المسلمون البريطانيون... أرقام ودلائل وأموال

السبت 08/نوفمبر/2014 - 08:27 م
طباعة المسلمون البريطانيون...
 
من حين لآخر تتداول وسائل الإعلام أخبارا حول تحقيقات تجري في بريطانيا عن جماعة الإخوان وأموالها والجمعيات التي تمولها وتدار تحت مسميات الجمعيات الخيرية، ودائما تنتهي هذه التحقيقات إلى لا شيء.. فإننا نجهل حجم وجود المسلمين ككل في بريطانيا وحجم الاقتصاد الإسلامي وأيضا هذه الجمعيات.. من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي صدر كدليل إعلامي من منطلق معرفة الآخر لكنه يكشف بالأرقام والوقائع الكثير مما يخفى عنا. 
 يبدأ الكتاب بمقدمة للورد نيل كينوك رئيس المجلس الثقافي البريطاني يقول فيها: نحن نعيش في عالم أصبح فيه الحوار هو الطريق الوحيد لتحقيق أي تقدم، عالم يجب أن تتعايش فيه المعتقدات جنبا إلى جنب. لا نستطيع أن نفترض أن الجميع سيشاركوننا برأينا. كلمات قالتها سيدة مسلمة في جريدة New statesman وجدناها أنسب ملخص لفكرة كتابنا هذا.

