الإسلام الحركي وكرة القدم.. بين التكفير والتسييس

الإثنين 21/مايو/2018 - 04:54 م
طباعة الإسلام الحركي وكرة
 

حسن البنا استغل اللعبة في نشر أفكار الجماعة
«داعش» يهدد «ميسي» ويتوعد روسيا وكأس العالم
لاعبون احترفوا في صفوف داعش واستبدلوا الكرة بجماجم ضحاياهم
ما بين تحريمها واستغلالها.. يتأرجح الجهاديون

(كرة القدم هي السلاح الأكثر فاعلية وتأثيرًا واقترابًا من الناس)
هنري كسنجر
شهدت السنوات الأخيرة تغلغل ظاهرة الإرهاب في أوصال المجتمعات على اختلاف جنسياتها، وبالنظر إلى تمدد تلك الظاهرة عالميًّا -فضلًا عن اتساع نطاقها- يُلاحظ أنها صارت تفرض نفسها على دوائر صنع القرار، ومراكز التفكير، ومجالات البحث العلمي بكل مستوياتها، وفي هذا المشهد لم تنفصل كرة القدم عن ذلك المسار، فاللعبة الأوسع انتشارًا بين الجماهير على مستوى العالم تمثل ميدانًا تسعى الجماعات المتطرفة، لاستغلاله فيما يتفق مع أهدافها.

وعلى الرغم من أن تلك الظاهرة ليست وليدة الموجة الأخيرة للإرهاب العالمي؛ حيث شهدت دورة الألعاب الأولمبية في ميونخ بألمانيا عام 1972 أحداث عنف؛ أسفرت عن عدد كبير من الضحايا، شهدت السنوات الأخيرة محاولات عديدة لتوظيف «كرة القدم» في مشهد الإرهاب العالمي؛ الأمر الذي يفرض بدوره التساؤل حول مصير تلك الظاهرة ومستقبلها.

وتسعى هذه الدراسة لتفسير توجهات ودوافع «الإسلام الحركي»، و«الجماعات الإرهابية» نحو كرة القدم، فضلًا عن التعرف على مظاهر تلك التوجهات ومآلاتها المستقبلية.

أولًا: دوافع العلاقة بين كرة القدم والجماعات الإرهابية
تتنوع دوافع الإرهاب الرياضي على النحو التالي:
(1) الحشد والانتشار المجتمعي
اعتمدت التنظيمات المتطرفة تاريخيًّا على كرة القدم؛ بغرض توسيع نطاق وجودها وانتشارها في المجتمع أينما وجدت، وهو ما نجد صداه في سلوك «جماعة الإخوان» التي اهتمت منذ بدايتها بلعبة كرة القدم؛ نظرًا لاتساع شعبيتها محليًّا وعالميًّا؛ الأمر الذي نظر فيه مؤسس الجماعة حسن البنا (أسسها عام 1928)، إلى تلك اللعبة بعين الاعتبار؛ كونها إحدى الأدوات المهمة للانتشار بالنسبة للجماعة بين صفوف المجتمع.

وفي إطار توسيع نطاق جماعته أسس «البنا» ما يقرب من مائة فريق لكرة القدم في غالبية محافظات الجمهورية؛ حيث عمل على تنظيم مسابقة سنوية يقوم فيها «البنا» بتسليم كأس البطولة للفريق الفائز، وفي عام 1938 دعا «البنا» أتباعه إلى الاهتمام بكرة القدم، واستخدامها سياسيًّا واجتماعيًّا.

واستخدم «البنا» في تلك الأثناء كرة القدم كمشروع دعائي مُنظّم للانتشار بين ربوع المجتمع كافة، فتم وضع أول لائحة رياضية للإخوان، وفي المادة الأولى من تلك اللائحة ذكر أن الأندية الرياضية للإخوان، هي وحدات قائمة بذاتها تخضع لإدارة الأندية بالمركز العام، وعند حدوث أي خلاف يكون مكتب الإرشاد العام، هو المرجع الأخير، وقراراته نافذة وسارية على الجميع، وكما يتضح من خلال عدد من الوثائق المجهولة التي كشف عنها المفكر الراحل «جمال البنا» الشقيق الأصغر لمؤسس الإخوان، نجد أنهم فكروا وقرروا الاعتماد على كرة القدم، كأحد مصادر دخل الجماعة، وأنه منذ بدء الإخوان نشاطاتهم كانت اللقاءات الرياضية مصدرًا لبعض إيرادات الجماعة.

