نقد الخطاب السلفي.. ابن تيمية نموذجًا (1)

الثلاثاء 25/نوفمبر/2014 - 09:52 م
طباعة نقد الخطاب السلفي نقد الخطاب السلفي حسام الحداد
 
• الكتاب: نقد الخطاب السلفي (ابن تيمية نموذجا)
• المؤلف: رائد السمهوري
• الناشر: طوى للثقافة والنشر والإعلام – لندن 
• الطبعة الأولى 2010 
على الرغم من تاريخ كتاب "نقد الخطاب السلفي”لـ"رائد السمهوري"، الذي يعود إلى العام 2010، غير أن إعادة قراءته توازيًا مع تنامي المد السلفي في مصر بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، يؤكد بعض الحقائق على الصعيد السياسي والاجتماعي، خاصة في ظل محاولة الدعوة السلفية وحزبها ارتقاء الساحة السياسية ككتلة بديلة عن "جماعة الإخوان"، وأكثر اتساقًا ومرونةً لتمثيل تيار الإسلام السياسي، الأمر الذي بدا في ظواهر مجتمعية كمقدمات لهذا الدور بالإسهام في توفير بعض الخدمات، والتداخل المستمر في الشأن السياسي، والاتفاق "المُعلن”على رفض سياسة الإخوان.
يقدم السمهوري تحليله ونقده للخطاب السلفي متمثلًا في ابن تيمية، حيث إن فكر ابن تيمية يعد من أكبر الروافد المغذية للثقافة الدينية السائدة في المجتمعات الإسلامية عموما، وفي كبرى الحركات الإسلامية على وجه الخصوص، إن لم يكن أكبرها، أدركنا ذلك أم لم ندركه، فعلى سبيل المثال يقول راشد الغنوشي في كتابه (القدر عند ابن تيمية) أن ابن تيمية هو (ابو الصحوة الإسلامية)، وأننا نجد ابن تيمية ملهما للعنيف الملثم صاحب البارودة والقنبلة وخطاب التفجير والقتل، وملهما للوسطي المعتدل صاحب المشلح والبخور وخطاب القلم والكتاب، كما أنه ملهم للمنظر المتأمل المتوسم الناظر في الكليات الذهنية، وللحركي الميداني النشط المتعامل مع الجزئيات المعينة. 
يقصد الكاتب بالخطاب السلفي، بين طيات كتابه أنه حزمة من المفاهيم والأدوات المستخدمة في النظر إلى النص الديني وإلى الواقع، يعبر عنها بخطاب لغوي أو بسلوكيات وردود أفعال وتعامل وطريقة في الحياة، تلك المجموعة من الأدوات والمفاهيم والإجراءات ينسبها أصحابها إلى (السلف)، فهو نقد لخطاب منتسب للسلف، ولا يعني بهذا النقد بالضرورة السلف أنفسهم.
على أن مصطلح (السلف) لا يخلو من إشكال، ذاك أن لكل طائفة من المسلمين (سلفا) تنتمي إليه وترى أنه (سلفها الصالح)، ولكل طائفة رجالها وعلماؤها ومحدثوها ومروياتها ودواوينها ومنهجها في القبول والرد وفي التصور عن الإله والإنسان والنظرة إلى الكون والحياة وسننهما، وكل يزعم أنه على حق، وأنه منتسب للصحابة الكرام، فهم (أسلاف) وليسوا سلفًا واحدًا.
قسّم المؤلف كتابه إلى أربعة أقسام، وسوف نعرض هنا القسم الأول، والذي يتحدث فيه عن موقف ابن تيمية من الآخر، وقد حوى هذا القسم خمسة فصول: "الآخر غير المسلم حال كون ابن تيمية مسلمًا"، "الآخر المسلم حال كون ابن تيمية سنيًا سلفيًا"، "المرأة حال كون ابن تيمية رجلًا"، "غير الغرب حال كون ابن تيمية عربيًا"، و"علماء الطبيعة حال كون ابن تيمية عالمًا شرعيًا".

أولًا: الآخر غير المسلم عند ابن تيمية:

