الإخوان أمام العزلة الدولية: استراتيجيات الصمود والتشبيك العالمي
الثلاثاء 02/ديسمبر/2025 - 11:07 ص
طباعة
حسام الحداد
برزت جماعة الإخوان المسلمين في نوفمبر 2025، في دائرة الاهتمام الدولي بشكل لافت، نتيجة تصاعد الضغوط الغربية والعربية التي تهدف إلى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية على الصعيد الدولي. هذه التحركات لم تكن محصورة في إطار محلي، بل امتدت إلى أبعاد إقليمية وعالمية، حيث ركزت على الدفاع عن وجودها السياسي والأيديولوجي وإعادة بناء صورتها أمام الرأي العام العالمي. الإخوان، الذين أسسوا حركتهم في مصر عام 1928 بهدف دمج الدعوة الإسلامية مع العمل السياسي، وجدوا أنفسهم أمام تحديات متعددة تشمل العقوبات الاقتصادية، القيود القانونية، وحملات الإعلام والدعاية السلبية التي وصفت فروعهم بأنها داعمة للعنف والإرهاب.
رد الجماعة على هذه الضغوط اتخذ أشكالًا متعددة، بدءًا من نشر التحليلات والمقالات عبر منصاتها الإعلامية الرسمية، مرورًا بتنسيق اجتماعات دولية بين الفروع لتعزيز التكتل والتشبيك، وصولًا إلى محاولة إبراز صورة الجماعة ككيان يركز على "الإصلاح السلمي" والحقوق المدنية. وفي الوقت نفسه، لم تتوقف الجماعة عن محاولة تعزيز قدرتها على الصمود داخليًا من خلال إعادة توجيه قواعدها الشعبية، مع مراعاة التوازن بين الاستراتيجيات الدفاعية في الإعلام والتمكين التدريجي على المستوى الإقليمي والدولي. هذا المناخ يعكس تعقيد التحديات التي تواجه الإخوان، ويبرز أن نوفمبر 2025 كان فترة حاسمة في مسار الجماعة نحو مواجهة العزلة الدولية وإعادة صياغة دورها في المشهد السياسي العالمي.
الضغوط الأمريكية
في 24 نوفمبر 2025، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يشرع في إجراءات تصنيف فروع محددة من جماعة الإخوان المسلمين، على أنها "منظمات إرهابية أجنبية" (FTO) و"إرهابيين عالميين محددين" (SDGT). هذه الخطوة تمثل تصعيداً مباشراً في موقف الولايات المتحدة تجاه الجماعة، وتعكس اهتمام واشنطن بتقييد نشاطها السياسي والأيديولوجي على المستوى الدولي.
لقرار الأمريكي استند إلى مجموعة من الاتهامات المرتبطة بالعنف والإرهاب. من بين أبرز هذه الاتهامات دعم قادة الفرع الأردني للجماعة لحركة حماس، وهو ما يُعد تدخلاً مباشراً في نزاعات إقليمية معقدة.
إضافة إلى ذلك، وجهت السلطات الأمريكية انتقادات إلى قيادي مصري داخل الإخوان دعا إلى استهداف حلفاء الولايات المتحدة في أحداث 7 أكتوبر 2023، ما يُظهر استمرار بعض الفروع في تبني خطاب تحريضي على العنف. كما تورط الجناح العسكري اللبناني للجماعة في هجمات صاروخية مشتركة مع حماس وحزب الله، وفقاً لتقارير استخباراتية أمريكية.
على المستوى التشريعي، أعاد نواب أمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهم ماريو دياز-بالارت وجاريد موسكوفيتز، تقديم مشروع قانون يهدف إلى تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية في يوليو 2025. يعكس هذا التعاون الثنائي رغبة الكونغرس في تبني موقف صارم تجاه الجماعة، بغض النظر عن الانتماء الحزبي.
بعد صدور الأمر التنفيذي، من المتوقع أن تقدم وزارة الخارجية والخزانة الأمريكية تقريراً مشتركاً خلال 30 يوماً لتحديد الفروع التي ستُدرج تحت التصنيف الإرهابي. هذا التقرير سيحدد نطاق العقوبات المحتملة ويضع الخطط العملية لتقييد نشاط الجماعة وتمويلها الدولي.
تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية يُفتح الباب أمام فرض عقوبات مالية صارمة على الأعضاء والفروع، ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة. هذه الخطوات يمكن أن تؤثر مباشرة على قدرة الجماعة على جمع التمويل أو إنشاء شبكات دعم دولية، مما يزيد من عزلة الإخوان على الصعيد العالمي.
