"باغرام" تشعل الخلافات داخل طالبان.. هل تصمد الحركة أمام رغبة ترامب؟

الأربعاء 01/أكتوبر/2025 - 05:51 م
طباعة باغرام تشعل الخلافات محمد شعت
 
تصاعدت حدة التوترات داخل حركة طالبان الأفغانية خلال الأيام الماضية، على خلفية الدعوات الأميركية لاستعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، بعد أن أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب طرح هذه المسألة خلال تصريحات رسمية متكررة. ترامب وصف القاعدة بأنها "أداة استراتيجية لمراقبة الأنشطة الإقليمية ومكافحة الإرهاب"، مهددًا بأن أي رفض من طالبان سيترتب عليه "عواقب وخيمة"، وفق ما نقلته وكالة "رويترز".

ويبدو أن هذه التهديدات الأميركية أعادت إلى الواجهة الانقسامات العميقة داخل الحركة، بين جناح يتمسك بالموقف التقليدي الصارم في قندهار، الذي يرفض أي تفاوض، وجناح آخر في كابول ودوحة يظهر استعدادًا لمناقشة اتفاقيات جزئية، لا سيما في ظل الضغوط الاقتصادية والحاجة إلى الاعتراف الدولي. وتشير مصادر طالبان إلى أن هذا الانقسام أدى إلى نقل مقر إقامة الملا هبة الله أخوند زاده، زعيم الحركة، إلى قندهار، وتقليص زيارات القادة لمكاتبهم، مع تبادل عبارات حادة وصلت أحيانًا إلى التهديد باستخدام القوة في بعض الدوائر.

وتشير تقارير أفغانية إلى أن جزءًا من الانقسام يرتبط بتجربة السنوات الأربع الماضية في التعامل مع المجتمع الدولي، حيث أرسل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، عبد الغني برادار، رسالة غير مباشرة إلى زعيم الحركة طالب فيها بالتدخل لتخفيف الضغوط على المسؤولين، مؤكّدًا أنهم "لم يعودوا يتحملون الهجرة والسجن والحرب"، وفق ما أفاد به مركز الدراسات الأمنية الدولي CSIS. ومع ذلك، أصر الملا هبة الله على موقفه المتصلب، مؤكدًا تمسكه بسيادة الحركة ومبادئها الدينية، قائلًا: "لن أتعامل معكم ولو خطوة واحدة".

وفق ما ذكرته مصادر مقربة من الحركة، يرى جناح كابول ودوحة أن التفاوض الجزئي قد يساعد في تخفيف الضغوط الأميركية، بما في ذلك إمكانية استعادة مساعدات اقتصادية أو تحرير أموال مجمدة، بينما يعتبر الزعيم الأعلى أي اتفاق بمثابة تنازل عن المبادئ الأساسية، ما قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات وتقويض شرعية القيادة التقليدية.

الضغوط الأميركية والرهانات الإقليمية

في الوقت نفسه، أعادت الولايات المتحدة التأكيد على أهمية قاعدة باغرام الجوية، ليس فقط لمراقبة القوى المنافسة في المنطقة مثل الصين وإيران، بل لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وفق تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة، نقلتها وكالة "أ ف ب". كما تشير مصادر مطلعة إلى أن المفاوضات مع طالبان تناولت أيضًا تفاصيل عمليات لوجستية وأمنية محددة، فيما استُخدمت تهديدات واضحة لإجبار الحركة على الانخراط في محادثات جادة.

ولم تقتصر الضغوط على الجانب الأميركي فقط، بل أثارت القضية تحركات من القوى الإقليمية. روسيا حذرت من أي تدخل غربي قد يزيد من تعقيد الوضع الأمني، فيما أعربت الصين عن قلقها من أي خطوات أميركية قد تؤثر على مصالحها، بما في ذلك العلاقة مع طالبان، وفق تقارير نقلها مركز أبحاث التشاتام هاوس. وبذلك، تُصبح قضية قاعدة باغرام اختبارًا مزدوجًا لطالبان: بين التعامل مع الضغوط الأميركية والحفاظ على علاقاتها مع القوى الإقليمية، وبين إدارة الانقسامات الداخلية للحركة نفسها.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن كل خيار أمام طالبان يحمل عواقبه: إما رفض التفاوض، مع الحفاظ على السردية الدينية والسياسية للحركة، أو الانخراط في اتفاق جزئي قد يُفسر داخليًا وخارجيًا كتنازل عن مبادئها، ما قد يفتح المجال لتهديدات جديدة على الأرض أو حتى على المستوى السياسي.
 قاعدة باغرام وأهميتها

تُعد قاعدة باغرام الجوية من أبرز المنشآت العسكرية في أفغانستان، وتقع على بعد نحو 50 كيلومترًا شمال العاصمة كابول. أسستها القوات السوفيتية في السبعينيات، ثم وسعتها القوات الأميركية لتصبح مركزًا لوجستيًا واستراتيجيًا، يضم مدارج للطائرات الثقيلة ومرافق للصيانة والدعم الاستخباراتي والمستشفيات الميدانية، بحسب مركز الدراسات الأمنية الدولي CSIS.

