الاخطبوط الأسود ...دراسة تكشف دور مخابرات الملالي في أذربيجان

الجمعة 01/مارس/2019 - 09:13 ص
طباعة الاخطبوط الأسود روبير الفارس
 
يمتد الارهاب الايراني بكافة مستوياته اللوجستية والامنية في مختلف دول العالم ومن بينها الجارة الايرانية اذريبجان  وعلي الرغم من الجهود الممتدة  التي بذلتها وتبذلها الإستخبارات الإيرانية في إحتواء الساحة الأمنية والإستخبارية في إذربيجان، من أجل تلبية إحتياجات أمنها القومي، إلا أنها فشلت في كثير من الأحيان في تحقيق غاياتها الأمنية، ولعل الضربة الكبرى التي تعرضت لها الإستخبارات الإيرانية في أذربيجان، هي فشلها في إحباط العملية الإستخبارية التي نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي إنطلاقاً من الأراضي الأذربيجانية، والتي أطلق عليها أسم “عملية عماد”، والتي تمكن بموجبها جهاز الموساد من السيطرة على العديد من ملفات إيران السرية الخاصة ببرنامجها النووي، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو، في مؤتمر صحفي في 30 أبريل 2018، وبموجب هذه العملية تمكن جهاز الموساد في يوم 1 يناير 2018، من إختراق المكان الذي كانت تخبئ فيه إيران هذه الملفات، في مخزن مهجور في ضاحية “شورآباد” جنوب طهران، إذ خضع هذا المخزن لعمليات إستطلاع جوي من قبل الإستخبارات الإسرائيلية لمدة عامين، حيث إنطلق عملاء جهاز الموساد من قرب مبنى وزارة الخارجية الإيرانية في العاصمة طهران، في شاحنتين تحملان لوحات أمنية نحو الهدف، وبعد إختراق المخزن تمكنوا من السيطرة على 111 ألف وثيقة وصورة وفيديو تزن نصف طن، وبعدها عبرت هذه الشاحنات الحدود عبر أذربيجان، حيث كان بإنتظارهم فريق دعم إستخباراتي من الموساد، مع مهربين إيرانيين لم يكون يعرفوا بحقيقة محتويات الشحنة، ومن هناك تم نقل محتويات الشحنة عبر مطار باكو إلى تل أبيب، بدون علم السلطات الأمنية في أذربيجان، وبعد وصول هذه الملفات، تم تحليلها من قبل فريق مشترك من الموساد وجهاز الإستخبارات الأمريكية CIA، لتخرج النتائج بالطريقة التي قدمها نتينياهو وكشفت دراسة مهمة للباحث الدكتور فراس الياس حول وجود مخابرات الملالي في اذريبجان  .ان المهمة الرئيسية للإستخبارات الإيرانية في أذربيجان، في منع إستخدام أراضي أذربيجان للعمليات العسكرية ضدها، ولتحقيق هذه الغاية تم تنفيذ العديد من الأنشطة، ومنها التأثير على الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، إلى جانب التأكيد الإيراني على الخطر الذي تمثله العناصر الإسلامية المتطرفة كداعش وغيرها، والمدعومة من قبل الإستخبارات الأمريكية وغيرها من الإفتراضات التي تسوقها الإستخبارات الإيرانية هناك، وكل هذا يعتمد على مدى إحتمال المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وعلى إستعداد السلطات الأذربيجانية لتقديم المساعدة للولايات المتحدة.
ويقول الباحث علاوة على ذلك، فإن الدوائر الإستخبارية الإيرانية تولي إهتماماً وثيقاً للمهاجرين السياسيين الإيرانيين الذين يعيشون في أذربيجان، وعلاقاتهم مع رفاقهم من أبناء القبائل التركية في وطنهم الأم، وكذلك مع ممثلي أجهزة الإستخبارات الأمريكية والأذربيجانية، وكما هو معروف أن شمال إيران وأذربيجان المجاورة يشكلان مساحة عرقية – ثقافية واحدة – المنطقة التاريخية لإستيطان الإثنوس الأذربيجاني (30 مليون من ممثليها يعيشون في إيران و 8 ملايين يعيشون في جمهورية أذربيجان)، ومنذ بداية التسعينات، كانت العلاقات  علانية –ترعى ناشطي الحركة الإنفصالية للأذريين الإيرانيين، إن الحدود المشتركة التي تربط بين هاتين الدولتين، وإعادة توطين ممثلي أمة واحدة على كلا الجانبين، فضلاً عن الإحتكاك التقليدي بين باكو وطهران، تخلق ظروفاً مواتية لإستخدام “خريطة أذربيجان” من أجل زعزعة إستقرار الوضع في إيران.
