العلويون ...ألف عام من العزلة.. كتاب جديد يربط بين الماضي والحاضر
الإثنين 22/سبتمبر/2025 - 11:11 ص
طباعة

صدر حديثًا عن دار الرافدين كتاب «العلويون/ ألف عام من العزلة» للكاتب والصحافي السوري نبيل صالح، الذي يخوض من خلاله رحلة فكرية ومعرفية معمّقة في تاريخ طائفة ظلّت لقرون طويلة محاطة بالغموض، ومثقلة بذاكرة من العزلة والاضطهاد، لكنها في الوقت نفسه احتفظت بقدرتها على البقاء، وعلى صياغة هوية خاصة بها داخل النسيج المعقّد للمشرق الإسلامي.
يستهل صالح كتابه بطرح سؤال الهوية العلوية، وكيف تشكّلت عبر التاريخ في مواجهة ضغوط سياسية واجتماعية وثقافية سعت في معظم الأحيان إلى إقصائها أو تشويه صورتها. فالعلويون، الذين نشأوا ضمن التربة الفكرية للإسلام الشيعي، لم يكتفوا باستقبال الموروث كما هو، بل أعادوا صياغته وخلطوه بعناصر روحية ورمزية تعود إلى حضارات أقدم، كالفينيقية والكنعانية، لتنتج تركيبة عقدية وثقافية ظلّت لزمن طويل محل جدل وتفسير.
يتتبّع الكتاب جذور الطائفة منذ بداياتها الأولى في القرن الثالث الهجري، مع تبلور فكر الإمام محمد بن نصير النميري الذي شكّل الأساس الأولي للعقيدة العلوية. ويرصد الكيفية التي تحوّلت بها هذه الطائفة من حركة فكرية وروحية صغيرة إلى جماعة اجتماعية متماسكة، تتوارث رموزها وتعاليمها عبر الطقوس الباطنية والاحتفاليات الدينية، متكيفة مع الواقع المتقلّب للشرق الإسلامي الذي لم يكن يتسامح مع الاختلاف بسهولة.
وفي سرديته، لا يكتفي صالح بالتأريخ السياسي للعلويين، بل يسعى إلى قراءة أعمق لأسباب العزلة الطويلة التي عاشوها. فهو يرى أن هذه العزلة لم تكن فقط نتيجة لاضطهاد خارجي أو حملات تكفير متتالية من السلطات الدينية السائدة، بل أيضًا خيارًا واعيًا لحماية الذات وحفظ الأسرار العقدية من الذوبان أو التشويه. ومن هنا جاء عنوان الكتاب: «ألف عام من العزلة»، كناية عن التجربة الجمعية التي عاشتها الطائفة في مواجهة محيط متوتر وعدائي في أغلب الأحيان.
يستعرض الكتاب المحطات المفصلية في تاريخ العلويين: من محاولات اندماجهم القسرية في ظل السلطنة العباسية، مرورًا بمرحلة المماليك والعثمانيين التي شهدت موجات قمع عنيفة، وصولًا إلى بروزهم التدريجي في العصر الحديث، خصوصًا مع صعود الدولة الوطنية في سوريا. ولا يغفل صالح عن التوقف عند الدور السياسي والاجتماعي الذي لعبه العلويون في القرن العشرين، حيث تحوّلوا من طائفة مهمشة إلى لاعب رئيسي في المشهد السوري المعاصر، مع ما حمله ذلك من إشكالات جديدة تتعلق بعلاقتهم بالسلطة والمجتمع.
من أبرز ما يميّز الكتاب هو محاولته ربط الماضي بالحاضر: فالتاريخ الطويل من العزلة والاضطهاد، برأي المؤلف، لا يزال يلقي بظلاله على الحاضر، إذ تواجه الطائفة اليوم تحديًا وجوديًا يتمثل في إعادة تعريف ذاتها وسط تحوّلات إقليمية ودولية عاصفة. فهل يمكن للعلويين أن ينفتحوا على محيطهم من دون فقدان خصوصيتهم الروحية؟ وهل يسعهم أن يشاركوا في بناء مشترك مع بقية مكوّنات الأمة الإسلامية والعربية بعد قرون من العزلة؟
بهذا الطرح، يغدو الكتاب ليس مجرد دراسة تاريخية، بل أيضًا قراءة نقدية في معنى الهوية، وحدود العزلة، وإمكانات التعايش. يكتب نبيل صالح بلغة صحافية سلسة، لكن مشبعة بالعمق البحثي، محاولًا أن يضيء مناطق ظلّ طالما أُهملت أو أُقصيت من السرديات الرسمية للتاريخ الإسلامي.
إن «العلويون/ ألف عام من العزلة» يفتح نافذة على عالم ظلّ مغلقًا، ويقدّم للقارئ فرصة للتعرّف إلى تاريخ طائفة شكّلت، وما تزال، أحد خيوط النسيج المتشابك للمشرق، بكل ما يحمله هذا النسيج من تناقضات وصراعات وآمال.
والعَلَويّون (المعروفون تاريخيًا بـ النصيريين) فرقة دينية إسلامية تُصنَّف ضمن الشيعة الإمامية الإثني عشرية، لكن عقيدتهم تحمل خصوصيات عقائدية وروحية باطنية تميزهم عن غيرهم. نشأ مذهبهم في القرن الثالث الهجري على يد محمد بن نصير النميري بعد الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، وتطوّر عبر تلاميذه وشيوخ الطائفة.
ومن أهم ملامح عقيدتهم يقوم مذهبهم على التشيع للإمام علي بن أبي طالب، حيث يُعَدّ محورًا مركزيًا في العقيدة، بل يذهبون إلى تأويلات خاصة لمقامه الروحي.
* يميلون إلى الباطنية والتأويل الرمزي للنصوص الدينية؛ فلكل ظاهر معنى، ولباطنه أسرار لا تُفشى إلا للمقرّبين من أبناء الطائفة.
* يتأثر تراثهم بعناصر من الفكر الغنوصي والرموز الفينيقية والكنعانية، مما جعل طقوسهم ذات طابع خاص.
* لديهم أعياد واحتفالات تجمع بين المناسبات الإسلامية الشيعية (كعاشوراء والغدير) وعناصر موروثة من ديانات قديمة (مثل الاحتفال ببعض الأعياد الزراعية).
* تاريخيًا، اعتمدوا التقية والعزلة حفاظًا على وجودهم بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد وتكفير.
اليوم يُعَدّ العلويون مكوّنًا دينيًا واجتماعيًا أساسيًا في سوريا ولبنان وتركيا ويُعرفون بمشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية الحديثة، خصوصًا في سوريا حيث أصبحوا قوة مؤثرة منذ منتصف القرن العشرين.