«الرايات السود».. يكشف معرفة الـ«CIA» بهجمات 11 سبتمبر

الأحد 16/سبتمبر/2018 - 09:28 ص
طباعة «الرايات السود».. نورا بنداري
 
داخل غرفة الاستجواب في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA» تم كشف المزيد من الحقائق المعلنة والمخفية عن أحداث 11 سبتمبر 2001، التي تم توجيهها بأساليب مختلفة ناحية الزاوية التي تخدم في المقام الأول قمة الهرم الأمريكي؛ حيث وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي استهدفت تفجير 3 أهداف محددة في الولايات المتحدة، تمثلت في برجي مركز التجارة الدولية في نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).



تلك الهجمات التي خلفت وراءها كوارث أضرت بأمن واستقرار أمريكا ودول العالم العربي، لم تكن لتحدث لولا حجب «المخابرات الأمريكية» معلوماتها عن العناصر المرتبطة والمخططة لهذه الهجمات؛ لأهداف تخدم «جورج دبليو بوش» -ساكن البيت الأبيض في هذا التوقيت- للحفاظ على منصبه، بغض النظر عن أي شيء آخر.


هذا ما يوضحه «علي صوفان» الضابط الأمريكي اللبناني السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI»، بالاشتراك مع «دانيال فريدمان»، في كتاب «الرايات السود: ملاحقة القاعدة من الداخل» المنشور عام  2011؛ «The Black Banners: The Inside Story of 9/11 and the War Against Al-Qaeda»، والذي كشف عن المخفي في هجمات سبتمبر، مستدلًّا بشهادات منفذي هذه الهجمات.



واحتوى الكتاب على أسرار عدة عن تنظيم «القاعدة» منذ تأسيسه وبداية تنفيذه لعمليات ضد الولايات المتحدة، موضحًا سبب التفجيرات التي استهدفت سفارات الولايات المتّحدة في شرق أفريقيا، والاعتداء على المدمّرة «كول»، وتناول أيضًا الإشارة إلى أساليب الاستجواب المتبعة من قبل المخابرات الأمريكية مع المحتجزين على ذمة قضايا الإرهاب، والتي لم تحقق أي نجاحات أمنية، بل كان لها نتائج عكسية ترتب عليها الحصول على معلومات كاذبة ومضللة، موضحًا تفاصيل الصراع الداخلي بين المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، كما يختزن قدرًا لا بأس به من فضائح إدارة الرئيس «جورج بوش».




ومن أهم النقاط المحورية التي تناولها عميل التحقيقات الفيدرالية السابق، هو شهادته عن دور المخابرات الأمريكية في تسهيل مهمة الإرهابيين في أحداث سبتمبر وما بعدها، مؤكدًا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان أمامه فرصة كبيرة جدًا لمنع وقوع هذه الهجمات، لو أن وكالة الاستخبارات الأمريكية قدمت ما لديها من معلومات للوكالات الأمريكية الأخرى العاملة في مجال تطبيق القانون، ومنها الـFBI، واستجابت للمعلومات التي وفرها العملاء الأمريكيون.



بداية القصة

حصلت أجهزة المخابرات الأمريكية على معلومات كافية عن «القاعدة»، تحديدًا بعد أحداث الهجوم على السفارات الأمريكية في كل من «نيروبي ودار السلام»، التي وقعت عام 1998 عندما هاجم جهاديون عرب تابعون لـ«القاعدة» هذه السفارات؛ ما ترتب عليه بداية تجذر تاريخ الإرهاب في شرق القارة الأفريقية.



وقال «صوفان» في كتابه: «لو كان المسؤولون في واشنطن استمعوا واستجابوا للمعلومات التي حصلنا عليها من الهجوم على السفارات في عام 1998 لكنا تمكنا من وقف هجمات 11 سبتمبر»، مضيفًا: «المسؤولون في واشنطن كانوا يعتقدون أنهم يعرفون أكثر، وبدلًا من البحث عن «أسامة بن لادن» في أفغانستان أو باكستان، كانوا يبحثون عنه في العراق».