لا قاتمة ولا وردية

يقدم هذا الكتاب وهو عمل مشترك بين المجلس الثقافي البريطاني وعدة منظمات إسلامية وصفاً للبريطانيين الذين يشعرون بأنهم هدف للخصومة في هذا الموضوع. لقد وضع الكتاب مستندا إلى الاعتقاد بتأصل العدائية والسلبية في المجتمع، يغذيهما سوء الفهم. ولا يعطي الكتاب صورة قاتمة ولا وردية حول الموضوع، ولا يفترض أن التوصل إلى توافق حول جميع الأمور أمر ممكن، ولكنه يقوم على أساس أن عدم التوافق في الآراء يمكن أن يكون بَنَّاء وحضاريا يستفيد منه المجتمع ككل، شرط أن يرتبط بالمعرفة الحقيقية لا بالتحيز الأعمى.
ومن المهم أن يتذكر أولئك الذين يكتبون عن بريطانيا سواء أكانوا في بريطانيا نفسها أم في دول أخرى من العالم، أنها تحتضن حوالي مليوني مسلم ويشكل هذا الاحتواء أساسا لشعور جديد بأنفسنا قد يكون إحساسا جديدا بالهوية البريطانية وإن كان مثيرا للجدل، ولكن من المهم أن نحرص على أن يشملنا هذا الإحساس جميعا.
لقد اكتشفنا حديثا وعقب جدل الرسوم الكاريكاتورية والمآسي التي تبعته، مدى وهن احتوائية المجتمعات الأوروبية، ومدى سطحية فهمها للحقوق والمسئوليات التي تلقيها الحرية على عاتقها، ولكننا تنبهنا أيضا إلى أن المسلمين لديهم من الاختلاف في الآراء ما لا يقل عما لدى غير المسلمين.
وهكذا بإطلاق هذا الكتاب للعالم، أنقل حقيقة أننا أمة تغيرت منذ زمن طويل وتأثرت بشكل كبير بالهجرة وغالبا نحو الأفضل، ونحن في خير أوضاعنا نعطي العالم مثالا يحتذى للمجتمع الحر والمنفتح، ولمجتمع يحترم الحقوق والحريات ويشجعها، ولكن في الوقت ذاته يكافئ على كبح النزوات .
لقد راقبت عن كثب، وبشيء من التخوف أحيانا، الطريقة التي تعاملت بها بريطانيا مع قضية الرسوم الكاريكاتورية، ولكن راودني في الوقت ذاته إحساس متزايد بأنه على الرغم من سوء تقدير ردود الفعل في بعض الأحيان ما زالت ردود الفعل المعتدلة والتفهم المتنامي عبر قطاعات مجتمعنا، مدعاة للفخر ويجب ألا يكون هذا عذرا للتراخي، أو أن نعتبره نتيجة لإحساسنا الذاتي بالفضيلة، فهذا استنتاج خطر وأحمق. إن هذا الإحساس هو حصيلة للدلائل العملية.
وأتذكر هنا بتفاؤل حذر تعليقا قاله مشارك مسلم في اجتماع سنوي للمجلس الثقافي البريطاني: إن لندن هي الساحة الأرحب في العالم للنقاشات الذكية والبناءة بين المسلمين في جميع أصقاع العالم، وقد أكد أيضا أن هذه هي الفضيلة البريطانية وهي حقا كذلك ويجب أن تبقى كذلك- تزدهر.                                
استنادا إلى إحصائيات 2001 فإن هناك الآن 1.6 ملايين مسلم في بريطانيا على الأقل، وحسب التقديرات وصل هذا الرقم اليوم إلى ما يقارب المليونين وتظهر الإحصائيات أن معظم المسلمين يقطنون في منطقة لندن. ويبلغ عددهم 600.000 ويتكلمون 50 لغة. وبشكل إجمالي يقطن 38% من المسلمين البريطانيين في العاصمة حيث يتوزعون على عشر ضواح بأعداد تتجاوز 20.000، ونجد أن أكبر تجمع سكاني للمسلمين هو في منطقة  Tower Hamlets في أحد أطراف لندن وفيه 70.000 مسلم من أصل بنجلاديشي.