في مواجهة هذه الضغوط، نشر الإخوان عبر موقعهم الرسمي "إخوان أونلاين" في 29 نوفمبر 2025 سلسلة مقالات تحليلية، مثل "إستراتيجيات المواجهة الشعبية". ركزت هذه المقالات على الدعوة إلى الصمود الشعبي في مواجهة "الضربات المتوالية"، مع تسليط الضوء على "التململ" الشعبي ضد الحكومات والأنظمة التي تتعاون مع الضغوط الخارجية.يُظهر رد الجماعة رغبتها في إعادة توجيه جمهورها نحو خطاب الدفاع عن النفس والتأكيد على وجودها السياسي، مع محاولة تصوير الضغوط الأمريكية كجزء من حملة دولية ضد الحقوق والحريات الإسلامية. هذا التوجه يعكس استراتيجية الإخوان التقليدية في التكيف مع الأزمات، من خلال تعزيز التماسك الداخلي وتشجيع نشاطات مؤيدة للجماعة على الصعيد الشعبي، مع تجنب التصعيد المباشر في المواجهة العسكرية أو الإرهابية.
الاحتجاجات الأوروبية
في 16 نوفمبر 2025، شهدت عدة عواصم أوروبية، من بينها فيينا وبراغ، احتجاجات جماهيرية واسعة طالبت بحظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها كمنظمة إرهابية. هذه الاحتجاجات جاءت في سياق تصاعد المخاوف الأوروبية من توسع نفوذ الجماعة على الأراضي الأوروبية، وخصوصاً بعد تقارير استخباراتية فرنسية وبلجيكية حول "تسلل" أعضاء الإخوان إلى مؤسسات سياسية ومدنية.
تشير التقارير إلى أن ملايين الأوروبيين شاركوا في هذه المظاهرات، ما يعكس مستوى القلق الشعبي تجاه نشاطات الجماعة في القارة. المشاركون طالبوا بفرض قيود صارمة على تمويل الإخوان وأنشطتهم، معتبرين أن الجماعة تشكل تهديداً للأمن القومي الأوروبي واستقرار المجتمعات.
الاحتجاجات لم تكن محض رد فعل شعبي عفوي، بل جاءت مدعومة بمعلومات استخباراتية تشير إلى محاولات الجماعة التأثير على السياسات الأوروبية من خلال قنوات مدنية وسياسية، بما في ذلك تمويل مشاريع اجتماعية وثقافية تُستخدم كواجهة لأنشطة سياسية أوسع.
في 23 نوفمبر، تصاعدت الاحتجاجات لتشمل أكثر من 70 منظمة مجتمع مدني، تجمعت أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مطالبة بالتحقيق في مصادر تمويل الإخوان من أموال الاتحاد الأوروبي. هذا النشاط يعكس وعي المنظمات الأوروبية بالدور المالي الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد في دعم جماعات قد تُستخدم كأدوات نفوذ خارجي.
طالبت هذه المنظمات بإصدار إجراءات لحظر الجماعة على المستوى الدولي، معتبرة أن تمويل الإخوان يهدد الأمن العالمي ويُمكّنها من التمدد خارج حدودها التقليدية. كما ركزت على ضرورة مساءلة الجهات الأوروبية المانحة عن دعم مشاريع الجماعة المباشرة وغير المباشرة.
لم تصدر جماعة الإخوان المسلمين بياناً رسمياً يرد مباشرة على هذه الاحتجاجات أو المطالب القانونية. عدم إصدار بيان رسمي يمكن تفسيره على أنه محاولة لتجنب تصعيد الصراع الإعلامي أو الاعتراف بالضغط المتزايد عليها، مع الحفاظ على صورة الجماعة أمام أنصارها كمنظمة سلمية.
في المقابل، أصدر اتحاد مسلمي أوروبا، الذي يُعرف بعلاقته الوثيقة بالإخوان، بيانات غير مباشرة على موقعه الإلكتروني، أكد فيها أن الجماعة "غير عنيفة" وتركز على "الإصلاح السلمي". هذا الرد يهدف إلى تهدئة الرأي العام الأوروبي وإعادة صياغة صورة الجماعة بعيداً عن أي اتهامات بالعنف أو التطرف.