واضاف الباحث  يتفق العديد من الخبراء على أن إيران، التي وضعت شعار “تصدير الثورة الإسلامية” الذي طرح منذ عام 1979، تبذل جهوداً نشطة لتحقيق الإطاحة بالنظام العلماني في أذربيجان، وإنشاء قوانين الشريعة في هذا البلد، ومن اجل إنشاء نظام ثيوقراطي في باكو، فإن جهاز إستخبارات الحرس الثوري الإيراني يضطلع بالمهمة الأساسية في هذا الإطار.
إذ تعتقد الإستخبارات الأذربيجانية أن أحد أنشطة الحرس الثوري الإيراني هو تقويض إستقرار الجمهوريات الإسلامية في الإتحاد السوفييتي السابق، إذ أنشأت الأجهزة الإستخبارية الإيرانية الخاصة عملاء أقوياء ومتشعبين في أذربيجان، ليس بمقدورهم إستخلاص المعلومات العسكرية والسياسية والإقتصادية الضرورية فحسب، بل وأيضاً إتخاذ تدابير نشطة مختلفة، هذا ما يؤكده الموظف السابق بوزارة الأمن القومي الأذربيجانية إلهام إسماعيل، فعلى حد تعبيره، كانت الخدمات الإيرانية الخاصة قد نشرت بالفعل شبكة عملاء كبيرة في أذربيجان في عام 1993، ويمكنها القيام بإستفزازات في باكو في أي وقت تشاء.
وقدمت الدراسة  مثال علي ذلك حدث  في نهاية أغسطس 2001 حيث تمكن جهاز المخابرات الأذربيجانية  من إحتجاز ستة أشخاص في منطقة جليل آباد جنوب شرق أذربيجان، لحضورهم المستمر إلى مسجد يشتبه في تعاونه مع الإستخبارات الإيرانية، بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن قوائم تضم حوالي ثلاثين مواطناً أذربيجانياً يجذبهم الجانب الإيراني للعمل الإيديولوجي المناهض للحكومة الأذربيجانية في المناطق الحدودية، ولم تكن الحقيقة الأولى في إعتقال الأشخاص المتعاونين مع الإستخبارات الإيرانية الخاصة في أذربيجان، حيث قامت وزارة الأمن القومي الأذربيجانية مراراً وتكراراً بقمع أنشطة الإسلاميين الذين قاموا بمهام الإستخبارات الإيرانية، فعلى سبيل المثال، في عام 1996، تم الكشف عن مؤامرة مناهضة للحكومة من الحزب الإسلامي (IPA) في أذربيجان، بتمويل من المنظمات الدينية الإيرانية في باكو، وفي الوقت نفسه، ألقي القبض على مجموعة من قادة ونشطاء الحزب الإسلامي الأذربيجاني، تلقى الكثير منهم تعليمهم في إيران، وبعد ذلك، في يناير 2007 ، قام ضباط من الإستخبارات الأذربيجانية بتحييد مجموعة من 16 إسلامياً، كانوا طوال عامين يتصرفون بناء على أوامر من الدوائر الخاصة الإيرانية، وفي مايو 2008، أعتقل أربعة مواطنين من أذربيجان، وإثنين من اللبنانيين الذين كانوا على صلة مع إستخبارات الحرس الثوري الإيراني، وشعبة العمليات الخارجية “حزب الله”، فالمشتبه الرئيسي في حالة هذه المجموعة هو المواطن اللبناني “كركي علي محمد” الذي وصل إلى أذربيجان في أغسطس 2007، من أجل إستئناف عمله الذي بدأ في عام 2005، إلى جانب مجموعة مماثلة من 16 عميل إيراني، (التي تم نزع فتيلها قبل ستة أشهر من وصوله إلى باكو في يناير 2007)، وقد تم تدريب أعضاء الجماعة في إيران، ووفقاً لوزارة الأمن القومي في أذربيجان، فمن بين الأمور الأخرى، “أنها منحت مهمة جمع معلومات عن السفارة الموجودة في باكو، والممثل الرسمي، والمرافق الإقتصادية، والعمل مع مواطني إسرائيل في الولايات المتحدة”، وفي ديسمبر2007، حُكم على أعضاء هذه المجموعة بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين وأربعة عشر سنة.