ويشكل الباكستانيون الأكثرية من بين الـ140.000 مسلم القاطنين في برمنجهام والـ75.000 مسلم القاطنين في برادفورد. وهناك أيضا أعداد من المسلمين في بلاكبورن وبرنلى وديوزيرى وغلاسغو وليدز ومانشستر وأولدهام.
وحسب الإحصائيات ينحدر مليون مسلم في بريطانيا من أصول باكستانية وبنجلاديشية وهندية وغالبيتهم من السنة، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول نسبة السنة والشيعة. وما زالت الباكستان وبنجلاديش وتركيا ونيجيريا مصادر للهجرة المنتظمة إلى بريطانيا، هذا بالإضافة إلى المواطنين المسلمين الجدد الذين أتوا من دول شهدت في السنوات القليلة الماضية صراعات سياسية وحروبا، كأفغانستان والجزائر والبوسنة والعراق وكوسوفو والصومال. وهناك 180.000 مسلم يصفون أنفسهم بأنهم منحدرون من عرق أبيض و63.000 منهم يصفون أنفسهم بالبريطانيين البيض. 
ونجد في بريطانيا حاليا 1600 جامع على الأقل كما تشكل بريطانيا قاعدة للإعلام الإسلامي الناطق باللغة الإنجليزية، وتعد المؤسسات الخيرية البريطانية الإسلامية الثلاث: Muslim Aid.Muslim Hands.Islamic Relief من المؤسسات المساهمة الأساسية في التنمية الدولية. وبالإضافة إلى ذلك تعد لندن أحد المراكز العالمية القليلة (والوحيدة في دولة غير مسلمة) لاستثمار رءوس الأموال الإسلامية التي تقدر بنحو 250 بليون دولار. وهناك أيضا ما لا يقل عن 130 مدرسة تديرها مؤسسات خيرية إسلامية وإن كان عدد كبير منها يفتقر إلى المواد اللازمة.
ويشارك في مجلس النواب أربعة أعضاء مسلمين، كما يضم مجلس اللوردات عددا آخر منهم أيضا. وفي بريطانيا ما يقرب من 200 عضو مسلم في المجالس البلدية المحلية ولهم انتماءاتهم السياسية المختلفة، كما أن هناك خمس مدارس إسلامية تمولها الدولة. ويصل المزيد من المسلمين الشباب إلى مناصب عليا في الوظائف الحكومية، بالإضافة إلى وصول عدد منهم إلى أعلى الدرجات في مهنة المحاماة والقضاء، ومنهم الآن مشاهير في عالم الأعمال والإعلام والرياضة ومجالات أخرى.
ويواجه المسلمون البريطانيون مثلهم مثل الجاليات الأخرى عددا كبيرا من التحديات فالعائلات الباكستانية والبنجلاديشية على سبيل المثال يمكن أن تمارس مع أفرادها نزعة سلطوية، فتقدم الحقوق والواجبات العائلية على اهتمامات الفرد من أبنائها ووجهة النظر في اختيار شريك الحياة. والتوتر الطبيعي في العلاقة بين الآباء والأبناء يمكن أن تزيده تفاقما الاختلافات في اللغة (فالإنجليزية هي اللغة الأم لمعظم أبناء المسلمين) هذا وقد أدت مشاكل المسلمين الشباب إلى إحداث خطين هاتفيين للمساعدة كان إحداثهما هو خط مساعدة الشباب المسلمين ومركزه لندن.
 

