في وسط الحروب البابا فرنسيس يكتب اسم الله هو الرحمة

الثلاثاء 18/أكتوبر/2016 - 04:00 م
طباعة في وسط الحروب البابا
 
اسم الكتاب – اسم الله هو الرحمة 
تاليف البابا فرنسيس الاؤل 
الحوارات والاعداد – اندريا تونيلي  - 2016
منذ ان تم اختياره ليجلس فوق كرسي القديس بطرس بروما ويسعي البابا فرنسيس الاول لاعادة واحياء "الرحمة" كاسم من اسماء الله وفعل يجب علي البشر ان يقوم به من خلال هذا الاساس وسم البابا حياته وافعاله ودوره في معاملة اللاجئيين والتنديد بالحروب وتجار السلاح والبشر انه يردد كلمة الرحمة في كل كلماته ويظهرها بارزة في كل افعاله من هنا تاتي اهمية هذا الكتاب لعله يكون شهادا علي ما يحدث للبشر هذه الايام 
مقتطفات من مرسوم الرحمة 
 يقول البابا فرنسيس نحن بحاجة على الدّوام للتأمّل بسرّ الرّحمة. إنّه مصدر فرح وسكينة وسلام. إنّه شرط لخلاصنا. الرّحمة هي كلمة تظهر سرّ الثالوث الأقدس. الرّحمة هي العمل النهائيّ والأسمى الذي من خلاله يأتي الله إلى لقائنا. الرّحمة هي الشريعة الأساسيّة التي تقيم في قلب كلّ شخص عندما ينظر بعينين صادقتين إلى الأخ الذي يلتقيه في مسيرة الحياة. الرّحمة هي الدّرب الذي يوحّد الله بالإنسان، لأنّها تفتح القلب على الرّجاء بأنّنا محبوبون إلى الأبد بالرّغم من محدوديّة خطيئتنا. وهناك أوقات نكون فيها مدعوّين بشكلٍ قوّي لنثبّت النظر على الرّحمة لنصبح بدورنا علامة فعّالة لعمل الآب. ولذلك أعلنتُ يوبيلاً إستثنائيًّا للرّحمة زمنًا ملائمًا للكنيسة، لكيّ يعزز شهادة المؤمنين ويفعّلها.
الرحمة بديلا عن القسوة 
وتعود إلى ذهني الكلمات الغنيّة بالمعاني التي قالها القدّيس يوحنّا الثّالث والعشرون في افتتاح المجمع للدلالة على الدّرب التي ينبغي اتّباعها: "تفضل عروسة المسيح الآن أن تستعمل دواء الرّحمة بدلاً من أن تحمل أسلحة القساوة والتزمُّت... فالكنيسة الكاثوليكيّة، وإذ ترفع شعلة الحقيقة الكاثوليكيّة بواسطة هذا المجمع المسكونيّ، تريد أن تظهر نفسها أمًا محبّة للجميع، لطيفة وصبورة يحرّكها الصّلاح والرّحمة تجاه الأبناء المنفصلين عنها 
في الإطار عينه نجد أيضًا الطوباويّ بولس السّادس الذي عبّر في ختام المجمع قائلاً: "نريد أن نشير إلى أنّ اهتمام مجمعنا كانت المحبّة بشكلٍ خاصّ... وقصّة السّامري القديمة قد شكّلت نموذج روحانيّة المجمع... كما وقد فاض من المجمع تيّار محبّة وإعجاب على العالم البشريّ المعاصر. أُدينت الأخطاء، نعم؛ لأنّ هذا ما تتطلّبه المحبّة والحقيقة أيضًا، أمّا للأشخاص فتأنيب فقط واحترام ومحبّة. فبدل التحاليل المُثبطة مساعدات مُشجّعة؛ وبدل الإنذارات المؤذية انطلقت من المجمع رسائل ثقة إلى العالم المعاصر: فقيمه لم تُحترم وحسب بل كُرِّمت أيضًا، أُعضدت جهوده وطُهِّرت طموحاته وتباركت... كما ينبغي علينا أيضًا أن نلحظ أمرًا آخر: لقد توجّه هذا الغنى العقائديّ بأسره في اتّجاه واحد: خدمة الإنسان. الإنسان في كلّ ظرف ومرض وحاجة
عمل الرحمة 
استعمال الرّحمة هو من ميزات الله وبهذا الأمر تظهر قدرته بشكلٍ خاصّ" إنّ كلمات القدّيس توما الأكوينيّ تُظهر كيف أنّ الرّحمة الإلهيّة ليست أبدًا علامة ضعف بل هي ميزة قدرة الله. ولذلك، تصلّي الليتورجيّا، في إحدى صلوات الجماعة القديمة: "اللّهم، يا من تتجلّى قدرتك أسمى تجلّ ٍ، إذ ترحم وتغفر" فالله سيكون على الدّوام في تاريخ البشريّة ذلك الحاضر والقريب، المُدبِّر، القدّوس والرّحوم.
