الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر (FIS)

الثلاثاء 09/فبراير/2021 - 09:55 ص
طباعة الجبهة الإسلامية حسام الحداد
 
مدخل
قبل تأسيس الجبهة
تأسيس الجبهة
الهيكل التنظيمي
أهم الشخصيات
عباس مدني
علي بلحاج
الأفكار والمعتقدات
تكوين جيش الإنقاذ
من الجبهة.. إلى جيش الإنقاذ
جيش الإنقاذ الميلاد الرسمي
جبهة الإنقاذ والحرب الأهلية في الجزائر
أطراف الصراع
المفاوضات
المذابح
ميثاق السلم والمصالحة الوطنية
2011 ووضع قانون جديد لحظر الجبهة
الانشقاق في 2014

مدخل:

مدخل:
الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي حزب سياسي جزائري واختصارها الشائع حتى بالعربية FIS .. أُنشئ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية اللذين فرضتهما الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1988. واعترفت الحكومة الجزائرية رسميًّا بالجبهة في مطلع شهر سبتمبر 1989، ويترأسها منذ تاريخ تأسيسها الشيخ عباس مدني، وينوب عنه الشيخ علي بلحاج.
تنتمي جبهة الإنقاذ تاريخيًّا إلى الحركة الإسلامية الجزائرية. وتسعى الجبهة إلى إقامة نظام حكم يرتكز على مبدأ الحاكمية لله.
خاضت الجبهة أول انتخابات محلية حرة عرفتها الجزائر في 12 يناير 1990 وفازت فيها بـ 853 بلدية من بين 1539 بلدية و32 ولاية من بين 48 ولاية. كما خاضت الجبهة الانتخابات التّشريعية في 26 ديسمبر 1991. ونتيجة لقانون الانتخابات فازت الجبهة فوزًا ساحقًا في هذه الانتخابات التي ألغيت في 11 يناير 1992.
اتخذت الحكومة قراراً بحل الجبهة في مارس 1992، غير أنّها لا تعترف بهذا القرار وتعتبره تعسفيًّا، 
وهذه الجبهة هي حركة إسلامية سلفية في جوهرها، تنادي بالعودة إلى الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح والقادر على إنقاذ الجزائر؛ مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار فكري وثقافي، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائري المسلم بعد احتلال دام 132 سنة، وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة.

قبل تأسيس الجبهة:

محفوظ نحناح
محفوظ نحناح
قبل إعلان تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في عام 1989م كانت هناك أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ:
في نهاية السبعينيات بدأ الظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها، وتقاسم العمل الإسلامي المنظم في مدة ما قبل 1988م ثلاث جماعات، هي: جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح، وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.
الشيخ أحمد سحنون
الشيخ أحمد سحنون
في 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباس مدني ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.
الشيخ أحمد سحنون، أحد تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس، وقد شارك في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ودعا بعد الاستقلال إلى تحكيم الإسلام؛ لأن الجزائر دولة إسلامية، وتولى تخريج مجموعات من الدعاة والعلماء. وبعد توقيعه على البيان الآنف الذكر. اعتقل ووضع رهن الإقامة الجبرية حتى عام 1984م.
ثم تم تأسيس (رابطة الدعوة) 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون؛ وذلك لأنه أكبر الأعضاء سنًّا؛ حيث كان عمره 83 عاماً، وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، وعباس مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.
ومن أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي: 
* إصلاح العقيدة.
* الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية. 
* تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر. 
* النضال على مستوى الفكر.
دارت حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها:
1- دعوة الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة)، إلا أن الدكتور الشيخ عباس مدني اقترح لها اسماً آخر هو (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، معللاً هذه التسمية: بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، وهذه الجبهة (إسلامية)؛ لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير (وإنقاذ) مأخوذ من الآية {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} [سورة آل عمران، الآية: 103).
2- بينما رفض الشيخ محمد السعيد تشكيل الجبهة ابتداء، ثم التحق بها بعد الانتخابات البلدية.
3- ورفض محفوظ نحناح أيضاً فكرة الجبهة (الحزب) في البداية.. ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي، كما أسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.
وتم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع عام 1989م، وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين، من بينهم الدكتور عباس مدني الذي أصبح رئيسًا للجبهة ونائبه الشيخ علي بلحاج.

تأسيس الجبهة:

الشاذلي بن جديد
الشاذلي بن جديد
عقب إعادة انتخاب الشاذلي بن جديد رئيساً للجزائر للمرة الثالثة في ديسمبر 1988، طرح للتصديق دستور جديد يتيح تعدد الأحزاب. 
وفي الثامن عشر من فبراير 1989 أعلن مجموعة من زعماء الحركة الإسلامية يتقدمهم د. عباس مدني وعلي بلحاج تكوين الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي مارس 1989 أعلن ميلاد الحزب. وفي ظل المناخ المواتي، بفضل سياسات الانفتاح والتغييرات التي طرأت على المجتمع الجزائري خرجت الحركة الإسلامية من أسوار الجامعة لكي ترمي بكل ثقلها في الأوساط الشعبية؛ من أجل توسيع قاعدتها الاجتماعية، والتي بدأت من العام 1980، حيث انتهجت السلطة في الجزائر سياسة "الانفتاح والمراجعة". 
وقد أعطتها هذه السياسة دفعة قوية على حساب اليسار، وشكلت المساجد بالنسبة لمناضلي الإسلام السياسي المعاصرين المعاقل القوية لبناء الحركة الإسلامية، وتعزيز موقع المعارضة الإسلامية تجاه السلطة. ولم يلبث تأثير خطب أيام الجمعة التي يلقيها أئمة المساجد الأكثر تشدداً أن غزا الشوارع، ومدن الصفيح الفقيرة، والتجمعات الشعبية ذات الكثافة السكانية مثل حي القصبة، وحي باب الواد، وحي بلكور، وحى الحراش؛ حيث تسكن بعض العائلات المكونة من خمسة إلى ثمانية أفراد في حجرة واحدة في كثير من الأحيان. ووجد الشبان العاطلون عن العمل ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، الذين تركوا المدارس مبكراً، أو الذين يحملون شهادات تعليمية لا تضر ولا تنفع، في خطب المساجد، "بصيصاً من أمل"، في العودة إلى الإسلام في مفهومه الكلي والشمولي، واعتبروه المخرج والخلاص والموروث الأليق بهويتهم.

الهيكل التنظيمي:

لم تكن الجبهة الإسلامية للإنقاذ حزباً كبقية الأحزاب، بل إن الهيكل التنظيمي البنائي للجبهة يعبر عن تفاعل عدة تيارات في داخلها، أبرزها: التيار الذي يمثله الدكتور عباس مدني ورفاقه، وهو التيار الإصلاحي الذي ينادي بثورة إسلامية، ولكن بأسلوب براجماتي، وتصعيد النضال السياسي الجماهيري في إطار الصراع مع السلطة، مثل أسلوب العصيان المدني. ويعتبر هذا التيار امتداداً "لجمعية العلماء" و"جمعية القيم" و"جمعية جند الله". وهو تيار "مُعَقْلَن" داخل الحركة الإسلامية الجزائرية، إذ إن رمزه وقائده عباس مدني كان قد دخل معترك العمل السياسي منذ نهاية الأربعينيات عندما انخرط في "حركة الانتصار من أجل الحريات الديمقراطية"، التي كانت وليدة حركة "نجم الشمال الإفريقي"، و"حزب الشعب"، اللذين أسسهما مصالح الحاج. ومن المعروف تاريخيًّا أن حركة "الانتصار" كانت حركة ثورية ذات طابع شعبي تضم في صفوفها اتجاهات متعددة من الاشتراكية، إلى القومية العربية، إلى الإسلامية الإصلاحية. ثم انخرط عباس مدني لاحقاً في صفوف الثورة الجزائرية، إذ ألقي عليه القبض في 17 نوفمبر 1954، وظل في السجن طيلة الحرب التحريرية. وقد حصل على شهادة دكتوراه الدولة في مجال التربية المقارنة من بريطانيا، وإلى جانب تكوينه الجامعي يجيد عباس مدني اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية)؛ إذ عاش في إنجلترا بين 1975 – 1978م. 
أما التيار الثاني فيمثله علي بلحاج، وهو تيار الإسلام المتشدد، أو المثالية الثورية، إذ إن تكوين علي بلحاج تكوين فقهي بالدرجة الأولى، ويعتبر نفسه "رجل شريعة"، وليس "رجل سياسة"؛ لذا تنقصه الدراسة العلمية للتطور التاريخي؛ ذلك أن نقاءه الثوري مشبع بالدرجة الأولى بقراءة نصية ومثالية للتاريخ العربي الإسلامي من الزاوية الطوباوية، لا من الزاوية الموضوعية، ومشبع أيضاً بزخم الحلم الجماهيري الطوباوي الراسخ في الخيال الاجتماعي، الذي يعني لديه شعار "الإسلام هو الحل" و"الدولة الإسلامية" عدالة اجتماعية مطلقة، وقيم اجتماعية خالية من القهر والظلم والاستغلال. واكتسب الشاب علي بلحاج والذي كان دون الثلاثين من عمره وقتها- مكانة خاصة في نفوس الجزائريين، بشكل عام؛ لأنه يتقن اللغة العربية الفصحى، ولا يتحدث إلا بها؛ مما أضفى عليه في بلد تتملكه لغة حديث "فرانكوآراب" هالات من التبجيل تقارب التقديس!!. إن التيار الثاني تيار شمولي وراديكالي لا يخشى المواجهة الصريحة مع الدولة. 
التيار الثالث هو تيار "الجزأرة" الذي يختلف عن غيره من التيارات الأخرى داخل جبهة الإنقاذ في بدايتها. ولقي زعيم هذا التيار الشيخ محمد السعيد رفضا شديداً، وردًّا حادًّا من قبل أنصار الشيخ علي بلحاج في مناسبة من مناسبات الحديث عن الجبهة في أيامها الأولى في مسجد السنة بباب الواد، حين تطرق الشيخ محمد السعيد إلى ضرورة التريث وعدم الاستعجال، وحذر من عواقب حركة تأسيس الجبهة، بل هو الذي تخوف من تحول هذا الحزب من "جبهة إنقاذ إلى جبهة إنقاض". ولكن هذا التيار انضم بعد ذلك إلى الجبهة، وقوبل ذلك برفض الشيخ علي بلحاج، وقبول الشيخ عباس مدني.
جعلت الظروف التي تشكلت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ تركيبتها الفكرية والتنظيمية متناقضة، أو لنقل على قدر معين من التعددية، إذ إنها تضم في صفوفها جماعة من "الحرس الإسلامي" المتكون من قدماء حركة مصطفى بويعلى (علي بلحاج، الهاشمي سحنوني)، بالإضافة إلى جماعة من "الأفغان الجزائريين" (قمر الدين كربان، السعيد مخلوفي)، وعددٍ من قادة "جماعة الجزأرة" الذين ظل نشاطهم وطبيعة تنظيمهم محاطاً بالغموض والسرية التامة، ولم يغب عن تشكيلة الجبهة الإسلامية للإنقاذ سوى تنظيم "التكفير والهجرة" أحد أقدم الجماعات الإسلامية الجزائرية (تأسست منتصف السبعينيات)؛ حيث عارض التنظيم بشدة ما تضمنه برنامج جبهة الإنقاذ من قبول بالديمقراطية والاحتكام إلى الانتخابات التعددية. 
ونجحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في توسيع دائرة استقطابها الاجتماعي والسياسي في المدن، والأحياء الفقيرة، وداخل الشرائح المحافظة من البرجوازية التجارية، والطبقة الوسطى. وأصبحت بمنزلة القوة السياسية التي تقدم مساعدات اجتماعية إلى المواطنين، والمحرومين والمعزولين، وتأتي إلى نجدتهم، في وقت لم تقم فيه الدولة باتباع سياسة فعالة لاحتواء حاجاتهم. وعلى الرغم من أن الجبهة ليس لها برنامج للتغيير الراديكالي، حيث إن البرنامج بصفة عامة ليس شرطاً ضرورياً لبروز الحركة الإسلامية- إلا أنها كانت تتبنى المشروع الإسلامي، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وخوض الجهاد أو "الحرب المقدسة" ضد الطبقة الحاكمة التي تتفاخر برفاهيتها، و"المثقفين المتفرنسين"، وهي أكثر الأدوات فعالية والتي حرض الإسلاميون بها العاطلين عن العمل، والمهمشين، الذين باتوا يرون في الجبهة الإسلامية، المنقذ الوحيد.