حيث أن جميع عناصر الإستخبارات الإيرانية الذين إعتقلتهم وزارة الأمن القومي الأذربيجانية، كانوا متورطين في عمليات تجسس أو إعداد للأعمال الإرهابية والتخريب، ومحاولات لزعزعة إستقرار الوضع في المنطقة المجاورة مباشرة لباكو العاصمة، إذ تقع قرية نارداران في المنطقة المجاورة للعاصمة، وهي تعتبر تقليدياً كقلعة للمعارضة الإسلامية، ولها علاقات جيدة مع إيران، ففي صيف عام 2002، كانت هناك إشتباكات مسلحة بين عناصر المعارضة الإسلامية وقوات إنفاذ القانون، حيث تم إتهام قادة المعارضة الإسلامية بالتعاون من الإستخبارات الإيرانية للعمل داخل أذربيحان.
وإلى جانب المعارضة الإسلامية في أذربيجان، تمتلك إيران عناصر تأثير أخرى، ومن بينها البعد المذهبي، إذ أن 90% من السكان في أذربيجان هم من الشيعة الإثنى عشرية، وعلى الرغم من عدم إيمان الشيعة في أذربيحان بموضوع “ولاية الفقيه”، إلا أن إيران تسعى جاهدة إلى القفز على هذه التناقضات، وتعمل على إستغلال هذا الترابط المذهبي لتحقيق غاياتها الإستخبارية في المنطقة،  هذا إلى جانب الخشية الإيرانية من أن يؤثر البعد القومي الأذري التركي على الأذريين في إيران، وعلى الرغم من أن “الخريطة العرقية” ذات أهمية ثانوية بالنسبة لسياسة إيران السرية تجاه جارتها الشمالية، إلا أن إيران تراهن في هذا المجال على المعارضة الإسلامية، وعليه، فإن مواجهة باكو الرسمية مع الراديكاليين الدينيين، ستؤدي إلى تفاقم العلاقات الأذربيجانية – الإيرانية، كما حدث من قبل عدة مرات.
إذ تشعر الإستخبارات الإيرانية بحرية كبيرة في أذربيجان، خصوصاً وأنها سبق أن خططت في عام 2008، لخطف ممثل الإستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان، باعتباره ضابط التنسيق مع الإستخبارات الأذربيجانية، كما أن إيران تخشى بإزدياد النشاط الإستخباري الإسرائيلي في أذربيجان، ومن ذلك ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية في 11 فبراير 2013، من أن جهاز الإستخبارات الإسرائيلي الموساد، يقوم من أراضي أذربيجان بجمع المعلومات عن إيران، وكشفت إيران أكثر من ذلك، حين أعلنت أن عملاء الموساد في أذربيجان يضعون الخطط لتصفية علماء الذرة الإيرانيين، ونفت أذربيجان هذه الإتهامات، ووصفتها بالكاذبة، وبأنها مجرد إفتراء وتشهير وكانت السلطات الإستخباراتية في بلدان آسيا الوسطى، أعدت تحليلاً مفصلاً عن التهديدات المحتملة للأمن الوطني، وذلك في إطار تعزيز العلاقات مع إسرائيل، حيث أن جزءاً  كبيراً من الوثيقة، خصص لإحتمال قيام الإستخبارات الإيرانية والمنظمات الإرهابية المتعاونة معها، بعمليات إنتقامية تستهدف الأمن القومي لبلدانهم.