وأوضح «صوفان» أن إساءة تفسير اجتهاد قانوني لقاضية أمريكية؛ جعلت الـCIA تمتنع عن مشاركة معلوماتها مع أي جهة داخلية أخرى، حتى وإن كان ذلك سيحمي البلاد من هجمات سبتمبر المدمرة التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم.



وما يوضح عدم سماع المخابرات الأمريكية للإنذارات المسبقة التي أطلقها الكثير من العاملين بها لمنع وقوع هجمات سبتمبر، هو ما كشفته «سوزان لينداور» (ضابط اتصال سابق لدى سي أي إيه) عن وجود سيارات (الفان) التي كانت تدخل المرآب الخاص بمباني مركز التجارة العالمي قبيل وقوع أحداث سبتمبر، وكانت تحمل مواد متفجرة زرعت في أماكن محددة من البرجين.



والأخطر من ذلك أن «سوزان» قالت إنها عرفت بشأن الهجوم في شهر أبريل 2001 عن طريق مديرها في وكالة الاستخبارات الأمريكية «ريتشارد فيوز»، معتقدةً أنه عرف بالأمر من إسرائيل، ومن الاستخبارات.




وبعدما أعلنت «سوزان» عام 2003 عقب خروجها من الوكالة عن نيتها في نشر كتاب يتضمن معلومات لديها عن هجمات سبتمبر؛ اعتقلتها المخابرات الأمريكية لمدة عام، وأفرجت عنها بعدما تم التوصل لاتفاق معها على عدم تضمين الكتاب أي معلومات عما جرى في 11 سبتمبر.



وكان الغرض من اعتقالها في هذا التوقيت هو اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية؛  حيث كان «جورج بوش» مرشحًا لولاية ثانية؛ لذلك لو سمحوا لها بالتحدث أمام الكونجرس حول التحذيرات والمعرفة المسبقة بأحداث سبتمبر لما تمت إعادة ترشيح «بوش الابن» لولاية ثانية، وقيل لها هذا بشكل مباشر.



وبحسب ما نُشر في كتابها «الإجراء الأقصى»، عُرض عليها «مليون دولار» مقابل سكوتها، وإعراضها عن نشر كتابها، إلا أنها لم تقبل، ونشرت الكتاب عام 2011، وأجرت مقابلات عدة تلفزيونية كشفت فيها أسرارًا خطيرة عن أحداث 11 سبتمبر.




إخفاء المعلومات

رفضت وكالة الاستخبارات الأمريكية التعاون مع مكتب التحقيق الفيدرالي لإيقاف هجمات سبتمبر، خاصةً أن المحققين في FDI طلبوا من CIA إعطاءهم معلومات عن أشخاص تبيّن لاحقًا أنهم من المنفذين والمخططين للهجوم، وهذا بعدما علم مكتب التحقيقات عن وجود تحركات مشبوهة لعناصر من تنظيم «القاعدة» في ماليزيا (البلد الذي تم على أراضيه الاجتماع التخطيطي لهجوم الطائرات على البرجين الأمريكيين).




ونتيجة لذلك أشار «صوفان»، إلى أن حالة من الغضب سيطرت عليه وعلى زملائه المحققين عندما علموا أهمية المعلومات التي حجبتها الـCIA عنهم؛ حيث اتصل أحدهم بقادة وكالة الاستخبارات ليلومهم على ما فعلوه، فما كان من رجال الـCIA إلا أن تذرّعوا بأنّ ما قاموا به كان أمرًا دستوريًّا، فتمنّى زميل «صوفان» لهم عندها أن يكون ضميرهم مرتاحًا بعدما أدت حماية الدستور - بحسب رأيهم - إلى عدم إيقاف هجوم أودى بحياة آلاف من البشر، كما أن حجب هذه المعلومات جعلت «صوفان» يقدم استقالته من مكتب التحقيقات في عام 2005.




وأوضح «صوفان» الذي حصل عام 1999 على وثائق من مسؤولين من المخابرات الأردنية تضمنت خرائط لموقع تفجيرات 11 سبتمبر، في لقاء له مع منظمة «أمريكا الجديدة» أكتوبر 2011، أن هجمات سبتمبر لم تكن نتيجة ذكاء خارق من «القاعدة»، وإنما كانت نتيجة إخفاقات في التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية.



