دراسة: أصل "داعش" بين القرن السابع والواقع العنيف

الجمعة 01/سبتمبر/2017 - 10:16 م
طباعة دراسة: أصل داعش بين
 
سوف تظل الدراسات حول تنظيم داعش واثره تهتم بالبحث عن مصدره والافكار الاساسية التى تاثر بها وقام علي اساسها حيث توجد مدرستين الاولي تري انه امتداد للقرن السابع  ام الراي او المدرسة الثانية  فتري ان داعش هي نتيجة الواقع العنيف الحالي وهي المدرسة التى يتبنها الكاتب جاد بوهارون. وترجمها الكاتب وليد ضو وجاء فيها ان داعش ليس شبحا يطاردنا من ماضٍ بعيد، إنما تمتد جذوره في الواقع العنفي المروع الذي نعيشه وفي عمق التربة الحديثة
الشهر الماضي، نشر بيتر أوبورن ردا مطولا ومرحبا على الوثائقي الذي بثته القناة 4 داعش: جذور العنف. وقد لخص نظرية توم هولاند (مؤلف الفيلم الوثائقي) بأنه "يجب تفسير العنف المتطرف لتنظيم داعش بكونه مظهرا من مظاهر الإسلام نفسه"، ويتهم أوبورن هولاند عن حق بانعدام الأمانة الفكرية، فاضحا اختياراته المشوهة التي استعملها لدعم نظريته.
وفي رده على أوبورن، لم ينكر الدكتور فيليب وود أن معظم المسلمين والأكاديميين يختلفون مع تفسير داعش للإسلام، ولكن رغم ذلك يؤكد وود أن داعش تعتمد على اتجاه في الفكر الإسلامي.
وإذا أخذنا كلامه بعين الاعتبار يكون وود محقا من ناحية أن داعش يستخدم اللغة الإسلامية للتعبير عن أهدافه وتبرير جرائمه. ويقترح حلا على المسلمين بأن يعترفوا بوجود هذا الاتجاه من التفكير، والبدء بعملية الإصلاح الثيولوجي التي من شأنها "بناء مبادئ أكثر تسامحا وليبرالية من تقاليده".
من خلال طرح العلاج الثيولوجي لداعش، يعتبر وود ضمنا أن نشأة داعش تكمن في الثيولوجيا. خاصة، حين يموضعه في السنوات الأولى للإسلام، عندما توسع خلال القرن السابع وانتشر من شبه الجزيرة العربية إلى سوريا والعراق ومصر. وبحسب وود، الذي يستشهد بالأدلة القولية التي استمدها من كتب للأطفال شاهدها في دمشق. يمكن القول عن تلك الأفكار بأنها "دعاية مسبقة"، تخلق طبقة كاملة من الشباب المسلمين الذين يحتمل أن يتقبلوا خطاب داعش.
وفي ضوء مداخلة وود، يمكن أن نسأل أنفسنا: هل صحيح أن قراءة أو تفسير معين للإسلام (أو أي دين آخر) يمكن أن يكون الدافع وراء ظهور تنظيم داعش؟ وبعبارة أخرى، هل الأفكار، المسلوخة عن واقعها، هي القوة الدافعة الحقيقية للتاريخ؟ هل للتنظيم حياة خاصة به، أم يجب أن يفسَر دائما في السياق الاجتماعي الذي نشأ فيه؟

وضع الأيديولوجيا في سياقها

إن الأيديولوجيات والأفكار الدينية على وجه الخصوص، مع صياغتها الغامضة في أكثر الأحيان، هي في حد ذاتها مفتوحة لمجموعة واسعة من التفسيرات انطلاقا من الذي يقوم بالتفسير، ومتى وأين. لهذا السبب إن أي دراسة جادة لحركة سياسية أو عسكرية تدعي الشرعية الدينية لنفسها يجب أن تستخدم السياق المادي الملموس، أو السياق الاجتماعي، الذي نشأ منه كنقطة انطلاق.
ولكن وود لا يعذب نفسه بالتنبه خلال تحليله لاستخدام داعش للخطاب الإسلامي؛ فهو يخلط بين دعاية داعش وجوهرها، حيث يدعي أنها تأتي مما تمثله حقا.
السياق الذي ولد فيه تنظيم داعش هو بالطبع العراق. وتحديدا، في العراق الذي دمرته الحروب المتتالية والتدخلات الامبريالية والعقوبات- التي أصابت العراقيين العاديين- في عهد صدام قبل اجتياح عام 2003 الذي قادته الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين أزاحوه عن السلطة.
وبدلا من تأمين المساعدات للشعب العراقي، فكك الاحتلال الغربي ما بقي من الدولة البعثية، وسعى إلى تحقيق الاستقرار عبر "عواصف" عسكرية متكررة، والقصف الجوي، وأخيرا عبر تحويل المقاومة إلى حرب أهلية طائفية. واوصلوا الى السلطة حكومة طائفية ومتسلطة ونيوليبرالية برئاسة نوري المالكي.
وبمرور عقد من الزمن، تمكن الاحتلال من تدمير النسيج الاجتماعي المتبقي للمجتمع العراقي. في هذا السياق، ظهرت مجموعة واسعة من المليشيات المسلحة، ومن بينها ما بات يسمى اليوم تنظيم داعش، التنظيم الذي يضم نخبة مسلحة تمارس القتل الجماعي ويتبنى خطابا دينيا متطرفا. 