أهم الشخصيات:

عباس مدني
عباس مدني
عباس مدني
 ولد سنة 1931م في سيدي عقبة جنوب شرقي الجزائر، ودرس في المدارس الفرنسية في صغره إبان الاستعمار الفرنسي، ثم في مدارس جمعية العلماء، وتخرج من كلية التربية، ثم انخرط في جهاد المستعمر الفرنسي، واعتقل وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال وخروجه من السجن أرسلته الحكومة إلى لندن 1975 ـ 1978م ليحصل على الدكتوراه في التربية المقارنة. ثم عاد إلى الجزائر ليقوم بالتدريس في الجامعة، وقد شارك العلماء في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة في 1982م، مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية.. وشارك في الأحداث في العام نفسه فاعتقل وسجن.. وقد شكل مع بعض العلماء رابطة الدعوة، ثم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بعد مظاهرات الخبز عام 1988م ـ كما أطلق عليها. وأخيراً اعتقل مرة أخرى هو وكثير من العلماء. ثم أطلق سراحه أخيرًا .
علي بلحاج
علي بلحاج
علي بلحاج
 ولد في تونس عام 1956م، ثم استشهد والداه في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. درس العربية ودرَّسها، وشارك في الدعوة الإسلامية منذ السبعينيات، وسجن خمس سنوات 1983م/ 1987م بتهمة الاشتراك وتأييد حركة مصطفى بويعلي الجهادية.. تأثر بعلماء من الجزائر، ومنهم عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون، وكذلك درس كتابات الشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم.
انتمى إلى التيار السلفي؛ ولذلك لم يتحمس للثورة الإيرانية، وانتقد كتابات الخميني، واعتبر تشيع بعض الجزائريين خطراً على الدعوة الإسلامية يجب التصدي له.. انتخب نائباً للرئيس في الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل بعد المظاهرات التي قامت في الجزائر سنة 1988م. ثم أطلق سراحه، ثم اعتقل مرة أخرى بعد الإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة.

المرتكزات الفكرية:

تعتقد جبهة الإنقاذ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ويشمل جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها... وتلتقي الجبهة مع حركة الإخوان المسلمين في بعض مبادئها.
تؤكد الجبهة أن إطار حركتها ودعوتها هو الكتاب والسنة، في مجال العقيدة والتشريع والحكم؛ لذا فإن نموذج فكرها هو التيار السلفي في التاريخ الإسلامي.
 قدمت الجبهة مذكرة إلى رئيس الجزائر في 7 آذار مارس 1989م تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاجتماعي، وتحوي المذكرة ما يلي:
ـ ضرورة التزام رئيس الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية طالما أنه يحكم شعباً مسلماً.
ـ استقلال القضاء بغرض الحسبة.
ـ إصلاح النظام التعليمي.
ـ حماية كرامة المرأة الجزائرية وحقوقها في البيت ومراكز العمل.
ـ تحديد مجالات للإصلاح، ووضع جدول زمني لذلك.
ـ حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
ـ تشكيل هيئة مستقلة؛ لضمان نزاهة الانتخابات المحلية.
ـ إعادة الاعتبار لهيئة الرقابة المالية.
ـ إعادة النظر في سياسة الأمن.
ـ إلغاء الاحتكار الرسمي لوسائل الإعلام.
ـ وقف عنف الدولة ضد المطالب الشعبية.
ـ وضع حد لتضخم البطالة وهجرة الكفاءات وانتشار المخدرات.
ـ حماية المهاجرين الجزائريين وضمان التعليم الإسلامي لهم، وتسهيل شروط عودتهم.
ـ التدخل لدى الصين والهند والاتحاد السوفيتي (سابقاً) وبلغاريا لوضع حد لاضطهاد المسلمين.
ـ وضع خطة لدعم الانتفاضة الفلسطينية ونجدة المجاهدين الأفغان.
وتتضح أفكار الجبهة ومبادئها في النداء الذي وجهه بعض العلماء كالدكتور عباس مدني قائد الجبهة، وهو ما أطلق عليه (نداء 12 نوفمبر 1989م)، وكذلك من بيانات الجبهة الموجهة للحكومة وللشعب الجزائري، ويمكن إيجازها فيما يلي:
ـ ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها.
ـ توفير الحرية للشعب ورفع الظلم والاستبداد.
ـ اعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام.
ـ إعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض الأسلوب الفرنسي الداعي إلى التحلل.
ـ المطالبة بالاستقلال الثقافي، والتنديد بتزوير مفهوم الثقافة.
ـ إدانة إفراغ التربية والثقافة من المضمون الإسلامي.
ـ شجب استخدام الإعلام من قبل الدولة في مواجهة الصحوة الإسلامية.
ـ معاقبة المعتدين على العقيدة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
ـ النهوض بالشعب إلى النموذج الإسلامي القرآني السني.
ـ الإشعاع على العقول بأنوار الهداية وإنعاش الضمائر بالغذاء الروحي الذي يزخر به القرآن والسنة، وشحذ الإرادة بالطاقة الإيمانية الفعّالة.
ـ العمل بالدين القويم لإنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت.
 ـ العمل على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على وحدة الأمة.
ـ تقديم بديل كامل شامل لجميع المعضلات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية في نطاق الإسلام.
ـ الإنقاذ الشامل.
ـ تشجيع روح المبادرة وتوظيف الذكاء والعبقرية وجميع الإرادات الخيرة في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري.