بريطانيا الأكثر انخراطا مع المسلمين

عقب انتخاب عام 1997 بدأت مشاريع مشتركة بين المسلمين وغير المسلمين بالظهور، وتسارعت حركتها بعد حوادث 11 سبتمبر، ثم تفجيرات لندن في 7 يوليو 2005، فبعد هذه التفجيرات دعت الحكومة 100 من كبار المسلمين لتأسيس سبع مجموعات عاملة تحت شعار: "لنمنع التطرف معا"، وطالبت بتوصيات يمكن من خلالها معالجة المخاوف المشتركة.
وقد تم تخطيط وتنفيذ بعض النشاطات المشتركة بين المسلمين وغير المسلمين لتعطي صورة واضحة عن الإسلام، وهو مهرجان قومي لمجموعة من النشاطات نظمتها الجمعية الإسلامية في بريطانيا  Islamic Society of Britain والتي تحظى بدعم الحكومة البريطانية.
وهناك أيضا جوائز التميز في مجال الأخبار الإسلامية، وهي جوائز سنوية تهدف للتعرف بمسلمين يعتبرون قدوة في مجالاتهم. وتسهم في هذه الجوائز دوائر حكومية وصناعية ومؤسسات عديدة أخرى، منها دائرة الشرطة.. أما الفئة الثانية من النشاطات التي تتواصل بريطانيا من خلالها مع مسلميها فهي تلك التي يقوم بها مسلمو بريطانيا بإسهامات واعية ومنظمة، وكان من أبرز هذه الإسهامات مشاركة الرابطة الإسلامية في بريطانيا في تحالف: "أوقفوا الحرب"، وقد أدت هذه المشاركة بشكل مباشر إلى تأسيس Respect Coalition وهو حزب سياسي يساري فيه تمثيل إسلامي قوي حظي بمقعده البرلماني الأول في الانتخابات العامة عام 2005.
كان للجمعيات الخيرية الإسلامية البريطانية دور بارز في جمع الأموال وتوزيع المساعدات على المجتمعات التي فجعت في يوم عيد الميلاد عام 2004 بكارثة التسونامي، وتلك التي تأثرت بالزلزال الذي ضرب كشمير عام 2005 وذلك بالمشاركة مع المؤسسات البريطانية الأخرى والجمعيات الخيرية الدولية.
وكان انبثاق لندن كأحد المراكز القليلة في العالم لاستقطاب استثمار الأموال الإسلامية التي بلغت 250 مليار دولار تطورا مهما آخر. ويعد مسلمو بريطانيا في الطليعة في هذا المجال، وذلك لجمعهم بين مبادئ مالية عريقة ترجع لقرون مضت مع أنظمة حديثة في التوفير والاستثمار وتجارة العقارات، مما يجتذب غير المسلمين بالقدر نفسه الذي يجتذب فيه المسلمين أيضا.
لقد بدأ عام 2006 بمشاهد بثت مرارا وتكرارا على شاشات التلفاز نماذج لمتظاهرين مسلحين يحتجون على الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت في الدنمارك للنبي محمد، وفي دول أوروبية أخرى فيما بعد. والسبب الجوهري لشعور المسلمين بالإهانة هو تصوير الرسوم الكاريكاتورية للنبي على أنه إرهابي، فهناك شعور قوي بين المسلمين وغيرهم أن تكرار نشر هذه الرسوم فيه الكثير من الاستفزاز، ولكن في الوقت نفسه هناك شعور بأن المسلمين الذين تفاعلوا مع الحدث بعنف وبردود فعل تهديدية قد سقطوا في الفخ الذي نصبه خصومهم. ويتفق المسلمون فيما بينهم على أن الإسلام لا يسمح بتجسيد النبي، ولكن هذا لم يمنع تواجد الثقافة والموسيقى والكوميديا والتسلية عبر تاريخ الإسلام الطويل.
 

