السَّلفية المدخلية وتكفير المجتمع.. سعيد رسلان نموذجًا

السبت 26/مارس/2016 - 03:12 م
طباعة السَّلفية المدخلية
 
اسم الكتاب: حقيقة ما يحدث في مصر
المؤلف: محمد سعيد رسلان
الناشر: دار الفرقان، ودار أضواء السلف 2012
السَّلفية المدخلية
كنا قد عرضنا في وقت سابق كتاب الشيخ سعيد عبد العظيم أحد مؤسسي السلفية العلمية التي تسمى مدرسة "الإسكندرية"، وما تضمنه كتاب سعيد عبد العظيم "الديمقراطية في الميزان" من تكفير للمجتمع والدولة بسلطاتها الثلاث "قضائية، وتشريعية، وتنفيذية" ولوجود خلافات ظاهرية بين المدرستين السلفيتين، حاولنا في هذه القراءة توضيح أوجه التقارب في المرجعية الفكرية للمدرستين؛ حيث إن المرجعية واحدة وهي المدرسة الوهابية البدوية التي تمولها المملكة السعودية، والتي تقوم بمحاربة نظم الحكم الحديث وكذلك الحرية والديمقراطية خوفًا على سطوتها وملكها.
فتقوم المملكة بنشر دعاتها في المنطقة العربية للتعريض بالديمقراطية والحرية، كما رأينا من الشيخ سعيد عبد العظيم الهارب حاليًا إلى السعودية، وكما سنرى من الشيخ محمد سعيد رسلان. 
وبداية نذكر القارئ الكريم بما قاله الشيخ سعيد رسلان في خطبة جمعة ونشره بعد ذلك في كتاب "حقيقة ما يحدث في مصر" من ثلاثة أجزاء معلقًا على ثورة 25 يناير 2011، حيث قال: "إن الذين بدءوا بتلك الحركة لم تنقصهم الحرية يومًا، فهؤلاء متحللون في الجملة، وهؤلاء منفكون في العادة، وهؤلاء لا يقيدهم قيد؛ بدليل أن البنين والبنات- ولا شك لهم أسر- ينامون في العراء متجاورين أو غير متجاورين، ويبيتون هكذا مع بعضهم بعضًا، ولهم أسر لا تقيد عليهم حرية البيات في الخلاء، هؤلاء ليست لهم حرية مقيدة، فما الحرية التي يريدون؟
إنها حرية الانعتاق من العقيدة، من الدين، من القديم.. إنها حرية التحلل من التراث، من كل ما يمت إلى الدين العظيم، وكان نظام مبارك هو النظام الأمثل للشيخ سعيد رسلان ولما لا وهو كان ينعم أيام مبارك وكان يد النظام لمحاربته خصومه من الليبراليين والإسلاميين على حد سواء.
ويستكمل سعيد رسلان متهما غير مكتف باتهام الشباب الذي خرج في يناير 2011، ينادي بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، بل يتهم رسلان الديمقراطية بأنها نظام الحادي جاهلي، متماشيًا مع منهج رفاقه في مدرسة الإسكندرية الشيخ سعيد عبد العظيم، وبرهامي وعبد المنعم الشحات في حكمهم بكفر الديمقراطية وكفر من ينادي بها، وكفر من يطبقها فيقول رسلان في كتابه: "هم يريدون الانعتاق من هذا الإطار إلى حرية العري إلى ما يقال له "الديمقراطية" وهي لفظة يونانية معناها حكم الشعب، أي أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، فللديمقراطية عناصر أساسية لا بد من توافرها ليكون النظام ديمقراطيًّا، ومن أهم هذه العناصر عنصران:
الأول: السيادة للشعب.
ليست للشريعة، ليست للعقيدة، ليست للوحي المعصوم، ليست للإله الأجل لا اله إلا هو، بل يريدون السيادة للشعب.
الثاني: الحقوق والحريات مكفولة قانونيًّا لكل فرد يعيش تحت النظام الديمقراطي. 
ويتساءل رسلان: "ماذا تعني هذه الجملة: السيادة للشعب؟".
السَّلفية المدخلية
ثم يجيب: "السيادة للشعب- أو السلطة للشعب- ثم عرف أنواع السلطات الثلاث فإنه لا يشك أن النظام الديمقراطي نظام الحادي جاهلي، لا يصلح في بلد إسلامي يعتنق أبناؤه دين الله، ويوحدون الله، ويتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم". فتصبح الحرية والديمقراطية على يد هؤلاء الجهلة تنادي بالعري والشذوذ، ومنهج الحادي جاهلي.