تكوين جيش الإنقاذ

اعتقال بلحاج
اعتقال بلحاج
مع تزايد نفوذ جبهة الإنقاذ وأنصارها في التغلغل في المجتمع، ونجاحهم في إقناع الجمهور بأنهم البديل المرتجى لفساد الحكومة ومظالمها، تزايد – بالطبع – طموحها السياسي في الوصول للحكم. 
وشعرت السلطة بأن البساط يسحب من تحت أقدامها. وبدأت سلسلة من الصدامات العنيفة بين أنصار الجبهة وقوات الأمن في أكثر من موقع وأكثر من مناسبة، كانت أعنفها في يونيو 1991 حينما تدخل الجيش بشكل قوي لتفريق عناصر الجبهة الذين كانوا معتصمين في أهم ميادين العاصمة الجزائرية، (وتم الاعتصام بموافقة رئيس الحكومة وقتها مولود حمروش)، وكانت "مذبحة" راح ضحيتها الكثير من عناصر جبهة الإنقاذ.. 
وبدأت الأصوات تتعالى بين شباب الجبهة و"صقورها" مطالبة بالرد بالمثل على عنف السلطة، رافضين سياسة مسئولي الجبهة، خاصة عباس مدني، الذي كان يراهن على حل المواجهة في إطار السياسة السلمية من خلال الحوار مع النظام.. وردد الرافضون من عناصر جبهة الإنقاذ "لا للحوار .. لا أحد يمكن أن يوقفنا، لا عباس مدني ولا علي بن حاج".. مطالبين بإعلان الجهاد ضد النظام . 
وبتوالي الصدامات مع أجهزة الأمن، اتضح حجم الارتباك الفكري والحركي الذي يعاني منه الفريقان: (الجبهة والسلطة على السواء)، فبينما يبدو عباس مدني رجل التهدئة والحوار ومد الجسور والطريق السلمي في مقابل خطاب التشدد والقطيعة والمواجهة لعلي بن حاج. 
هذا عن جبهة الإنقاذ، وفي الفريق الثاني جماعة السلطة (الحزب والجيش) هناك خطاب التهدئة والسعي للاحتواء، بل وأحياناً التوظيف وكان على رأسه الرئيس الشاذلي بن جديد، وهناك فريق المواجهة والحل الأمني والذي يصل حد "الاستئصال" وعبر عن هذا الاتجاه كبار جنرالات الجيش وبعض المتنفذين في حزب جبهة التحرير الحاكم. 
وبالطبع لم يكن الأمر يسير بتلك "البساطة" وثبات المواقف في كل الأوقات والأحداث، فالجميع (من الفريقين) لجأ – في لحظة ما – لتعديل أو تبديل موقفه أو موقعه بدرجة أو أخرى، في لعبة الكر والفر والشد والجذب، داخل فريقه أو في مواجهة الفريق الآخر، ويمكنا – الآن – في سياق الرصد الهادئ لتلك المرحلة أن نقول أن فريق الجبهة (الإنقاذ) كان المستفيد الأكبر من "ارتباكات" تلك الفترة، بل يمكن القول: إن مدني و"بلحاج" وعبد القادر حشاني كان بينهم ما يشبه الاتفاق على توزيع الأدوار، خطاب التهدئة والمساعي السليمة، وخطاب القطيعة والتصعيد. 
فيما تمكن الشاذلي بن جديد (في فريق السلطة) من تعزيز سلطاته وتمرير رؤيته، (خاصة بعد إعادة انتخابه للمرة الثالثة)، وفي هذه المناخات المرتبكة والملتهبة، وفي ظل المطالبة الملحة لجبهة الإنقاذ بإجراء الانتخابات التشريعية، في سياق سعيها المحموم لاقتناص السلطة وتأكيد نفوذها وجدارتها في الشارع الجزائري- كانت الانتخابات التشريعية – وجرت مرحلتها الأولى في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991 .. وفيما كان الشاذلي يتوقع أن "الإنقاذ" لن تحوز إلا على ثلاثين في المائة من المقاعد، وأن هذه الانتخابات ستؤمن له أغلبية الثلثين في البرلمان. جاءت النتائج "الصدمة" للمرحلة الأولى لتلك الانتخابات، حيث حصلت جبهة الإنقاذ على مائة وثمانية وثمانين مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان (الأربعمائة وثلاثين) بنسبة 47.27% من الأصوات الصحيحة. 
ولم يعد هناك شك – لدى كثير من المراقبين – في قدرة الإنقاذ على الحصول على أغلبية الثلثين، والتي تمكنهم من مراجعة وتغيير الدستور. عند هذه "الصدمة" .. توقف سيناريو الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وتقلص نفوذه وتقدم التيار الرافض في فريقه، بقيادة جنرالات الجيش لفرض كلمتهم ورؤيتهم، خاصة بعد التصريحات التي نسبت لعباس مدني زعيم الإنقاذ، عشية نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات: هذا آخر عهدكم بالصناديق الزجاجية"!!، فاستقال الرئيس بن جديد في 11 يناير 1992 بضغط (أو إيعاز) كبار ضباط الجيش الوطني الشعبي، وتم التدبير لإبعاد عبد العزيز بلخادم رئيس الوزراء المحسوب على فريق الحوار مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وذلك بحل المجلس الشعبي الوطني.
وفي 13 يناير 1992 أعلن المجلس الأعلى للأمن– الذي أصبح يتولى أمور إدارة البلاد، إلغاء عملية الانتخابات ووقف مرحلتها الثانية، وأصدر ما سمي "قانون المساجد"، والذي يمنع أي تجمع حول أماكن العبادة، ومنذ أواخر يناير 1992 انطلقت حرب المساجد والتي قادها رجل الجبهة الراديكالي عبد القادر حشاني (بعد اعتقال مدني وبن حاج)، وأعلنت حالة الطوارئ وسقط مئات القتلى، وتسارعت الأحداث، وفي الرابع من مارس التالي تم إعلان حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ. 

من الجبهة.. إلى جيش الإنقاذ:

بإعلان إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية (انقلاب يناير بوصف عبد القادر حاشاني قيادي الإنقاذ)، تراجعت لغة التهدئة ومد الجسور، وبالتالي شحب نفوذ القائلين والمطالبين بذلك في الفريقين (السلطة والإنقاذ) وانفتح الباب على مصراعيه للمطالبين "بالاستئصال" من صقور النظام، والمطالبين "بإعلان الجهاد المسلح" من صقور الإنقاذ، بل ومن سائر الحركات الإسلامية خارج الإنقاذ، وظهرت على سطح الأحداث الملتهبة جماعات مسلحة ذات مرجعية دينية كثيرة– أغلبها صغيرة العدد محدودة التأثير مثل: 
- جيش الرسول محمد. 
- الأوفياء للقسم. 
- جهاد 54.
- القوات الإسلامية العالمية لمناضلي الله. 
- المجلس الموحد للحركة الإسلامية .
- حركة الجهاد الإسلامي في إفريقيا .
- منظمة الضباط المسلمين .
وكان الأبرز في هذه التنظيمات المسلحة: 
- الجماعة الإسلامية المسلحة . 
- جيش الإنقاذ الإسلامي. 
ومع حظر نشاط جبهة الإنقاذ طال الاعتقال الكثير من قادتها وكوادرها وأعضائها، ومع تصاعد سياسات المواجهة والتدابير الأمنية التي قام بها النظام الحاكم وقتها كان التصعيد من جانب تيار المعارضة، والذي لم يقتصر على الإسلاميين وفي القلب منهم جبهة الإنقاذ، بل امتد ليشمل كافة القوى السياسية والوطنية، وكانت حركة العصيان المدني التي شاركت فيها أحزاب وطنية وقومية دينية (جبهة الإنقاذ – حركة النهضة – حركة الإخوان المسلمين (حماس) – الحركة من أجل الثقافة والديمقراطية (الأمازيغية بزعامة حسين آيت أحمد)، وحتى حزب جبهة التحرير الوطني (الذي بات بين ليلة وضحاها في المعارضة) بقيادة آخر رئيس وزراء مدني عبد الحميد مهري.. وقام الجيش بقمع هذا العصيان المدني مستخدمًا القوة المفرطة، وحظر جميع الأحزاب السياسية، واعتقل أكثر من خمسين ألف من مختلف التوجهات السياسية (بالطبع كانت الأغلبية من تيار الإسلام السياسي). 
دفعت هذه المواجهات عدداً من قيادات الجماعات والحركات الإسلامية التي انضمت في السابق لجبهة الإنقاذ الإسلامية – إلى الانشقاق عن الجبهة، والتي كانت لا تزال لم تحسم موقفها تماماً من الانخراط الكلي في درب المواجهة، وأعلن هؤلاء المنشقون عن عزمهم على انتهاج استراتيجية المواجهة مع النظام، وكان أغلب هؤلاء المنشقين قد تورطوا في فترات سابقة (الثمانينيات) في عمليات عنف وإرهاب ضد السلطة، مثل مدني مزراق، وعبد القادر شبوطي وعبد الرزاق رجام، ومحمد سعيد مخلوفي، ومحمد السعيد.
وبرز عبد القادر شيبوتي، والذي كان بمثابة الرجل الثاني والساعد الأيمن لمطصفى بويعلي أمير الحركة الإسلامية المسلحة في عقد الثمانينيات .. وعقب خروجه من السجن على ذمة هذه الحركة، في عام 1990 رفض المشاركة في سياسة جبهة الإنقاذ، وعلى الأخص التيار الذي يمثله عباس مدني واعتبر الجبهة متواطئة مع النظام وتعرض الحركة الإسلامية في مجملها للمخاطر، ورفض مبدأ المشاركة في الانتخابات التشريعية، واصفاً قبول الإنقاذ المشاركة فيها بأنها "صفقة أغبياء"، ومع ذلك تعهد لبعض قيادات الجبهة بعدم القيام بأي عمل عسكري ضد النظام خلال مرحلة الانتخابات، حتى لا يحرج الجبهة الإسلامية، أو يبث الشقاق بين الجماعات المنضوية تحت لوائها. 
إلا أن بعض المجموعات الجهادية المنشقة لم توافق "شيبوتى" في ذلك، وقامت قبل شهر من الانتخابات بالهجوم على مغرزة حدودية (الواد) مسببة للجبهة وقيادتها حرجاً شديداً. 
إلا أن إلغاء الانتخابات وما صحبها من تصعيد فتح الباب لكثير من الجهاديين المنشقين على الجبهة، فانضم محمد ازرقي حومين إلى "الحركة للدولة الإسلامية"؛ من أجل الإطاحة بالحكومة، وهو من أبرز خطباء الإنقاذ، وكان يسمى "خمينى".. (فى إشارة للمرشد العام للثورة الإيرانية الخمينى). 
-  وقد تمت تصفيته جسدياً داخل السجن بعد اعتقاله في سبتمبر 1993 – ومع تواجد أبرز قيادات جبهة الإنقاذ رهن الاعتقال، فشلت محاولات التنسيق بين القيادة السرية للجبهة والجماعات المسلحة، التي راحت تنفذ مخططتها دون رابط أو تنسيق، ووفقاً "للاجتهاد" الخاص بكل جماعة. 