وشدد «صوفان» على أنه يُقدم في كتابه عرضًا للحقائق التي كان شاهدًا على أحداثها، ولا يقدم حكمًا على تلك الأحداث، معلنًا أنه من ضمن المواجهات التي وقعت بين الـFBI والـCIA ليس فقط منع مكتب التحقيقات من التحقيق مع بعض المعتقلين، أو حجب المعلومات عنه، بل حدوث سوء تقدير وتصرف من قبل الـCIA قاد إلى الإفراج عمّن وصفه «أكبر عضو في القاعدة وقع في أيدينا»، وهو «أبوعاصم المغربي».




صناعة أمريكية

ونتيجة لوجود أعمال عدة أمريكية وأوروبية شككت فى أحداث سبتمبر 2001؛ لرؤيتهم أن ما حدث هو من صنع الولايات المتحدة للسيطرة على دول المنطقة العربية، ظهر ما يعرف بـ«نظريات مؤامرة 11 سبتمبر» التي حللت أحداث سبتمبر، موضحةً أنها وقعت من خلال عمليات منسقة تمت من قبل عناصر لا صلة لها بـ«القاعدة»، بل مسؤولين في الإدارة الأمريكية.



وأول هذه النظريات كان في أوروبا مثل كتاب «11 سبتمبر الخديعة الكبرى» للصحفي الفرنسي «تييري ميسان»، وكتاب الـ«سي آي أيه و11 سبتمبر» للكاتب الألماني «أندريه فون بولو»، وبعد ذلك انتشرت هذه النظريات في الصحف الأمريكية؛ ما جعل الحكومة الأمريكية تقوم بمنعها بحجة أنها «معادية لأمريكا»، وأنها تحاول إبعاد التهمة عن الإرهابيين.


للمزيد.. في ذكرى 11 سبتمبر.. مدير الـ«FBI» يعترف بانتشار الإرهاب عالميًّا



وفي موسكو أعلن الخبير الروسي في الشؤون الجيوسياسية «فيتشيسلاف كوروليف»، في كتابه «أسرار الحادي عشر من سبتمبر»، أن هجمات سبتمبر كانت من تخطيط إدارة الرئيس «بوش الابن»، قائلًا: «هذه هي وجهة نظري؛ حيث قدمت وثائق وأدلة قاطعة، استنادًا إلى المصادر الأمريكية نفسها والمصادر الأوروبية أيضًا، تثبت تمامًا أن هذه الأحداث كانت من تخطيط إدارة «جورج بوش»، مضيفًا أن «الهدف من هذه الخطة كان هو تفعيل المخططات الأمريكية المستقبلية المتمثلة في السيطرة على العالم العربي».




ونلاحظ أن «صوفان» لم يتطرق إلى توضيح كيف لمسلم عربي العمل كمحقق داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي، كما أنه ذكر عائلته ولكن لفترة وجيزة جدًا، ومما يؤخذ على الكاتب المحادثات التي عرضها في الجزء الأول من الكتاب، فهي تبدو جامدة بعض الشيء، وذلك يرجع إلى كونه ليس صحافيًّا، لكنه حاول تجاوز هذه النقطة من خلال وضع وصف تفصيلي لما تكشّف خلف الأبواب المغلقة لغرف التحقيق في العالم.



ورغم حذف المخابرات الأمريكية العديد من الصفحات داخل الكتاب، من خلال تغطيتها باللون الرمادي، فإنه أوصل بعض الحقائق المخفية، ودخل قائمة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية للكتب العشرة الأكثر مبيعًا.



للمزيد.. لغز الرحلة «93» التي ضلت طريقها في أحداث 11 سبتمبر



ونتيجة لتركيز الكتاب على أساليب «الاستجواب المعزز» المستخدمة من قِبل المخابرات الأمريكية؛ ظهر ما يعرف بـ«نظريّة علي صوفان» التي تُدرّس في الكليّات الأمريكية اليوم، وذلك بعد سنوات كثيرة من التجربة مع أخطر مطلوبي تنظيم «القاعدة» حول العالم، من اليمن إلى باكستان إلى أفغانستان إلى بريطانيا والولايات المتحدة.

شارك