ولم يكتف رسلان بما قاله أو بهذا الحكم الجاهلي الجهول بينما زاد عليه: "إذا كان الشعب هو الذي يشرع قانونه، وهو الذي يتولى سلطة القضاء، ثم هو ينفذ ما قضى به القاضي الديمقراطي، فما الذي بقي لرب العالمين الذي خلق العباد، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه تحمل ذلك التنظيم الدقيق العادل الذي لا جور فيه ولا نقص بحال؟" وهنا يضع القاضي أو الحاكم أمام الله ولا يسأل نفسه أو يسأله من يستمعون اليه أو من يقرءون له: هل الله جل وعلا يهبط من السماء لتطبيق حكمه أم يطبقها بشر يصيب ويخطئ؟ وهل الأحكام واضحة جلية أم نحن في حاجة لاستخراج الأحكام واستنباطها من الكتاب والسنة؟ وأليس من يقوم بهذا بشر ويصيب ويخطئ؟ فلماذا لا تنزه الدعوة السلفية الله عز وجل؟
ويستكمل رسلان في هجومه على النظام الديمقراطي معترضًا على مبدأ المساواة بين البشر وعدم التفرقة بينهم على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس بقوله: "في النظام الديمقراطي: لا فرق بين مسلم وكافر، ورجل وامرأة، الكل سواسية كأسنان الحمار.
حتى الفروق التي جعلها الله رب العالمين طبعا في البشر تلغي: المرأة ترفض الزواج ولا تريده، وهي حرة تحمل من سفاح، ولا يسمونه سفاحًا، إذ في النظام الديمقراطي أن هذا الجسد إنما هو منحة من الطبيعة أو من الههم، والمرء في هذه المنحة حر في أن يتمتع بها كيف يشاء وعلى الصورة التي يريد". أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل: "الناس سواسية كأسنان المشط، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، وإن التقوى الله سبحانه وتعالى يجازي بها ومطلع عليها، أما العمل الصالح فهو الظاهر للبشر، فلماذا يعترض الشيخ رسلان على مبدأ المساواة بين البشر وحريتهم وقد كفل الله عز وجل الحرية للجميع في قوله تعالى في سورة الكهف {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أهناك حرية أكبر من حرية الإيمان والكفر أيها الشيخ السلفي؟!
ويستطرد الشيخ سعيد رسلان مهاجمًا الحريات العامة والخاصة التي كفلها النظام الديمقراطي، وكأنه في حرب مع الحرية، وكأنه يريد عودة مجتمع العبيد مرة أخرى. فيقول: "حرية العقيدة، أي حرية الردة والتنقل بين الأديان، وحرية الأخلاق: وهي المسماة بالحرية الشخصية، هي حرية الانعتاق من كل قيد، والتحلل من أصول الفضيلة، وأن يكون الرجل- والمرأة كذلك- على ما يريد فاعلًا، وأن يكون الإنسان لمبتغاه واصلًا.
حرية الرأي والقول: فيخبطون في كل مجال حتى في الأديان، يسبون الأنبياء، ويحتقرون الكتب المنزلة، ويعبثون بكل قيمة سامقة راسخة، ولا يمكن الاعتراض؛ لأن حرية الرأي مكفولة، وهو رأي شخصي، طالما لم يجبرك أحد عليه فلا مدخل لك عليه.. أما حرية العقيدة: فهي حرية الردة؛ حيث يعطي النظام الديمقراطي كل فرد حريته في أن يغير دينه وعقيدته كلما أراد ذلك، ليس لأحد أن يعترض عليه، له أن يعيش مسلما مثلا أول حياته، فإذا بدا له أن يغير عقيدته، وأن يتحول إلى النصرانية أو اليهودية أو ما يختاره.. فله مطلق الحرية في ذلك." 
لا نعرف من أين أتى الشيخ سعيد رسلان بكل هذه التوهمات وكل هذا الحقد والعداء للديمقراطية؟ هل فقط لأنها قادمة من الغرب ومحدثة كما يقولون؟ وإذا كان الموضوع هكذا فلم يستخدم الشيخ وأعوانه التكنولوجيا القادمة من الغرب، لم يستخدم التليفون والتكييف والسيارة والمروحة والسيارة والدراجة.. إلخ الاختراعات التي نستخدمها بشكل يومي وهي من اختراع الغرب الكافر- على حد قوله- لِم يستخدم الميكروفون وجهاز الكمبيوتر ويسجل ما يقوله؟ ولِم يستخدم المطبعة في طباعة كتبه. وكل هذه الأشياء من صنع الغرب وأفكارهم، وسؤال أخير للشيخ رسلان وزملائه في درب التكفير: ماذا قدم العرب والمسلمين للبشرية منذ القرن الثامن الهجري؟

شارك