جيش الإنقاذ ... الميلاد الرسمي:

جيش الإنقاذ ... الميلاد
بإطلاق سراح قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية من محبسهم في صيف 1993 – كانوا على ذمة الاعتقال منذ يناير 1992 – سعوا لإخضاع الجماعات المسلحة (المنتمية للجبهة) لإشرافهم المباشر، مع العمل على تثقيفهم عقائديًّا بمبادئ الجهاد في الإسلام، وفقاً لرؤية شيوخ الجبهة، وذلك في محاولة لاستعادة ثقة الرأي العام الإسلامي، ولإضفاء مشروعية مقدسة على الحرب التي يخوضونها ضد النظام الحاكم. 
ويعلن أحد كبار المسئولين في جبهة الإنقاذ في يونيو 1994: "لقد تردد الحزب في الدعوة إلى المقاومة المسلحة؛ مما كلفه الكثير، وخسر المناضلين الذين ذهبوا للانضمام للجماعات المسلحة، (يقصد الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا).". ويضيف: "لكن بفضل الله عادت الأمور إلى أيدي الحزب". 
وفي يوليو 1994 تعلن الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن تأسيس الجيش الإسلامي للإنقاذ– كفرع عسكري للحزب.. وشكلت قيادات عسكرية لمنطقة الشرق بقيادة مزراق مدني، وثانية للغرب الجزائري بقيادة أحمد بن عائشة، في حين فشلت الجبهة في تنظيم قيادة للوسط، الذي سيطرت عليه خلايا الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) أو بتعبير القيادي السابق الإشارة إليه "الصبية الأشقياء" المتمردين على رئاسة الحزب. 
وعقب تعيينه "أميراً وطنيًّا – أي قائدًا عامًّا لجيش الإنقاذ أعلن مزراق مدني في عدة مرات أسفه لتورط بعض الجماعات (الجيا) في عمليات اغتصاب ضد بعض المواطنين، رافعاً شعار: "سلاح مبادئ لا سلاح مرتزقة"، ودعا إلى تزويد الحركات المسلحة بضوابط شرعية تحدد الأسس والمبادئ لمفاهيم الجهاد في الإسلام. 
ولاحظ المراقبون للشأن الجزائري أن خريطة العنف الإسلامي المسلح راحت بالتدريج تتماشى مع خريطة التمركز والنفوذ الجغرافي للجبهة الإسلامية للإنقاذ (على ضوء نتائج الانتخابات البلدية 1990 والتشريعية 1991)، وتصل إلى حد التطابق، فبينما كان الصراع موجوداً في منطقة وسط البلاد قبل تأسيس جيش الإنقاذ في 1994، امتد هذا الصراع لمناطق شرق وغرب البلاد. عقب تشكيل خلايا جيش الإنقاذ. 
وعن دوافع جبهة الإنقاذ للإعلان عن تأسيس جيش الإنقاذ تقول سيفرين لابا في كتاب "الإسلاميون الجزائريون .. بين صناديق الانتخابات والأدغال": 
"ومن الواضح أن المبادرة باللجوء إلى الكفاح المسلح كانت قد خرجت من أيدي الحزب "الإنقاذ" .. الذي كان لا يتوقع أن يواجه النظام الحاكم وهو يحمل السلاح، ومع صعوبة الوصول لأي حل بالتفاوض، ومع الخوف من أن تغلبه الأحداث، قرر الحزب أن يكرس كل جهده؛ من أجل توجيه الكفاح المسلح، على أمل الحفاظ على فرص الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العودة يومًا إلى "المنصة القانونية.. ولما كانت المبادرة دائماً في أيدي الجماعات المسلحة، فقد أجبرت القادة السياسيين في جبهة الإنقاذ على "تغطية عملياتهم"، وأصبح هؤلاء القادة السياسيون مسلوبي الإرادة، ومضطرين لإعلان تأييدهم لعمليات اغتيال يستنكرونها.. وبخاصة التي يكون ضحاياها من الأجانب".
وفي مواجهة الدموية المفرطة للعمليات الإرهابية التي نفذتها عناصر "الجيا" – الجماعة الإسلامية المسلحة – سعت قيادة الإنقاذ في محاولة لاستعادة التعاطف والتواصل مع الشعب الجزائري، الذي رفض بشدة هذا الإرهاب المتكئ على مرجعية إسلامية، فيعلن جيش الإنقاذ في بيان له في يوليو 1994 "عدم شرعية هذه العمليات واغتيال الأجانب الذي تقوم به الجماعة الإسلامية المسلحة"، ولا شك أن هناك أسباب أخرى، بعضها تكتيكي يدفع الإنقاذ لهذا الموقف، ومنها الرفض والشجب الذي أعلنته كل المنظمات الإسلامية والجماعات والحركات ذات المرجعية الإسلامية على مستوى العالم للقتل والاغتيال والذبح الذي يجري في الجزائر باسم الإسلام، كذلك طبيعة القيادة (أي قيادة الإنقاذ) التي لم تقطع خيوطها مع النظام، وشرعت في مراحل تالية في مد جسور الحوار مع الأمين زروال والأحزاب الوطنية الأخرى في الجزائر (لجنة الحوار الوطني)، وإن ظلت ترفض إدانة العنف علنًا، خشية بطش الجماعات الإسلامية الإرهابية الأخرى التي ترفض مبدأ الحوار مع السلطة من أساسه. 
وفي ظل هذا التردد من قيادات الإنقاذ السياسيين، ومحاولة إرضاء كل الأطراف (السلطة / الإسلاميون الراديكاليون) تتعرض لمزيد من الحرج أمام الرأي العام الجزائري حينما يعلن محمد سعيد وعبد الرزاق رجيم القياديان البارزان المنتميان لجبهة الإنقاذ مبايعة أمير الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، ومعارضتهما لأي مفاوضات مع السلطة. 
صحيح أن عبد الرزاق رجيم عاد ليعلن انسحابه من الجماعة الإسلامية المسلحة ورفضه لممارستها، وأعلن بيعة جديدة لأمير جيش الإنقاذ الإسلامي. 
فيما ظل عبد القادر حشاني على مواقفه المبدئية المتشددة على رفض الحوار مع السلطة.
وبدرجة أقل كانت مواقف علي بن حاج الذي رفض الحوار وهو في السجن، إلا أنه وافق عليه بعد الإفراج عنه!! ولكن بشروط.