تنظيم داعش ليس الأول من نوعه

بالطبع، فإن السياق العراقي لا ينطبق بشكل مباشر على الآلاف من المتطوعين في داعش الآتين من أوروبا، ولا يحتمل أن يكونوا قد قرأوا الكتب الدمشقية التي ذكرها وود.
وتشير الأبحاث إلى دوافع المتطوعين بعيدة كل البعد عن الثيولوجيا، بحيث تمتد من نظرة عدمية استنادا لحالتهم الاجتماعية وصولا إلى مزيج من الاسلاموفوبيا في أوروبا والحروب الامبريالية في البلدان الإسلامية التي خلقت شعور بأن "المسلمين يتعرضون للهجوم". لا يوجد أدلة تؤكد أنهم تطرفوا لأنهم قرأوا كتبا دينية إلى أن قرروا الانضمام إلى صفوف داعش- يمكن المرء ذكر أن المتطوعين البريطانيين اللذين اشتريا كتاب الإسلام للأغبياء بعد أن قررا الانضمام إلى داعش.
خارج الشرق الأوسط، أدت السياقات إلى ظهور مجموعات مشابهة لداعش. حيث ظهر جيش الرب للمقاومة لقائده جوزف كوني في نهاية الـ 1980ات في أكوليلاند بأوغندا ردا على المجازر الطائفية التي ارتكبها الرئيس يوري موسفني بواسطة جيش المقاومة الوطني. 
كما هو الحال مع داعش، استند جيش الرب للمقاومة إلى الدعاية الدينية، مدعيا إنشاء نظام اجتماعي جديد يقوم على الوصايا العشر. وكما هو الحال مع داعش، اتهم بتنفيذ مجازر طائفية وعمليات اختطاف جماعية واسترقاق واغتصاب في منطقة مدمرة بالفعل بعد سنوات من الحروب والإبادات الجماعية.
هل يمكن لأي شخص أن يشير بجدية إلى حذف الوصايا العشر من الإنجيل و"تبني الجوانب الأكثر تحررا وتسامحا من الفكر المسيحي" كان يمكن أن يجنب وقوع الكارثة؟

"ما كان يختمر بالفعل"

يظهر التاريخ المبكر للإسلام نفسه أن الأفكار لا يمكن أن تكتسب قوة إلا إذا وجدت لها موطئ قدم في الواقع الاجتماعي المعاصر. يقول الكاتب الشيوعي حسين مروة في كتابه النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية: "إن الدين الجديد (الإسلام)، من خلال مضمونه الاجتماعي وكذلك من ناحية فقهه الديني، برز لما كان يختمر بالفعل في أعماق المجتمع الماقبل الإسلامي؛ وكان الأخير يمر بتحولات اجتماعية تاريخية، وبالتالي تحولات في مستقبلها الفلسفي والديني".
التحولات الاجتماعية التي يشير إليها مروة حدثت في شبه الجزيرة العربية حيث كانت القبائل منقسمة، فالقبائل الرحل والمحاربة كانت تراكم الثروة بشكل متزايد من خلال الروابط التجارية المتنامية مع الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية. بدأ المجتمع باتخاذ شكلا أكثر استقرارا وشجعت الظروف المادية رؤية مختلفة للعالم.
إن فكرة الدين الإسلامي، كنظرة توحيدية ومشروعه لبناء الدولة الذي تمس الحاجة إليه، يمكن أن تربتط بتلك التحولات، كما يقول الكاتب الاشتراكي كريس هارمان في كتابه تاريخ الشعب في العالم: "إن الإسلام لم يكن مجرد مجموعة من المعتقدات أو قواعد للسلوك الإخلاقي. إنما كان أيضا برنامجا سياسيا لإصلاح المجتمع، ليحل مكان "البربرية" المنافسة، وغالبا ما كانت مسلحة بين القبائل والعائلات الحاكمة، فيحكم الأمة نظام واحد من القوانين".
بعد أن غزيت المناطق البيزنطية السابقة في دمشق والاسكندرية، تفيد الأدلة التي أشار إليها مروة إلى أن الحكام المسلمين كانوا مهتمين ببناء أجهزة الدولة من خلال جمع الضرائب وبناء التحالفات السياسية مع رجال الدين المحليين (الذين كانوا سعيدين بسبب تخلصهم من حكامهم البيزنطيين) أكثر من تحويل السكان الجدد (أغلبهم من المسيحيين واليهود) إلى الدين الإسلامي. هذا مثال ملموس على الجماس الديني، الضروري في مرحلة الغزو، الذي جرى ضبطه واستيعابه بسبب وجود ضرورة اجتماعية وسياسية لبناء الدولة.
إن الانقسامات الدينية في الإسلام تعكس أيضا الواقع الاجتماعي؛ على سبيل المثال، خرجت الطائفة الشيعية من تمرد أتباع علي الذين، بحسب مروة، جاؤوا من الوسط المُدني الفقير ضد الأرستقراطية الإسلامية الجديدة التي ازدهرت في ظل حكم الخليفة الثالث عثمان. وادعى الطرفان المتحاربان أنهما يمثلان الإسلام "الحقيقي" ويدافعان عن قضيتهما بلغة ثيولوجية في القرآن. ولكن وحدها الظروف الاجتماعية التي كانت موجودة في ذلك الوقت يمكن أن تفسر سبب ظهور هذا الصراع؛ وبالفعل مروة يسمي ذلك "الثورة الاجتماعية الأولى في الإسلام".