هذه الاحتجاجات تكشف عن تصاعد الضغط الدولي على الإخوان في أوروبا، وتوضح أن الجماعة تواجه تحدياً مزدوجاً: التعامل مع الحملة الشعبية الموجهة ضدها، وفي الوقت نفسه إعادة صياغة خطابها لتجنب المزيد من العزلة السياسية والقانونية. كما يظهر أن الجماعة تعتمد على التحالفات غير المباشرة، مثل اتحاد مسلمي أوروبا، لتقديم ردود مدروسة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطات أو الرأي العام الأوروبي.
الاجتماعات الداخلية والتنسيق العالمي
في 24 نوفمبر 2025، نظم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين اجتماعًا حاشدًا في مدينة لاهور الباكستانية، على هامش مؤتمر الجماعة الإسلامية، وهو الفرع الباكستاني للإخوان. هذا الاجتماع جاء في توقيت حاسم، بعد إعلان الإدارة الأمريكية نيتها تصنيف بعض فروع الجماعة كمنظمات إرهابية، مما يعكس استجابة استراتيجية سريعة من القيادة الدولية للإخوان.
ركز الاجتماع على مفهوم "التكمين"، أي بناء القوة التدريجي على المستويات السياسية والاجتماعية والمالية، بدلاً من التصعيد المباشر. هذا المفهوم يعكس استراتيجية تاريخية للإخوان تعتمد على التغلغل داخل المجتمعات والمؤسسات، مع الحفاظ على مرونة تحركاتها الدولية لتجنب الملاحقات القانونية المباشرة.
شارك في الاجتماع قيادات من فروع الإخوان في الأردن، إندونيسيا، وأوروبا، تحت قيادة صلاح عبد الحق، القائم بأعمال المرشد بعد وفاة إبراهيم منير في 2022. حضور هذه القيادات يشير إلى أن الاجتماع لم يكن محليًا فحسب، بل محاولة لإعادة تنسيق الشبكات الدولية وتعزيز "التشبيك" بين الفروع لمواجهة الضغوط الخارجية.
الاجتماع اعتُبر رداً على الإعلان الأمريكي من حيث توقيته ومضمون النقاشات. كان الهدف الرئيسي للقيادات تعزيز استراتيجية الدفاع الجماعي، بما يشمل تبادل المعلومات، دعم الفروع المهددة بالعقوبات، والتخطيط لكيفية إدارة الأزمة في ظل تصعيد ضغوط واشنطن.
في السودان، كشفت العقوبات الأمريكية، التي بدأت في سبتمبر 2025 وتمتد آثارها إلى نوفمبر، عن تعاون بين فروع الإخوان وإيران. شمل هذا التعاون تدريب مقاتلين ضمن كتيبة "البراء بن مالك" على المواجهة العسكرية ضد قوات الدعم السريع، ما يوضح قدرة الجماعة على توسيع نفوذها العسكري على المستوى الإقليمي، بعيدًا عن النشاط السياسي العلني.
النشاطات العسكرية للإخوان في السودان أدت إلى نزوح آلاف المدنيين في دارفور، ما يسلط الضوء على الأبعاد الإنسانية غير المباشرة لاستراتيجيات الجماعة في التمكين العسكري والتشبيك الإقليمي، وهو مؤشر على خطورة امتداد نفوذ الجماعة خارج نطاق النشاط السياسي السلمي المعلن.
الاجتماع في لاهور يعكس أن الإخوان يسعون لتعزيز قدرتهم على الصمود أمام "الحصار الدولي" من خلال بناء تحالفات إقليمية ودولية. هذا يشمل تنسيق فروعهم في آسيا وأوروبا، وربطها بالتحالفات مع دول أو جماعات يمكن أن تقدم دعمًا لوجستيًا أو عسكريًا، بما يضمن استمرار نشاط الجماعة رغم الضغوط.
هذه الاجتماعات تكشف أن الإخوان يعتمدون على نهج مزدوج: مواجهة الضغوط السياسية والدبلوماسية عبر الخطاب الإعلامي والتحالفات الدولية، وفي الوقت نفسه توسيع قدراتهم العسكرية والإقليمية بعيدًا عن المراقبة المباشرة. هذا النهج يعكس قدرة الجماعة على التحول والتكيف في ظل الأزمات، لكنه يزيد من خطورة تصاعد الصراعات في مناطق التوتر، ويضع الجماعة في مرمى التحليل الأمني والاستخباراتي الدولي بشكل مستمر.