وبعد حلّ الجماعة في 10 ديسمبر 1948؛ إثر ضلوعها في اغتيال «محمود فهمي النقراشي باشا»، قامت الشرطة بإغلاق كل الأندية الرياضية التي كان يملكها الإخوان، وتم وضع الشمع الأحمر فوق كل بواباتها، وكما يُذكر أنّ المرشد العام «عمر التلمساني» (المرشد الثالث لجماعة الإخوان)، سمح لسكرتيره الشخصي إبراهيم شرف بالاعتذار عن عدم حضور اجتماع مهم لقادة الإخوان؛ لأنه يريد متابعة مباراة مُهِمّة بين فريقي الأهلي والزمالك، وهنا يمكن الإشارة إلى إعلان محمد بديع (المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان)، تأسيس فريق لكرة القدم يلعب باسم الإخوان.

(2) أكبر قدر من الخسائر
تلجأ التنظيمات الإرهابية إلى تنفيذ عملياتها في مناطق تكتظ بالزحام؛ وذلك بغرض إحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية، وهو ما يفسر اتجاه تلك التنظيمات لأماكن لعبة كرة القدم ذات الجماهيرية الأوسع في العالم، فقد قام تنظيم «داعش» بقتل 18 شابًّا من مشجعي نادي «ريال مدريد»، أثناء تجمعهم لمشاهدة إحدى المباريات التي جمعت ريال مدريد وبرشلونة.

كما شهدت فرنسا 3 تفجيرات انتحارية في محيط ملعب فرنسا في ضاحية باريس الشمالية، وتحديدًا في ضاحية «سان دوني»، بعد نصف ساعة من بَدء مباراة كرة قدم ودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا؛ حيث قام أحد الانتحاريين بتفجير نفسه في المشجعين، وكان الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا أولاند موجودًا بين الجماهير في تلك الأثناء إلا أنه تم إجلاؤه، وأعلن تنظيم «داعش» أن تلك التهديدات جاءت انتقادًا لمشاركة فرنسا في الحرب السورية.

كما شهدت ألمانيا العديد من الحوادث المماثلة؛ حيث قامت الشرطة الألمانية بإخلاء ملعب «هانوفر» في 17 نوفمبر، قبل بَدء مباراة ودية بين منتخبي ألمانيا وهولندا، وذلك بعد أنباء عن العثور على قنبلة، وهو ما أعقبه في وقت لاحق وقوع انفجارين أمام بوابات الاستاد.

وفي العراق فجر انتحاري نفسه في أحد الملاعب جنوب العاصمة العراقية بغداد؛ ما أسفر عن مقتل 30 شخصًا على الأقل وجرح العشرات، وقد أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجير، موضحًا في بيان له أن انتحاريًّا يُدعى «سيف الله الأنصاري» هو مَن نفذ الهجوم.

(3) التأثير النفسي
يُمثل العامل النفسي أحد الجوانب المهمة لفهم دوافع الإرهاب المتصل بكرة القدم، فتحت عنوان «الإرهاب العادل» توعّد «داعش» باستهداف عدد من مشاهير كرة القدم العالميين من أمثال لاعب فريق برشلونة الإسباني، الأرجنتيني الأصل ليونيل ميسي؛ حيث بثّ «داعش» صورة لميسي، يُظهر فيها رأسه منفصلًا عن جسده، إثباتًا لجدية التنظيم في التهديد، والحال نفسه بالنسبة للاعب نادي باريس سان جيرمان، «نيمار دا سيلفا»، وأيضًا المدرب الفرنسي ولاعب كرة القدم السابق «ديدييه ديشان».

وهنا يتضح اعتماد تنظيم «داعش» على العامل النفسي، ودوره المعتاد في تحقيق أهدافه في غالبية الأحيان، فلم يغب عن الأذهان صورة الشاب «إسلام يكن»، المعروف إعلاميًّا بـ«فتى داعش المدلل»، وهو يلهو برأس أحد ضحاياه، وفي هذا السياق نفسه حثّ تنظيم داعش أتباعه ممن يعرفون بـ«الذئاب المنفردة»، على استخدام السكاكين، والقنابل، أو السيارات المفخخة، واقتحام الملاعب والمناطق التي من المتوقع أن تشهد ازدحامًا بجماهير كأس العالم في روسيا 2018، وفي سياق تهديده روّج داعش عبارات مثل: «نحن من يختار ساحة المعركة»، و«نار المجاهدين ستحرقك»، و«انتظرونا في روسيا».