تمثيل المسلمين في بريطانيا

يختلف المجلس الإسلامي في بريطانيا بهيكليته وطريقة عمله عن أي مجموعة بريطانية غير حكومية لأنه ينتقد عدة جوانب من سياسة الحكومة، ولكنه في الوقت نفسه لا يمانع في إحداث تغيير من داخل هيكليات الديمقراطية البرلمانية. والمجلس الإسلامي في بريطانيا عبارة عن اتحاد فيدرالي لـ400 هيئة محلية ووطنية، ويقيم انتخابات دورية، وتعمل به مجموعة صغيرة من الموظفين والعديد من المتطوعين.
ويهيمن على المجلس الإسلامي في بريطانيا مؤسسات من الشرق الأوسط وجنوب آسيا لها جذور متأصلة في السياسة الإسلامية المعادية للاستعمار البريطاني، ومن بينها الرابطة الإسلامية في بريطانيا، والبعثة الإسلامية البريطانية، والمنتدى الإسلامي الأوروبى. ولم يحظ المجلس الإسلامي في بريطانيا بتأييد الجماعات التي تندرج تحت ما يسمى بالإسلام التقليدي (والتي تستقي تعاليمها من الصوفية) والجماعات الشيعية ولكن هذا الوضع بدأ يتغير تدريجيا.

جماعات إسلامية أخرى

ليس هناك إجماع بين المسلمين على أنه من الممكن لمنظمة واحدة أن تمثل آراء المجموعات الإسلامية المختلفة، ويقدم هذا التنوع بين المسلمين تفسيرا منطقيا لظهور عدة هيئات حديثة أخرى لتمثيل المسلمين البريطانيين، من بينها المنتدى البريطاني الإسلاميBritish Muslim Forum  وهو عبارة عن شبكة تتألف من 300 مسجد ومجموعات شبابية لها ارتباط وثيق بالإسلام التقليدي أو الصوفية، ويضم المنتدى بشكل أساسي العديد من الجماعات التي اختارت ألا تنضم للمجلس الإسلامي في بريطانيا، وكانت قد اختارت أن تنضم للبرلمان الإسلامي.
وهناك أيضا العديد من المجموعات الإسلامية التي اختارت أن تبقى مستقلة عن أية منظمة تمثيلية أخرى.
لقد تزامن تأسيس المجلس الإسلامي البريطاني مع عودة حزب العمال للحكم عام 1997. وكان أعضاء المجلس قد بنوا علاقات جيدة مع الحزب قبل انتخابات 1997، وقد أدى هذا التواصل المستمر إلى موافقة حزب العمال على العديد من المطالب المؤجلة ومن ضمنها تأمين تمويل حكومي للمدارس التي تديرها المؤسسات الخيرية الإسلامية، وقانون يحمى المسلمين من التمييز في العمل، وآخر يجعل من تحريض الناس على كراهية أشخاص على أساس دينهم جنحة جنائية. وقد جاء هذا المطلب كنتيجة مباشرة للحملة التي قام بها المسلمون لسحب كتاب "آيات شيطانية".
وبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، وعلى الصعيد السياسي- منح حزب العمال المسلمين صوتا في البرلمان ودرجة من التغلغل في البرلمان والحكومة، لم تحدث منذ مفاوضات استقلال الهند وباكستان عام 1940. فبعد أن كان المسلمون غائبين كليا عن البرلمان نجد حاليا 4 أعضاء مسلمين يمثلون حزب العمال في المقاطعات الشمالية والوسطى والجنوبية، وستة مسلمين في مجلس اللوردات (أربعة منهم من حزب العمال واثنان من حزب الديمقراطيين الأحرار).
كما نجد أن سعيدة وارسي مساعدة رئيس حزب المحافظين، وفياز موغال نائب رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار هما أيضا من المسلمين.
وغالبا ما يشارك رئيس الوزراء وأعضاء المجلس في المناسبات الإسلامية المهمة، ويلقون كلمات فيها. وقد انضم المزيد من المسلمين الشباب للدوائر الحكومية.
وبالرغم من هذا التطور فإن عدد البرلمانيين المسلمين لا يعكس حتى الآن نسبة المسلمين بين تعداد السكان في بريطانيا. فحسب التقديرات يجب أن يكون هناك 20 عضوا مسلما في مجلس العموم هذا، وقد انتخب جميع الأحزاب ومنها حزب المحافظين مسلمين كمرشحين لعضوية البرلمان منذ عام 1992 وهناك الآن عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي من المسلمين.
 

