تصاعد الهجمات في بلوشستان يضع العلاقات الباكستانية-الهندية على المحك

الثلاثاء 30/سبتمبر/2025 - 03:34 م
طباعة تصاعد الهجمات في محمد شعت
 

قتل سبعة مسلحين وصفتهم الأجهزة الأمنية في باكستان بأنهم "إرهابيون ترعاهم الهند" خلال عملية استخباراتية واسعة جرت في منطقة زهري بمقاطعة خوزدار في إقليم بلوشستان، في واحدة من أبرز العمليات الأمنية التي شهدتها البلاد خلال الأسابيع الأخيرة. وقالت مصادر عسكرية إن العملية جرت بعد معلومات دقيقة عن وجود خلية مرتبطة بما يسمى "جماعة فتنة الهندوستان"، وهو الاسم الذي اعتمدته السلطات الباكستانية في مايو الماضي لتوصيف التنظيمات التي ترى أنها مدعومة من الاستخبارات الهندية وتعمل على زعزعة استقرار باكستان من الداخل. وأسفرت العملية عن مقتل سبعة مسلحين وإصابة عشرة آخرين، بينما ضبطت القوات أسلحة أوتوماتيكية أمريكية الصنع، وعبوات ناسفة، وأجهزة اتصال حديثة، إضافة إلى قنابل يدوية ودراجات نارية استُخدمت في تنقل العناصر. كما تمكنت القوات من إحباط محاولة لتفجير عبوة ناسفة على جسر بادوكاش، في وقت شاركت فيه المروحيات والقوات البرية معاً لتطويق المنطقة ومنع فرار المسلحين.

 

المشهد الأمني في بلوشستان لم يقتصر على عملية خوزدار، إذ شهدت مدينة كويتا انفجاراً انتحارياً بسيارة مفخخة بالقرب من مقر فيلق الحدود على طريق زرغون، ما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص على الأقل، بينهم عنصران من فيلق الحدود، وإصابة أكثر من عشرين آخرين. وأكدت مصادر أن منفذي الهجوم ارتدوا زي قوات حرس الحدود، قبل أن يطلقوا النار بكثافة عقب التفجير لإحداث أكبر قدر من الفوضى. هذا التصعيد الأمني الذي يتزامن مع ضربات متكررة ضد "فتنة الهندوستان" يعكس حالة من الاستنزاف المستمرة في الإقليم، الذي يعد تاريخياً ساحة للتوترات الداخلية والخارجية في آن واحد.

 

هذه الأحداث المتسارعة تأتي في سياق أوسع من تصاعد الهجمات الإرهابية في باكستان منذ عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان عام 2021، إذ تشير الأرقام إلى منحنى متصاعد للعنف عبر الحدود. ووفقاً لتقرير أصدره معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS)، فإن "شهر أغسطس الماضي شهد زيادة بنسبة 74% في عدد الهجمات مقارنة بشهر يوليو، حيث بلغ إجمالي الخسائر البشرية 194 حالة وفاة نتيجة هجمات مسلحة في مختلف أنحاء البلاد". ويؤكد التقرير أن إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان تحمّلا النصيب الأكبر من هذه الهجمات، ما يجعل المنطقة الحدودية الأكثر هشاشة وتهديداً لاستقرار الدولة الباكستانية.

 

اتهامات متكررة

 

تعتبر إسلام آباد أن الهند تلعب دوراً محورياً في تأجيج الصراع داخل أراضيها، وأنها تسعى من خلال أدوات استخباراتية إلى تقويض الاستقرار الداخلي. وزارة الخارجية الباكستانية دأبت في بيانات متكررة على اتهام نيودلهي بدعم ما تسميه "الإرهاب العابر للحدود"، وتوفير التمويل والتدريب لمجموعات مسلحة في بلوشستان على وجه الخصوص. ففي تصريحات لمسؤول أمني باكستاني رفيع نقلتها وسائل إعلام محلية، قيل إن "الأسلحة المصادرة من المسلحين في بلوشستان تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وجود شبكات دعم خارجي تعمل على تزويد هذه الجماعات بالقدرات القتالية".

 

في المقابل، ترفض الهند هذه الاتهامات وتعتبرها "مزاعم سياسية"، وتتهم بدورها باكستان بأنها المصدّر الأول للإرهاب في جنوب آسيا. فقد أكد بيان صادر عن وزارة الخارجية الهندية أن "إلقاء اللوم على الهند في كل هجوم يقع داخل باكستان ليس سوى محاولة للهروب من مسؤولية معالجة التحديات الأمنية الداخلية"، مشيراً إلى أن جماعات تنشط من الأراضي الباكستانية كانت وراء هجمات دامية داخل كشمير وأجزاء أخرى من الأراضي الهندية.

