تحول أمني في شرق إفريقيا.. هل يعيد حظر الإخوان في كينيا رسم خارطة المواجهة
الثلاثاء 30/سبتمبر/2025 - 02:27 م
طباعة

في خطوة تتجاوز طابعها القانوني، أعلنت كينيا تصنيف جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير ضمن الكيانات الإرهابية، في إعلان بدا أشبه بإشارة تحذير مبكر من مخاطر ترك شبكات الإسلام السياسي تتمدد داخل القارة الأفريقية دون رقابة أو مواجهة. القرار الكيني يعبر عن وعي متزايد بطبيعة المعركة الجديدة التي تخوضها دول أفريقيا ضد الأيديولوجيا المتطرفة، والتي لم تعد تهديداً خارجياً معزولاً، بل جزءاً من واقع أمني داخلي معقد، يمتد من تخوم الصومال حتى عمق المجتمعات الحضرية والجامعية في دول كالنيجير، كينيا، تنزانيا وغيرها.
وجاء هذا التحول النوعي من نيروبي في سياق قراءات متعددة لمخاطر التنظيمات العابرة للحدود، لا سيما في مناطق ذات امتداد ديني واجتماعي مرتبط بالمجال الصومالي والساحلي. فالإخوان، الذين لطالما قدموا أنفسهم كجماعة دعوية سلمية، لا يزالون – في نظر صانعي القرار الأمني – يشكلون أنابيب فكرية لتغذية العنف السياسي، وتمهيد الأرضية أمام جماعات أكثر تطرفاً مثل القاعدة أو الشباب أو داعش، ليس بالضرورة من خلال العنف المباشر، وإنما عبر توفير الغطاء الأيديولوجي والتنظيمي والتمويلي.
نشاط حركة الشباب الصومالية
ويبدو أن كينيا قرأت جيداً تجارب جيرانها فمع تنامي نشاط حركة الشباب الصومالية على حدودها الشرقية، وتعقد المشهد الأمني الداخلي بوجود خلايا نائمة داخل مدن ساحلية، قررت نيروبي إغلاق الباب أمام أي تنظيم يحمل في بنيته بنية موازية للدولة أو نزعة أيديولوجية عابرة للحدود.
كما لم يأت حظر الإخوان كرد فعل على تفجير أو عملية نوعية، بل كخطوة استباقية لمنع نشوء بيئة خصبة للتجنيد أو التأثير في جيل الشباب، خصوصاً في الجامعات والمساجد والمجتمعات المسلمة التي تعاني أصلاً من تحديات الهوية والاندماج.
قرار الحظر لم يخرج من فراغ فهو ينسجم مع ما بات يعرف الآن بتوجه دولي متصاعد لإقصاء جماعة الإخوان عن المجال العام، بعد أن أثبتت التجربة – كما في مصر وسوريا وتونس – أن الجماعة لا تقف على مسافة من العنف، بل تتغذى عليه حين يكون ذلك وسيلة للبقاء أو التمكين. ويأتي التوجه الكيني ضمن نمط أوسع تعتمده دول عربية وأفريقية وحتى أوروبية، يقوم على تفكيك بنية الإسلام السياسي، باعتبارها "الوعاء الحاضن" للتطرف العنيف.
عقيدة فوق الدولة
ومن المؤشرات اللافتة في هذا السياق، أن قرار كينيا لم يستهدف الإخوان وحدهم، بل ضم حزب التحرير أيضاً، المعروف بدعوته لإقامة خلافة إسلامية تتجاوز حدود الدول وهو ما يؤكد أن نيروبي لا تميز كثيراً بين التنظيمات المتطرفة وفق أدبياتها الظاهرة، بل تنظر إليها من منظور وظيفي: أيّ جماعة تسعى لتشكيل كيان عابر، أو تخضع ولاء الأفراد لعقيدة فوق الدولة، فهي تمثل خطراً مباشراً على وحدة الدولة وسيادتها.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن كينيا، التي تشكل فيها المناطق الساحلية المسلمة بيئة ديمغرافية مهمة، تدرك أن تجاهل النشاطات الدعوية الإخوانية قد يساهم في تهميش شبابي جديد، لا يلبث أن يتحول إلى نزوع راديكالي لذلك، فإن الحظر يحمل أيضًا بعدًا تربويًا وثقافيًا، هدفه منع تشكل "هوية جماعية" بديلة على أساس أيديولوجي، قد تستقطب الشباب الفقير أو المهمش بحثًا عن الانتماء والقوة والعدالة في مفاهيم مشوهة.
بالتأكيد، لم يكن قرار كينيا مدفوعًا باعتبارات داخلية فقط. بل هناك ضغط إقليمي واضح، وتنسيق أمني دولي متزايد لمحاصرة أي تموضع إخواني جديد في أفريقيا، خاصة بعد أن تحولت القارة إلى ساحة بديلة للتنظيم، في ظل انهيار نفوذ الجماعة في الشرق الأوسط، وحظرها في عدد من الدول العربية.
ووفق هذه الرؤية، فإن التنظيم يحاول إعادة التمركز في بيئات هشة أمنيًا، حيث يمكنه التسلل تحت غطاء العمل الخيري، الدعوي، أو عبر منظمات مجتمع مدني.
ومع ذلك، فإن أهمية الخطوة الكينية لا تتوقف عند حدودها الجغرافية فدلالاتها تتعدى الداخل الكيني، لتصل رسائلها إلى العواصم المجاورة إما مواجهة مبكرة لشبكات الإسلام السياسي، أو انتظار نتائج كارثية على الأمن والاستقرار، كما حدث في حالات كثيرة.