الفجوة بين الأجيال

ليست مهمة الجمع بين متطلبات الدين والثقافة والعائلة والوطن بالأمر السهل، وهناك بعض المؤشرات التي توحي بأن هذه المهمة صعبة جدا على المسلمين البريطانيين الشباب.
إن نسبة السجناء المسلمين على سبيل المثال كبيرة بالمقارنة مع إجمالي السكان، وهي ما تزال في تزايد، فقد تضاعف عددهم من عامي 1993 إلى 2000. وفي عام 2002 كان هناك 5379 مسلما في السجون البريطانية بالمقارنة مع 430 من السيخ و256 من الهندوس. ومن بين الجرائم التي يسجنون بسببها: السرقة وتعاطى المخدرات والتزوير. وكوسيلة لمواجهة هذه المشكلة تعمل السجون على تعيين رجل دين مسلم للتعامل مع السجناء المسلمين.
وتعد الخلافات في الرأي مع الجيل القديم، وبشكل خاص مع الأبوين، من المشكلات المهمة التي تواجه الشباب المسلمين في بريطانيا. وموضوع اختيار شريك الحياة هو الأكثر جدلا وحساسية. فالزواج في المجتمعات المسلمة هو بشكله التقليدي قرار يتخذ بموافقة الأهل وليس قرارا يتخذه اثنان هما صاحبا العلاقة، على حين يختلف الأمر تماما بالنسبة لغالبية البريطانيين ومن تبعات هذه العادات اضطرار بعض الشباب من عائلات مسلمة في بريطانيا، ممن يفضلون عدم إشراك الوالدين في اختيار شريك حياتهم، إلى الخوض في نقاشات لا تنتهي لإقناع الأبوين بأهمية إعطاء الأولاد الثقة للقيام بالاختيار الصحيح.
ويستشهد بعض الشباب بتعاليم القرآن حول الزواج والتي تعطي الفرد الحق باختيار شريك الحياة، كمحاولة لإثبات وجهة نظرهم. وقد أدت نزعة الاستقلالية هذه إلى إحداث العديد من وكالات التعارف الموجهة بشكل خاص للمسلمين.
ويزيد حاجز اللغة الجدل حول قضايا الزواج بين الآباء والأبناء تعقيدا. فقد نشأ أغلب المسلمين الشباب في بريطانيا منغمسين في اللغة الإنجليزية والثقافة البريطانية. ومن المألوف لدى العائلات البريطانية الباكستانية أن يتكلم الأبوان بالأوردي أو البنجابي، ويجيب الأولاد بالإنجليزية. وقد أدت الحاجة إلى إيجاد وسائل للتقريب بين وجهات نظر الآباء والأبناء إلى ظهور جمعيات إسلامية تطوعية، أهمها (هاتف مساعدة الشباب المسلمين) ومركزه مدينة لندن.
ويؤمن خط المساعدة هذا خدمات للمسلمين الشباب من مختلف أنحاء المملكة المتحدة. ومن أكثر الدوافع وراء اتصال 5000 مسلم شاب بهذا الخط خلال الفترة الواقعة بين يوليو 2004 ويوليو 2005: انهيار العلاقات الأسرية، وقضايا الصحة النفسية، وبشكل خاص الاكتئاب الذي حظي بثلث عدد الاتصالات، ويحول المتصلون إلى مرشدين نفسيين أخصائيين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 25 سنة ويتكلمون الإنجليزية بطلاقة، وهم يسعون جاهدين لأن يوفقوا بين اهتمامات الأبناء والآباء في حال حدوث اختلاف في وجهات النظر. ولكن المصالحة تكون مستحيلة في بعض الأحيان، ولا سيما في الحالات القليلة التي تجبر فيها الشابات المسلمات على الزواج، ويرسلن في بعض الأحيان إلى خارج البلاد لهذا الغرض، وقد دفع الزواج بالإكراه من خارج المملكة المتحدة بالحكومة لإنشاء وحدة خاصة بهذا الشأن مفوضة من قبل وزارتي الخارجية والداخلية. وتعالج هذه الوحدة 250 حالة سنويا معظمها من البنجلاديشيين والباكستانيين.
وقد بدأت الحكومة- وحسب إرشادات جمعيات إسلامية تطوعية- بدعم مبادرات إضافية لبناء الثقة لدى المسلمين الشباب، وكثفت هذه المبادرات بعد تفجيرات لندن في 7 يوليو 2005. وأصبح جليا على نطاق واسع أن المسلمين الشباب يحتاجون إلى قياديين ملهمين من أقرانهم ليتخذوا منهم مثالا يحتذى؛ الأمر الذي حفز بعض المؤسسات الحكومية على دعم جوائز Muslim News Awards for Excellence التي تمولها صحيفة أخبار المسلمين  Muslin News وهي الآن في عامها السادس وتمنح جوائز التميز هذه في أربعة عشر مجالا مختلفا من الفن والثقافة إلى العلوم والرياضة.
وقد دعمت الحكومة حديثا عرضا جوالا لفقهاء مسلمين يجولون بريطانيا ويحاضرون في أصول الإسلام بين جمهور من المسلمين الشباب، وينظم هذه العروض الجوالة ثلاث جمعيات إسلامية وهي: اتحاد الطلبة المسلمين Fosis ومجلة Q new  ومنظمة الشباب المسلم  YMO.