اسم لله 
صبور ورحوم" بهاتين الكلمتين يستعين العهد القديم ليصف طبيعة الله. كون الله رحيمًا يجد تأكيدًا ملموسًا في أعمال عديدة من تاريخ الخلاص حيث يسود صلاحه على القصاص والدّمار. إنّ المزامير، بشكل خاص، تُظهر عظمة العمل الإلهيّ هذه: "هو الَّذي يَغفِرُ جَميعَ آثامِكِ ويَشْفي جَميعَ أَمْراضِكِ، يَفتَدي مِنَ الهوةِ حَياتَكِ ويُكَللكِ بِالرَّحمَةِ والرَّأفة" (مز 103، 3- 4). وبشكلٍ أوضح يشهد مزمور آخر على علامات الرّحمة الملموسة: "مُجْري الحُكْمِ لِلمظْلومين رازِقِ الجِياعِ خُبزًا. الرَّبُّ يَحُلُّ قُيودَ الأَسْرى. الرَّبُّ يَفتَحُ عُيونَ العُمْيان الرَّبّ يُنهِضُ الرَّازِحين. الرَّبّ يُحِبُّ الأبْرار. الرَّبُّ يَحفَظُ النّزلاء ويؤَيّدُ اليَتيم والأَرمَلَة ويُضِلُّ الأَشْرارَ في طَريقِهم" (مز 146، 7- 9).

وختامًا، هذه عبارات أخرى لصاحب المزمور: " [الرب] يَثني مُنكَسرِي القُلوب ويُضَمَدُ جِراحَهم. الرَّبُّ يؤيدُ الوُضَعاء ويُذِلُّ الأَشْرارَ حتًّى الأَرض" (مز 147، 3. 6). فرحمة الله إذًا ليست فكرة مجرّدة بل حقيقة ملموسة يُظهِر من خلالها محبّته كأب وأمّ يتأثّران حتّى الأحشاء من أجل ابنهما. وبالتالي يمكن القول حقيقة بأنّه حبّ "نابع من القلب". يأتي من الدّاخل، شعور عميق وطبيعيّ، مكوّن من الحنان والشفقة، والتسامح والمغفرة.إنّ إلى الأبد رحمته" هي اللازمة التي تكرّر بعد كلّ آية من المزمور 136 بينما تُروى قصّة وحي الله. بقوّة الرّحمة، تحمل أحداث العهد القديم كلّها قيمة خلاصيّة عميقة. الرّحمة تجعل تاريخ الله مع إسرائيل تاريخ خلاص. يبدو أنّ التكرار المستمرّ: "إنّ إلى الأبد رحمته"، كما يكرّر المزمور، يرغب بأن يكسر دائرة المكان والزّمان ليُدخل كلّ شيء في سرّ الحبّ الأبدي. كما ولو كنا نريد القول بأنّه ليس في التاريخ فقط بل وإلى الأبد أيضًا سيكون الإنسان على الدوام تحت نظر الآب الرّحيم. وليس من وليد الصدفة أن يكون شعب إسرائيل قد أراد أن يُدخل هذا المزمور، "التهليل الكبير" كما يسمّونه، في الاحتفالات الليتورجيّة الأكثر أهميّة.
قبل الآلام صلّى يسوع مزمور الرّحمة هذا. وهذا ما يؤكّده الإنجيليّ متّى عندما يقول: "وبعد أن سبّحوا" (متى 26، 30)، خرج يسوع والتّلاميذ إلى جبل الزّيتون. فبينما كان يؤسِّس الإفخارستيّا، تذكارًا أبديًّا  له ولفصحه، وضع يسوع بشكلٍ رمزيّ عمل الوحيّ السّامي هذا في ضوء الرّحمة. وفي إطار الرّحمة عينه كان يسوع يعيش آلامه وموته مدركًا لسرّ الحبّ الكبير الذي سيتمّ على الصّليب. إنّ معرفتنا بأنّ يسوع نفسه قد صلّى هذا المزمور أيضًا، تجعله أكثر أهميّة بالنسبة إلينا نحن المسيحيّين وتلزمنا باتّخاذ هذه اللازمة في صلاة تسبيحنا اليوميّة: "إنّ إلى الأبد رحمته".