جبهة الإنقاذ والحرب الأهلية في الجزائر

الحرب الأهلية الجزائرية
الحرب الأهلية الجزائرية
الحرب الأهلية الجزائرية هي أحد الأسماء التي أطلقت على الصراع المسلح بين الحكومة الجزائرية وفصائل متعددة وصفت بأنها تتبنى أفكار الإسلام السياسي، منها الجماعة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للإنقاذ والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح وفصائل أخرى، بدأ الصراع في ديسمبر عام 1991 عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1992 في الجزائر، والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزًا مؤكدًا؛ مما جعل الجيش الجزائري يتدخل لإلغاء الانتخابات العامة في البلاد مخافة فوز الإسلاميين فيها. بالرغم من أن حدة العنف قد خفت منذ عام 2002 ولكن واستنادا إلى وزارة الداخلية الجزائرية لا يزال هناك قرابة 1000 مما يصفهم الحكومة "المتمردين المسلحين" نشطين في الجزائر، وفي سبتمبر 2005 أيدت أغلبية كبيرة من الجزائريين العفو الجزئي الذي أصدره الحكومة الجزائرية عن مئات من المسلحين الإسلاميين، ضمن ما عرف "بميثاق السلم والمصالحة الوطنية" بهدف إنهاء أكثر من عقد من النزاع. وبموجب الميثاق، الذي اقترحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سيتم العفو عن عدد كبير من الأشخاص من الجانبين اللذين تورطا في أعمال قتل لأكثر من 100,000 شخص على الأقل، لكن المعارضين للميثاق يعتبرون أن المصالحة غير ممكنة دون تحقيق العدالة، ويطالبون بأن تفتح الدولة تحقيقًا بشأن آلاف الأشخاص الذين اختفوا طيلة الأعوام الماضية، ولم يعرف مصيرهم حتى الآن.
بعد تسلم شاذلي بن جديد السلطة في الجزائر عام 1979 بدأت محاولاته لتطبيق خطته الخمسية التي كانت تهدف إلى إنشاء قواعد للاقتصاد الحر في الجزائر والنهوض بالمستوى الاقتصادي المتعثر للجزائر، ولكن سنوات حكمه شهدت نشاطًا من البربر في مجال معارضتهم لما أسموه سياسة التعريب التي تنتهجها الحكومة، وخاصة في مجال التعليم، فبعد منع خطبة حماسية للناشط البربري مولود معمري في جامعة حسناوة في تيزي وزو في 10 مارس 1980 بدأت حملة منظمة من الطلاب والأطباء والناشطون البربر للبدء بإضراب عام، مما جعل الرئيس الجزائري آنذاك بن جديد يجري تعديلات على سياسة الحكومة، ومنها على سبيل المثال منح حقوق ثقافية وإعلامية وجامعية للبربر هذه التعديلات اعتبرت من قبل مما يوصفون اليوم باتباع منهج الإسلام السياسي بأنها تنازلات تهدد الهوية القومية للجزائر. ومن جهة أخرى كان لعدم قدرة الرؤساء السابقين للجزائر النهوض بالاقتصاد الجزائري، وفشل الأفكار الشيوعية والقومية العربية في إيجاد حل جذري لمشاكل البلاد الداخلية، كل هذه العوامل أدت إلى بروز تيار قامت بتفسير التخلف والتردي في المستوى الاقتصادي والاجتماعي إلى ابتعاد المسلمين عن التطبيق الصحيح لنصوص الشريعة الاسلامية، وتأثر حكوماتهم بالسياسة الغربية .
بدأ نشاط التيار الإسلامي السياسي بالازدياد تدريجيًّا من خلال بعض العمليات التي كانت تستهدف محلات بيع المشروبات الروحية، وممارسة الضغط على السيدات بارتداء ملابس يتفق مع رؤية التيار في مفهومها للهندام المقبول، وفي عام 1982 طالب ذلك التيار علنًا بتشكيل حكومة إسلامية ومع ازدياد أعمال العنف وخاصة في الجامعات الدراسية تدخلت الحكومة، وقامت بحملة اعتقالات واسعة؛ حيث تم اعتقال أكثر من 400 ناشط من التيار المتبني لفكرة الإسلام السياسي، وكان من بينهم أسماء كبيرة، مثل عبد اللطيف سلطاني، ولكن الحكومة بدأت تدرك ضخامة وخطورة حجم هذا التيار، فقامت- كمحاولة منها لتهدئة الجو المشحون- بافتتاح واحدة من أكبر الجامعات الإسلامية في العالم في ولاية قسنطينة في عام 1984، وفي نفس السنة تم إجراء تعديلات على القوانين المدنية الجزائرية، وخاصة في ما يخص قانون الأسرة؛ حيث أصبحت تتماشى مع الشريعة الإسلامية .
لكن الاقتصاد الجزائري استمر بالتدهور في منتصف الثمانينيات وازدادت نسبة البطالة وظهرت بوادر شحة لبعض المواد الغذائية الرئيسية، ومما ضاعف من حجم الأزمة كان انخفاض أسعار النفط في عام 1986 من 30 دولارًا للبرميل إلى 10 دولارات، وكان الخيار الوحيد أمام شاذلي بن جديد للخروج من الأزمة هو تشجيع القطاع الخاص بعد فشل الأسلوب الاشتراكي في حل الأزمة، وقوبلت هذه التغييرات بموجة من عدم الرضا، وأخذ البعض في الشارع الجزائري يحس بأن الحكومة تظهر لا مبالاة بمشاكل المواطن البسيط .
تصاعد الغضب في قطاعات واسعة من الشارع الجزائري، وفي أكتوبر 1988 بدأت سلسلة من إضرابات طلابية وعمالية والتي أخذت طابعًا عنيفًا بصورة تدريجية، وانتشرت أعمال تخريب الممتلكات الحكومية إلى مدينة عنّابة وبليدة ومدن أخرى، فقامت الحكومة بإعلان حالة الطوارئ، وقامت باستعمال القوة، وتمكنت من إعادة الهدوء في 10 أكتوبر بعد أحداث عنيفة أدت إلى قتل حوالي 500 شخص، واعتقال حوالي 3500 آخرين، وسميت هذه الأحداث من قبل البعض "بأكتوبر الأسود". كانت للطريقة العنيفة التي استعملتها الحكومة في أحداث "أكتوبر الأسود" نتائج غير متوقعة؛ حيث قامت مجاميع تنتهج الإسلام السياسي بإحكام سيطرتها على بعض المناطق، وطالبت منظمات عديدة في الجزائر بإجراء تعديلات وإصلاحات، فقام شاذلي بن جديد بإجراءات شجعت على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، فقام عباس مدني وعلي بلحاج بتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية. وكان عباس مدني الأستاذ الجامعي والمحارب السابق في حرب التحرير الجزائرية يمثل تيارًا دينيًّا معتدلًا، وكان لدوره السابق في حرب التحرير أثرًا رمزيًّا في ربط الحركة الجديدة بتاريخ النضال القديم للجزائر، وفي الجهة الأخرى وصف العديدون علي بلحاج الذي كان أصغر عمرًا بأن أفكاره متطرفة؛ حيث قال في إحدى خطبه: "إن المصدر الوحيد للحكم هو القرآن، وإذا كان اختيار الشعب منافيًا للشريعة الإسلامية، فهذا كفر وإلحاد، حتى إذا كان هذا الاختيار قد تم ضمن انتخابات شعبية ".
بدأت الجبهة تلعب دورًا بارزًا في السياسة الجزائرية، وتغلبت بسهولة على الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب المنافس الرئيسي في انتخابات عام 1990؛ مما أدى إلى إجراء جبهة التحرير الوطني تعديلات في قوانين الانتخابات، وكانت هذه التعديلات في صالح الحزب الحاكم، فأدى هذا بالتالي إلى دعوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى إضراب عام، وقام شاذلي بن جديد بإعلان الأحكام العرفية في 5 يونيو 1991، وتم اعتقال عباس مدني وعلي بلحاج .
في ديسمبر 1991 أصيب الحزب الحاكم بالذهول؛ حيث إنه برغم التعديلات الانتخابية واعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلا أن الجبهة حصلت على أغلبية 188 مقعدًا من أصل 430، ومحاولة من الحزب الحاكم في الحيلولة دون تطبيق نتائج الانتخابات قام أعضاء في الحكومة الجزائرية وهم الجنرال خالد نزار (وزير الدفاع) وعلي كافي ومحمد بوضياف وعلي هارون والتيجاني هدام بتشكيل المجلس الأعلى للبلاد، والتي كانت عبارة عن مجلس رئاسي لحكم الجزائر، وتم إجبار شاذلي بن جديد على الاستقالة وإلغاء نتائج الانتخابات، وكان رئيس المجلس هو محمد بوضياف إلى أن توفي في 29 يونيو 1992 ليحل محله علي كافي، إلى أن تم استبدال كافي باليمين زروال في 31 يناير 1994، واستمر حتى 27 أبريل 1999 .

أطراف الصراع

محمد بوضياف
محمد بوضياف
كان الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات أمرًا غير مقبول لدى كبار رجال قيادات الجيش في الجزائر؛ حيث قام الجيش في 11 يناير 1992 بإلغاء نتائج الانتخابات، وأجبر شاذلي بن جديد على الاستقالة، وجلبوا المحارب القديم في حرب تحرير الجزائر، محمد بوضياف والذي كان منفيًّا في المغرب؛ ليكون رئيس المجلس الأعلى للبلاد، وتم اعتقال 5000 من أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ حسب المصادر الحكومية، بينما تؤكد الجبهة أنه تم اعتقال 30,000 من جماعتهم، ونقلوا إلى سجون في الصحراء الكبرى، وقامت منظمة العفو الدولية بالإشارة إلى الكثير من الانتهاكات في حقوق الإنسان خلال تلك الفترة، وفي 4 مارس 1992 قامت الحكومة بإلغاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ كحزب سياسي مرخص. اعتبر أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين لم تطلهم يد الاعتقال تصرفات الجيش بمثابة إعلان حرب على الجبهة، وقرروا البدء بحرب عصابات بكل وسيلة متوفرة لهم، وانضم إلى الجبهة فصائل أخرى كانت تنتهج مبدأ الإسلام السياسي وكان أفراد الجيش وقوات الشرطة الهدف الرئيسي للمسلحين، الذين اتخذوا من المناطق الجبلية في شمال الجزائر معاقل رئيسية لهم، ولكن المناطق الغنية بالنفط بقيت تحت السيطرة الكاملة للحكومة، وكانت بعيدة عن مناطق الصراع الرئيسية.
أدت هذه الأوضاع المتأزمة إلى تدهور أكثر في الاقتصاد الجزائري، وزاد الوضع تأزمًا بعد اغتيال محمد بوضياف الذي كان أمل الجيش في إعادة الهدوء للبلاد؛ لكونه رمزًا من رموز تحرير الجزائر، والذي تم اغتياله في 29 يونيو 1992 أثناء إلقاء خطاب في مراسيم افتتاح مركز ثقافي في عنّابة على يد أحد أعضاء فريق حمايته، والذي وصف بكونه "متعاطفا مع الإسلاميين" وبعد عملية الاغتيال تلك حكم على عباس مدني وعلي بلحاج بالسجن لمدة 12 عامًا .
في 26 أغسطس 1992 أخذ الصراع منعطفًا خطيرًا، وهو استهداف الرموز المدنية للحكومة، حيت تم استهداف مطار الجزائر وراح ضحية الانفجار 9 قتلى، وأصيب 128 آخرون بجروح، وقامت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الفور بشجب الحادث وإعلان عدم مسئوليتها عن الانفجار، وأصبح واضحًا وبصورة تدريجية أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليست لها الكلمة العليا في توجيه أساليب الصراع المسلح مع الحكومة، وبدأت أسماء مثل مجموعة التكفير والهجرة والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح تبرز إلى السطح، وهذه المجاميع كانت تعتبر متطرفة في تطبيقها لمبدأ الإسلام السياسي مقارنة بأسلوب الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي وصفت بأنها أكثر اعتدالًا. فجماعة التكفير والهجرة على سبيل المثال كانت مصرية المنشأ حيث انبثقت في أواخر الستينيات وانتشرت في العديد من الدول، وبرز اسم الجماعة بصورة ملفتة للنظر في عام 1977؛ حيث أصبح المهندس الزراعي المصري شكري مصطفى زعيمًا للجماعة، وشكري مصطفى كان عضوًا سابقًا في حركة الإخوان المسلمين، ولكنه انتهج أسلوبًا أكثر تشددًا بعد إعدام سيد قطب، وكان محمد بويري الذي قام باغتيال المخرج الهولندي ثيو فان جوخ في 2 نوفمبر 2004 عضوًا في جماعة التكفير والهجرة. كانت هناك بوادر واضحة على انعدام المركزية والتنسيق المنظم بين هذه المجاميع المختلفة، وكان هناك بوادر خلافات بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت الطرف الرئيسي في نشوء الأزمة والفصائل الإسلامية التي انضمت اليها.
في لقاء لقناة العربية الفضائية مع "الأمير الوطني" للجيش الإسلامي للإنقاذ مدني مزراق في 18 أكتوبر 2004 قال مزراق "الجماعة الإسلامية في الحقيقة جمعت شتاتاً غير متجانس، فهناك من كان في الهجرة والتكفير، وهناك من كان في الإخوان، وهناك من كان في التيار السلفي الذي لا يؤمن بالتكفير، وهناك من جاء من الخارج من أفغانستان، وطبعاً جلب معه المتناقضات الموجودة في أفغانستان و"لم تكن الجماعة الإسلامية تملك من النظام والتنظيم ما يسمح لها أن تضبط هؤلاء الأفراد". في ظل عدم وجود تنظيم وقيادة مركزية موحدة بدأت موجة من أعمال العنف التي استهدفت مدنيين كالمعلمين والمدرسين والموظفين والإعلاميين والمفكرين والأجانب بحجة أنهم متعاونون مع السلطة، وكانت الجماعة الإسلامية المسلحة برئاسة عنتر الزوابري وراء الكثير من هذه العمليات. 