تتفاعل طهران بشكل حساس مع إختراق مبعوثي إسرائيل إلى منطقة القوقاز، وفي هذا الصدد، فإن رد فعل القيادة الإيرانية على زيارة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز إلى باكو في ربيع عام 2009، هو مؤشر حساس جداً، حيث أنه فور وصول الأنباء إلى العاصمة الإيرانية، قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية السابق حسن فيروز آبادي، إن زيارة بيريز ستخلق مشاكل في العلاقات بين إيران وأذربيجان بشكل خاص، كما أن الحاجة إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية في باكو بات ملحاً، ففي أوائل أبريل 2010، تم تقديم تقرير خاص حول إختراق إسرائيل إلى دول جنوب القوقاز إلى مجلس الشورى الإيراني.
إن التعاون الإستخباراتي والأمني بين إسرائيل وأذربيجان، خاصة تدريب الأولى للأجهزة الأمنية والإستخبارتية للثانية، وإشرافها على الطاقم الأمني للرئيس الأذري خلال زياراته الخارجية، وتبادل المعلومات السرية حول أعدائهما بشكل روتيني، وتحليل الصور الملتقطة بواسطة أقمار صناعية إسرائيلية؛ مما يعطي التسريبات الصحفية حول طلب تل أبيب من باكو، وضع محطات تنصت إلكترونية على طول بحر قزوين كثيراً من المصداقية، كما إزدادت العلاقات الأمنية رسوخاً بين الجانبين، بعد أن أعلنت أذربيجان عن إحباطها ما وصفته بأنه “مخطط تفجير” أعد له جهاز إستخبارات حزب الله لتفجير السفارة الإسرائيلية في باكو، وإلقائها القبض على 22 ضابطاً من الحرس الثوري الإيراني، بتهم إرتكاب أعمال معادية ضد السفارات الأمريكية والإسرائيلية وعدد من الدول الغربية، والجدير بالذكر أن السلطات الأذربيجانية حظرت خلال الحرب على غزة 2008-2009 تنظيم مظاهرات إحتجاجية قبالة السفارة الإسرائيلية، وهو ما دفع بدبلوماسي إسرائيلي سابق للقول: إن الإستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان تشعر كأنها في بيتها، وأن أذربيجان تحولت إلى “جسر إستخباراتي” لأجهزة الأمن الإسرائيلية، التي ثبتت أقدامها على الحدود مع إيران، كما أكد “أرستو أورويلو”، المسؤول العسكري الأذربيجاني السابق أن عملاء جهاز الموساد موجودون بعدد أقل بكثير من نظرائهم الإيرانيين الموجودين في بلاده، لكنهم يعملون بشكل أكثر كفاءة ودهاء.
يمكن القول بأن الإهتمام الإسرائيلي ببلدان القوقاز وآسيا الوسطى بدء واضحاً منذ العام 2009، خصوصاً بعد أن ظهر تتابع الرئيس السابق شمعون بيرس ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في السياسة الخارجية الإسرائيلية في الفضاء ما بعد السوفيتي، حيث تتميز أنشطتهم المشتركة في جنوب رابطة الدول المستقلة بنهج متكامل، سواء في سياق المصالح الإسرائيلية في الإتحاد السوفيتي السابق وفي العالم الإسلامي، ولمدة عامين تقريباً، زار بيريز أذربيجان وكازاخستان، ليبرمان – كازاخستان وأذربيجان، كما عقد بيريس مرتين لقاءات مع زعيم كازاخستان، وتحدث معه عدة مرات عبر الهاتف، وفي الوقت نفسه، تم التوصل إلى إتفاق لفتح السفارة الإسرائيلية في تركمانستان.
فمن وجهة نظر الإيرانيين، يمثل هذا التحرك الإسرائيلي تحد مفتوح من جانبهم، فقد كان المبدأ الأساسي للإستراتيجية الإقليمية للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد هو منع زيادة التواجد الأجنبي، وحتى أقل، من التدخل في آسيا الوسطى والقوقاز، خاصة في منطقة بحر قزوين ضد إيران، وقد أعلن في الواقع عن هذه الحقيقة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني عن هذه الحقيقة في ديسمبر 2005، في المؤتمر الدولي الثالث عشر لآسيا الوسطى والقوقاز الذي عقد في طهران، ولكن بفضل بيريس وليبرمان، لم يستطع أحمدي نجاد التعامل مع هذه المهمة، 

شارك