يؤكّد الإنجيليّ يوحنّا للمرّة الأولى والوحيدة في الكتاب المقدّس بكامله. وهذه المحبّة قد أصبحت مرئيّة وملموسة في حياة يسوع بأسرها. وشخصه ليس إلا محبّة، محبّة تبذل ذاتها مجانًا. وعلاقاته مع الأشخاص الذين يقتربون منه تُظهر شخصًا فريدًا لا يتكرّر. الآيات التي يقوم بها، وخصوصًا تجاه الخطأة والفقراء والمهمّشين، المرضى والمتألّمين هي تحت راية الرّحمة. كلّ شيء فيه يحدّث عن الرّحمة. ولا شيء فيه خال من الرأفة.فيسوع، إزاء الجموع التي كانت تتبعه، وإذ رأى أنّهم تعبون ورازحون، ضائعون بلا مرشد، شعر في عمق قلبه بشفقة كبيرة تجاههم (را. متى 9، 36). بقوّة هذا الحبّ الشفوق شفى المرضى الذين كانوا يُقدَّمون له (را. متى 14، 14)، وبالقليل من الخبز والسّمك أشبع جموعًا كبيرة (را. متى 15، 37). فالرّحمة هي التي كانت تحرّك يسوع في جميع الظروف، ومن خلالها كان يقرأ في قلوب محاوريه ويُجيبهم على حاجتهم الحقيقيّة. عندما التقى أرملة نائين التي كانت تحمل ابنها الوحيد إلى القبر، أخذته الشّفقة على الألم الكبير للأمّ التي كانت تبكي، وأعاد إليها إبنها مقيمًا إيّاه من الموت (را. لوقا 7، 15). وبعد أن حرّر ممسوس ناحية الجراسيّين، أوكل إليه هذه المهمّة: "أخبر بكلّ ما صنع الربّ إليك وبرحمته لك" (مر 5، 19). تدخل في هذا الإطار أيضًا دعوة متّى، وإذا به يمرّ أمام بيت الجباية حدّق يسوع بعيني متّى. لقد كانت نظرة مُفعمة بالرّحمة تغفر خطايا ذاك الرّجل وتغلّب على مقاومة التلاميذ الآخرين واختاره هو، الخاطئ والعشّار، ليصبح أحد الإثنيّ عشر. في تفسيره لهذا المشهد من الإنجيل، يكتب القدّيس بيدا المكرّم بأنّ يسوع نظر إلى متّى بمحبّة رحيمة واختاره: نظر إليه برحمة واختاره[7]. لقد أثّرت فيّ هذه العبارة دومًا لدرجة أنّها أصبحت شعاري.
الامثال
في الأمثال المخصّصة للرّحمة، يُظهر يسوع طبيعة الله كأب لا يستسلم قبل أن يحلّ الخطيئة ويتغلّب على الرّفض بالشّفقة والرّحمة. نعرف هذه الأمثال، ثلاثة منها بشكلٍ خاصّ مثل الخروف الضّائع، مثل الدّرهم الضّائع ومثل الأب والابنين (را. لو 15، 1- 32). في هذه الأمثال، يظهر الله دائمًا يفيض بالفرح لاسيّما عندما يغفر. نجد فيها أيضًا نواة الإنجيل ونواة إيماننا، لأنّها تقدم الرّحمة القوّة التي تتغلّب على كلّ شيء وتملأ القلب محبّة وتعزّي بالمغفرة.
وفضلاً عن ذلك يمكننا أن نستخلص، من مثل آخر، تعليمًا من أجل أسلوب حياتنا المسيحيّ. ردًّا على سؤال بطرس حول كم مرّة ينبغي على المرء أن يغفر، يُجيب يسوع: "لا أقول لك: سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات" (متى 18، 22)، ويخبر مثل "العبد القليل الشّفقة"، الذي دعاه سيّده ليؤدّي له دينًا كبيرًا، فتوسّله العبد ساجدًا، فأشفق مولاه وأعفاه من الدّين. ولمّا خرج ذلك العبد لقي عبدًا من أصحابه مدينًا له بمائة دينار، فتوسّله صاحبه جاثيًا بأن يرحمه فلم يرضَ بل ذهب وألقاه في السّجن. ولمّا عرف سيّده بما جرى غضب كثيرًا واستدعى ذلك العبد وقال له: "أما كان يجب عليك أنت أيضًا أن ترحم صاحبك كما رحمتك أنا؟" (متى 18، 33). وختم يسوع: "هكذا أيضًا يفعل بكم أبي السماويّ، إن لم يغفر كلُّ واحد منكم لأخيه من صميم قلبه" (متى 18، 35).