المفاوضات

المفاوضات
استمرت أعمال العنف طيلة عام 1994 ولكن الاقتصاد الجزائري بدأ بالتحسن نوعًا ما بعد قدرة الحكومة على تمديد فترة دفع بعض الديون وحصولها على مساعدات مالية عالمية بقيمة 40 مليار دولار، ولم تكن في الأفق بوادر توقف قريب لأعمال العنف، وفي هذه الأثناء وفي 31 يناير 1994 تم اختيار اليمين زروال رئيسًا للدولة لتسيير شئون البلاد في المرحلة الانتقالية؛ حيث كان أول أمازيغي يتقلد مسئولية رئاسة الجمهورية منذ الاستقلال، وكان زروال يفضل مبدأ الحوار والتفاوض أكثر، مقارنة بالرئيس الذي سبقه علي كافي، فبدأ زروال محادثات مع قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المسجونين، وأطلق سراح العديد منهم، وأدى أسلوب زروال إلى حدوث انقسام بين مواقف الجهات المحاربة لفكر الإسلام السياسي، فكانت جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية تفضل التفاوض لحل الأزمة، بينما كان الاتحاد العام للعمال الجزائريين والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ومنظمة الشباب الأحرار الجزائرية كانت تفضل تصفية كاملة لظاهرة الإسلام السياسي المسلح، وبدأت منظمة الشباب الأحرار بالفعل باستهداف من اعتبرتهم "متعاطفين مع الإسلاميين".
في هذه الأثناء برزت الجماعة الإسلامية المسلحة كفصيل نشيط في حرب العصابات، وفي 26 أغسطس 1994 أعلنت الجماعة تطبيقها لقوانين الخلافة الإسلامية، واختارت لقب أمير المؤمنين لزعيمها، واستمرت في استهداف المدنيين، وكان الشاب حسني المطرب الجزائري من بين من تم استهدافهم؛ حيث اغتيل في 29 سبتمبر 1994. 
في هذه الفترة ومحاولة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ لإعادة زمام السيطرة على مجريات الصراع مع الحكومة شكلت الجبهة حركة جديدة ضمت مجاميع كانوا مشتركين بقناعة أن الأساليب المتطرفة التي تنتهجها الجماعة الإسلامية المسلحة سوف تؤدي إلى زيادة الأوضاع سوءا. وتدريجيا أحكمت الجبهة زمام سيطرتها على ما يقارب 50% من العمليات في شرق وغرب الجزائر، ولكن منطقة وسط الجزائر بقيت مسرحًا لعمليات الجماعة الإسلامية المسلحة.
في نهاية عام 1994 أعلن اليمين زروال فشل المفاوضات مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعبر عن نيته في إجراء انتخابات جديدة في مطلع عام 1995 وطرح فكرة إقامة ميليشيات للدفاع عن القرى والأماكن المستهدفة؛ حيث إن تحركات الجيش لم تكن كافية لاحتواء الأزمة. وفي هذه الأثناء تمكن بعض قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ من مغادرة الجزائر إلى روما وبدءوا بمفاوضات مع أحزاب المعارضة الجزائرية الأخرى، واستطاعت أن توحد آراء 5 أحزاب أخرى في 14 يناير 1995، ونتج عن هذا الاتفاق جدول أعمال طالبت باحترام حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية ورفض التحكم المطلق للجيش في إدارة شئون الجزائر، وإطلاق سراح قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والمطالبة بوقف أعمال العنف من قبل جميع الأطراف، ولكن الحكومة لم توقع على هذا الاتفاق، واعتبرتها تدخلًا خارجيًّا في شئون الجزائر .

المذابح

مذبحة ثاليت في 3
مذبحة ثاليت في 3 أبريل 1997
استمرت الجماعة الإسلامية المسلحة بفعالياتها المثيرة للجدل، وخاصة في جنوب الجزائر، وعرفت منطقة نشاطهم باسم "مثلث الموت"، وكانت أطراف هذا المثلث عبارة عن ولاية الجزائر وبليدة والأربعاء، ووقع في هذا المثلث مذابح عديدة، وكانت من أبشع الحملات الدموية التي قامت بها الجماعة هي قتل 400 مدني جزائري في بلدة تبعد 150 ميلًا جنوب غرب الجزائر في 31 ديسمبر 1997، ولم يكن استهداف الجماعة مقتصرًا على أهداف مدنية حكومية، أو شخصيات مدنية فقط، بل إنها بدأت باستهداف الجبهة الإسلامية للإنقاذ أيضًا، وتم في 11 يوليو اغتيال عبد الباقي صحراوي في باريس، وكان صحراوي أحد قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ .
في 16 نوفمبر 1995 فاز اليمين زروال بالانتخابات بأغلبية 60%، وأشار المراقبون العرب والدوليون إلى أن الانتخابات كانت نزيهة، وكان التوجه العام للمقترعين هو إيجاد مخرج من دائرة العنف، بغض النظر عن الجهة السياسية الفائزة في الانتخابات، وبدأ زروال يدفع إلى كتابة دستور جديد للبلاد يمنح الحكومة والرئيس بالتحديد صلاحيات واسعة، وتم تمرير هذا الدستور بعد استفتاء شعبي عام. بدأت الميليشيات الموالية للحكومة بالازدياد والانتشار، وكانت هذه الميليشيات عبارة عن مدنيين تم تدريبهم وتزويدهم بالأسلحة من قبل الجيش. 
في 5 يونيو 1997 فاز الحزب الجديد الذي شكله زروال بأغلبية 156 مقعدًا من أصل 380 في البرلمان الجزائري، وبدأت الحكومة بإبداء مرونة أكثر مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فتم نقل مؤسس الجبهة عباس مدني من السجن إلى الإقامة الجبرية في منزله، ولكن عام 1997 شهد منعطفًا خطيرًا في الصراع حيث بدأت سلسلة من العمليات التي استهدفت المدنيين، وكان الذبح الطريقة الشائعة في هذه المذابح، وفيما يلي قائمة بهذه المذابح :
- مذبحة ثاليت في 3 أبريل 1997 في المدية وقتل فيها 52 شخص من مجموع 53 شخصًا من ساكني القرية .
- مذبحة حوش خميستي في 21 أبريل 1997 وقتل فيها 93 قرويًّا في 3 ساعات.
- مذبحة دائرة لابقوير في 16 يونيو 1997 وقتل فيها 50 مدنيًّا.
- مذبحة سي زيروق في 27 يوليو 1997 وقتل فيها حوالي 50 مدنيا.
- مذبحة قويد الحاد ومزوارة في 3 أغسطس 1997 وقتل فيها ما يقارب 76 مدنيًّا.
- مذبحة سوهاني في 20 أغسطس 1997 وقتل فيها 64 مدنيًّا.
- مذبحة بني علي في 26 أغسطس 1997 وقتل فيها ما يقارب 100 مدني.
- مذبحة ريس في 29 أغسطس 1997 وقتل فيها 400 شخص.
- مذبحة بني مسوس في 5 سبتمبر 1997 وقتل فيها 87 مدنيًّا.
- مذبحة جويلب الكبير في 19 سبتمبر 1997 وقتل فيها 53 مدنيًّا.
- مذبحة بن طلحة في 22 سبتمبر 1997 وقتل فيها 200 قروي.
- مذبحة سيد العنتري في 23 ديسمبر 1997 وقتل فيها 117 مدنيًّا.
- مذبحة ولاية غليزان في 30 ديسمبر 1997 وقتل فيها 272 مدنيًّا.
- مذبحة سيدي حميد في 11 يناير 1998 وقتل فيها 103 مدنيين.
- مذبحة قويد بواجة في 26 مارس 1998 وقتل فيها 52 مدنيًّا.
- مذبحة تاجينا في 8 ديسمبر 1998 وقتل فيها 81 مدنيًّا.
وكانت هذه المذابح التي استهدفت سكان هذه القرى لا تميز بين ذكر أو أنثى، أو بين طفل رضيع وشيخ طاعن في السن، وكانت طرق القتل في غاية الوحشية، وكانت أصابع الاتهام موجهة إلى الجماعة الإسلامية المسلحة التي اعترفت بنفسها عن مسئوليتها عن مذبحتي ريس وبن طلحة، وكان التكفير هو المبرر الذي استعملته الجماعة، فكل جزائري لا يقاتل الحكومة كان في نظرهم كافرًا. 
وكان المبرر الآخر هو انضمام بعض ساكني تلك القرى إلى الميليشيات الموالية للحكومة. من جهة أخرى كانت هناك تقارير من منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، مفادها أن تلك المذابح وقعت على مبعدة مئات الأمتار من مقرات الجيش الجزائري والذي حسب التقارير لم تفعل شيئا لإيقاف المذابح، وكانت هناك إشاعات أن الجيش نفسه قام بعدد من هذه المذابح، وانتشرت هذه الشائعات بعد هروب أفراد من الجيش ولجوئهم إلى دول أوروبية؛ حيث صرح هؤلاء أن الجيش كان له يد في بعض المذابح. 
وبدأت موجة من تبادل الاتهامات عن المسئول عن هذه المذابح؛ حيث بدأت نظريات المؤامرة بالانتشار، وكان من أبرزها أن الحكومة استطاعت التغلغل في صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة، وأن لها دورًا في هذه المذابح وإلقاء مسئوليتها على الجماعة .

