إلى الحاضر قضية إنسانية تستدعي اهتمامًا عالميًا عاجلًا.

 والهزارة هم إحدى القوميات الكبرى في أفغانستان، ويُقدر عددهم بما يتراوح بين 10 إلى 20% من السكان. يتحدثون لهجة فارسية تعرف بـ"الهزاريّة"، ويدين معظمهم بالمذهب الشيعي الاثني عشري، وهو ما جعلهم على مر العقود عرضة للتمييز والاضطهاد في مجتمع تغلب عليه الانقسامات العرقية والدينية. يُعرف الهزارة بملامحهم المغولية المميزة، إذ يرجع أصلهم إلى تمازج سكان المنطقة مع بقايا جنود المغول الذين اجتاحوا آسيا الوسطى في القرن الثالث عشر.

 ورغم أن الهزارة لعبوا دورًا محوريًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأفغانستان، حيث عملوا بالزراعة والتجارة والحرف، فإنهم ظلوا مهمشين سياسيًا وموصومين بالاختلاف الديني والمذهبي. هذا المزيج من العرقية والمذهب جعلهم على مدار أكثر من قرن هدفًا للتمييز الممنهج والاعتداءات المتكررة، بدءًا من مذابح القرن التاسع عشر وصولًا إلى الممارسات الحالية تحت حكم طالبان.

 

جذور المأساة

 

تعود مأساة الهزارة إلى أواخر القرن التاسع عشر حين أصدر الأمير عبد الرحمن خان، الذي حكم أفغانستان بين عامي 1880 و1901، أوامره بقتل وتهجير الهزارة قسرًا. في الخامس والعشرين من سبتمبر 1891 بدأت واحدة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ البلاد، حيث أُحرقت قرى بأكملها وقُتل عشرات الآلاف، فيما نُزح مئات الآلاف الآخرين. ووفق شهادات نقلها تقرير البرلمان الكندي، فإن ما يقارب 62% من سكان الهزارة تعرضوا للمجزرة، فيما أُبيد سكان ولاية أوروزغان منهم بالكامل تقريبًا. 

لم يقتصر الأمر على القتل والتهجير، بل شمل مصادرة أراضي الهزارة وتحويل من تبقى منهم إلى عبيد يعملون لصالح القبائل الأخرى الموالية للحاكم. هذه الممارسات لم تكن عشوائية بل اعتمدت على فتاوى دينية صدرت آنذاك تكفّر الهزارة وتجيز استباحة دمائهم وأموالهم، وهو ما اعتبره شهود العيان أدلة واضحة على "نية التدمير" التي تُعد جوهر جريمة الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.

 

وقد شكلت هذه الإبادة نقطة تحول في تاريخ الهزارة، إذ كرّست تهميشهم وأضعفت مكانتهم داخل المجتمع الأفغاني. وبحسب باحثين وأكاديميين قدموا شهاداتهم أمام اللجنة البرلمانية الكندية، فإن صمت المجتمع الدولي على تلك الجرائم آنذاك أتاح استمرار حلقات الاضطهاد اللاحقة، ورسخ في أذهان النخب الحاكمة في أفغانستان أن الهزارة مجموعة يمكن التنكيل بها دون تبعات. هذه الذاكرة الدموية لم تندمل حتى اليوم، بل بقيت حاضرة في وجدان الأجيال المتعاقبة من الهزارة، الذين ينظرون إلى أنفسهم كضحايا تاريخ طويل من التمييز والاقتلاع.

 

استمرار الاضطهاد

 

مع عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، دخل الهزارة مرحلة جديدة من المعاناة. فرغم الوعود التي قدمتها الحركة بإدارة شاملة لا تميز بين المكونات العرقية والمذهبية، فإن الواقع سرعان ما كشف عن استمرار استهداف الهزارة بشكل ممنهج. فقد شهدت مناطقهم موجات متكررة من الهجمات التي استهدفت مساجدهم ومراكزهم التعليمية وأحيائهم السكنية. من أبرز هذه الهجمات التفجير الذي ضرب مركز "كاج" التعليمي في كابول، والذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الطلاب، معظمهم من الفتيات الهزارة، إلى جانب الهجمات على مسجد الإمام زمان في بغلان ونادي ملت الرياضي في العاصمة.

