«الإخوان المسلمون».. أسرار«الجماعة» كما رواها كتاب «أحداث صنعت التاريخ»

الإثنين 09/يوليو/2018 - 08:59 م
طباعة «الإخوان المسلمون»..
 
في مارس 1948، كانت مجموعة من أتباع حسن البنَّا (مؤسس الإخوان 1928)، يلتفون حوله لمناقشة الأحكام التي أصدرها القاضي، أحمد الخازندار، بحق بعض شباب الجماعة المتورطين في أحداث شغب؛ فإذا بـ"البنَّا" يقول: "لو ربنا يأخذ الخازندار ويريحنا منه"، وهو ما اعتبره حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم العضوان بالجماعة، ضوءًا أخضر للتخلص من القاضي؛ فتنصل مؤسس الجماعة منهما؛ بزعم أنه لم يأمرهما بتنفيذ الاغتيال.
وبعد مرور تسعة أشهر، أصدر محمود فهمي النقراشي -رئيس وزراء مصر وقتذاك- قرارًا بحل جماعة الإخوان؛ بعدما انكشف أمر النظام الخاص (نظام سري عسكري كوَّنه البنَّا 1940) وتورط أفراده في تنفيذ اغتيالات، ولم يكن حظر الإخوان هو القرار الوحيد لـ"النقراشي"، بل اعتُقل أفراد من الجماعة وقيادات مكتب الإرشاد، إضافة إلى سحب القوة الموجودة في الحرب الدائرة في فلسطين وإيداعهم المعتقلات.

قوبل قرار الحل باغتيال "النقراشي"، على يد عدد من رجال التنظيم الخاص، لكن البنَّا تنصل منهم، وأصدر بيانًا قال فيه: "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين"، لكن اعترافات القاتل، عبدالمجيد أحمد حسن، أمام النيابة، أفادت بأن خطة اغتيال رئيس الوزراء وُضعت يوم ١٨ ديسمبر واتفق على التنفيذ في ٢٣ ديسمبر، ثم أُرجئ إلى أن تُتَّخَذ التدابير لحماية "البنَّا"، إذا اتجه التفكير إلى قتله انتقامًا لاغتيال "النقراشي".
وأردف: "محمد مالك (عضو بالنظام الخاص اشترك معه في عملية الاغتيال)، قال إن قرار الحل يُعد تحديًا للجماعة وجرحًا لهيبتها وجرأة من جانب الدولة، ولابد من أن تُغسل بالدم هذه الإهانة؛ فالناس ينتظرون عملًا يقوم به الإخوان ضد مَنْ حلَّ الجماعة؛ فاقترح أحد أعضاء الجهاز مهاجمة منزل "النقراشي"؛ فرد مالك قائلًا: "الشيخ "البنَّا" لا يريد أن يُضحي بأكثر من واحد مقابل اغتيال النقراشي".
البنَّا.. محترف المهادنة
بحسب محمود عبدالحليم، مؤرخ جماعة الإخوان وأحد مؤسسي النظام الخاص؛ فإن "البنَّا" سارع إلى مقابلة إبراهيم عبدالهادي، رئيس الديوان الملكي، عقب قرار الحل، وسلمه بيانًا أعده المرشد لإذاعته على الإخوان يناشدهم بالتزام الهدوء والسكينة، وأن يتركوا له أمر التفاهم مع الحكومة؛ لكن "النقراشي" قبل اغتياله رفض إذاعة البيان، وقال: "إخلاد الإخوان إلى الهدوء والسكينة، من الشأن الحكومي وليس من شأن حسن البنَّا".
وفي الجزء الثاني من كتابه "الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ"، قال "عبدالحليم": "كان المرشد دائم الإلحاح على الحكومة في كل اجتماع، أن تتيح له فرصة الالتقاء بالمسؤولين من الإخوان، إما بالإفراج عنهم، وإما السماح بزيارتهم في المعتقل؛ ليستعين بهم على تهدئة الحال، وكانت الحكومة دائمة الرفض ثم وافقت فجأة، وأبلغوا "البنَّا" قبل اغتياله (12 فبراير 1949) بأنها ستسمح له بزيارتهم وتسوية المسائل".
ويروي مؤرخ الجماعة عن المرشد، أنه كان مستعدًا للتعاون مع الحكومة تعاونًا صادقًا، وأصرَّ على الدخول إلى أعضاء مكتب الإرشاد المعتقلين في السجون المصرية؛ لسؤالهم عن أماكن الأسلحة التي يملكها الإخوان؛ إذ أكد "عبدالحليم" أن النيابة في تحقيقاتها مع "البنَّا" سألته عن أسلحة الإخوان؛ فأجاب أنه لا يعلم عنها شيئًا، ولكن أعضاء مكتب الإرشاد المعتقلين، وعددهم 12، يعرفون تلك المعلومات؛ لذا لابد أن يُسمح له بلقائهم في السجون.
أسئلة مشروعة
بدوره؛ تساءل عمرو عبدالحافظ -أحد شباب الإخوان الذين يتبنون المراجعات الفكرية داخل السجون، وتهاجمه قيادات الجماعة باستمرار- عن موقف الإخوان من "البنَّا" وقتذاك، لاسيما أن الظرف الذي عاشته الجماعة في نهاية الأربعينيات، شبيه بالظرف السياسي الحالي، قائلًا: "حينما تم حل الجماعة ومصادرة أموالها ومقراتها واعتقال قادتها وأعضائها، سعى حسن البنَّا إلى حل الأزمة والوصول إلى تسوية سياسية تُعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، وطلب من الحكومة تمكينه من لقاء المعتقلين؛ ليقنعهم بضرورة التهدئة".

وأضاف "عبدالحافظ" في تصريح له، نُشر في أغسطس 2017: "معنى هذا أن حسن البنَّا كان يريد المرور على السجون ليتحدث إلى الإخوان في اجتماعات ومحاضرات؛ ليقنعهم بضرورة المصالحة والتسوية مع نظام حاكم حلَّ جماعتهم، وسجنهم، وصادر أموالهم، ووافق على الهدنة مع الصهاينة في حرب فلسطين، واعتقل المتطوعين من الإخوان هناك، وسحب منهم أسلحتهم، فأراد "البنَّا" تجاوز كل هذا، ويتصالح وينهي الصراع، وسيدخل السجون بالاتفاق مع الأجهزة الأمنية لإتمام هذه المهمة"!
وتساءل عن رأي الإخوان فيما فعله مرشدهم الأول، كما وجَّه إليهم رسالة من محبسه نصها: "هل ضعف الرجل أمام المحنة؟ أو فرَّط في الثوابت؟ أو باع القضية؟ أو خان فلسطين؟ أو هو عميل للأجهزة الأمنية؟ أو أنه ليس شيئًا مما سبق؛ ولكنه يتعامل وِفْقَ تقديره للموقف كرجل يمارس السياسة باحتراف؟.. إذا كانت الأولى؛ فلماذا لا تعلنون موقفكم من الرجل؟ وإذا كانت الثانية؛ فلماذا ترمون مَنْ يفعل مثل فعله بتلك النقائص؟ لماذا لا تسمونه –أيضًا- تقديرًا للموقف وممارسة محترفة للسياسة"؟

شارك