ميثاق السلم والمصالحة الوطنية

عبد العزيز بوتفليقة
عبد العزيز بوتفليقة
أدت هذه المذابح إلى حدوث انشقاق في صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة، وانفصل البعض منها؛ بسبب عدم قناعتهم بجدوى تلك الأساليب، وفي 14 سبتمبر 1998 تشكلت المجموعة السلفية للتبشير والجهاد بزعامة حسن حطاب، وفي 11 سبتمبر 1999 فاجأ اليمين زروال العالم بتقديم استقالته، ونظمت انتخابات جديدة في الجزائر، وتم اختيار عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا في 15 أبريل 1999، وحصل استنادًا إلى السلطات الجزائرية على 74% من الأصوات إلا أن بعض المنافسين انسحبوا من الانتخابات؛ بدعوى عدم نزاهة الانتخابات. 
استمر بوتفليقة في الحوار مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي 5 يونيو 1999 حصل على موافقة مبدئية من الجبهة بنزع أسلحتها، وأصدر بوتفليقة العفو عن العديد من المعتقلين، وعرض ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لاستفتاء عام، وفيه عفو عن المسلحين الذين لم يقترفوا أعمال قتل أو اغتصاب إذا ما قرروا العودة ونزع سلاحهم، وتمت الموافقة الشعبية على الميثاق في 16 سبتمبر 1999، وقامت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنزع سلاحها بالكامل في 11 يناير 2000، وفي فبراير 2002 قتل عنتر الزوابري زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة في إحدى المعارك؛ مما أدى إلى تقليل ملحوظ في نشاط الجماعة. 
وتم إطلاق سراح مؤسسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباس مدني وعلي بلحاج، وكان هذا مؤشرًا على ثقة الحكومة بنفسها، وبالفعل كان حدس الحكومة صائبًا، ففي انتخابات عام 2004 حصل بوتفليقة على 85% من الأصوات .

2011 ووضع قانون جديد لحظر الجبهة

صدور قانون جديد للأحزاب في الجزائر2011، يتضمن مادة تمنع إمكانية عودة حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية. يخلف ردود فعل واسعة ومخاوف على مصير المصالحة الوطنية. وقادة الجبهة يطالبون بإلغائه ويهددون باللجوء إلى محاكم دولية.
فقد حسم نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى في البرلمان الجزائري) في ملف عودة قيادات حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور إلى النشاط السياسي، فقد صوتت الأغلبية الثنائية المكونة من حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي على قانون الأحزاب الجديد، الذي تضمنت المادة الرابعة منه منعًا صريحًا "لكل الأشخاص الذين تورطوا في العنف خلال العشرية السوداء"، وهو ما أثار ارتياحًا للبعض وموجة انتقادات للبعض الآخر من الذين يعتبرون السلطة أيضًا طرفًا "مسكوتًا عنه" في المأساة التي شهدتها الجزائر خلال عقد التسعينيات، إثر إلغاء الانتخابات التي فاز فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية، بإيعاز من المؤسسة العسكرية.
وقد قطعت المادة الرابعة من قانون الأحزاب الجديد المصادق عليه من طرف أغلبية نواب المجلس الشعبي الوطني، الطريق أمام عودة نشطاء وقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة للعمل السياسي، سواء بتأسيس حزب جديد، أو إعادة بعث الحزب المنحلّ، أو بتولي مناصب قيادية في أحزاب سياسية أخرى، وأسدل بذلك الستار على القراءات المتعددة لميثاق المصالحة الوطنية والتجاذبات التي عرفتها الطبقة السياسية خلال السنوات الأخيرة بين مطالبين بضرورة إعادة إدماج نشطاء الحزب المحظور في العمل السياسي وبين الرافضين بشدة لذلك، لكن استطاع الطرف الأخير أن يفرض منطقه على التيارات المؤيدة ويمرر المادة الرابعة التي تنص على" منع تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيّرة على كل شخص مسئول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية"، وجاء في إحدى فقرات المادة أيضًا أنه "يمنع من هذا الحق كل من شارك في أعمال إرهابية، أو في تنفيذ سياسة تدعو للعنف والتخريب ضد الأمة ومؤسسات الدولة".
ودفاعًا عن مشروع الحكومة الجديد لقانون الأحزاب في اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني، قال دحو ولد قابلية وزير الداخلية والجماعات المحلية إن أحكامه "تسعى لضمان حرية إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون والتعبير الحر عن آرائها ومشروعها وحرية نشاطاتها؛ شريطة ألا تستغل هذه الحرية في إنشاء حزب قد تم حله".
وسعيًا من السلطات الجزائرية لعدم تكرار النموذج الفكري والأيديولوجي لـ "الحزب المحظور" مستقبلًا، فقد ضمنت القانون الجديد في المادة العاشرة نصًّا صريحًا يمنع استلهام برنامج أي حزب سياسي من "برنامج عمل حزب سياسي مُحل قضائيا".
وفي مواقفها الأولية عقب التصويت على مشروع القانون عبرت قيادات الحزب المحظور عن سخطها على القانون الذي رهن حريتهم السياسية –حسب تعبيرهم- واعتبروه "خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان وانتهاكًا للأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية، وهددوا باللجوء إلى المحاكم الدولية المختصة لمقاضاة النظام الجزائري. وجاء في البيان الذي وقعه رئيس الجبهة عباس مدني أن السلطة تسعى إلى "ترسيم إقصاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحرمان إطاراتها من ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في الممارسة السياسية، واغتصاب حقوقهم السياسية والمدنية".
ومن جانبه اعتبر القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني قاسة عيسى "أن قانون الأحزاب الجديد يشكل تقدمًا كبيرًا في الممارسة السياسية للأحزاب بالجزائر، وتكريسًا لدولة القانون"، أما فيما يتعلق بالمادة الرابعة منه، فأضاف الناطق باسم حزب جبهة التحرير لدويتشه فيله: "المادة جاءت في مسار تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي أيده أغلب الشعب الجزائري في الاستفتاء، وعلى أساس ذلك فلا مكان لأولئك الذين تسببوا في عشرية الدم والدمار التي لحقت بالجزائر على الخريطة السياسية".
وفي تعليقه على قانون الأحزاب والذي أصبح يصطلح عليه من قبل الصحافة الجزائرية بقانون المنع، يقول الصحافي عبد الرزاق بوالقمح لدويتشه فيله: "إن كل مشاريع الإصلاح التي قامت بها السلطة في الجزائر، سواء المشاريع السابقة أو الراهنة نجد أن ظل الأزمة الأمنية ماثلا فيها"، ويضيف بوالقمح: "إن روح وفلسفة القانون الجديد للأحزاب تعاملت بها السلطة منذ اندلاع الأزمة الأمنية سنة 1992، فنجد ذلك في دستور 1996 والقانون العضوي للأحزاب سنة 1997، وكذلك وثيقة "الإفراج المشروط" عن القيادات السياسية للجبهة الإسلامية المسماة "الممنوعات العشر" سنة 2003، وتكرست هذه الفلسفة أكثر في ميثاق المصالحة الوطنية؛ لذلك أرى أن المادة الرابعة والعاشرة من مشروع القانون تدخل في إطار الإجراءات الاحترازية التي تنتهجها السلطة، والإبقاء على خيوط اللعبة السياسية تحت سيطرتها خوفًا من تكرار الأزمة التي مرت بها البلاد ".
أما الصحافي والمحلل السياسي بجريدة صوت الأحرار رياض هويلي، فيرى أن المادة الرابعة التي تمنع قيادات الفيس ونشطائه من العودة للعبة السياسية، ما هي إلا تكريسًا للمادة 26 من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وما جاء في مشروع قانون الأحزاب أملته فقط "حاجة السلطة إلى آلية قانونية تشريعية؛ لتقنين المبدأ، وصد أي محاولة لعودة رموز الإسلام السياسي الراديكالي للمجال السياسي".
واعتبر الحقوقي مصطفى بوشاشي أن نص المادة الرابعة من قانون الأحزاب غير دستوري؛ لأنها تحرم مواطنين جزائريين من حقوقهم السياسية بنص قانوني وليس بحكم قضائي، وهو خرق فاضح للحقوق الأساسية التي ينص عليها أي دستور في العالم، وناشد بوشاشي في اتصال مع دويتشه فيله، الجهات المخولة برفع التماس للمجلس الدستوري لتعطيل مشروع القانون.
ومن جهته، أكد بوجمعة غشير رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن القانون تحدث عن جانب واحد فقط من المتسببين في "المأساة الوطنية، وأغفل دور الطرف الآخر الذي هو السلطة والنظام الذي لم تتحدث عنه المادة إطلاقا، فالمسئولية في المأساة الوطنية مشتركة– يقول غشير- وحدثت تجاوزات وأخطاء وكوارث من الطرفين؛ لذلك فإنه من غير المنطقي إقصاء طرف وإغفال الطرف الآخر".
ويفسر هويلي ذلك بالغموض الذي لا زال يلف ميثاق المصالحة؛ "لأننا نحدد لحد الآن من هم أطراف الأزمة التي جرت المصالحة بينهم؟ وهو ما يعيد الجدل حول المصالحة وآلياتها ومضامينها للمشهد السياسي مستقبلا. ويعتقد بوالقمح أن المخاوف التي تسوقها السلطة لبقايا "الفيس"، مبالغ فيها؛ لأن هذا التيار تلاشى اجتماعيًّا وسياسيًّا مع الوقت؛ بسبب عدة عوامل، منها عزلة قيادته عن الشارع، وعدم صلاحية الخطاب الراديكالي المنغلق- المتخوف منه- لاستقطاب الشباب الجديد المتفتح على كل ثقافات العالم.