السياقات الإقليمية والداخلية
الوضع في الأردن بعد الحظر: بعد أن حظرت السلطات الأردنية جماعة الإخوان المسلمين في أبريل 2025 على خلفية كشف مخطط تفجيري، استمرت الإجراءات الأمنية والتحقيقية طوال نوفمبر. هذا يشير إلى حرص الدولة على متابعة جميع فروع وأنشطة الجماعة، وضمان عدم قدرة التنظيم على إعادة بناء شبكاته الإرهابية أو السياسية داخل البلاد.
في نوفمبر، نفذت السلطات الأردنية سلسلة اعتقالات إضافية ضد قيادات وأعضاء بارزين في الجماعة، كما تم مصادرة أصول وممتلكات مرتبطة بأنشطة التنظيم. هذه الخطوة تهدف إلى تقليص قدرة الجماعة على تمويل عملياتها الداخلية والدولية، وقطع أي مسارات مالية قد تستخدم لإعادة التموضع.
الوضع في مصر: الجماعة محظورة رسمياً منذ 2013، ومع ذلك، لا تزال تحافظ على وجود غير علني في بعض الأوساط الاجتماعية والسياسية. التصنيف الأمريكي المحتمل لفروع الإخوان يزيد من الضغط على الجماعة داخليًا، حيث يفتح الباب أمام مزيد من التدابير الأمنية ويقوض أي محاولات لإعادة النشاط السياسي العلني.
تقارير متعددة أفادت بظهور انشقاقات بين الشباب داخل الجماعة، نتيجة لتصاعد الضغوط المالية والسياسية، بالإضافة إلى خلافات حول استراتيجيات الصمود والمواجهة. هذه الانقسامات تعكس صعوبة الحفاظ على الوحدة التنظيمية في ظل حصار دولي وإقليمي متنامٍ.
الوضع في الجزائر: الجيش الجزائري يراقب عن كثب نشاط "إخوان الجزائر"، المعروف باسم حركة المجتمع الإسلامي، مع تحذيرات متكررة حول محاولات الجماعة تحفيز احتجاجات شعبية أو التأثير على السياسة الداخلية. هذا يظهر حساسية الدولة الجزائرية تجاه أي نشاط قد يشكل تهديداً للأمن القومي، خاصة في ظل تاريخ الجماعة في التأثير على الحراك الاجتماعي والسياسي.
تحركات الإخوان في الجزائر، رغم محدوديتها، تبدو موجهة لاختبار ردود الفعل الشعبية والعسكرية على نشاطات المعارضة، وهو ما يشير إلى اعتماد الجماعة على أسلوب "العين على السلطة، والأخرى على الجيش"، أي محاولة التأثير على الشارع مع مراقبة ردود الفعل الرسمية لتجنب المواجهة المباشرة.
تحليل الاستراتيجية الإقليمية: سياقات الأردن ومصر والجزائر توضح أن الإخوان يعتمدون على نمط تكيفي متباين وفق البيئة المحلية: مواجهة الحظر الصريح بالتحركات السرية، محاولة استغلال الفراغ الشعبي أو الانقسامات الداخلية، وفي الوقت نفسه البحث عن تحالفات دولية وإقليمية لتعزيز قدرتهم على الصمود أمام الضغوط.
هذه السياقات المحلية تكشف هشاشة الجماعة في مواجهة الدولة والمجتمع، لكنها في الوقت نفسه تظهر القدرة على التكيف الجزئي من خلال استراتيجيات سرية أو رمزية. الضغوط الداخلية تتكامل مع العقوبات الدولية لتشكيل بيئة معقدة تهدد استدامة فروع الجماعة، وتجعل أي نشاط علني محفوفاً بالمخاطر القانونية والأمنية.
الأبعاد الإعلامية والدعائية
تلعب المنصات الإعلامية الرقمية والإلكترونية دوراً مركزياً في استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة الضغوط الدولية. مواقع مثل "إخوان أونلاين" ووسائل التواصل الاجتماعي تستخدم كأدوات لإعادة صياغة خطاب الجماعة بطريقة تبدو سلمية ومعتدلة، مع الترويج لفكرة الدفاع عن الحقوق والحريات الإسلامية. هذا يسمح للجماعة بالحفاظ على جمهورها الأساسي دون التصادم المباشر مع العقوبات أو الحظر.
الجماعة تستخدم تحليلات سياسية وتقارير استخباراتية لتوجيه خطابها الإعلامي، مستغلة الأحداث الإقليمية والعالمية لتقديم نفسها كمتضررة من حملات تشويه أو حملات سياسية دولية. هذه الطريقة تساعد على تشكيل رواية إعلامية مضادة تُظهر الجماعة ضحية للضغوط أكثر من كونها طرفاً فاعلاً في النزاعات أو الأعمال المسلحة.