الجذور في ظروف اليوم

إن النظرة التاريخية المذكورة أعلاه لا تهدف إلى إنكار دور الأيديولوجيا الدينية، إنما إلى إخضاعها للعمل الإنساني. فالنبي محمد وجد استجابة لدعوته في ذلك الوقت، لأن الظروف الاجتماعية كانت مهيأة لمشروع ملموس سعى الإسلام إلى تجسيده.
إذا كان عشرات الآلاف مستعدين للاعتقاد بنبوءات داعش المروعة والانخراط في القتل الجماعي الطائفي، فلأنهم نشأوا في مجتمع كان بالفعل ينحل، بفعل سنوات من الحرب والفقر والطائفية. هذا الواقع شكل أساس داعش.
كما أن ضرورة فهم الأيديولوجيا في سياقها الاجتماعي تنطبق على الديانات العظيمة الأخرى. فقد رأى فريدريك إنغلز في المسيحية الأولى دين العبيد والفقراء والمظلومين، وحتى أنه شبهها بالحركة الاشتراكية في القرن 19.
ولكن اللغة الدينية نفسها كانت تستخدم لتوفير غطاء أيديولوجي لاستغلال فادح للفلاحين في أوروبا خلال العصور المظلمة. تفسير ذلك لا يكمن في الفكر المسيحي إنما في التغيرات الاجتماعية العميقة: الطبقة العليا من رجال الدين أصبحت جزءا من الطبقة الحاكمة الإقطاعية التي ظهرت على أنقاض الامبراطورية الرومانية.
لقد أدت عقود من الحرب والطائفية والتدخلات الامبريالية إلى تحطيم النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع العراقي، وسمحت بظهور ما بات يعرف في النهاية باسم داعش. وقد أتاحت الظروف المماثلة في سوريا، على الرغم من أن التنظيم تطور في مدة زمنية قصيرة، إمكانية الانتشار العسكري. إن الأسلحة التي استخدمها الحكام لهزم الثورات العربية، التي قام بها الملايين من الناس العاديين بهدف تغيير حياتهم والسعي لتخليص الشرق الأوسط من الاستبداد المحلي والامبريالية الأجنبية، قد أغرقت المنطقة في يأس إضافي.
لذلك، فإن داعش ليس شبحا يطاردنا من ماضٍ بعيد، إنما تمتد جذوره في الواقع العنفي المروع الذي نعيشه وفي عمق التربة الحديثة. إن هذه الحداثة البائسة يمكن التعبير عنها من خلال صور مشوهة من الماضي، من ينكر ذلك؟ وهذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتم استدعاء فيها الأساطير السابقة لإضفاء الشرعية على مشروع حديث ويطمئن أولئك الذين يقومون به.
الحل بالنسبة لداعش وأمثاله لا يكمن بالتأكيد في بعض الإصلاحات الثيولوجية في الإسلام. وليس بالطبع عن طريق حملات القصف الجوي الغربي أو الروسي الداعمة للطغاة والميليشيات الطائفية. فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الظروف التي أدت إلى نشوء داعش ووضع الأسس لقيام وحش آخر.

شارك