الانشقاق في 2014

شهدت الساحة الجزائرية متغيرات سياسية أحدثها قرار الرئيس بوتفليقة الترشح لولاية رابعة رغم تدهور صحته في أبريل 2014. ففي الوقت الذي تقاطع فيه قوى سياسية مهمة الانتخابات الرئاسية احتجاجًا على الولاية الرابعة، أعلن قياديون بارزون في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلّة، دعمهم لرئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس. ويأتي هذا الموقف بعد أقل من 24 ساعة من إعلان زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، عباس مدني، مقاطعة الجبهة للاستحقاقات القادمة.
ورفض أعضاء من مجلس شورى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، ويتعلق الأمر بكل من وزير الشئون الدينية سابقًا، أحمد مراني، ويحيى بوكليخة، وكمال بوخضرة، الانصياع لبيان الشيخ عباس مدني، الذي أصدره من منفاه بقطر أول أمس، والذي أعلن فيه رفض الجبهة المشاركة في انتخابات محددة النتائج سلفًا لصالح مرشح عاجز استحوذت عليه بطانة سوء.
وأوضح المعنيون في بيانهم المعنون بـ"إعلان تذكرة ومساندة" أن دعمهم للأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، جاءت من باب الدعوة لمواجهة الفتنة وغلق بابها، وليس تحاملًا ضد "أخينا المريض- عبد العزيز بوتفليقة- الذي واجبنا عيادته والدعوة له بالشفاء وبحسن الخاتمة".
وحذّر القياديون المنشقون، مما وصفوه بالغلو في "احتكار حب الوطن، على فئة معينة، وإقصاء كل من يرى حبه للوطن بالتجديد وتحديث وإصلاح ومساهمة الجميع بدون حسد وحقد ومس للحرمات"، حتى لا تتكرر مأساة الغلو في الدين التي عرفتها الجزائر تسعينيات القرن الماضي على حد تعبيرهم.
وانتقد رموز الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة احتكار السلطة بمنطق التخويف، مبرزين أن الرئيس بوتفليقة مريض وعاجز، والله رفع عنه كل التكاليف الشرعية من صوم وحج وصلاة وجهاد، فما بالكم بإمارة الأمة؟ معتبرين مسألة ترشيح الرئيس بوتفليقة، لولاية رابعة تجاوزًا على حكم الله وتعسيرًا على الرجل وتضييقًا عليه.
ووجه هؤلاء نداء لمن وصفوهم بعقلاء الأمة للتجنيد في دعوة الشعب للاصطفاف وراء رجل متمكن من قواه، وتتوفر فيه شروط القيادة الحكيمة والرحيمة، في إشارة منهم إلى رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، مبرزين امتلاك الجزائر لمقومات النجاح والفلاح من مال ورجال.
ورغم "الانقسام" الحاصل في هرم قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلّة، خاصة بعد انتقاد زعيم ما عرف بالجيش الإسلامي للإنقاذ (الذراع المسلح للحزب) لعباس مدني، وتأكيده على أن إطارات وقواعد الجبهة لا تزال في مشاورات، ولم تفصل بعد في موقفها من الاستحقاق القادم.. لم يمنع ذلك المترشحين لاستعطاف قواعد الجبهة، في تجمعاتهم الشعبية، من خلال اللعب على وتر تسوية وضعيات المتضررين من مأساة الأزمة الوطنية؛ نظرًا لحكم الوعاء الانتخابي لأنصار الحزب المحل في ظل العزوف الانتخابي الذي أصبح يهدد الموعد القادم أكثر من أي وقت مضى.

الجبهة والانتخابات الرئاسية

الجبهة والانتخابات
طعنت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، السبت 19 أبريل 2014 ، في نتائج انتخابات الرئاسة، التي أفرزت فوز عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا لولاية رابعة، مر إليها، عبر كرسي متحرك.
ووصفت الجبهة، انتخابات الخميس 17 أبريل بـ"المهزلة" وقالت في بيان لها، وقعه رئيسها، عباس مدني بالدوحة، "هكذا تتواصل المهازل في بلاد الشهداء في ظل فضائح انتخابية أدخل النظام الجزائري فيها البلاد في المجهول بتعريض وحدتها ومستقبل أجيالها للخطر الداهم".
وأفادت الجبهة أنها "تهنئ الشعب الجزائري على وقفته في مقاطعته الواسعة التاريخية لمهزلة الانتخابات الرئاسية تعبيرا منه عن رفضه لسياسة الأمر الواقع، والتي تعني رغبته في تغيير النظام تغييرا جذريا".
وكانت جبهة الإنقاذ، أعلنت مقاطعتها انتخابات الرئاسة، وقالت قبل إجرائها إنها "معلومة النتائج" ودعت الشعب الجزائري إلى عدم التصويت.
وقاطع انتخابات الرئاسة، الخميس، نصف من يحق لهم التصويت، حيث امتنع 49% من الجزائريين عن التوجه إلى مراكز الانتخاب لاختيار رئيس من ستة مترشحين. وهي أكبر نسبة مقاطعة تشهدها انتخابات رئاسية منذ استقلال البلاد العام 1962.
وانتخب بوتفليقة رئيسا لولاية رابعة، وهو على كرسي متحرك.   
واعتبرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي منع نشاطها عام 1992، أن "النظام  غير عابئ بأصوات عقلاء الأمة ونخبها وفعالياتها التي نبهت إلى جسامة المخاطر التي تتهدد البلاد".
ودعا الشيخ عباسي مدني، القوى السياسية والمجتمع المدني إلى "ترك الحسابات السياسية الضيقة جانبا وتنظيم لقاء وطني جامع للتباحث حول تحديات المرحلة وإمكانات مواجهتها وحول كيفية الذهاب إلى المرحلة الانتقالية"، كما ندد "بكافة أشكال العنف التي انتهجها النظام لقمع المحتجين وتطالب بإطلاق سراح الموقوفين فورا".

حول التوافق الوطني

حول التوافق الوطني
في الأول من يونيه 2015، رفض قيادي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، علي بن حاج، تفسير فكرة "إعادة بناء التوافق الوطني" على أن السلطة تقف وراءها، ويعلن بن حاج تبنيه مقترح إشراك السلطة في التغيير، "لأن الحل السلس الذي نبحث عنه للأزمة السياسية، يستدعي مسايرة الواقع". ونفى بن حاج أخبارا تم تداولها حول "إقصائه" من المشاركة في اللقاء الذي جرى بين قياديين من الفيس وقيادة الأفافاس.
وذكر بن حاج أن كمال ڤمازي وعلي جدي وعبد القادر بوخمخم، الذين التقوا مسؤولي الأفافاس، في مايو الماضي 2015، "اتصلوا بي بمجرد أن تمت دعوتهم للقاء، وطلبوا رأيي بخصوص ما يمكن أن يطرحه حزبنا بشأن مبادرة الأفافاس. وجرى الاتفاق على أن يتجه الإخوة الثلاثة إلى الأفافاس، ولم يكن مهمًا أن أكون أنا معهم لأننا لا نتعامل بالشخصانية في حزبنا، ومن تتبع مسارنا يعرف أنني لم أتواجد في أغلب الاجتماعات التي عقدها الحزب في بداياته مع أطراف من خارجه. ولذلك فالأخبار التي تناولت إقصائي المزعوم من لقاء الأفافاس، ليست صحيحة".
وأفاد نائب رئيس الفيس بأن رفاقه تفاعلوا مع الأفافاس حول عدة قضايا، أهمها إنشاء مجلس تأسيسي وإطلاق مرحلة انتقالية يشرف عليها رئيس ينتخب لعهدة واحدة فقط. وتتم هذه الخطوات، الهادفة إلى إحداث التغيير، حسب بن حاج، بمشاركة السلطة. وإن كان هذا الطرح يبدو غريبا بالنسبة لحزب وقيادة لم تهادن أبدا السلطة، يذكر بن حاج أن بيانات سابقة للحزب تضمنت هذا الطرح: "فنحن نعتقد أن إشراك النظام في مرافقة التغيير يجنَبنا الوقوع في حرب جديدة".
وتشكل هذه الأفكار حجر الزاوية في "الورقة البيضاء" التي دعا الأفافاس الأحزاب إلى تدوين مقترحاتهم فيها، بخصوص "إعادة بناء التوافق (أو الإجماع) الوطني"، فهل هو التقارب بين الفيس والنظام تحت شعار “الواقعية”؟ وهل يحتمل أن يكون الأفافاس هو الوسيط المكلف بإحداثه بين طرفين جمعتهما عداوة شديدة في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات؟ وأوضح بن حاج أن الفيس أول من طرح فكرة تنظيم رئاسيات مسبقة، وكان ذلك في ندوة مزافران التي عقدتها المعارضة في يونيو 2014.
ويقول إن تنسيقية الانتقال الديمقراطي تبنتها ودعت إليها في وقت لاحق. وأضاف: "رأينا في الفيس أن الأزمة عميقة وهي سياسية بالأساس، والدليل على ذلك أن كل قطاعات النشاط تعرف احتجاجا وبشكل يومي، وهذا يعني أن الجزائر تسير من دون رئيس ومن دون خطة، وأن الدولة تتعامل حاليا بردود الفعل ولا تبادر بالأفعال". وفيما يرى قطاع واسع من المتتبعين أن مؤسسة الرئاسة تمارس نفوذا حصريا على السلطة، منذ التغييرات التي أجراها رئيس الجمهورية في الجيش في سبتمبر 2013، يقول بن حاج إن المؤسسة العسكرية “لازالت هي الحاكم الفعلي، لكن ممارسة الحكم فيها انتقل من جناح إلى جناح آخر. وحتى أكون دقيقا، أنا أعتقد أن بوتفليقة ارتكز على فايد صالح في الترشح ثم الفوز بعهدة رابعة. أما القول إن الجيش لم يعد له أثر في القرارات الكبرى، فهذا غير صحيح".
وعن الجدل الذي يثار حول "غلبة" الجناح العسكري في الفيس على قادته السياسيين، أبدى بن حاج تحفظا في توجيه انتقاد لمدني مزراڤ، مسئول جيش الإنقاذ المحل، ومع ذلك قال: "أدرك جيدا أن هناك أطرافا تسعى لتأسيس حزب بديل لجبهة الإنقاذ، وأؤكد أن الجبهة لم يكن لديها يوما ذراع مسلحة، لأننا اخترنا ممارسة السياسة، وإنما نشأ جناح عسكري كطارئ ولم يكن الأصل، والأسباب التي دفعت الذين حملوا السلاح معروفة، ولمن لم يتابع ظروف نشأة الفيس، أذكره بأن الكثير من الإخوة رفضوا الخوض معنا في السياسة قناعة منهم بأن هذا النظام لا يأت إلا بالقوة".

شارك

موضوعات ذات صلة