في أوروبا، استغلت الجماعة احتجاجات الرأي العام لتقليل الضغط عليها، من خلال نشر بيانات غير مباشرة عبر اتحادات مرتبطة بها، مثل اتحاد مسلمي أوروبا، لتأكيد الطابع السلمي لنشاطها. هذا يعكس قدرة الجماعة على توجيه الرسائل عبر وسطاء، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطات، وهو عنصر أساسي في استراتيجيتها الإعلامية الدفاعية.
الأسلوب الدعائي للإخوان يعتمد على دمج الرمزية الدينية مع المواقف السياسية، وهو ما يعزز التماسك الداخلي بين الأعضاء ويشجع على مشاركة الجمهور في الدفاع عن الجماعة. بهذا الأسلوب، تحافظ الجماعة على قاعدة جماهيرية نشطة، حتى في ظل الضغوط الدولية وتصنيفات الإرهاب.
الأبعاد الفكرية والإيديولوجية
على الرغم من الضغوط الدولية، تواصل جماعة الإخوان ادعائها بالحفاظ على خطها الفكري الأساسي، الذي يركز على الدعوة للإسلام السياسي من خلال "الإصلاح السلمي". هذا يعكس قدرة الجماعة على التكيف دون التخلي عن رؤيتها الإيديولوجية الأساسية، مع التمييز بين خطابها الداخلي والخارجي لتجنب الملاحقة القانونية.
الانقسامات الداخلية بين الشباب والكوادر التنفيذية تمثل تحديًا حقيقيًا للجماعة، إذ تؤدي هذه الانقسامات إلى جدالات حول استراتيجيات الصمود والمواجهة، وتخلق فرصة لإعادة تقييم الرسائل الفكرية والبرامج التدريبية على المستوى المحلي والإقليمي.
الجماعة تعمل على تطوير خطاب مرن يمكن أن يتحول بحسب سياق الضغوط: خطاب سلمي أمام الجمهور الدولي، وخطاب تحريضي أو داعم للعنف في مناطق معينة أو في أطر سرية. هذا يعكس نهج "الوجهين" الذي استخدمته الجماعة تاريخياً للتكيف مع القيود القانونية والسياسية.
التحدي الإيديولوجي الأكبر يتمثل في كيفية إعادة توجيه الشباب المندفع والمناصرين الذين قد يسعون إلى تصعيد النشاط، مع الحفاظ على صورة الجماعة ككيان شرعي أمام الرأي العام الدولي والمحلي، وهو ما يجعل استراتيجيات الفكر والدعاية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقدرة الجماعة على الصمود.
الأبعاد الاقتصادية والتمويلية
العقوبات الأمريكية والأوروبية على الجماعة وفروعها تؤثر بشكل مباشر على قدرتها في جمع الأموال، سواء من خلال التحويلات المالية الدولية أو من خلال شبكات الدعم المحلي. مصادرة الأصول وفرض القيود على دخول الأعضاء إلى الدول الغربية يعقد قدرة الجماعة على تمويل أنشطتها في الداخل والخارج.
الجماعة تعتمد على تنويع مصادر التمويل لتفادي تأثير العقوبات؛ وتشمل هذه المصادر الدعم المالي من فروع خارجية، التبرعات الفردية، والاستثمارات المشروعة التي يمكن أن تستخدم لاحقًا لتمويل النشاطات السياسية أو الاجتماعية.
التأثير الاقتصادي للعقوبات يظهر في صعوبة إدارة العمليات الداخلية للجماعة، مثل التمويل اللازم لتشغيل مكاتب أو تنمية المشاريع الاجتماعية المرتبطة بها، وهو ما يؤدي إلى ضغوط داخلية وزيادة الانقسامات بين القيادة والأعضاء الشباب.
رغم هذه التحديات، تحاول الجماعة استخدام قدراتها على التشبيك الدولي لاستقطاب تمويل بديل من دول أو جماعات إقليمية، وهو ما يعكس مرونة الجماعة في التكيف مع العقوبات مع الحفاظ على استمرار نشاطها المالي والسياسي.
التهديدات الأمنية والعسكرية
بعض فروع الجماعة مثل الجناح اللبناني وكتيبة "البراء بن مالك" في السودان تستمر في تطوير قدراتها العسكرية رغم الضغوط الدولية، ما يعكس وجود استراتيجية مزدوجة تجمع بين النشاط السياسي العلني والنفوذ العسكري السري.