خلال الاحتلال الأميركي، كانت قاعدة باغرام منصة مركزية لإطلاق عمليات عسكرية في شرق وجنوب أفغانستان، كما لعبت دورًا مهمًا في مراقبة الحدود الباكستانية، واستضافة قوات التحالف الدولي، ما منحها أهمية رمزية كبرى لطالبان بعد استعادتها، حيث تمثل سيادة الحركة على أراضيها، وفي الوقت نفسه تمثل هدفًا استراتيجيًا لكل القوى الدولية المهتمة بالمنطقة.

وبالنظر إلى هذه الخلفية، يظهر أن قاعدة باغرام ليست مجرد منشأة عسكرية، بل رمز للسيادة، وقدرة الحركة على مواجهة النفوذ الخارجي، مما يجعل أي محاولة لتسليمها أو التفاوض بشأنها مسألة حساسة للغاية، وفق تحليلات مركز RAND الأميركي.

الانقسامات الداخلية ومستقبل المفاوضات

أدت التوترات حول باغرام إلى تفاقم الخلافات بين قيادة طالبان التقليدية في قندهار والأجنحة الإدارية والدبلوماسية في كابول ودوحة. ويقول محللون إن كل جناح يحاول حماية مصالحه وسلطته، ما أدى إلى توترات متكررة بين الزعيم الأعلى وبعض الوزراء والمسؤولين في العاصمة والمكاتب الخارجية. ويضيف هؤلاء أن أي اتفاق جزئي مع الولايات المتحدة قد يُستغل داخليًا لتعزيز النفوذ العملي للأجنحة الأكثر مرونة، لكنه يضع القيادة التقليدية أمام اختبار صعب للحفاظ على وحدة الصف.

وفق تقرير صادر عن مركز CSIS، قد يؤدي أي تسليم جزئي للقاعدة إلى تغيير السردية الأساسية لطالبان حول "الاحتلال" و"الحفاظ على الدين"، وهو ما يضع الحركة أمام تحدٍ مزدوج: بين مصالحها الواقعية والبعد الرمزي للدفاع عن سيادتها، وبين الحاجة إلى التعامل مع القوى الدولية والإقليمية لضمان بقائها السياسية.

وتذهب قراءات إلى أن طالبان إذا وافقت على أي تسوية مع الولايات المتحدة، فإنها ستخاطر بفقدان مصداقيتها الداخلية والخارجية، وربما تتعرض لضغوط جديدة من فصائل داخل الحركة نفسها أو من جماعات مسلحة منافسة، كما أن التراجع عن المبادئ الرمزية للقاعدة قد يستخدمه خصومها في المنطقة لتشويه سمعتها أو الضغط عليها سياسياً.

قدرة طالبان على الصمود

تشير تقييمات نشرتها مراكز الأبحاث الأميركية مثل RAND وCSIS إلى أن قدرة طالبان على الصمود أمام الضغوط الأميركية تعتمد على عدة عوامل: أولها القدرة على توحيد صفوف الحركة رغم الانقسامات، وثانيها مهارة قيادتها في إدارة الوساطات الدولية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية دون المساس بالرمزية الدينية والسياسية للقاعدة، وثالثها مدى قدرة الحركة على التعامل مع القوى الإقليمية مثل روسيا والصين وباكستان، والتي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على التوازن الداخلي للحركة.

وتوضح التقييمات  أن الانقسامات الحالية قد تتفاقم إذا استمرت الضغوط الأميركية، ما قد يدفع بعض قادة طالبان الأكثر ميلاً للتفاوض إلى البحث عن حلول وسط، بينما يتمسك الزعيم الأعلى بموقفه المتصلب، وهو ما قد يؤدي إلى صراع داخلي طويل الأمد على السلطة والقرار.

وفي هذا السياق، تُعد قضية قاعدة باغرام اختبارًا حقيقيًا لمستقبل طالبان، إذ يوضح مدى قدرتها على التوازن بين الواقع السياسي والأمني في أفغانستان، وبين الثوابت الدينية والسياسية التي شكلت أساس الحركة على مدى العقود الماضية.

شارك