الاقتصاد الإسلامي

وليس النظام المصرفي التجاري الإسلامي بالجديد على بريطانيا. فمنذ عقد من الزمان كان لبنك البركة، وهو جزء من مجموعة دلة البركة، حضور في المملكة المتحدة. وقد حاز البنك على شعبية بين المسلمين والمنظمات الإسلامية البريطانية ولكنه اضطر للإغلاق لعدم مقدرته على التوافق مع التغيرات التي طرأت على متطلبات الترخيص للبنوك البريطانية عقب انهيار المجموعة المصرفية الدولية للتجارة والائتمان  BCCI.
ولكن النظام المصرفي الإسلامي ما لبث أن عاد، وكانت عودته القريبة نتيجة لانتخاب حكومة حزب العمال في عام 1997، الحدث الذي لعب دورا مهما في العديد من التطورات التي حدثت في التاريخ الحديث للإسلام في بريطانيا.
فعقب فوز حزب العمال في الانتخابات كلف هوارد ديفيز، نائب حاكم بنك انجلترا، برئاسة هيئة الخدمات المالية الجديد FSA التي خلفت بنك إنجلترا كوكالة مسئولة عن النظام المصرفى. وقد أراد ديفيز أن يعرف ما إذا كان تطبيق النظام المصرفي التجاري الإسلامي ممكنا في بريطانيا أم لا؟ ففي عام 2003 ألقى ديفيز كلمة مشهورة في مؤتمر لمصرفيين من الشرق الأوسط داعيا إياهم لافتتاح مصرف إسلامي جديد في بريطانيا. وكان بين الحضور مجموعة من المصرفيين الذين أخذوا كلام ديفيز على محمل الجد، وافتتحوا أول فرع للبنك الإسلامي البريطاني في برمنجهام بعد سنة من هذا المؤتمر. وقد تم حتى الآن افتتاح خمسة فروع للبنك، وهناك مخططات لمزيد من التوسع في السنوات القادمة.
وقد شكلت الحكومة في الوقت نفسه فريق عمل مؤلفا من زعماء المنظمات الإسلامية البريطانية والمصرفيين وأعضاء هيئة الخدمات المالية FSA لكيفية تطبيق الأنظمة المالية على الخدمات المالية الإسلامية الجديدة، ومنها الرهن العقاري وحسابات التوفير والحسابات الجارية وعائدات حسابات التوفير من المحلات التجارية المعروفة.
 1.75 مليارا في يومين!!
تلعب المنظمات الإسلامية البريطانية دورا من خلال قوتها المالية والاجتماعية، فعقب كارثة تسونامي عام 2004 والزلزال الذي ضرب كشمير عام 2005 انضمت أول مؤسسة خيرية إسلامية إلى المؤسسات الخيرية البريطانية الكبرى. ففي غضون يومين قدمت جمعية Islamic Relief الخيرية الإسلامية في برمنجهام وجمعيتان خيريتان إسلاميتان كبريان وهما  Muslim AidوMuslim Hands
مساعدات قدرت بـ1.75 مليار جنيه إسترليني.
وتعد جمعية Islamic Relief الأكبر بين هذه الجمعيات الثلاث وأكثرها ارتباطا بغيرها من المؤسسات الخيرية البريطانية. فلهذه الجمعية التي أنشئت منذ أكثر من عقدين من الزمن- باع طويل في تقديم المعونات الإنسانية عقب المجاعات والفيضانات والحروب التي حدثت في بنجلاديش والبوسنة وكشمير والسودان وأماكن أخرى من العالم. ولا يختلف سير عمل هذه الجمعية عن أية جمعية بريطانية أخرى، إذ تحصل على تمويلها من مصادر مختلفة، كالتبرعات الفردية، والأعمال التجارية والهيئات الحكومية والمنظمات الدولية المتعددة المهام كتلك التابعة للأمم المتحدة أو لبنك العالم World Bank وجمعية
Islamic Relief شبكة عالمية من المكاتب الميدانية وللمسئولين في معظم هذه المكاتب، ومنها تلك الموجودة في بريطانيا- صلات وثيقة مع وزراء مرموقين وموظفين حكوميين بارزين؛ مما يمكنهما من التأثير في السياسات التي تنعكس على الجمعية والدول التي تعمل فيها. كما بدت جمعية  Islamic Relief بالتأثير في برنامج عمل وسياسة المؤسسات الخيرية الدولية، فهي ترسل وفودا لحضور الأمم المتحدة، على سبيل المثال ورغم أن هذا ليس بالجديد على المنظمات الخيرية العالمية إلا أن ما يميز Muslim Aid.Muslim Hands.Islamic Relief  هو أن اتباعهم نهج الشركات غير الحكومية الدولية يُمَكِّنهم من فتح آفاق جديدة للأعمال الخيرية الإسلامية.