(4) الدعاية والانتشار 
تحتل كرة القدم مكانة متميزة في توجهات التنظيمات الإرهابية عالميًّا، وهو ما يهدف لرسم صورة ذهنية خاصة بتلك التنظيمات، بغرض تحقيق أكبر نطاق من الانتشار والدعاية العالمية، يفسره لجوء تلك التنظيمات للاعتماد على شخصيات مشهورة عالميًّا انضمت تحت لوائها، أمثال «مايكل دو سانتيوس» الذي اعتزل لعب الكرة، واختار لنفسه اسمًا جهاديًّا هو «أبو عثمان» بعد سفره إلى سوريا، وارتكابه الكثير من الجرائم مع داعش.

ويمكن الإشارة أيضًا إلى لاعب فريق أرسنال الإنجليزي «رودريجو دا كوستا» البرتغالي، الذي انتقل إلى داعش في سوريا، وسمَّى نفسه «أبوعيسى الأندلسي»، كما يُمكن الإشارة إلى حَكَم كرة القدم المصري «محمود الغندور»، الذي انتقل إلى سوريا؛ لينضم إلى صفوف «داعش»، ويُسمى نفسه «أبودجانة الغندور»، و«محمد الموازي» بريطاني الجنسية من أصول كويتية، معروف باسم «الجهادي جون»، بعد اعتزاله لعب كرة القدم، و«محمد حسن الكواش»، لاعب كرة القدم في نادي «الأفريقي التونسي»، الذي اعتزل لعب الكرة بعد إقصائه من تشكيلة الفريق في الدوري الممتاز؛ ليلقَى حتفه فيما بعدُ مقاتلًا في صفوف داعش، و«بوراك كوران» اللاعب السابق في صفوف المنتخب الألماني للشباب، قبل انتقاله إلى سوريا، والانضمام إلى تنظيم داعش.

ثانيًّا: كرة القدم وتوجهات الأصوليين
تنوعت اتجاهات التيارات الأصولية نحو كرة القدم، على النحو التالي: 
(1) اتجاه التحريم 
نظرت بعض القوى الأصولية إلى كرة القدم باعتبارها من المحرمات التي يحظر الانشغال بها، ويتقدم ذلك القسم ما يُعرف بـ«التيار السلفي» الذي يعتمد في تقييمه للأمور على تفسيرات محدودة الرؤية، منفصلة بدرجة كبيرة عن التطورات التي طرأت على الحضارة الإنسانية؛ إذ تقف غالبية الأحكام الصادرة عن ذلك التيار على فترات زمانية من التاريخ الإسلامي فتنطلق فتاواهم من قراءات جامدة، وفهم قاصر للأحداث. 

وهنا يمكن الإشارة إلى فتوى صادرة عن «اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية»، التي تضم عددًا من رموز التيار السلفي، مثل: «عبدالعزيز بن عبدالله بن باز» و«عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ»، و«صالح بن فوزان الفوزان»، و«بكر بن عبدالله أبوزيد»، حول حكم مشاهدة المباريات الرياضية؛ إذ أفتت اللجنة بأن مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام، وعلى ذلك الهدي يسير معظم أتباع ذلك الاتجاه.

أيضًا أفتى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر، عبر موقع «أنا السلفي» بتحريم الانشغال بمباريات كرة القدم؛ لأنها تتضمن محرمات، كما يرى برهامي، وهو ما يتوازى مع فتوى «وجدي غنيم» (داعية إسلامي مصري ومن أقطاب جماعة الإخوان)، التي يقول فيها: «إن الأساس في وجود الإنسان على الأرض هو العبادة مستندًا إلى الآية القرآنية رقم (56) فى سورة الذاريات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

ولم تنفصل عن ذلك المسار فتوى القيادي بحزب النور السلفي، عبدالمنعم الشحات، والتي قال فيها: إن كرة القدم حرام، وإن ضحايا أحداث بورسعيد (وقعت داخل استاد بورسعيد عقب مباراة كرة قدم بين ناديي المصري والأهلي، وراح ضحيتها 72 قتيلًا)، ليسوا شهداء، وكانت تلك الأحداث في أوقات مرت فيها الدولة المصرية بأحداث ما ضاعف من مأساوية الحادث، وهنا نلاحظ أن مثل تلك الفتاوى انطلقت من رؤية قاصرة يغيب عنها الإدراك الشامل للتطور الإنساني، أو حتى اللياقة الاجتماعية، كما نجد في موقف عبدالمنعم الشحات، الذي يتجاهل المشاعر الإنسانية، فبدلًا من النظر إلى الموقف باعتباره فجيعة تصيب المجتمع في أبنائه، ركز اهتمامه على ما إذا كانوا شهداء، أو غير ذلك.