أولًا: الآخر غير
أولاً: الآخر غير المسلم عند ابن تيمية:
يبدأ الكاتب بسؤال: الكافر من هو؟ وكيف نتعامل معه؟ ويحدد ابن التيمية الكافر في أنواع ثلاثة:
 1 ـ المكذب بالرسالة.
 2 ـ المتردد فيها سواء أكان ترددًا عن بحث عن حقيقة أو ترددًا عن هوى.
 3 ـ الغافل عن الرسالة سواء بلغته الرسالة أم لم تبلغه، غير أن العقوبة الأخروية إنما هي لمن بلغته الرسالة دون من لم تبلغه، أما في الدنيا فكل هؤلاء عند ابن تيمية سواء تجري عليهم أحكام الكافر.
 فالكافر عند ابن تيمية هو كل من لم يؤمن سواء بلغته الرسالة أم لم تبلغه، وسواء أكان مكذبا لها أم كان غير مكذب، وسواء أكان مترددا أو شاكا أو معترضا عن النظر لسبب من الأسباب، أو مجتهدًا فأخطأ في معرفة الحق، أو حتى كان غافلا الغفلة المطلقة.
كذلك من سياق الكتاب يخبرنا ابن تيمية بأن (الكاف) لا يحل له شيء من المباحات، لأن الله تعالى إنما خلقها للمؤمنين فقط يتمتعون بها! حيث قال "وأما الكفار فلم يأذن الله لهم في أكل شيء ولا أحل لهم شيئًا ولا عفا لهم عن شيء يأكلونه، بل قال “يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا” فشرط فيما يأكلونه أن يكون حلالا، وهو المأذون فيه من جهة الله ورسوله، والله لم يأذن في الأكل إلا للمؤمنين به فلم يأذن لهم في أكل شيء إلا إذا آمنوا، ولهذا لم تكن أموالهم مملوكة لهم ملكا شرعيا” وحسب هذا الفهم لابن تيمية فكل من هو خارج جماعة المسلمين لا يحل له أن يأكل من رزق الله تعالى.
ليس هذا فقط فالفقه الإسلامي التقليدي يقسم العالم قسمين: إما (دار حرب) وإما (دار إسلام)، وقد يضاف إليهما (دار كفر غير حرب)، إذا كان بينها وبين المسلمين عهد وميثاق. 
وبناء على هذا التقسيم للعالم عند فقهاء المسلمين ترتب أحكام فقهية تراجع في مظانها، غير أن الكاتب ينقل نصا لابن تيمية في التعامل مع الساكنين في (دار الحرب)، مفاده أن من دخل دار الحرب بغير عقد أمان، فلا عليه أن يسرق أموالهم ويستبيحها وأن يقهرهم بأي طريقة كانت، فأنفسهم وأموالهم مباحة للمسلمين كما يعبر ابن تيمية، دون أن يفرق بين مقاتلين وغير مقاتلين.
ويستطرد الكاتب تحليله لرؤية وفقه ابن تيمية لغير المسلم فيصل إلى نتيجة مفادها أن الأصل عند ابن تيمية هو معاداة الكافر حتى لو أحسن وأعطانا و أكرمنا، وسيرا على نهج ابن تيمية نجد الشيخ العثيمين رحمه الله يقول: “إذا رأيت النصراني أغمض عيني كراهة أن أرى بعيني عدو الله “(مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين ج 10 : 637)، فلا غرابة إذن حينما نجد السلفيين الآن يسبون المسيحيين ويطردونهم من دورهم ويعتدون عليهم، فهم بحكم ابن تيمية أعداء الله، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد لدى ابن تيمية، بل ينادي بوجوب إهانة غير المسلم وإهانة مقدساته إذ يقول “فإن كل ما عظم بالباطل من مكان أو زمان أو حجر أو شجر يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة وإن كانت لولا عبادتها كسائر الأحجار" (اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق د. ناصر العقل، الطبعة الثانية – الرياض – دار إشبيليا للنشر والتوزيع، ج1  ص 535.
وهذه الفتوى رأينا ردود أفعالها في الآونة الأخيرة بتأثيم من يشارك في أعياد المسيحيين أو يهنئهم بها وحرمة هذه الأعياد والمناسبات، ليس هذا فقط بل قام الحويني بتأثيم من يأكل بعض المأكولات التي يأكلونها في هذا اليوم "الخس والرنجة والفسيخ والبيض في شم النسيم على سبيل المثال".
لم تتوقف كراهة ابن تيمية لغير المسلم عند هذا الحد بل طالب وأكد على لعن اليهود والنصارى هم ودينهم كذلك أوجب إذلال أهل الذمة وكذلك تخويفهم وإكراههم في الدين.

ابن تيمية والآخر المسلم:

في هذا الجزء من الكتاب يتناول الكاتب رأي بن تيمية في الآخر المسلم حيث أنه يأمر بعدم الفرقة والاختلاف ويأمر بالجماعة مستندا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ويعلق الكاتب على رأي ابن تيمية بقوله "لكن كل فرقة تدعي هذا! فكل فرقة لها محدثوها ورجالها وأسانيدها، وكل فرقة تدعي أنها تحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف، وكل فرقة تزن البدعة بميزان غير الميزان الذي تزنه به الفرقة الأخرى، فتنقيح المناط متفق عليه بين جميع المسلمين، ولكن الخلاف هو في تحقيقه، وقد أطلق ابن تيمية صيحته رفض تكفير الفرق بعضها البعض حيث تكفير الطائفة لغيرها من المسلمين بدعة منكرة، وحين تعرضه لمسألة التأويل نجده يؤسس على أن المتأول – إن كان مبتدعًا أو مرتكبًا لكبيرة – يعذر بالجهل، ولا يكفر أو يفسق حتى تقام عليه الحجة.