 

التقرير الكندي أشار إلى أن مئات الهزارة قتلوا خلال العامين الماضيين، فيما اضطر الآلاف إلى النزوح الداخلي بسبب التهديدات أو القتل خارج نطاق القانون. كما تقلصت مشاركة الهزارة في أجهزة الدولة بشكل كبير، إذ جرى إقصاء موظفيهم من المناصب الحكومية، وتعرضوا لحملة تهميش ممنهجة. النساء الهزاريات يواجهن معاناة مضاعفة، فإلى جانب القيود العامة المفروضة على النساء في ظل حكم طالبان، يُستهدف بعضهن على وجه الخصوص بسبب انتمائهن الطائفي، ما جعل حياتهن أكثر عرضة للخطر.

 

إلى جانب ذلك، لفت التقرير إلى أن الهزارة كانوا يحصلون على قدر أقل من المساعدات الإنسانية الدولية خلال السنوات الأخيرة، وأن طالبان مارست ضغوطًا على المؤسسات المانحة لتحويل المساعدات بعيدًا عن مناطق الهزارة إلى ولايات أخرى أكثر ولاء لها. هذا الحرمان المزدوج من الأمن والمساعدات فاقم الأوضاع المعيشية الصعبة، ودفع الكثير من الهزارة إلى التفكير في الهجرة أو طلب اللجوء إلى الخارج. كما أوصى شهود العيان بضرورة اعتبارهم "مجموعة معرضة للخطر" في سياسات الهجرة الدولية، لحمايتهم من الاستهداف المستمر.

 

إدانات ودعوات دولية

 

في مواجهة هذا الواقع القاتم، برزت أصوات دولية تسعى إلى إعادة تسليط الضوء على معاناة الهزارة. فقد أصدرت لجنة العلاقات الخارجية والتنمية الدولية في البرلمان الكندي تقريرًا مطولًا وصف اضطهاد الهزارة عبر التاريخ بأنه يرقى إلى "إبادة جماعية"، وأوصت باعتماد يوم 25 سبتمبر يومًا لإحياء ذكرى تلك المذابح. نائب رئيس مجلس العموم الكندي أكد في رسالته أن "الهزارة لم يُنسوا"، في إشارة إلى ضرورة حفظ الذاكرة ومساندة الناجين والضحايا. كما دعا التقرير إلى كسر الصمت الدولي، وتوثيق الانتهاكات الجارية بعد عودة طالبان، وتقديم الدعم القانوني والسياسي لضمان حماية الهزارة في الداخل والخارج.

 

إلى جانب كندا، أبدت منظمات حقوقية دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" قلقها من التصعيد ضد الهزارة، مطالبة بفتح تحقيقات مستقلة في الجرائم المرتكبة ضدهم، ومعتبرة أن صمت المجتمع الدولي يشكل تواطؤًا غير مباشر. كما ناشدت شخصيات أممية بضرورة إدراج قضية الهزارة ضمن أولويات مجلس حقوق الإنسان، والتعامل معها كقضية إبادة جماعية وليس مجرد خروقات فردية.

 

هذه الإدانات تحمل في طياتها بعدًا سياسيًا مهمًا، فهي لا تقتصر على الاعتراف بالماضي بل تسعى أيضًا إلى حماية المستقبل. فإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للهزارة ليس مجرد طقس رمزي، بل رسالة واضحة إلى طالبان بأن العالم يراقب، وأن الإفلات من العقاب لن يكون خيارًا دائمًا. كما أن الاعتراف الدولي قد يسهم في تمكين الهزارة من حشد دعم أكبر لقضيتهم، سواء على مستوى الهجرة واللجوء أو في إطار المساعدات الإنسانية التي حُرموا منها في الداخل.

 

ورغم أن هذه الجهود لا تزال محدودة مقارنة بحجم المأساة، فإنها تمثل خطوة ضرورية لكسر دائرة الصمت التي سمحت باضطهاد الهزارة طوال أكثر من قرن. فالمأساة المستمرة لهذا الشعب تذكّر بأن الذاكرة التاريخية لا يجب أن تبقى في الكتب فقط، بل يجب أن تتحول إلى دافع لحماية الأحياء وصون حقوقهم، حتى لا يتكرر الماضي في صور أشد قسوة.

 

شارك