اتجاه التسييس
شهدت المراحل المبكرة للانشغال بكرة القدم بين التيارات الأصولية، محاولات لتوظيف تلك اللعبة الجماهيرية لأغراض سياسية، انصبّت على توظيف الأحداث الخاصة بها لحشد الأتباع والمؤيدين، وهنا نجد جماعة الإخوان -وهي الجماعة الأم لكل التيارات التكفيرية لاحقًا- منذ تأسيسها في 1928، تركز على كرة القدم كوسيلة للحشدِ والانتشار بين صفوف المجتمع.

وفي إطار التوظيف السياسي للعبة، عملت الجماعة على استغلال الحركات الشبابية، التي نشأت بهدف تشجيع اللعبة؛ مثل «الأولتراس»، واستغلال النزعات الحماسية فيما بينها؛ لتوجيه طاقاتها نحو المزيد من الضغط على الدولة المصرية؛ وذلك بغرض تعزيز وضعها في أي عملية تفاوضية محتملة، فقد حاولت جماعة الإخوان استغلال أحداث «الدفاع الجوي» (تدافع وقع على بوابات استاد دار الدفاع الجوي بالقاهرة، أدى إلى مقتل 20 شخصًا من مشجعي كرة القدم، وإصابة أكثر من 30 آخرين)؛ للتشهير بالدولة المصرية، خاصة أن تلك الأحداث كانت تسبق زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمصر في فبراير 2015.

وما بين توفير الحاضنة السياسية، والحشد والتعاطف الشعبي بين قطاعات من مؤيديها، وصولًا إلى توفير الكوادر البشرية التي تُسهم في العديد من الأحداث، نجد أن جماعة الإخوان تعتمد بدرجة واضحة، على استغلال أحداث الإرهاب المتصلة بكرة القدم فيما يتفق مع أغراضها السياسية.

اتجاه التكفير
مع انتقال «الإسلام الحركي» إلى أقصى درجات التطرف والعنف، والتكفير، ومحاربة الإنسانية، لم تنفصل كرة القدم ضمنيًّا عن هذا السياق، فبعد أن كان مؤسس تنظيم القاعدة المقتول، أسامة بن لادن، نفسه محبًا لتشجيع كرة القدم، بل أنه عُرِفَ عنه ميله الشديد لتشجيع نادي أرسنال الإنجليزي، حاول أسلافه في التنظيمات الإرهابية، خاصة داعش، إقحام المناسبات العالمية لكرة القدم في المشهد، فما أن بدأت الملامح النهائية لصعود المنتخبات إلى نهائيات كأس العالم في روسيا، إلا وانطلقت تهديدات «داعش» لهذه المنتخبات. 

وبجانب صورة تحمل الشعار الرسمي للبطولة الأكبر عالميًّا (كأس العالم)، روَّجَ تنظيم داعش صورة ذات خلفية سوداء لأحد أعضائه، حاملًا بندقية وقنبلة، وأصدر «داعش» فتوى تُحرِّم على أفراده لعب كرة القدم، باعتبارها لهوًا مضرًّا لروح الجهاد، وهنا نشير إلى أن ذلك المنحى لا ينفصل عن رغبة التنظيمات الإرهابية في التأثير على الشرعية السياسية للحكام، وتقويض سلطة الدولة، وتشويه الصورة الذهنية الخاصة بالدولة المضيفة للأحداث الرياضية.

والملاحظ بخصوص اتجاهات «الإسلام الحركي» نحو كرة القدم، هو التأرجح ما بين التطرف في إصدار الأحكام (تحريم السلفيين)، واستغلال المناسبات لممارسة العنف التكفيري (تفجيرات داعش)، والتوظيف السياسي (حالة الإخوان).

شارك