ابن تيمية والمرأة:

يتحدث الكاتب في هذا الجزء من الكتاب عن علاقة ابن تيمية بالمرأة ويقدم له بطبيعة العصر الذي عاش فيه ابن تيمية والذي يسميه بعض المؤرخين عصر الانحطاط، حيث التراجع الحضاري والسياسي والفكري وغلبة التقليد وضعف الاجتهاد والتقاليد البالية والعادات غير الحميدة، كل هذا كان ما يميز العصر (المملوكي) الذي عاش فيه ابن تيمية رحمه الله، وإذن فكثير من أفكاره هي نتاج الثقافة السائدة في ذلك الوقت. وعلاقة ابن تيمية بالمرأة تقتصر على أمرين يمتزج أحدهما بالآخر هما:
أولا: رأي ابن تيمية في المرأة من حيث هي (المرأة) كيف ينظر إليها حال كونها مخلوقا متميزا له صفاته وجبلته.
ثانيا: بعض آرائه الفقهية المتعلقة بالمرأة، بعيدا عن فتاوى الحيض والنفاس والعبادات المحضة، فما يعنينا الجانب الاجتماعي أو المدني للمرأة.
فيقرر مقولة ابن العربي "المرأة كاللحم على وضم"، وهي أحوج للرعاية والملاحظة من الصبي، أما الوضم فهو الخشبة التي يوضع عليها اللحم ليقطعه الجذار، وهذه العبارة تطلق على من بلغ الغاية القصوى في الضعف، وان ابن تيمية هنا يرى المرأة على هذه الصورة فيقول: “معروف بالتجربة أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة مالا يحتاج إليه الصبي”(مجموع الفتاوى 34: 82)، فهي بحاجة إلى وصاية كما يحتاج الصبي، بل هي أشد منه حاجة إلى الرعاية والعناية والحفاظ والصيانة، فأم الصبي مثلا تحتاج إلى الحفظ أشد من حاجة ابنها نفسه الذي ترعاه وتربيه!. ولا يقرر فقط ابن تيمية "زواج الصغيرة " بل أيضا يرى ابن تيمية أن لأبيها أن يجبرها ويكرهها ويزوجها بغير إذنها!. أما حول تعليم المرأة فيقوم الكاتب بتفنيد آراء ابن تيمية والتي يتصدرها "يذكر شيخ الإسلام عن بعض المتكلمين: أنهم أوجبوا النظر والاستدلال على كل أحد حتى على العامة والنساء، بالرغم من أن جمهور الأمة على خلاف في ذلك"، وقوله (حتى النساء) يوحي بأن الأصل عنده أن النساء غير مؤهلات للنظر والاستدلال! كما ينقل ابن تيمية نصًا لعمر بن الخطاب في أنه كان ينهي النساء من تعلم الخط!. ليس هذا فقط بل يجيش ابن تيمية كل أدلته من المرويات للهجوم على المرأة ويتهمها بالنقص في مقابل كمال الرجل، فالمرأة عورة، والنساء أعظم الناس إخبارا بالفواحش، ولا تصح إمامتها للصلاة، وأنها "المرأة" أسيرة للزوج، وهي كالمملوك له، وعلى المملوك والعبد الخدمة ويكثر الكاتب في أدلة ابن تيمية حول هذه النقطة فيعدد أسانيد ابن تيمية في أوجه الشبه بين المرأة والعبد المملوك.

ابن تيمية وغير العرب:

ابن تيمية وغير العرب:
يتحيز ابن تيمية للجنس العربي ويؤصل لفكرته في أكثر من موضع، إلى وصولًا إلى أن مجرد القول بعدم تفضيل العرب واعتبار كل الأجناس سواء هو عند ابن تيمية قول الشعوبية، وهو قول ضعيف كما يراه من أقوال (أهل البدع) والعروبة ينبني عليها الأحكام، فالعربي أشرف من غير العربي فليس هو كفؤا له في النسب، والعربي مقدم على غير العربي في الصلاة، وفي الدواوين، ويتدخل الكاتب هنا ليفند دعوى ابن تيمية حيث من الممكن القول بأن العرب في زمان عمر كانوا هم مادة الإسلام وكانوا هم عامة الأمة والرعايا وكان الطبيعي البدء بهم ولكن الظروف قد تغيرت فلا يقتضي هذا التقديم تفضيلًا لجنس دون جنس، بقدر ما هو تنظيم فرضته الظروف السائدة في ذلك الوقت، ويصل الأمر بابن تيمية إلى سن قاعدة بأن الشريعة نهت عن التشبه بالعجم في اللغة وغيرها بسبب النقيصة فيهم أو مظنة النقيصة. 
في الحلقة القادمة
القسم الثاني من الكتاب وفيه: قواعد منهج ابن تيمية في التوحيد

شارك