 

ورغم النفي الهندي، تصر باكستان على تقديم أدلة توصف بأنها دامغة. ففي عام 2016، عرضت السلطات الباكستانية اعترافات مصورة لضابط هندي سابق زعمت أنه كان يعمل على تجنيد عناصر داخل بلوشستان لصالح الاستخبارات الهندية، وهو ما استُخدم حينها كورقة لتعزيز الموقف الباكستاني في المحافل الدولية. ومع أن الجدل بشأن تلك الأدلة لم يُحسم دولياً، فإن باكستان استمرت في استخدام خطاب الاتهام كجزء من استراتيجيتها الدبلوماسية والأمنية.

 

تقرير حديث صادر عن مركز دراسات السلام بجامعة كراتشي أشار إلى أن "الخطاب الأمني الباكستاني يربط بشكل متزايد بين التهديدات الإرهابية الداخلية وبين مسؤولية مباشرة للهند، ما يضعف من فرص بناء ثقة بين الطرفين". ويضيف التقرير أن هذا النهج "قد يعزز اللحمة الداخلية على المدى القصير، لكنه في المقابل يغلق أي أبواب محتملة للحوار السياسي".

 

علاقات متوترة

 

انعكست هذه الاتهامات المتبادلة بصورة مباشرة على العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تراجعت فرص الحوار السياسي إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة. فبعد سلسلة من المحاولات الخجولة لإحياء المفاوضات حول ملف كشمير ومسائل الأمن الحدودي، جاء تصاعد الهجمات الإرهابية ليغلق هذه النوافذ، خاصة مع إصرار باكستان على تحميل الهند المسؤولية. وفي المقابل، ترفض نيودلهي العودة إلى أي مفاوضات في ظل ما تعتبره "تصديراً مستمراً للإرهاب من الأراضي الباكستانية".

 

وتذهب قراءات أن استمرار هذا النمط من الاتهامات يعمّق مناخ انعدام الثقة بين الجارتين النوويتين. ويؤكد معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام آباد أن "غياب آليات موثوقة للتحقق من الادعاءات الأمنية يجعل من المستحيل تقريباً بناء أي قاعدة للتعاون"، محذراً من أن "دوامة الاتهامات قد تفتح المجال أمام مواجهات غير محسوبة أو تصعيد عسكري غير مقصود".

 

إلى جانب التأثير المباشر على العلاقات الثنائية، يلقي هذا الوضع بظلاله على الأمن الإقليمي في جنوب آسيا. فمع انشغال باكستان بمواجهة الهجمات على جبهتها الغربية مع أفغانستان، تجد نفسها أمام جبهة شرقية مشتعلة سياسياً مع الهند، ما يضاعف أعباءها الأمنية والاقتصادية. ويشير خبراء في مركز ويلسون الأمريكي إلى أن "استمرار العمليات الإرهابية في بلوشستان وخيبر بختونخوا، وربطها بالهند، يفاقم من احتمالات عسكرة العلاقات الباكستانية الهندية، ويجعل أي مسار دبلوماسي صعب التحقيق".

 

الانعكاسات لا تتوقف عند حدود الدولتين؛ فغياب التعاون الأمني بينهما يترك فراغاً تستفيد منه جماعات إرهابية عابرة للحدود، تستغل هشاشة الأوضاع في أفغانستان وضعف التنمية في بعض الأقاليم الباكستانية. وبحسب دراسة صادرة عن المعهد النرويجي للشؤون الدولية، فإن "الاستقطاب المستمر بين باكستان والهند حول قضية الإرهاب يضعف الجهود الإقليمية لمكافحة التطرف العنيف، ويمنح التنظيمات الإرهابية مجالاً أوسع للحركة والتجنيد".

 

كما أن هذا الوضع يخلق تحديات أمام القوى الدولية التي تسعى إلى تعزيز الاستقرار في جنوب آسيا. فالولايات المتحدة، التي تمتلك مصالح أمنية في المنطقة، تجد نفسها في موقف صعب بين دعم باكستان في مكافحة الإرهاب وبين الحفاظ على علاقات استراتيجية مع الهند. في المقابل، تستغل الصين، الشريك الاقتصادي الأكبر لباكستان، هذه التوترات لتعزيز تعاونها الأمني مع إسلام آباد في إطار مشروعات "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، وهو ما يضيف بعداً جيوسياسياً جديداً إلى المعادلة.

 

في ضوء هذه التفاعلات، يبدو أن دوامة الاتهامات المتبادلة بين باكستان والهند قد تجاوزت كونها مجرد تبادل خطابي إلى عنصر بنيوي في العلاقات بين الجارتين. وفي الوقت الذي تستمر فيه العمليات الإرهابية في زعزعة استقرار باكستان، فإن الإصرار على تحميل الهند المسؤولية يضع مستقبل العلاقات الثنائية في مسار أكثر تعقيداً، ويجعل من إمكانية التوصل إلى حلول مشتركة لمعضلة الإرهاب أمراً بعيد المنال.


شارك