 وسائل الإعلام 
كانت بريطانيا منذ زمن مبكر وجهة من يرغب بتأسيس هيئة إعلامية ناطقة باللغة الإنجليزية وذلك لسببين: أولهما اللغة الإنجليزية وقد باتت لغة عالمية، والثاني هو الموقف البريطاني غير المتشدد فيما يتعلق بالرقابة وتسجيل الشركات الإعلامية، إذ تختار الأقليات والمنظمات غير الغربية والفئات الدينية غير المسيحية، والتي تسعى لإيصال رسالتها إلى جمهور عريض في مدينة لندن مركز عملياتها.
 وترجع أقدم الدوريات الإسلامية باللغة الإنجليزية إلى بداية القرن العشرين، على حين تزامن ظهور المؤسسات الإعلامية الإسلامية الواسعة النطاق في بريطانيا مع بداية هجرة المسلمين من جنوب اسيا في نهاية الخمسينيات.
ومن الأهداف الرئيسية لهذه المؤسسات الإعلامية تزويد الناطقين باللغة الإنجليزية بقراءة إسلامية موثقة لأحداث العالم، ولا سيما التطورات التي تحدث في الدول الإسلامية؛ وذلك لأن العديد من المسلمين يعتقدون أن الإعلام الناطق بالإنجليزية لا ينقل أحداث العالم بطريقة تتعاطف مع هموم المسلمين.
وكان للعديد من المنشورات المطبوعة صلات قوية مع باكستان بحيث كان معظم صحفييها من الباكستانيين، وكانت تمول من قبل باكستان، كما كانت متعاطفة مع الأيديولوجيات الإسلامية الحديثة التي بدأت تظهر في باكستان الدولة الإسلامية الجديدة والواثقة من نفسها.
نظرة إسلامية للعالم
 Muslim News Internationalكانت أول هذه الإصدارات وأسسها في مدينة لندن عام 1963 إبراهيم أحمد بواني، وهو فاعل خير يعيش في كراتشي، وصاغ بواني دوريته على نمط صحف الأخبار الأسبوعية الأمريكية، في حجمها وشكلها وتميمها وتصويرها وطباعتها، ولكنها كانت للقارئ نافذة إسلامية باكستانية مميزة يطل منها على أحداث العالم.
وفي عام 1980 تم تأسيس The Agency Afghan Press وهي وكالة أنباء إسلامية هدفها التأثير على التغطية الإعلامية الغربية للاجتياح السوفيتي لأفغانستان. وأرسلت الوكالة في حينها مراسلين باكستانيين عبر الحدود ليقدموا تقارير من داخل أفغانستان، وذلك بموافقة إدارة الولايات المتحدة. وكانت لها صلات وثيقة مع حزب المودودي السياسي (الجماعة الإسلامية) والأعضاء السبعة لتحالف المجاهدين الذين كانوا يحاربون لتحرير البلاد.
 منح الإنترنت المسلمين ما حرموا منه منذ الأزل وهو القدرة على وضع برنامجهم الإعلامي، والتأثير على الجمهور، دون الحاجة إلى الدخول عبر مسارات الإعلام الأخرى.
وموقع www.ilamonline.net هو أحد أكثر المواقع شعبية لدى الناطقين باللغة الإنجليزية، ويحرره صحفيون متعاطفون مع الجناح العصري لحزب الإخوان المسلمين المصري. ويحتوي الموقع الذي ينطلق من القاهرة ولكن بالارتباط مع شبكة من المراسلين العالميين- على مزيج من الأخبار العالمية اليومية والأفلام والأحاديث والصوتيات، مع فرص لطرح أسئلة حول تعاليم الإسلام على الهواء مباشرة مع مجموعة من فقهاء الدين من دول مختلفة.
أما بالنسبة لأولئك الذين يميلون إلى ما يسمى بالإسلام التقليدي أو (الإسلام الصوفي) فأحد أكثر المواقع شعبية والمنتشرة خارج بريطانيا موقع
www.masud.co.uk ويضم نبذة عن مقالات العديد من العلماء المسلمين ومنهم حمزة يوسف وهو أحد علماء الإسلام التقليدي الأمريكيين، وله نفوذ كبير وشعبية بين مسلمي المملكة المتحدة، وكذلك تيم ونتر المعروف أيضا بعبد الحكيم مراد وهو استاذ في الدراسات الإسلامية في جامعة كامبريدج ويعد موقع
www.muslimyouth.net أيضا من المواقع ذات الشعبية التي تتضمن نقاشات مفتوحة بين المسلمين الأصغر سنا. 

شارك