لنعيش الرحمة 
يحتوي المثل على تعليم عميق لكلّ فرد منّا. يسوع يؤكّد أنّ الرّحمة ليست فقط تصرّف الآب، وإنّما تصبح المعيار أيضًا لفهم من هم أبناؤه الحقيقيّون. لذلك نحن مدعوّون لنعيش من الرّحمة، لأنّنا قد رُحمنا أوّلاً، فتصبح مغفرة الإساءات التّعبير الأوضح للحبّ الرّحيم وبالنسبة إلينا نحن المسيحيّين أمرًا لا يمكننا تجاهله. كم يبدو لنا صعبًا أن نغفر أحيانًا! ومع ذلك فالمغفرة هي الأداة التي وُضعت بين أيدينا الضعيفة لنبلغ إلى سكينة القلب. إن ترك الحقد والغضب والعنف والإنتقام هي الشّروط الضروريّة لنعيش سعداء. لنقبل إذًا دعوة الرّسول: "لا تغرُبنَّ الشّمس على غضبكم" (أف 4، 26). ولنُصغِ خصوصًا إلى كلمة يسوع الذي وضع الرّحمة مثال حياة ومعيار مصداقيّة لإيماننا: "طوبى للرّحماء فإنّهم يُرحمون" (متى 5، 7) إنّها الطوبى التي يجب أن تُلهمنا بالتزام خاصّ خلال هذه السّنة المقدّسة.
وكما هو معلوم إنّ الرّحمة في الكتاب المقدّس هي الكلمة الأساسيّة للإشارة إلى تصرّف الله تجاهنا. فهو لا يتوقّف فقط عند تأكيد محبّته لنا بل يجعلها مرئيّة وملموسة. من جهّة أخرى، لا يمكن للمحبّة أبدًا أن تكون كلمة مجرّدة، لأنّها بطبيعتها حياة ملموسة: نوايا ومواقف وتصرّفات تظهر من خلال التصرّف اليوميّ. إنّ رحمة الله هي مسؤوليّته تجاهنا. هو يشعر بأنّه مسؤول، أي يتمنّى خيرنا ويريد أن يرانا سُعداء نفيض بالفرح والسّكينة. وفي التّناغم عينه ينبغي أن تتوجّه محبّة المسيحيّين الرّحيمة، فكما يُحبّ الآب هكذا يحبّ الأبناء أيضًا. وكما هو رحيم هكذا نحن أيضًا مدعوّون لنكون رحماء مع بعضنا بعضًا.
دعامة عمل الكنائس 
إنّ الدعامة التي ترتكز إليها الكنيسة هي الرّحمة. وكلّ نشاطها الرعويّ ينبغي أن يُلفّ بالحنان الذي تتوجّه به إلى المؤمنين؛ وينبغي ألا يفتقر أي جزء من إعلانها وشهادتها حيال العالم من الرّحمة. إنّ مصداقية الكنيسة تمرّ عبر طريق المحبّة الرّحومة والرّؤوفة. الكنيسة تعيش "رغبة لا تنضب في تقديم الرّحمة". وقد نكون نسينا لوقت طويل أن ندلّ على درب الرّحمة ونعيشها. إنّ تجربة المطالبة بالعدالة وحسب على الدوام، جعلتنا ننسى أنّ هذه هي الخطوة الأولى، إنّها ضروريّة ولا غنى عنها، لكنّ الكنيسة تحتاج للذهاب أبعد من ذلك لبلوغ هدف أسمى وأهمّ. ومن جهّة أخرى، من المُحزن أن نرى أنّ خبرة المغفرة في ثقافتنا صارت نادرة. ويبدو أنّ هذه الكلمة نفسها راحت تتلاشى في بعض الأحيان. لكن دون شهادة المغفرة تصبح الحياة عقيمة وتفقد خصوبتها، كما ولو كنّا نعيش في صحراء قاحلة. لقد آن الأوان بالنسبة إلى الكنيسة أن تأخذ على عاتقها إعلان المغفرة بفرح. لقد آن الأوان للعودة إلى ما هو جوهريّ كي نحمل على أكتافنا ضعف الأخوة وصعوباتهم. المغفرة هي قوّة تقيمنا إلى حياة جديدة وتبعث الشجاعة اللازمة للتطلع نحو المستقبل برجاء.
رسالة الكنيسة 
رسالة الكنيسة هي إعلان رحمة الله، القلب النابض للإنجيل، والذي من خلاله تبلغ قلب كلّ إنسان وعقله. إنّ عروس المسيح تتبنّى تصرّف ابن الله الذي انطلق لمُلاقاة الجميع دون أن يستثني أحدًا. في زماننا هذا، الذي تلتزم فيه الكنيسة بالكرازة الجديدة بالإنجيل، لا بدّ من إعادة اقتراح موضوع الرّحمة بحماسة جديدة وبعمل رعويّ متجدّد. إنّه لأمر ضروريّ بالنسبة إلى الكنيسة ومصداقية إعلانها أن تعيش الرّحمة وتكون في طليعة الشّاهدين لها. ينبغي أن يعكس خطابها وأعمالها الرّحمة كي تدخل في قلوب الأشخاص وتحثّهم على إعادة اكتشاف طريق العودة إلى الآب.

شارك