هذه الأنشطة العسكرية أدت إلى نزوح المدنيين، كما حدث في دارفور، مما يسلط الضوء على تأثير نشاط الجماعة على الأمن الإقليمي والاستقرار المجتمعي، ويعزز مخاوف الدول الغربية والدول المجاورة بشأن تمدد الجماعة.
قدرة الجماعة على تنفيذ عمليات عسكرية أو دعم جماعات مسلحة أخرى تعكس استراتيجياتها في بناء نفوذ إقليمي بعيداً عن الرصد المباشر، وهو ما يربط بين الأبعاد العسكرية والاقتصادية والإيديولوجية في نموذج تحركها الدولي.
التحليل الأمني يشير إلى أن استمرار هذا النهج قد يزيد من تعقيد التعامل مع الجماعة على المستوى الدولي، ويجعل أي تدخل محتمل محفوفاً بمخاطر تصعيد الصراعات المحلية والإقليمية.
العلاقات الإقليمية والدولية
تلعب دول مثل إيران وباكستان دورًا استراتيجياً في دعم أو تسهيل تحركات الإخوان على المستويين العسكري والسياسي، سواء من خلال التدريب، أو توفير شبكات لوجستية، أو دعم فروع معينة في مواجهة العقوبات الدولية.
هذه التحالفات تسمح للجماعة بالحفاظ على قدراتها على الصمود رغم الضغوط الغربية، كما تعزز قدرتها على التنقل بين النشاط السياسي السلمي والتحركات العسكرية السرية وفق الظروف الإقليمية.
علاوة على ذلك، تحاول الجماعة استخدام علاقاتها الدولية لخلق حالة من "الشرعية الموازية" أمام الرأي العام الدولي، عبر دعم مشاريع مدنية وثقافية مرتبطة بها في أوروبا وآسيا، بهدف إظهار نشاطها في إطار قانوني واجتماعي.
هذه الشبكات الدولية تضع الجماعة في موقع يسمح لها بالتحرك ككائن دولي متعدد الأبعاد، ما يزيد من تعقيد جهود الحظر أو التصنيف كمنظمة إرهابية، ويجعل أي تدخل ضدها يحتاج لتنسيق دبلوماسي وأمني واسع.
التوقعات المستقبلية 2026
من المتوقع أن تستمر الجماعة في تطوير آليات الصمود ضد العزلة الدولية، عبر التركيز على التنسيق بين الفروع الدولية وتعزيز حضورها الرقمي والإعلامي لتخفيف أثر العقوبات والتصنيفات.
قد تلجأ الجماعة إلى إعادة بناء شبكاتها السياسية في بعض الدول الأفريقية والآسيوية، مستفيدة من ضعف الرقابة أو الفجوات القانونية، لتجنب العزلة التامة على المستوى الدولي.
التصعيد المحتمل في التصنيفات الدولية سيزيد الضغوط على الجماعة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية أو التحول إلى نشاطات سرية أكثر تعقيداً، بما يشمل دعم جماعات مسلحة محلية أو إقليمية.
توقعات 2026 تشير إلى أن الجماعة ستواجه تحديات مزدوجة: الحفاظ على قاعدة جماهيرية صامدة، وإيجاد مسارات تمويل ودعم دولي دون الوقوع في قيود أو عقوبات صارمة.
الاستراتيجية الرقمية والذهنية
تعتمد الجماعة على الشبكات الرقمية لنشر خطابها وإعادة صياغة الأحداث وفق رؤيتها، مستغلة غياب الرقابة الكاملة على الإنترنت لتوجيه جمهورها نحو خطاب الدفاع عن الحقوق الإسلامية.
هذه الاستراتيجية الذهنية تركز على تعزيز الشعور بالتهديد الخارجي، وتشجيع جمهور الجماعة على المشاركة في أنشطة مدنية أو رمزية لدعم صمود الجماعة، مع تجنب المواجهة المباشرة مع السلطات.
استخدام الرمزية الدينية والسياسية عبر المنصات الرقمية يساعد الجماعة على دمج الرسائل الفكرية مع التوجيهات الاستراتيجية، مما يعزز الانتماء الداخلي بين الأعضاء ويحفز النشاط الشعبي دون تحريك قوات أو موارد مباشرة.
هذا الأسلوب يتيح للإخوان إدارة الصورة الدولية للجماعة بشكل أكثر مرونة، مع الحفاظ على القدرة على التكيف السريع مع أي تغييرات مفاجئة في بيئة الضغوط الدولية أو الإقليمية.
